مواجهة الظّلم مهمّة إنسانيَّة مشتركة

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط}.

عندما أرسل الله الأنبياء والرّسل، حمَّلهم هدفاً واحداً، هو إقامة العدل، فهو سبحانه وتعالى يريد للعدل أن يكون طابع الحياة، ولا يريد للظّلم أن يكون له موطئ قدم فيها. وقد ورد في الحديث القدسي: "يا عبادي، إنّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تَظَالموا".

 

الظّلم مرفوض

والله تعالى لم يميّز بين ظلم وظلم، فالظلم مرفوض من أيٍّ كان، ولأيٍّ كان، حتى لو كان المظلوم كافراً به.

وقد ورد في ذلك: "إنَّ الله أرسل نبيّاً إلى جبَّار من الجبّارين، أن ائتِ هذا الجبّار وقل له إنّي إنّما استعملتك لتكفَّ عنّي أصوات المظلومين، فإنّي لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً".

وقد توعّد الله سبحانه وتعالى كلّ من يمسّ بقدسيّة العدل ويمارس الظّلم، بأنّه لن يكون بمنأى من عذابه وسخطه: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.

حتى إنَّه يوم الحساب، يكون الظّالم على استعدادٍ لأن يفتدي نفسه بالأرض وما عليها مقابل الخلاص: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ}.

فالظلم هو تجرّؤ على الله وتحدّ له، وقد ورد في الحديث: "من ظلم عباد الله، كان الله خصمه دون عباده"، والله سيعاقبه على كلّ ظُلْم ظَلَم به أحداً. فكلّ مخلوقٍ، حتى أصغر الحيوانات، تكفَّل الله بأخذ حقّه يوم العدل الأكبر، فعند الله، لا تضيع حقوق الناس أبداً، ولا تموت بتقادم الزَّمن أو بالموت.

 

وعندما نتحدَّث عن توعّد الله الظَّالم بالعذاب الأخرويّ، فلا يعني أنَّ حسابه متروك في الدّنيا، يعبث فيها كما يشاء، فالله تعالى دائماً بالمرصاد لمراقبة أيِّ خللٍ في مسار تحقيق العدل، وعينه على المظلومين، ويترصَّد الظّالمين، إلى درجة أنّه قد يجتثّهم عندما يكبر ظلمهم وطغيانهم. والقرآن الكريم أخبرنا أنّ الله سبحانه وتعالى قد أنزل العقاب والعذاب مباشرةً على أقوامٍ سابقين، مثل عاد وثمود، وعلى رموزٍ للظّلم التاريخي، وذلك من أجل إعادة التّوازن إلى الحياة، واستئصال الخلل من جذوره في بعض مراحل البشرية المختلفة، ففلق البحر لموسى لصدّ فرعون وجنوده، وكبح ظلم النّمرود، بأن جعل النَّار برداً وسلاماً على إبراهيم، وأنام أصحاب الكهف لـمئات السنين لحمايتهم من ظلم ملكهم، وأنزل جنوداً لم تر في معركة بدر لكسر طغيان قريش وعنفوانها.

 

لماذا لا يهلك الظّالمون اليوم؟!

أيّها الإخوة والأخوات: هي سُنَن الله في خلقه، لا تتبدّل ولا تتغيّر ولا تتحوّل: هلاك الظّالمين حتميّ ولو بعد حين، قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ}، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وقال في آية أخرى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}، {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

والسؤال الذي يطرح نفسه، وهو سؤال مشروع: لم لا نرى في عصرنا الحاليّ تجسيداً لهذه السُّنة الإلهيَّة كما حصل في الأحقاب الماضية، من إنزالٍ للعقاب والعذاب مباشرةً، مع شدّة أنواع الظّلم والطّغيان؟

والجواب عن ذلك أيضاً قرآنيّ، يُصوِّر سُنّةً أخرى من سنن الله في الخلق، كما في قوله تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

 

