هل فُرِضَ الحجاب في الإسلام؟!

 

 

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيم}. صدق الله العظيم.

 

مرّت علينا في العشرين من شهر جمادى الثّانية، ذكرى الولادة العطرة للصدّيقة الطّاهرة فاطمة الزّهراء (ع)، سيّدة نساء العالمين، هذه الذّكرى التي نستعيد فيها كلّ المعاني التي مثّلتها الزهراء في حياتها، والتي أشار إليها رسول الله (ص) عندما قال: "يا بنيّة، أما ترضين أنّك سيّدة نساء العالمين؟".

 

وبالفعل، كانت السيّدة الزهراء (ع) مثالاً للمرأة المسلمة في التّواضع، فقد كانت قمّة في التواضع، رغم ما بلغته من الشّأن والموقع عند الله ورسوله وعند الناس، ومثالاً في الصّبر على شظف العيش ومتاعب الحياة، ومثالاً في البذل والعطاء حتى الإيثار، وفي العبادة والتهجّد في اللّيالي حتى تورّمت قدماها، وفي الوعي الرسالي والإيماني، وفي قوّة الموقف. كانت الزهراء (ع) ترى الدين قلباً وقالباً، شكلاً ومضموناً، لذا نراها التزمت بثوب السّتر وتزيّنت بالحجاب، وكانت لا تراه شكلاً، بل عبَّرت من خلاله عن كلّ المعاني الإنسانية والروحية التي يعبّر عنها الحجاب.

 

إنّ يوم ولادة الزهراء (ع) ينبغي أن يكون مناسبة لتعزيز الإيمان بالصّفات التي مثّلتها الزهراء في التكامل بين الشّكل والمضمون.

 

لماذا تأخّر فرض الحجاب؟!

أيُّها الإخوة والأخوات:

في حضرة الزّهراء (ع)، نستحضر فريضة إسلاميَّة هي فريضة الحجاب، نزلت على رسول الله (ص) وهو في المدينة المنوَّرة، في دلالةٍ نفهم منها التدرّج في بناء الشخصية الإسلاميّة، فالله سبحانه عندما أنزل رسالته للنّاس، لم ينزلها دفعةً واحدة، بل عمل في البداية على تركيز العقيدة في نفوس المسلمين، ببناء الإيمان بالله وتوحيده والثِّقة به، والتّسليم لأوامره ونواهيه، وواكب ذلك البناء الأخلاقيّ والرّوحي لهذه الشّخصيّة. وفي المدينة المنوَّرة، وبعد الهجرة، بدأ نزول التَّشريعات، ومن ذلك، كان تشريع الحجاب، فقد ذكر أنَّ أوّل آية نزلت في الحجاب كانت في الخامسة للهجرة.

إنَّ تأخير نزول آية الحجاب إلى مرحلة متأخِّرة من الرِّسالة، لا يقلِّل من أهميَّتها، كما يتحدَّث البعض ويعتبرونها نقطة ضعف في هذا التَّشريع، إنما كانت، كما ذكرنا، تدرّجاً لإعداد الشخصيَّة، والتي سيكون على كاهلها بناء المجتمع المؤمن. ولم يقف التّشكيك في الحجاب على هذا، بل إنّه تعرّض كفريضة لتشكيكٍ في أصل وجوده، حين نسمع من يتحدَّث عن عدم وجود ما يدلّ على وجوب هذه الفريضة، وأنها ليست سوى عادةٍ من العادات، وإذا وجبت، فهي تختصّ بنساء النبيّ وبناته، وليست تشريعاً عامّاً وشاملاً.

 

آيات الحجاب

لذا، من المفيد أن نتوقّف اليوم، وبإيجاز، للإجابة عن التّشكيكات هذه، بالإشارة إلى الآيات التي دلّت على حجاب المرأة، ونقول الآيات لا الآية، لأنَّ الدّليل على وجوب الحجاب، وما يراد منه صورة الحجاب، لا تتوضَّح إلا في عدة آيات.

