شعبان :شهر البركة والخير

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

أهم المسؤوليات التي حمّلها الله للانسان مسؤوليته عن عمره.. فهو دعاه إلى أن لا يضيِّعه ولا يهدره إلا فيما فيه الفائدة له في الدنيا والآخرة.. فهو مهر سعادته إن أنفذه في طاعة ربه.

وهو ما سيتحسر الإنسان على التفريط به عندما يقف بين يدي ربه.. بعد ما أفنى عمره في اللهو والعبث والسعي إلى الملذات.

 

ويشير الله إلى حال هؤلاء يوم القيامة وندمهم على صرف رصيد عمرهم في الذنوب: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (فاطر/37) {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} (أي ألم نعطكم العمر)

ولذا يقول الإمام(ع): "فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجّة، وأن تؤدّيه أيّامه إلى الشقوة".

ومن هنا كان يقول: الآن الآن من قبل الندم ومن قبل أن تقول نفس: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله.

 

أيها الأحبة:

العمر مسؤولية بكل ثوانيه ودقائقه وأيامه وأشهره وسنواته، وعلينا أن نغتنمه، لا سيما تلك المحطات الإضافية التي أودعها الله في هذا الزمن.. محطات روحية وإيمانية وتربوية.

وعديدة هي هذه المحطات التي هيأها الله لنا ودعانا لاغتنامها والاستفادة منها.. كنا الشهر الماضي في محطة شهر رجب فطوبى لمن استفاد من أجواء هذا الشهر.

في هذا اليوم ندخل في شهر جديد من أشهر الفرص، شهر شعبان والذي لعظيم فضله وبركته وأهميته نسبه رسول الله اليه، نعم نسبه إليه، من بين كل شهور السنة.

 

رُوي عن الإمام الصادق(ع): قوله لأحد أصحابه وهو صفوان الجمّال: "حُثّ من في ناحيتك على صوم شعبان، (والقيام بما ورد فيه من مستحبات) فقلت: جعلت فداك ترى فيه شيئاً، فقال: نعم إنّ رسول الله(ص) كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: يا أهل يثرب إنّي رسول رسول الله إليكم: ألا إنّ شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري".

وإلى هذا يشير الإمام زين العابدين(ع) في دعائه: "اللهم وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله(ص) يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه، بخوعا لك في إكرامه وإعظامه، إلى محل حمامه".

 

وقد أراد رسول الله لهذا الشهر المبارك أن يكون شهراً روحياً وإيمانياً يتزود الإنسان من معين ما فيه من أعمال وردت فيه..

ففي هذا الشهر حث على الصيام (طبعاً الصيام المستحب)، صيام كامل الشهر أو بعض أيامه، أوله ونصفه وآخره، أو الأيام البيض منه الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، أو صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع.. وقد ورد في ذلك أن رسول الله(ص) كان يصوم كل شهر شعبان ويصله بشهر رمضان، وكان يقول: "صوم شهرين متتابعين توبة من الله".

عن الإمام زين العابدين(ع): سمعت أمير المؤمنين(ع) يقول: من صام شعبان حُبّاً لرسول الله(ص) وتقرّباً إلى الله أحبّه الله وقرّبه إلى كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنّة".

 

وهنا قد يستغرب البعض الجنة مقابل الصيام.. نعم الجنة التي عرضها السماوات والأرض أعدها الله لصائمي هذا الشهر.. وهذا من رحمة الله بعباده وعظيم فضله وكرمه.. وفي ذلك نقطة مهمة أحب أن أشير إليها، وهي أن الله يريد لعباده أن يدخلوا الجنة ويبتعدوا عن النار ولذلك سهّل لهم طريق بلوغها ونوعها وهذه واحدة منها.