فالله سبحانه وتعالى وعد بإهلاك الظالمين ونصرة المظلومين، ولكنَّه قرن ذلك باستنفاد الخلق لجهودهم لإسقاط الظّلم والظالمين، بحيث يعدّون العدَّة ما استطاعوا إليها سبيلاً، ويتحمّلون مسؤوليّاتهم؛ يضحّون ويصبرون ويخطّطون ويصدقون ويبذلون الغالي والنفيس والأرواح في وجه الظلم، ولا يهادنون ظالماً أو يجارونه في ظلمه، عندها يتحقَّق وعد الله بأن يؤيّدهم ويعزّهم ويقوّي شكيمتهم، وينصرهم ويثأر لهم من ظالميهم، فالتَّسديد والتّأييد يبقى رهين جهاد العاملين للعدل والدّاعين له، وقد يصل الأمر، عندما يرتقي المخلصون بصفاء سريرتهم، وعشقهم لبارئهم وصدق نيّاتهم، إلى أن يخصّهم الله بكرامات وأنفحة نورانيّة، وبركات من رحمته، وألطاف هي دوماً حاضرة في الكرم الإلهيّ، ماداموا يسيرون في خطّ تحقيق العدل، ومجابهة الظلم بكلِّ طاقاتهم: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا}.

 

ولذلك، فالسنّة الإلهيّة في رفع الظلم وطغيانه، تتطلّب الأخذ بالأسباب، وفي كلّ الأحوال، فإنّ الله يمهل ولا يهمل، كما في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً}. والمواعيد والمواقيت وحسابات الخالق ربّ العالمين، لا شغل لنا بها، نحن علينا أن نثق بالله، ونقوم بما علينا بكلّ طاقاتنا.

 

إذاً، فالله يمهل ولا يهمل.

ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "إنّ الله تعالى يمهل الظّالم حتى يقول أهملني، ثم إذا أخذه أخذة رابية".

وورد في الحديث عن عليّ (ع): "ولئن أمهل الله الظّالم، فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد".

 

 

نصرة المظلومين واجب

أيّها الأحبَّة: إننا في مرحلة استشرى الظّلم والاستكبار وتعاظم، بعد أن امتلك الظالمون القدرات والإمكانات، ما بات يستدعي تضافر جهود الواعين والعاملين والعلماء والمجاهدين لمواجهته، وهذا لا يتمّ إلا بوحدة هذه القوى وتعاونها، بأن يقوّي بعضها بعضاً، ويسند بعضها بعضاً، وهي قادرة بوحدتها أن تصنع الكثير.

من هنا، دعوة الله سبحانه للمؤمنين به أن يقفوا في وجه الظّلم والطغيان، جبهة واحدة كالبنيان المرصوص، بأن لا يؤيّدوا ظالماً ولا جبّاراً ولا فاسداً لأيّ سببٍ من أسباب التّأييد، وأن لا يركنوا إلى ظالمٍ تحت أيّ اعتبار.

والأخطر من كلّ هذا، ومما هو مستشر في واقعنا، أن نكون في "لا جبهة"؛ لا مع الظالمين، ولا مع المظلومين.

فالوقوف على الحياد في قضيّة حقّ بين الظالم والمظلوم، تعني أمراً واحداً: هو مساندة الظالم وتقويته، وقالها عليّ (ع): "حين سكت أهل الحقّ عن الباطل، توهّم أهل الباطل أنهم على حقّ"، وقد قال عن المحايدين إنهم أناسٌ "خذلوا الحقّ، ولم ينصروا الباطل".

وهناك قول لمارتن لوثر كنغ: "إنّ أسوأ مكانٍ في الجحيم مخصَّصٌ لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقيّة الكبرى".

 

مواجهة الظّلم مسار

أيّها الأحبّة: لقد أثبتت وقائع الحاضر والتاريخ القريب والبعيد، أنّ الظّلم يدوم فقط عندما يُسكَت عنه أو يقبَل به. نعم، الانتصارات قد لا تكون سريعة، لأنَّ الظالم عندما يتجذَّر وجوده وتترسّخ قدراته، يحتاج إلى زمن لإسقاطه.

