وهل الإيمان إلا الحب

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

في حديث الفضيل بن يسار وهو أحد أصحاب الإمام الصادق (ع). أنه سأل الإمام: "هل الحب من الإيمان؟ قال له الإمام الصادق(ع): "وهل الإيمان إلا الحب

لقد أراد الإمام سلام الله عليه من هذا الحديث أن يبيِّن الموقع الكبير للحب من الدين، فهو لم يعتبره جزءاً من حقيقة الدين فقط، بل هو أساس الدين، به يقاس الدين، فالدين في أساسه وُجد من أجل أن يعزز الحب في الحياة، أن يزرعه في القلوب والعقول. فحيث يكون الدين لا بد أن يكون الحب، وحيث يكون المتدين لا بد أن يشرق الحب من قلبه على كل من حوله وما حوله، ويدخله في مفاصل حركة الإنسان في الحياة. – والحديث عن الحب ليس ما بات شائعاً من مصطلح  الحب الغريزي والحسي والاستهلاكي الذي أخذ من الحب اسمه دون جوهره وعمقه من مصلحة القلب للقلب والروح للروح  هو أن يخرج الانسان من أنانياته وذاتياته الى الآخر بكله لا- بمصلحة له– . أحب الآخرعندما يكون لي مصلحة  معهُ، ومتى انتهت المصلحة تنتهي المشاعر. هذا ليس حباً، هذا تبادل مصالح.. هو حب لا يبقى حب عابر بل يسيء إلى قداسته وصفائه وطهارته.

 

ايها الاحبة: لقد جاء الدين ليبني علاقة سليمة بين الإنسان وربه،  وبينه وبين نفسه ومع الناس ومع الحياة. وكل هذه العناوين لا تتم إلا بالحب، فلا يمكن للإنسان أن يبني علاقة سليمة بالله على أساس الخوف والرعب أو المصلحة.  فبدون استشعار الحب لله فلن يُعبد الله حق عبادته ولن يطاع حق طاعته ولن يخشى حق خشيته ولن يكون مثالاً وغاية لعباده يتخلقون بأخلاقه. لأن العبادة والطاعة وخشية الخائفين ليست كالمحبين. كما قال أمير المؤمنين(ع):"ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك .. لكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك".

 

والأمر نفسه مع رسول الله(ص) فلولا الحب الذي غمر كيانه حتى انعكس رفقاً وحناناً على الناس لما بلغ رسول الله هذا الموقع، ولما بلغ رسالته. وإلى ذلك أشار القرآن الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّه لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}

والأمر نفسه يتعلق بالنفس، فلأننا نحب أنفسنا حب الاشفاق لا حب الانانية، نسهر على راحتها وصحتها وأمانها ونعمل على وقايتها من كل ما يسيء إليها.

أما العلاقة بالناس فهي لا تتحقق بالعنف والقسوة والغلظة، وحده الحب الذي يبني مجتمعاً متوازناً متراصاً وقوياً. وإذا كان من قسوة فلا بد أن تكون كقسوة الجراح ليعالج مريضه، لا لينفس عن حقده أو عن كراهيته.

وحده المجتمع المتحاب يتوحد ويقف سداً منيعاً في مواجهة التحديات.. لأن كل فرد فيه يشعر بقلبه بأن عليه أن يقف إلى جانب الآخرين.. حب يوحدنا دوماً لأنه نابع من الروح والإيمان.

 

ومن هنا تأتي كلمة رسول الله(ص):

«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى شَيْئًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»

إننا لولا هذا الحب الذي نتمثله في كل مفاصل الحياة لما كان للحياة أن تزدهر وتنمو وما كان لها من معنى. إن الحب هو الذي يمد الحياة بكل الطاقات الايجابية، هومنبع الخير والعطاء، فبدونه لن تتحمل الأم معاناة حملها والشقاء من أجل تربية أطفالها.

ولن يشقى الأب ويتعب في الليل والنهار من أجل قوت أولاده.

ولن يساعد الأغنياء الفقراء. ولن يتقن العامل عمله. ولن يعدل الحاكم في حكمه ويقوم بمسؤوليته. ولن يقدم المجاهد على بذل أغلى ما عنده من أجل حماية وطنه من الأعداء بدافع من حب الارض والوطن.

بالحب أيها الأعزاء قامت الحياة وبه تستمر، وبه تنعم الحياة بالعفو والتراحم والتسامح. بالحب قام الكون وبه يستمر. فالله أوجد الحياة بكل هذا الجمال والتنوع والأبداع لأنه ودود لخلقه وعباده.