 

وهذا الشهر أيضاً هو شهر الاستغفار لله، شهر العودة إلى النفس ومحاسبتها، وتطهيرها. وقد ورد في ذلك صيغتان: صيغة أستغفر الله وأسأله التوبة في كل يوم سبعين مرة.. وصيغة أستغفر الله الذي لا إله إلا الله هو الرحمن الرحيم الحي القيوم وأتوب إليه أيضاً سبعين مرة وقد ورد في ذلك ثواب له فضلاً عن وعد من الله بقبول التوبة وحصول المغفرة.

ومن المستحب أيضاً الحث على البذل والعطاء والصدقة والإحسان إلى عباده والفقراء وذوي الحاجة.

فعن الإمام الصادق(ع): "من تصدّق بصدقة في شعبان ربّاها الله تعالى كما يربّي أحدكم فصيله، حتى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أحد".

ومن أعمال هذا الشهر الإكثار من ذكر الله: سبحان الله والحمد لله، لا إله إلا الله والله أكبر.. والإكثار من قول: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون".

ومما تم التأكيد عليه في هذا الشهر، الإكثار من ذكر الصلاة على محمد وآل محمد، فقد ورد عن الإمام السجاد القول عند كل زوال: "أَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعِ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفِ الْمَلائِكَةِ، وَمَعْدِنِ الْعِلْمِ، وَأَهْلِ  بَيْتِ الْوَحْىِ، أَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الْفُلْكِ الْجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الْغامِرَةِ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَها، وَيَغْرَقُ مَنْ تَرَكَهَا".

 

ومن أبرز ما ورد الحث عليه في هذا الشهر هو الدعاء لله ومناجاته، ومن ذلك المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين(ع)، وكان الأئمة يتناقلونها الواحد عن الآخر ليبلغها إلى أصحابه وشيعته.. هذا الدعاء الذي فيه تفيض مشاعر الحب لله والإحساس بعطفه ورحمته وعطائه وفضله:

 

"أَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاسْمَعْ دُعائي إِذا دَعَوْتُكَ، وَاْسمَعْ نِدائي إِذا نادَيْتُكَ، وَأَقْبِلْ عَليَّ إِذا ناجَيْتُكَ، فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ، وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيكَ مُسْتَكيناً لَكَ، مُتَضرِّعاً إِلَيْكَ، راجِياً لِما لَدَيْكَ ثَوابي".

"إِلـهي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أَيّامَ حَياتي فَلا تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنّي في مَماتي، كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لي بَعْدَ مَماتي، وَأَنْتَ لَمْ تُوَلِّني إلاّ الْجَميلَ في حَياتي".

 

"إِلـهي هَبْ لي قَلْباً يُدْنيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ , وَلِساناً يُرْفَعُ إِلَيْكَ صِدْقُهُ، وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ.. إِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ إِلَيْكَ، وَأَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ، فَتَصِلَ إِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ أَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ.. إِلـهي وَأَلْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأَبْهَجِ، فَأَكُونَ لَكَ عارِفاً، وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفاً، وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً".

 

ويبقى أن نذكّر بليلة النصف من شعبان التي هي من أهم الليالي بعد ليلة القدر، التي يمنح الله فيها عباده فضله ويغفر لهم بمنه.. ولذلك لا بد أن نجتهد باحياء تلك الليلة بما ورد فيها من دعاء وقراءة قرآن وصلوات واذكار.

 

أيها الأحبة:

إن أهمية كل هذه الأجواء الروحية والإيمانية والتربوية بمقدار أثرها ومدى انعكاسها على بناء انفسنا وعلى سلوكنا.. فلا بد للصيام أن يوصلنا إلى التقوى التي تجعلنا نقف عند حدود الله لا نتجاوزها.. وللاستغفار أن يطهّر قلوبنا من كل حقد وعداوة.. وعقولنا من كل باطل، وحياتنا من كل ما يسيء إلى علاقتنا بالله وبالناس.