إنّ مجاهدة الظلم هو مسار، ولا يأتي بكبسة زرّ، فرسول الله (ص) دعا وعانى وهاجر وجاهد على مدى ثلاث وعشرين سنة، حتى تحقَّق له النصر على طغيان قريش وجبروتها، وراح النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً.

 

ولا تنسوا أنّ مجاهدة الظلم مسار يبدأ على مستوى الفرد أوّلاً، قالها الرسول (ص): جهاد النفس أوّلاً، وهو الجهاد الأكبر؛ أن تتدرَّب في داخلك، أن تتحسّس الظلم الذي يقع عليك أو منك، أن لا تقبل بذرّة ظلم قد تصيب بها أحداً من حولك، أن تلتقط من خلال رادار التقوى أيّ كلمة أو موقف أو سكوت فيه مداهنة لظلم أو افتراء أو تسلّط أو ابتزاز أو تنمّر أو تشجيع ودعم لظلم، أن لا تصبح مشاهدُ الظلمِ ومواقفه عادية على المستوى الخاصّ أو على الملأ، كما يحصل من تناقل أخبارٍ لأناس نعرفهم أو لا نعرفهم، فلا نتبيّن فنصيبهم بظلمٍ وجهالة.

 

نحن في هذه الأيّام نشارك من حيث لا ندري في بثِّ الإشاعات، وتشجيع الظالم والمفتري والمدبِّر لحملات تشويه ممنهجة ومبطَّنة لشخص أو مؤسَّسة أو فكر أو نهج أو جماعة أو دولة…

فإذا لم يعِ الإنسان المؤمن مسؤوليَّته، وانزلق في هذه المظالم، فإنَّ عليه أن يحضّر نفسه يوم الحساب لموقف صعب وجهاً لوجه مع من ظلم، والوقفة هناك طويلة طويلة.

 

 

أصعب مواقف يوم الحساب

سئل رسول الله (ص) عن أصعب المواقف فقال: "الوقوف بين يدي الله عزَّ وجلَّ، إذا تعلّق المظلومون بالظالمين".

إنّ استشعار الظلم، أيّها الأحبّة، لا يتجزأ أبداً، بدءا ًمن القضايا الصغيرة والشخصيّة، حتى ولو كان مقدارها مثقال ذرّة، إلى القضايا الكبرى والمصيرية، كلّه منطلقه واحد؛ تحقيق العدل، ورفع الظلم عن أيٍّ من خلق الله، ولو كانت نملة يسلبها جلب شعيرة، كما شعار أمير المؤمنين (ع): "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة، بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت".

 

لهذا، سيظلّ لساننا يلهج بأدعية نذكّر بها أنفسنا ونردعها بها: "أعوذ بك من مظلوم ظلم بحضرتي ولم أنتصر له".

اللّهمَّ اجعلنا من الدّعاة إلى العدل، الرّافضين للظّلم، في وقتٍ عزَّ العادلون، وكثر الظّالمون…

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) شيعته، وهو الإمام الذي نستعيد اليوم ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من هذا الشّهر؛ شهر شوال، وهو من تعرفونه في حلمه وعلمه وعبادته وانفتاحه وحواريته وإنسانيته، حيث يوصي (ع) بصدق الحديث، وأداء الأمانة، والورع، والاجتهاد، والخروج عن معاصي الله…

ويتابع في وصيَّته: "واعلموا أنّه ليس منّا من لم يملك نفسه عند الغضب، وليس منّا من لم يحسن صحبة من صحبه، ومرافقة من رافقه، ومخالطة من خالطه، ومجاورة من جاوره، ومجاملة من جامله، وممالحة من مالحه، فاتّقوا ما استطعتم، ولا قوّة إلا بالله".