 

تصوروا لو أننا نعيش في ظل رب ليست الرحمة أو المحبة أعظم صفاته، رب يتربص بنا – تنزه الله عن ذلك- نخاف من غضبه وبطشه في كل لحظة، نخال أن يرسل عذابه علينا وهو القادر على كل شيء، هل سنشعر بالأمان الذي نشعر به نحن الذين نعيش في ظل رب أحبنا ويحبنا، ولا ينسانا من فضله حتى لو أغضبناه، في رحاب رب يرحمنا ويعطينا الفرصة تلو الفرصة كي نتقرب ونرجع إليه وبالتالي يعطينا الفرصة لنتعرف اليه ونحبه؟ تصوروا لو أننا نعيش في عالم خال من العواطف والأحاسيس، أي حياة ستكون في ظل هذا الجفاف.

 

لقد جاء الدين لينمي مشاعر حب الله بالدرجة الأولى، حب لله لا ينبغي أن يوازيه حب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}.

وقد ورد في الحديث القدسي: "لا يكون العبد مؤمناً حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ومن ولده وماله وأهله" أي الحب الذي لا نستبدل به غيره.. جاء في أحد الأدعية: "الهي من الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً".

 

اذاً حب الله هو الاساس ومنه ينطلق كل حب: " اللهم أسالك حبك وحب من يحبك " لقد دعانا الدين أن نحب كل الذين أحبوا الله حباً له، أن نحب أهل طاعته،واولياءه وعباده الصالحين. إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر إلى قلبك فإن كان يحب أهل طاعته ففيك خير. {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. أن نحب والدينا وأرحامنا وجيراننا وأولادنا، أن يفيض الزوج بالحب لزوجته والزوجة لزوجها، فلا حياة زوجية مستقرة بدون هذه المودة وذلك الحب.

وهذا الحب ينبغي أن تتوسع دائرته ليشمل كل الناس، ليشمل الذين يلتقي الإنسان معهم في الدين أو المذهب أو الخط الفكري والسياسي، وحتى الذين نختلف معهم.. أن يفيض عليهم من قلبه.. أن يعيش الحب حتى لأولئك الذين يحملون الكراهية والحقد والعداوة له.. ليصل إلى قلوبهم وينزع منها كل عناصر الشر.. كما هو حب رسول الله لقومه حين كانوا يرمونه بالحجارة.. كان يقول: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لا يعْلَمُونَ».. فهو بحبه لهم بلغ عقولهم وقلوبهم ودخل إلى حياتهم.

 

ومن هنا نستذكر كلمة سماحة السيد(رض) التي قالها هنا ومن على هذا المنبر:

"أحبكم جميعاً، أحب الذين ألتقي معهم لنؤكّد معاً لغة اللقاء، وأحب الذين أختلف معهم لنؤكد معاً مواقع اللقاء، ولنفتح من خلال ذلك الآفاق للتواصل والحوار

ولم تقف دعوة الدين إلى الحب بل سعى إلى تدعيمها بالوسائل التي تعززه في داخل المجتمع. ومن هنا جاءت هذه الأحاديث: "تهادوا تحابّوا".. "حسن الخلق يورث المحبَّة".. "حُسنُ الصُّحبَةِ يَزيدُ في مَحَبَّةِ القُلوبِ" "عوّد لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبوك"  "الرفق يورث المحبة" {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا}

 

أيها الأحبة:

إن أغلب ما نعاني منه في حياتنا من فقدان للطمأنينة والأمل والاستقرار، ومن هذا التوتر النفسي الذي نعيشه، ومن سيطرة حالات الإحباط واليأس والتفكك الأسري والاجتماعي، أو مظاهر القسوة والقتل التي يشهدها عالمنا وواقعنا الداخلي، هو نتاج الجدب العاطفي وفقدان مشاعر المحبة في القلوب، حتى بات الجفاف في مشاعر الحب يمتد إلى الآباء والأمهات الذين كانوا يعطون من دون حساب حيث أخذوا يتخففون من هذه العلاقة، ناهيك عن تبلد عواطف الكثيرين إزاء ما يحدث لبلادهم أو للناس من حولهم.

 

إن العلاج لكل قضايانا حيث لغة القسوة والأحقاد والبغضاء هي الحاكمة، أن نستعيد لغة المحبة، أن نعيد للدين مضمونه وجوهره، فنعرف أن لا معنى لإيمان بدون حب، فلا يمكن أن تكون مؤمناً وأنت تحقد، لأنك قد تختلف مع الآخر دينياً أو مذهبياً أو سياسيا، لكنك لا تكرهه، قد تكره عملاً قام به أو فكرة يفكر بها، او موقفاً يتخذه، لكنك لا تكرهه كإنسان.إننا نعاني في واقعنا من الحقد المقدس والكراهية، ليفرغ ثقافة الحب من أنفسنا ووجداننا. أن نجعل العلاقة مع الله تقوم على الحب.. الحب لله والحب لمخلوقاته والحب للناس.. أن نكون على صورة اهل الجنة  {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}.

