نظرة الإسلام في مواجهة الجريمة

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}.. صدق الله العظيم

 

إنّ حق الحياة من أقدس الحقوق والاعتداء على هذا الحق من أعظم الجرائم وأكبر الكبائر لكونه يسيء إلى واهب هذه الحياة وبارئها ولما يسببه ذلك من المس بأمن المجتمع واستقراره وإشاعة الفوضى فيه والأضرار التي تترتب عليها، والأضرار هنا لا تقتصر على إزهاق حياة إنسان وإفقاد المجتمع طاقة من طاقاته بل على من يرتبطون به ويتأثرون بفقده عاطفياً أو عملياً أو مالياً وحرمان الناس من القدرات والإمكانات التي كان يمتلكها..

 

وقد أشار القرآن الكريم والأحاديث بكل وضوح إلى خطورة هذا الاعتداء فقال سبحانه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}..

 

وقد ورد في الحديث: "لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دمٍ سُفِك بغير حقّ".. وفي حديث آخر: "لا يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً"..

 

ولذلك نجد هابيل عندما هدده أخوه بالقتل: {لَأَقْتُلَنَّكَ} خاطبه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.. وهو بين له أنّ هذا القتل يؤدي إلى أن يتحمل القاتل كل آثام المقتول وذنوبه {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

 

ولم يقتصر جزاء القتل على المصير في الآخرة، فقد أشار القرآن الكريم إلى جزاء الدنيا حين أعطى ولي المقتول الحق في الاقتصاص من القاتل، والهدف من إعطاء هذا الحق واضح في ردع من تسول له نفسه التجرؤ والإقدام على ذلك..

فالإسلام في نظرته إلى مواجهة الجريمة في الحياة يجمع ما بين الوعيد الأخروي والعقاب الدنيوي.. وهو يرى أن مثل هذا القصاص هو الحل لمواجهة الجريمة في المجتمع لا أية بدائل أخرى لم تكن ولن تكون حلاً.. وإلى ذلك أشار الله سبحانه بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. ففي القصاص رغم أن فيه قتلاً لإنسان هو حياة لكونه حياة للمجتمع وحياة لمن كانوا سيقتلون لولا وجود القصاص، وهو وإن لم يعوض أهل القتيل من ما فقدوه فإنه قد يبرد انفعالهم وغضبهم و الذي قد يدفعهم إلى الانتقام اللامسؤول و يبقي النفوس مشحونة.
 

ومبدأ القصاص في الإسلام هو استمرار لما ورد في الديانات السماوية السابقة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}..
 

لكن القرآن الكريم حرص وهو يشرع القصاص على أن لا يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه، وأن ينزع معه فتيل الانتقام و عقلية الثأر و التشفي..
 

وفي ذلك قوله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}.. فهو بين في هذه الآية ضوابط ومحاذير عدة لا بد من أخذها في الاعتبار..
 

الضابطة الأولى: إن الاقتصاص يرد عندما يكون القتل عمداً وعن سابق إصرار وتصميم فلا يرد عندما يصدر القتل خطأ.. أو لرد اعتداء في مقام الدفاع عن النفس أو عند مواجهة فساد.. وإلى هذا أشار الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}.. فقد جعل عقوبة ذلك الدية والكفارة التي هي صيام شهرين متتابعين ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً..
 

أما الضابطة الثانية، فهي عدم جواز الإسراف في القتل وحتى في كيفيته، فالقتل مقابله قتل والضربة لا تبادل بأكثر منها، فالقاتل وحده هو من ينبغي الاقتصاص منه لا من هو من عشيرته أو قريبه أو طائفته أو مذهبه أو حزبه أو من يرتبط به بأية رابطة، ولا يتغير هذا الحكم ويتبدل بحسب صفة المقتول أو شرفه وموقعه، وهذا تطبيقاً للآية القرآنية: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}..
 

وهو راعى كيفية تنفيذ القصاص حين قال سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}.. وهو لم يجز التعذيب والتمثيل عند تنفيذ القصاص..
 

وقد قدم الإمام علي(ع) أنموذجاً عملياً في تعامله مع ابن ملجم فهو بعد أن علم أن الضربة التي أصيب بها من سيفه المسموم سوف يودي بحياته الشريفة.. جمع بني عبد المطلب أي عشيرته، كما تذكر السيرة، وقال لهم: "يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضًا تقولون قُتِلَ أميرُ المؤمنين، لا يُقتلنَّ فيَّ إلا قاتلي، أنظروا إذا أنا مِتُّ من ضربتِه هذهِ فاضربوه ضربةً بضربةٍ، ولا يُمَثَّلْ بالرجل، فإني سمعتُ رسول الله(ص) يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور"..
 