 

الآية الأولى هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيم}. فالله سبحانه وتعالى يتوجّه بالنّداء إلى رسول الله (ص)، ليدعو زوجاته وبناته ونساء المؤمنين عامّة، إلى أن يدنين من جلابيبهنّ، والدنوّ هو القرب، وهذا يعني أن يلبسن الجلابيب.

 

وقد ذكر المفسِّرون عدّة آراء حول ما يراد من الجلباب، فهناك من قال بأنّه الغطاء الذي يغطّي تمام الجسد بما يشمل الرّأس، فيما هناك من ذكر أنَّ المقصود تغطية تمام البدن، ولا يشمل الرّأس، والجامع بين هذين القولين هو ستر تمام البدن.

 

هنا تأتي الآية الثّانية، لتؤكِّد شمول غطاء الرأس بالسّتر الواجب للمرأة، عندما يقول: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. والخمار هو غطاء الرأس، والجيب هو الصّدر. فقد نزلت هذه الآية لتشير للنّساء اللّواتي كنّ يرمين بأطراف الخمار على أكتافهنّ أو خلف الرّأس، بشكل يكشف معه عن الرّقبة وجانباً من الصّدر، لتأمرهنّ بأن يضعن أطراف الخمار حول أعناقهنّ، ليسترن بذلك الرَّقبة والجانب المكشوف من الصّدر.

 

وتأتي الآية الثَّالثة لتوضح أكثر صورة الحجاب، عندما قالت: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَ}، حيث بيَّنت هذه الآية، أنَّ على المرأة أن لا تظهر أيّ مظهر من مظاهر الزّينة عندما تخرج إلى غير محارمها من الرِّجال، فلا يجوز للمرأة أن تلبس القلادة والأساور أو الخلخال، أو أن تظهر بألوان زاهية، أو أن تضع مساحيق التَّجميل، ماعدا بعض الاستثناءات التي قرَّرها الشّارع الحكيم. وهناك من يفسِّر بأنَّ الزّينة المقصودة هو جسد المرأة، وأنّ الاستثناء الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَ}، يُقصَد به الوجه والكفّان، وهناك من قال، كما هو رأي السيّد فضل الله (ره)، ظاهر القدمين.

 

حجاب الصّوت!

وقد توسَّع الإسلام في مفهوم الحجاب، ليدعو إلى حجاب الصّوت للمرأة، عندما دعاها إلى أن تحجب صوتها. وهو لا يعني، كما قد يتصوَّر البعض، أن لا تظهر صوتها، والقول بأنّ صوت المرأة عورة، فللمرأة أن تظهر صوتها، بأن تتحدَّث في مجتمع الرّجال، وأن تخطب أمام النّساء والرّجال، أو تتحدَّث عبر وسائل الإعلام والتّواصل، وتشارك في النّدوات والحوارات، وفي مجالات العمل المختلفة والتعليم، وهذا ما لا خلاف عليه، بل إنّه مطلوب ونحن ندعو له. لكنَّ المقصود من ذلك، هو أن لا يتخلَّل كلامها ميوعة أو ترقيق في الصّوت، ما يؤدّي إلى خلق جوّ معيّن في علاقة الرّجل بالمرأة، وهذا ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى بقوله: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}.

 

والإشكاليّة التي تطرحها الآية الكريمة، تنطبق على النّساء اللّواتي يخضعن في القول، وتنطبق أيضاً على الرجال الّذين، كما وصفهم القرآن، في قلوبهم مرض. إذاً المسؤوليّة ملقاة على عاتق المرأة والرّجل في هذا المجال.

 

حجاب البصر

ويبقى حجاب آخر، وهو أيضاً مطلوب من الرّجال والنساء على حدٍّ سواء، وهو حجاب البصر، والمراد من غضِّ البصر، إخفاض البصر وعدم التَّحديق، فهناك حجاب لا بدَّ من أن يضعه كلّ من الرَّجل والمرأة على بصره، وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى، حين قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.