 

أيها الأحبة: لم يكتف الإمام الصادق(ع) الذي نستعيد ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهرشوال أن يتحدث عن الحب بل عاشه في قلبه لله، فعبده حق عبادته.. وعاشه مع الناس والذي عبر عنه حواراً وانفتاحاً وتواصلاً وإنسانية، فكان إماماً إماماً للحوار وإماماً للإنسانية والانفتاح واماماً للتواصل وعلماً يقتدى في كل ذلك. فالسلام عليه يوم ولد ويوم انتقل الى رحاب ربه ويوم يبعث حياً.

أنالنا الله واياكم شرف شفاعته وكرمنا بلقائه مع النبيين والصديقة والائمة الاطهار، والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا الأخذ بوصيَّة الإمام الصّادق(ع)، حين جاء إليه رجل قائلاً له: "أوصني"، فأوصاه: "كُن عبداً لله"، وعندما سأله عن حقيقة هذه العبودية، قال له في: "ثلاثة أشياء: أولاً؛ أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله به، ثانياً؛ ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً ويترك الأمر فيه لله، ثالثاً؛ وجملة اشتغاله فيما أمره به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره، هانت عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه، لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة، هانت عليه الدنيا وإبليس والخلق".

أيّها الأحبة، إنَّنا أحوج ما نكون إلى هذا الإحساس، أن نعيشه ونمارسه لنكون أهلاً لعبادة الله.. وبذلك نكون أحراراً في الدنيا، ونكون أعزاء، وبذلك نواجه التحدّيات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الّذي لم يعد يشغل بال إنسانه التحديات الأمنية، أو ما يجري في محيطه، رغم خطورته، ولا الشّلل الذي تعانيه مؤسَّسات الدولة، وتبعات ذلك على الواقع السياسيّ والاقتصاديّ والمعيشيّ، ولا كلّ العواصف الّتي لا تزال تضجّ بها المنطقة من حوله والتغيّرات الحالية، بقدر ما باتت تشغله أزمة النفايات التي تتراكم، وتهدّد صحته وبيئته، والانقطاع المستمرّ للكهرباء وتداعياته، وشحّ الماء في بلد الماء، وفي هذا الصيف الحار؛ فقد باتت هذه الأزمات خبزه اليومي، وهي التي تستفزه للنزول إلى الشارع، ومع الأسف، لا حلول جذرية سوى بعض المسكّنات والتطمينات بإجراءات علاجية غير واقعية، فيما الحكومة عاجزة ـ أو عجّزت نفسها ـ عن إيجاد الحلول السريعة، وهي غارقة في تجاذباتها وصراعاتها، وفي قضايا لن نهوِّن من شأنها، ولكن يمكنها الانتظار.. وكأن قدر اللبنانيين أن ينشغلوا دائماً بحاجاتهم، حتى لا يفكّروا في القضايا الأساسية والمصيرية.

 

ومن مفارقات ما يجري، عدم وجود مسؤول عن كل ذلك، فالكلّ ينتقد، والكلّ يضع المسؤولية على الدولة، وكأن الدولة من كوكب آخر! فيما الكلّ يعرف أنّ ما يجري هو وليد الترهّل في الواقع السياسيّ الّذي يتحمل مسؤوليّته الجميع، والكلّ قادر على إيجاد حلول عندما يخرجون من حساباتهم الخاصّة والطائفيّة والمذهبيّة وارتباطاتهم الإقليمية والدولية لحساب إنسانهم. ولعلّ أفضل تعبير عن الوضع، ما قاله أحد المسؤولين الكبار: لولا الطائفية لوجب أن تندلع ثورة تكتسحنا جميعاً، لأن الوضع لا يُطاق، فكل قضية من القضايا العالقة كافية لأن تكون شرارة للثورة.

 

إنّنا أمام كلّ هذا الواقع المتردّي، نعيد دعوة كلّ القوى السياسيّة إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه مواطنيها، بدلاً من رمي كل طرف الكرة في ملعب الآخر كما يحصل الآن، أو تصعيد الخطاب الطائفيّ، أو الانكفاء لحساب قضايا معينة، فلا قضايا كبرى أهم من تثبيت البلد وتدعيمه، وإلا سيلفظها المجتمع وتلاحقها لعنة التاريخ..