 

بهذه الوصايا، توجّه الإمام الصَّادق (ع) إلى شيعته، وأراد لهم أن يكونوا علامة فارقة في أيّ مجتمع يعيشون فيه، بالتّقوى، وصدق الحديث، والورع، والاجتهاد، وكظم الغيظ، وحسن الجوار، والصّحبة، ومعاشرة الناس، فالانتماء إلى التشيّع عنده ليس امتيازاً بقدر ما هو مسؤوليّة. ولذلك، كان يقول لكلِّ واحد من شيعته: "إنّ الحسن من كلّ أحد حسن، وإنّه منك أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح، وإنّه منك أقبح"، لأنهم ينتسبون إلى أهل البيت (ع).

متى وعينا ذلك وعشناه، فسنكون أقوى وأقدر على مواجهة التحدّيات، وما أكثرها!

 

صفقة بيع فلسطين!

والبداية من ورشة العمل التي عقدت في البحرين، وأطلقت فيها الإدارة الأميركية الجانب الاقتصادي من خطتها للسّلام في الشرق الأوسط، والتي باتت تسمى "صفقة القرن". وكما أشير إليها، فإنها تهدف إلى جذب استثمارات مالية لتحسين حياة الفلسطينيين، لكن الواضح أنَّ كل هذه الإغراءات المالية لا تهدف إلى النهوض بالشعب الفلسطيني أو الدول التي تستضيف عدداً كبيراً من الفلسطينيّين على أرضها، بقدر ما تهدف إلى الاعتراف بالكيان الصّهيونيّ، والتّطبيع معه، وإدخاله في نسيج المنطقة، وضمان تنازل الفلسطينيّين عن أراضيهم المسلوبة وحقّ العودة وتقرير المصير وبناء دولتهم، ولو على جزء من فلسطين، وتوطين الفلسطينيّين الموجودين في الشّتات.

هي صفقة تقوم على اختزال كلّ هذا الصّراع التاريخيّ على الحقوق بحلّ يقوم على إغراءات مالية للتنازل عنها، وهي حقوق لا تقدَّر بثمن، وماذا يبقى للشعب الفلسطيني إذا تنازل عن الحقّ في الأرض، والحقّ في الحرية، والحقّ في الكرامة والاستقلال؟!

 

إنَّنا أمام ما حصل، نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات التي أعلنت رفضها ما جرى ويجري، وعبَّرت عن ذلك بالكلمات والمواقف، أو بالمسيرات والتظاهرات التي انطلقت في أكثر من بلد عربي، حتى من البلدان التي شاركت في هذا المؤتمر.

ويبقى الأساس في هذه المواقف، الموقف الفلسطينيّ الموحّد، حيث شهدنا وحدة بين كلّ تنوّعات الشّعب الفلسطيني لم نشهدها من قبل، عندما عبّر الفلسطينيّون في الضفة وقطاع غزّة ومن داخل فلسطين عن رفضهم لهذا المسار، وأكّدوا أنهم لا يمكن أن يبيعوا قضيّتهم بمال الدّنيا، رغم الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة التي يعانونها، والحصار الاقتصادّي الذي يتعرَّضون له، والضّغوط الأمنية المتصاعدة.

 

المواجهة بالتَّخطيط والتَّعاون

إننا في الوقت الذي نشعر بالاعتزاز بالموقف الفلسطينيّ الموحَّد، وندعو إلى الثبات عليه، نرى أنَّ ما حصل يدعو إلى المزيد من التنسيق والتعاون بين الفصائل الفلسطينيّة، وتوحيد جهودها لمواجهة التحدّيات التي تنتظرها بعد هذه المواقف، فمن الطبيعي أن يزداد عليها الحصار وسياسة التجويع والضغط الأمني لترضخ تحت وطأة حاجاتها. ولا بدَّ في هذا المجال من أن ندعو الشعوب العربيّة إلى تعزيز حضورها مع الشعب الفلسطيني، لإسناده وتعزيزه لمواجهة هذا المخطط الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

 

ولا بدَّ هنا من أن ننوِّه بالموقف اللّبناني المتمثّل بعدم مشاركته في هذه الورشة، وبالموقف الرسمي الموحَّد الذي عبَّر عنه خير تعبير رئيس المجلس النيابي، عندما رفض أن يشارك لبنان ببيع فلسطين وقضيتها وشعبها بثلاثين من الفضّة، وهو الموقف الذي شكَّل رافعة قوة للفلسطينيّين.