 

فالحجاب، ومن خلال هذه الآيات، ورد بهذه الشموليَّة، وهو لا يتوقّف، كما يرى البعض، عند حدود حجاب الرأس، لتكتفي به الفتاة أو المرأة وتعتبر نفسها محجَّبة إن هي غطّت رأسها، بل يتجاوز ذلك، ليشمل كلّ ما هو إبراز للزّينة ومفاتن الجسد، ويصل إلى الصَّوت والنَّظر، وهو لا يتحقَّق الهدف منه إلا بكلّ هذه العناوين، ولذلك، لا كمال للحجاب إلا بتمامها. وهو في السياق الّذي طرحناه، ينطبق في جزء كبير منه على الرّجال والنساء، ويجب مقاربته كمنظومة مجتمعيّة متكاملة لا يجب أن تجزَّأ.

 

كيف نحمي الفريضة؟!

أيُّها الأحبَّة:

الحجاب الشرعيّ ورد في القرآن الكريم، وبالوضوح الّذي أشرنا إليه، وإليه أشارت العديد من الأحاديث، وهو ما سارت عليه المسلمات في كلّ تاريخهنّ منذ عهد رسول الله (ص)، والمسلمون رغم اختلافاتهم في مذاهبهم وآرائهم، لم يختلفوا في وجوب الحجاب، بل يرونه فريضةً وواجباً لا بدَّ من الالتزام بها.

 

إنّها دعوة لمجتمعنا الإيمانيّ لتثبيت هذه الفريضة، وعدم التَّراخي في شأنها أو تفريغها من مضمونها، هي شكل ومضمون، هي جوهر يتكامل بالشَّكل، وهذا يحتاج إلى جهود تربويّة كبيرة يقوم بها الآباء والأمّهات والعلماء، وكلّ من يتولى التربية والتوجيه، وندعو إلى إيلاء هذا الأمر الاهتمام، بالتَّوعية والتّوجيه والموعظة الحسنة، وبالتّربية الروحيّة والإيمانيّة، وتعزيز تقوى الله في نفوس أبنائنا وبناتنا. وبالطّبع، ليس بأسلوب الفرض والإكراه والقسوة، والّذي لم يعد يفيد، بل يترك آثاراً سلبيَّة في غالب الأحوال.

 

إنَّ حجم التحدّيات في بناء شخصيّات متديّنة ملتزمة بأصول الدّين وتشريعاته، تكبر يوماً بعد يوم، فالعولمة، وانتشار وسائل التّواصل المشرَّع على مصراعيه على المغريات، والوسائل الإعلامية التي تزيّن المعاصي والانحراف، والتّشكيك في أصول الدّين وفروعه، كلّ هذا يستدعي وعياً في الأفراد والأسر والمؤسّسات الدينية والتربوية والاجتماعيّة.

 

الزّهراء قدوة المحجّبات

ونحن في الوقت نفسه، نعتزّ بكلّ اللّواتي يثبتن أمام الضغوط والتحدّيات والكلمات والإساءات والتّمييز في مواقع العمل والحياة العامّة والخاصّة، وإنّ صبرهنّ مقدَّر عند الله.. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

 

ويكفينا في ذلك أن نجعل الزّهراء (ع) قدوة كلّ محجّبة، والتي لم يُعقْها حجابها عن أن تكون حاضرة بقوّة في ساحات العطاء والجهاد والتضحية والتربية والبناء والمواقف الصّلبة في مواجهة الانحراف، ووصلت إلى الموقع الذي امتنّ الله بها على رسوله، عندما قال: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}، والكوثر هو الخير الكثير.