وأمام ذلك، ندعو اللبنانيين إلى الاستمرار في سياسة تقليع أشواكهم بأظافرهم، وحلّ مشكلاتهم بمبادرات فردية وجماعية.. وهنا ندعو إلى تعاون جادّ وعمليّ بين البلديات والمجتمع الأهلي على اختلاف تنوعاته، لإيجاد الحلول الكفيلة بحلّ المعضلات المطروحة، وإلا ستبقى الأزمات تراوح مكانها.

إننا ندعو البلديات إلى الخروج من حالة الرتابة والروتين إلى المبادرات، فهناك العديد من المبادرات الناجحة التي يمكن الاقتداء بها.

 

العراق

وما نتحدَّث عنه في لبنان، نتحدّث عنه في العراق، الّذي تتشابه المشاكل فيه، حيث لا تقف معاناة هذا البلد على ما يتهدّد أمنه وأرضه ووحدته من "داعش" وغيرها.. فهناك أزمة الكهرباء، وغياب البنية التحتيّة، وانتشار الفساد الإداريّ والماليّ الّذي يضيع ثروات هذا البلد الهائلة، ما بات يستدعي استنفار جهود كلّ المرجعيّات الدّينيّة والقوى السّياسيّة، والتوحّد لمواجهة هذا الواقع الصّعب، وعدم الاكتفاء بتوصيف الواقع وانتقاده، حفظاً لهذا البلد ولتجربته الّتي نريدها أن تنجح.. ولإطفاء نار الثّورة الّتي بدأت تتغلغل في النفوس، والّتي نخشى أن تُستغلّ، وأن يدخل على خطّها من لا يريدون خيراً للعراق.

 

العالم الإسلامي

ونصل إلى مجريات المنطقة العربيّة حولنا، حيث تحفل، وخصوصاً في أعقاب الاتفاق النووي، بالكثير من اللقاءات والاجتماعات الّتي تحمل في جانب منها المساعي لترتيب الأوضاع السياسية على إيقاع المرحلة الجديدة الّتي افتتحها هذا الاتفاق.. إننا نأمل، ومن كلّ قلوبنا، أن تؤدّي هذه الاجتماعات إلى مبادرات وحلول تنهي أزمات المنطقة، وتزيل الهواجس والمخاوف التي كانت السبب في اشتعالها ووصولها إلى هذه الدرجة من الانفجار الشامل، لتتكاتف الجهود بعد ذلك في مواجهة الإرهاب، الذي بات لا يقف عند حدود، ويضرب في كلّ مكان.. وآخر جرائمه وإرهابه، ما حصل في مسجد في أبها في السّعودية، وأدّى إلى سقوط العديد من الضحايا، وكشف عن طبيعة هذا الإرهاب الذي لا يستثني جماعةً ولا طائفةً ولا مذهباً.

 

ذكرى هيروشيما ونكازاكي

ولا بدّ لنا من أن ننشّط الذاكرة والوعي، باستعادة ما جرى من إلقاء أميركا قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونكازاكي، ما أدى إلى تدمير البشر والبيئة. إننا نستعيد ذكراهما هذه الأيام، لنستذكر مدى حاجة العالم إلى التوافق على إزالة أسلحة الدمار الشامل من قاموسه، بدلاً من التسابق عليها، نظراً إلى ما يمكن أن تؤدّي إليه من تدمير للحياة، ولا سيما عندما يكون بأيادٍ لا تتقي الله في عباده وبلاده..

 

الجرائم في لبنان

وأخيراً، لا بدّ من أن نتوقَّف عند الجرائم المتكررة التي حدثت في لبنان في الأيام الماضية، والتي أدت إلى إزهاق أرواح بريئة، وتنذر بإمكانية حدوث جرائم مماثلة.. من المؤلم أن ما يجمع مرتكبيها أنهم أصحاب سوابق تمت تغطية جرائمهم السابقة لاعتبارات طائفية وسياسية، وجرى تخفيف أحكامهم.. وها هي النتائج…

إننا نتطلَّع إلى أن يكون ما حدث درساً لكلّ الذين يتدخّلون لمنع محاكمة مرتكبي الجرائم التي حصلت ومعاقبتهم، فقد بات واضحاً أنّ المشكلة في هذا البلد ليست في القوانين، بل في تطبيقها، وفي التدخّلات السياسيّة وغير السياسيّة المستمرة في القضاء.

لقد آن الأوان رأفة بالمجتمع والناس، لأن يحاكم المجرم، حتى يشعر كلّ من لديه نية الإجرام بأنه سوف ينال العقاب الذي يستحقه، بصرف النظر عن انتمائه وموقعه، لعله يرتدع بذلك، ولعلّنا نحفظ الناس والمجتمع: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :22 شوال 1436هـ الموافق : 7 آب 2015م
 

 

Leave A Reply