إنَّنا ندعو إلى التّأسيس على هذا الموقف، والعمل وفق خطّة يتعاون فيها الجميع، من لبنانيّين وفلسطينيّين، لحفظ وحدة هذا الموقف، لا ليكون ردّاً على المشاريع التي يراد من خلالها إسقاط القضيّة الفلسطينيّة فحسب، بل للردّ أيضاً على كلّ صفقات التّوطين وإضعاف الدول العربيَّة المتاخمة لفلسطين المحتلة، وعلى رأسها لبنان.

 

منطق المحاصصة مجدَّداً!

ونعود إلى الداخل اللبناني، حيث يستمرّ المجلس النيابي بأخذ دوره في مناقشة مفردات الموازنة، للتقليل من الفساد والهدر فيها، ونرى في ذلك إيجابيّة نأمل البناء عليها لإخراج البلد مما يعانيه، ولحفظ مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسّطة.

في هذا الوقت، يعود إلى الواجهة المنطق الذي حذّرنا منه، وهو المحاصصة على التعيينات بين القوى السياسية، التي تجلّت في أعلى مؤسّسة رقابيّة؛ المجلس الدستوري، ونخشى أن نجد لها تجلّيات في المواقع الأخرى، في الوقت الذي ندعو إلى العودة إلى الكفاءة وإلى منطق المؤسّسات، وأن تكون المواقع بعيدة من التّسييس والارتهان.

 

وفي مجالٍ آخر، نعيد التّأكيد على القوى السياسيَّة أن ترأف بهذا البلد وبإنسانه، وأن تخرج من السّجالات التي سرعان ما تأخذ بعداً طائفياً ومذهبياً، والتي يبدو أنها لن تنتهي، فما إن نخرج من سجالاتٍ حتى تبدأ أخرى.

إنّنا ندعوهم إلى أن يرتقوا إلى مستوى التحدّيات التي تواجه لبنان، لأنَّ من المعيب أن لا نفكّر في تحصين لبنان وتعزيز مناعته وصون وحدته في ظروف بالغة الحساسية والخطورة والتعقيد.

 

ذكرى رحيل السيّد!

وفي الختام، فإننا، وفي الرابع من تموز، سنلتقي بمناسبة عزيزة علينا، هي الذكرى التاسعة لرحيل السيّد (رض)، الذي عاش معنا؛ عاش آمالنا وأحلامنا وتطلّعاتنا وقضايانا، كان بالنّسبة إلينا أباً عطوفاً وموجّهاً ومربّياً، كان صوتاً في مواجهة الظلم والطغيان والفساد والاحتلال، وسدّاً منيعاً في مواجهة الانحراف والعصبيّات والغلوّ والجمود والتخلّف، رفع لواء المحبة، وكانت يده ممدودة للجميع، لم يعرف في قلبه حقداً ولا ضغينة على أحد، غادر بعدما ترك لنا إرثاً في الفكر والرّوح والفقه والأدب، وفي مؤسّسات جلّ هدفها رفع الجهل والحرمان، والتخفيف من آلام اليتم والفقر والإعاقة.

إنَّ هذه المناسبة هي بالنّسبة إلينا تعبير وفاء لمن وفى لنا، هي عربون جميل منّا وتقدير لما أعطى. لذا ندعوكم إلى أن نتشارك معاً في مهرجان الوفاء في يوم الخميس في الرابع من تموز في قاعة الزّهراء، وفي جوار ضريحه، سائلين الله سبحانه أن يتقبّل عمله، وأن يرفع درجته عنده، وأن تتحقّق أحلامه في عزة هذه الأمّة وحريتها وكرامتها، وبقاء عنفوانها ووحدتها…

 

Leave A Reply