وأما الضابطة الثالثة، فهي أن لا يترك تنفيذ حكم القصاص للفوضى أو لسوء التطبيق، ولذلك لا بد من استئذان الحاكم الشرعي في ذلك.. والحاكم الشرعي لا يمنح إذنه إلا بعد أن يتثبت من أن المجني عليه قتل مظلوماً.. وهذا مما يحتاج إلى تدقيق ودراسة لوقائع الجريمة وظروفها، فلا يكفي أن يقتل إنسان إنساناً حتى يحكم بكونه قاتلاً، فقد يكون القتل دفاعاً عن النفس ورداً لاعتداء وهو لا يصدر حكمه إلا بعد أن يدرس الظروف الموضوعية وتعقيدات الواقع وعاقبة تنفيذ العقوبة.. فقد يجد الحاكم الشرعي أن المصلحة تقتضي تأخير القصاص مثلاً إلى حين توافر الظروف الطبيعية.. وقد يرى المصلحة في تجميد تطبيقه واستبداله بالدية..
 

وتبقى ضابطة أخرى و لعلها الأبلغ، وهي إبقاء باب الرحمة والعفو مفتوحاً، هذا الباب الذي حرص الله سبحانه وتعالى أن يقرنه بأي عقوبة، طبعاً عندما تتوافر شروطه ومن شروطه أن لا يؤدي العفو إلى التمادي بالجريمة أو تمادي من قام بالقتل بها.. وهذا ما أشار إليه الإمام زين العابدين(ع) عندما قال: "وأما حق من ساءك فأن تعفو عنه، فإن رأيت أن العفو عنه يضره انتصرت".. وقد أشار الله إلى مبدأ العفو هذا، فقال: {مَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}.. فالقرآن يدعو إلى العفو وإذا حدث العفو فلا بد من أن يبادل بالإحسان من قبل القاتل أو من يعبر عنه..
 

وقد ورد في القرآن الكريم: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}..
 

هذه هي نظرة الإسلام إلى التعامل مع جريمة القتل، وهي نظرة راعت أقصى درجات العدالة وحفظت حق أهل القتيل وأكدت مع كل ذلك أن التسامح والعفو هو خير و أبقى وأزكى للمؤمنين وأن من عفا وأصلح فأجره على الله.. وقد واجه الإسلام بهذه النظرة المتكاملة مفهوم الاستهانة بالقتل والاستهتار بأرواح الناس والمنطق الجاهلي الذي يدعو إلى الأخذ بالثأر العشوائي البعيد عن معايير العدالة والرحمة و الاعتبار لحرمة الإنسان و المجتمع..
 

ولكن مع الأسف فإن هذا المنطق الجاهلي لا يزال موجوداً والواقع الذي نعيش شاهد على ذلك، ونحن نلمس تداعياته السلبية على استقرار المجتمعات الموجود فيها و انتشار ظاهرة العنف و القتل و القتل المضاد.
 

إن اقتلاع جذور هذه الظاهرة هو مسؤولية الدولة التي عليها أن تقوم بدورها في بسط الأمن وفرض هيبتها أن تسارع بالقبض على القتلة والمجرمين وسفاكي الدماء حتى لا يشعر أحد سواء أكان شخصاً أو عائلة أو عشيرة بأن عليه أن يأخذ حقه بيده كما يحصل في واقعنا، بل يرى في الدولة حماية لرد كيد المجرمين أياً كانت مواقعهم وإمكاناتهم والتغطية التي تؤمن لهم، وهو يحتاج أيضاً إلى تضافر جهود العلماء وأصحاب الرأي والفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهات المؤثرة لإشاعة ثقافة احترام الدم ومنع استسهال سفكه، والتربية على الالتزام بالقانون بحيث يكون القانون للجميع ولا يفرق في تطبيقه بين شريف ووضيع ومسؤول وعنصر للوقوف في وجه هذه الظاهرة التي أدت وتؤدي إلى تجزئة المجتمع فرقاً متناحرة، وإلى الحؤول دون نهوض المجتمع وتطوره وبالتالي إلى تخلفه..
 