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين عليّ (ع) واليه مالك الأشتر، عندما أرسله إلى مصر لتولي أمورها، فقال له: "ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعاً ذلك من هواك حيث وقع.. (أي لا يساعدك على ما كره الله مما لك ميلٌ فيه ورغبةٌ به)، وألصق بأهل الورع والصّدق، ثم رضّهم على ألا يطروك (عوّدهم على أن لا يزيدوا في مدحك)، ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، (يفرحوك بنسبة عمل عظيم إليك ولم تكن قد فعلته)، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزّهو (أي العجب)، وتدنّي من العزّة (أي تقرّب من الكبر)، لا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإنّ ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، فألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه" (أي أنّ المسيء ألزم نفسه استحقاق العقاب، والحسن ألزمها استحقاق التّكريم).

 

لقد أراد الإمام عليّ (ع) من خلال هذه التوجيهات، أن يبيّن لواليه من يقرّب إليه، فدعاه إلى أن يقرّب إليه النّاصح الأمين الذي يقول الحقّ له حتى لو كان مرّاً، ومن لا يساعده على ما كرهه الله له ويرغّبه فيه، وأن لا يصغي إلى المدّاحين والمغالين به، لئلا يحدث ذلك من نفسه زهواً وتكبراً، مما ينسيهحقيقة نفسه، وأن يثيب المحسن على إحسانه، ويجازي المسيء على إساءته، فلا يكونان عنده على حدّ سواء.

إنّنا أحوج ما نكون إلى مثل هذه النماذج، لنواجه بها صعوبات الحياة وتحدّياتها.

 

اندفاعة إصلاحيّة

والبداية من لبنان، حيث يتابع اللّبنانيّون باهتمام بالغ المسار الإصلاحي الّذي أجمعت القيادات السياسيَّة على الدّعوة إليه، وقد اعتبرته الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان من الانهيار ولإعادة الاعتبار إلى صورته.

 

لقد شعر اللّبنانيون بارتياح أمام هذه الاندفاعة الإصلاحيّة التي بدأت بملفِّ التّوظيف العشوائيّ وغير القانوني، والماليّة العامّة للدولة، وملفّ عدم تطبيق القوانين، وعزَّز من هذه الاندفاعة، إصرار المجلس النيابي على مواكبة التحقيق في هذه الملفّات، وممارسة أقصى درجات الرّقابة على أداء السلطة التنفيذية في مكافحة الهدر والفساد.

 

ومن المؤسف أنّ هذا الشعور اللبناني العام بالارتياح سرعان ما اصطدم ببعض ردود الفعل المشكّكة بأهدافه وغاياته، وما أثارته من إرباكات وتشويش في أوساط الرّأي العامّ، بالحديث عن استهداف سياسيّ أو طائفيّ أو مذهبيّ في فتح هذا الملفّ أو ذاك، كان اللّبنانيّون ظنّوا أنها ولَّت إلى غير رجعة.

 

إنّنا أمام ذلك، نرى في العودة إلى إثارة الحساسيات المذهبية والطائفية في مقاربة المواقف التي تشير إلى فساد هنا أو هدر هناك أو تقصير هنالك، أمراً لا مبرّر له، وقد يضع أصحابه في دائرة الشّبهات. إنَّنا في الوقت الذي نرفض أية اتهامات مسبقة لأيّ شخص أو فريق، تنطلق من أية خلفيات سياسية أو مذهبية أو طائفية أو تصفية لحسابات ذات بعد داخليّ وخارجيّ، نرى أنّ جميع اللّبنانيّين يعرفون أن الفساد الذي تعترف كلّ القوى السياسية بوجوده، لم يهبط علينا من الفضاء، وأنّ هناك من يتحمل المسؤوليّة في هذا المجال.