وفي الوقت نفسه، لا بد من تعزيز مبادرات الإصلاح ليصار إلى حل الإشكالات التي قد تسبب الجرائم كي لا تتفاقم هذه المشاكل كما يحصل في واقعنا وعندما لا تعالج من بداياتها..
 

إن ما جرى و يجري في واقعنا ولا سيما في البقاع يستدعي استنفاراً لكل الجهود، ولا ينبغي السكوت عليه أو الجلوس على التل، أن يشعر كل قادر على بذل جهد أو كلمة طيبة أو إصلاح بمسؤولية لأن الساكت عن واجب الإصلاح والحل وهو قادر عليه قد يكون شريكاً في كل هذه الدماء البريئة..
 

ولنا درسٌ في الحديث: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"..
 

نسأل الله أن يوفقنا جميعاً حتى نكون ممن يحقنون الدماء، ويطفئون نار الأحقاد والعداوات التي تعتمل في الصدور وفي الواقع.. ويصلحون فإن إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام..

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) أصحابه: "فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ والاجْتِهَادِ، وَالتَّأَهُّبِ، وَالِاسْتِعْدَادِ، وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ.. وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا، وَأَصَابُوا غِرَّتَهَا، وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا، وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً، وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً، لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ، وَلَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ، وَلَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُم، فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ، غَرَّارَةٌ، خَدُوعٌ، مُعْطِيَةٌ، مَنُوعٌ، مُلْبِسَةٌ، نَزُوعٌ، لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا، وَلَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا، وَلَا يَرْكُدُ بَلَاؤُهَا".

 

لقد أراد عليّ (ع) من وصيّته أن يبصّرنا بتقلّبات الدنيا وما يجري فيها، ففي كلّ يوم نودّع أصحاباً وأحباباً ممَّن كانوا ملء الدنيا وسمعها وبصرها، هي لم تدعهم على ظهرها، ولم تبقهم عليها رغم تمسّكهم بها، لفظتهم حيث لا يسمع لهم صوت ولا حسّ، وتركوا كلّ ما فيها وما عليها، يريدنا أن لا نُخدع كما خدعوا، ولا نغتر كما اغتروا، أن لا نراها ملاذاً ولا قراراً، بل محطة تزود لبلوغ دار هي الدار، ومستقر هو المستقرّ.

 

إن علينا بالجدِّ والاجتهاد، فلن ينتظرنا القطار، وسنُدعا إلى الرحيل بما حملنا من زاد.. فليكن زادنا وفيراً ليوم نحتاج فيه إلى هذا الزاد، حيث لا زاد سواه..

 

ومتى وعينا الحياة على هذه الصّورة، فسنكون أكثر وعياً ومسؤوليةً وعملاً، وبذلك نواجه التحديات.

 

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث لا يزال اللبنانيون ينتظرون ولادة حكومة تلبي طموحاتهم وأحلامهم على تواضعها، فبرغم التصريحات المتفائلة، فإنَّ عجلات التأليف لم تتحرك بعد، أو هي لم تتحرك بالسرعة المطلوبة، إما لكوابح داخلية، بفعل الشروط والشروط المضادة، أو لكوابح خارجية يجري الحديث عنها.. وإن كنا نميل إلى أنَّ كوابح الداخل تبقى الأساس في هذا التأخير، بل هي السبب فيه.

 

وأياً تكن هذه العقبات، فإنَّنا نجدّد دعوتنا للقوى السياسيَّة إلى أن تفي بوعودها للَّذين أوكلوا إليها إدارة شؤونهم وحمَّلوها المسؤوليَّة، بأن يسارع الجميع إلى تذليل عقبات الداخل، وهي قابلة للتذليل.. إن كانت هناك رغبة فعلية بتعجيل التأليف، وأن يعملوا من خلال مواقعهم لتذليل عقبات الخارج إن وجدت، للوصول بالبلد إلى حكومة نريدها أن تكون حكومة وحدة وطنية، الأمر الذي تحتاجه المرحلة، حيث تشتدّ ضغوط الداخل من خلال الحديث المتزايد عن الواقع الاقتصادي والمالي المترهّل والأزمات المستعصية التي تثقل كاهل المواطن، والضغوط المتزايدة من الخارج، أو انعكاسات ما يجري في محيطه عليه.

 

إنَّ خروج البلد من كلِّ أزماته والتّحديات التي تواجهه، لن يتحقّق إلا عندما تخرج القوى السياسية من أجنداتها، حيث لكلّ أجندته الداخلية أو الخارجية، ونحن لا نمانع أن يكون لكلٍّ أجندته، ولكن ليس على حساب إنسان هذا الوطن.. إنَّ على القوى السياسية أن تكون أمينة على آمال هذا الشعب وطموحاته، فلا تحمّله العواقب الكارثية لخلافاتها أو لصراع المصالح فيما بينها.

 

ومن جهة ثانية، فقد تكرَّرت في الأسبوع الفائت الحوادث الأمنية في البقاع، والتي هزَّت أمنه وأزهقت أرواح العديد من الآمنين فيه، وهي تضاف إلى حوادث تكرَّرت في السابق على شكل خطف وسرقة وقتل، مما لم يعد يطاق في هذه المنطقة العزيزة من لبنان.

 

ونحن أمام هذا الواقع المؤسف، لا بدّ من أن نؤكّد أن ما جرى وما يجري ليس طابع أهالي هذه المنطقة ولا صورتهم، بل هو فعل مجموعة ليسوا من سنخها، بل هم عبء عليها وعلى استقرارها، وقد يكونون أداة لمن لا يريدون لهذه المنطقة الاستقرار.

 

ومن هنا، فإننا ندعو، مع أهالي هذه المنطقة، إلى إيجاد حلٍّ جذريٍّ ينهي هذا الواقع الشاذ، بأن تفرض الدولة هيبتها وتتحرك بكل فعالية، حيث لا بديل عنها.. وهذا لا يعني أن تترك القوى الأمنية وحدها في الميدان، بل لا بد من أن تساند وتؤازر بتعاون جديّ من القوى السياسية والحزبية والفعاليات الاجتماعية والعشائرية، منعاً لأي تداعيات قد تخشى الدَّولة منها.

 

إنَّ من حقِّ البقاع على دولته أن تقوم بمسؤولياتها تجاهه في حماية أمنه واستقراره، لا أن يترك فريسة للمعاناة التي يعيشها أبناؤه وتهدّد أرزاقهم وممتلكاتهم وأرواحهم.. وهو الَّذي لم يبخل طوال تاريخه على الدَّولة، وقدَّم فلذات أكباده للمؤسسة العسكرية والأمنية، وكان حاضراً في كل قضايا الوطن، وقدَّم التضحيات الكبرى في ذلك.

 

 

فلسطين

وننتقل إلى فلسطين، ليس بعيداً من الضغط الصهيوني على الفلسطينيين، يأتي انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي جاء دعماً للكيان الصهيوني، بعدما تجرّأ هذا المجلس على إدانته.. إننا نرى في هذا الموقف الأميركي تحفيزاً وتشجيعاً للكيان الصهيوني لكي يواصل انتهاكاته لحقوق الإنسان.. وتأكيداً على عدم صدقية شعارات حقوق الإنسان التي تدَّعي أمريكا الالتزام بها.

 

اليمن

وفي مجال آخر، نتوقَّف عند ما يجري في اليمن، حيث يستمرّ العدوان على شعب هذا البلد، ويتواصل الاستهداف لإنسانه وبناه التحتية، في حرب بات من الواضح للقاصي والداني أنها لن تنتج حلولاً، ولن تحقّق أهدافها أمام إرادة شعب يرفض التنازل عن كرامته، كما يرفض امتهان إرادته وحريته في بناء وطنه ومؤسَّساته.

 

لقد آن الأوان لأن تتوقَّف هذه الحرب، وأن يفتّش الجميع عن حلول واقعيّة تحفظ لإنسان هذا البلد كرامته، وتؤمن له الحرية في قراره ومستقبله.

 

عيد الأب

ولا بدَّ لنا، أخيراً، من أن نتوجَّه بالتهنئة إلى كلِّ الآباء في يوم عيدهم.. الأب الذي يفني حياته ويقدم التضحيات لبناء أسرة وتأمين عيش كريم لها، وهو بذلك يستحقّ تكريم الله له.. إنَّ من حقّه على أبنائه أن يكرَّم ويقدر ويجلّ ويحترم معروفه..

إننا نريد لهذا اليوم أن يكون، كما هو، يوم شكر وتقدير وامتنان وعرفان جميل للآباء، يوم تجديد للمسؤولية، حيث الأعباء تزداد عليهم في الشأن المعيشي أو التربوي والرعائي..

 

نسأل الله أن يوفّق كلّ أب ليقوم بمسؤوليته على أتمّ وجه، وأن يوفّق الأبناء لشكرها وتقديرها..

 

Leave A Reply