 

ولذلك، ندعو، ومن منطلق الإنصاف والعدالة، والحرص على متابعة ما انطلق، أو ما يراد البدء به من محاربة الفساد، وعلى استقرار البلد، إلى أن يتمّ التعامل مع هذا الملفّ الشّائك والحسّاس بشفافية وموضوعية، وبعيداً كلّ البعد من الاستنسابية بفتح ملفّ هنا وعدم فتحه هناك، بل أن تفتح كلّ الملفّات والمستندات، وأن تكون اللّغة هي لغة الأرقام، بعيداً من الإعلام والسجالات التي تتسبَّب بشحن الأجواء، والقاعدة هي: المتّهم بريء حتى تثبت إدانته، فلا نستعجل الأحكام والاتهامات، وإذا كان من ردٍّ، فليكن الردّ فيه بالمستوى نفسه، وبالمستندات والوثائق والأدلّة الدامغة، بعيداً من كل الإثارات التي نحن بغنى عنها، وليكن القضاء النزيه العادل هو الحكم فيها.

 

إنّنا مع كلّ اللّبنانيين، لا نريد لفتح ملفّات الفساد أن يكون سبباً في زيادة أزمات البلد، بل أن يساهم في حلّها، ونريد من كلِّ المواقع السياسيّة التي ترفع سيف مواجهة الفساد، أن تكون حكيمةً في إدارة هذا الملفّ والتّعامل معه، وأن تكون حازمة، بحيث تطال كلَّ مواقع الفساد والفاسدين، وبنفس طويل، لأنَّ مواجهة الفساد المتفشّي في مفاصل الدّولة، لن يحسم بسهولة أو خلال زمن قصير.

 

ويبقى الأساس لبلوغ ذلك، هو إزالة الشّوائب من القضاء، وحمايته من كلّ التدخّلات السّياسيّة أو الماليّة أو الضغوط التي قد يتعرّض لها، وهي موجودة، فلا حلّ لمشكلة الفساد من دون قضاء نزيه وعادل وحرّ.

 

أين المعالجة؟!

وليس بعيداً من هذا الملف، تبرز ظاهرة الحوادث الكثيرة على الطّرقات، حيث نشهد العديد من الضحايا يومياً، وعلى مختلف الطرقات اللبنانيّة، والتي يعود السبب فيها إلى السّرعة الزائدة، وعدم توفر سبل السلامة في الطّرقات.

إنّنا، وأمام هذا الواقع الذي نعرف جميعاً آثاره ونتائجه، ندعو المعنيّين إلى الإسراع في معالجة الأسباب التي تؤدِّي إليه، بتشديد الرقابة على المخالفات، وخصوصاً السّرعة الزائدة، والأخذ باحتياطات الأمان، وتهيئة الطرقات، سواء من ناحية الإضاءة، أو من ناحية إزالة العوائق. إنَّ الفساد لا يقف عند حدود هدر المال، بل أيضاً بما يسبّبه من "هدرٍ" للأرواح والنفوس وإزهاقها.

 

إنجازٌ فلسطينيّ

وإلى فلسطين، حيث استطاع المقدسيّون أن يحقّقوا إنجازاً بكسرهم الأقفال التي كان الاحتلال يضعها على باب الرّحمة، والتي استمرّت لستة عشر عاماً، وهذا ما شكّل ضربة موجعة له، عبَّر عنها بالاعتقالات التي طاولت قادة الأوقاف الإسلاميّة، والعشرات من المقدسيّين وحرّاس المسجد الأقصى.

 

إنّنا نحيّي هذه الإرادة الصلبة التي تشير إلى مدى تضحيات هذا الشعب الَّذي يستمرّ في جهاده، وبكلّ الوسائل، رغم معاناته في الداخل، وعدم وجود تفاعل من الشعوب العربيّة والإسلاميّة معه.

 

ونبقى في فلسطين، لنشير إلى القرار الّذي صدر عن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والذي أوصى بإرسال لجنة للتّحقيق في ارتكابات العدوّ الصّهيوني خلال مسيرات العودة السّلمية في غزّة.. إننا نرى في ذلك إيجابيّة، نأمل أن تستكمل بتجريم العدوّ على ارتكاباته من قبل المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ولو لمرّة واحدة.

 

 

Leave A Reply