ولا بد لذكر الله أن يعمق علاقتنا بخالقنا أن نشعر أكثر بعظمته وعلوه وكبريائه.. أن نعبده ونخلص له العبادة، أن نطيعه ونخلص له الطاعة، والصلاة على رسول الله.. أن تزيدنا حباً لرسوله وتسليماً له ولأهل بيته الطاهرين.. كذلك الدعاء، لا بد ان يجعلنا أكثر ارتباطا والتصاقا به.

 

أيها الأحبة:

لقد أراد رسول الله(ص) لشهر شعبان أن يكون معسكر تدريب نتأهل فيه لندخل من خلاله إلى ضيافة الله في شهر رمضان.

وإلى هذا يشير الإمام الرضا(ع) إلى أحد أصحابه.. عندما قال له في آخر جمعة من شعبان.. "يا أبا الصلت إن شعبان قد مضى أكثره وهذه آخر جمعة فيه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى، وعليك بالإقبال على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلص لله عز وجل وتستحق ضيافته".

ومن كل هذا الجو العابق بالحب لله والعطاء للناس.. نطل على أبرز مناسبات هذا الشهر، (ولادة الإمام الحسين(ع)، ولادة العباس(ع)، ولادة الإمام زين العابدين(ع))، نماذج سموا في علاقتهم بالله وكانوا قدوة في العلم والحلم والكرم، لم يحملوا حقداً حتى على أعدائهم ومن رفعوا السيوف في وجوههم.

في هذا الشهر نستحضر كربلاء التي كانت القاسم المشترك بينهم، نستحضر الحسين وهو يقول: "لاَ وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي‌ إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ".

نستحضر العباس حين يقول: "والله إن قطعتـم يمينـي.. إني أحامي أبداً عن ديني" وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين.

نستحضر الإمام زين العابدين حين يقول لابن زياد الذي هدده بالقتل: "أما علمت يا بن زياد أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة".

وفي الوقت نفسه نستذكر الفرح، فرح رسول الله، وهو يحمل بين يديه في الثالث من شهر شعبان سبطه الحسين(ع) الذي سيكون كما قال(ص): "حسين مني وأنا من حسين" سيد شباب أهل الجنة..

وفي الرابع منه نستذكر علياً(ع) وهو يضم إلى صدره وليده العباس فيرى فيه صورته في الشهامة والعنفوان، والتضحية حتى الإيثار.. ونستذكر في الخامس منه، وهو يؤذن في أذن ولده اليمنى ويقيم في اليسرى وهو يقول: "اللهم اجعله زيناً للعابدين وسيداً للساجدين".

 

 

أيها الأحبة:

من حقنا أن نفرح بهذه الولادات.. ونريد لهذا الفرح أن يدخل بيوتنا، شوارعنا.. كل مواقعنا.. فنحن نريد لأجيالنا أن تعيش فرح هذه الولادات حتى تُطبع هذه المناسبات وما تمثله في سلوكهم ووجدانهم، وهنا ندعو إلى الإبداع في أساليب الاحتفال بهذه المناسبات، والإبداع في إعلان فرحنا، كي لا تبقى هي هي، نكررها أو نعبر عنها بما يسيء إلى المناسبة وأصحابها، كإطلاق المفرقعات أو كما يحصل في الموالد من أجواء ممنوعة..

فلا بد للتعبير أن يتناسب مع المضمون الذي ينبغي أن تؤديه استعادة هذه الذكريات، وبذلك نستطيع أن نوصل رسول الله(ص) وآل بيته إلى هذا العصر، عصر بات يقدم لأجيالنا نماذج أخرى كي تكون بديلاً للنماذج التي جعلها الله قدوة لنا وللبشرية..

وبذلك أيضاً نوصله إلى القلوب والوجدان ومن القلوب إلى العقول وعندها سيكون الفرح، فرح القلوب وفرح الجسد وفرح العقل وهذا هو الفرح الحقيقي.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، ونحن نعيش ذكرى ولادة الإمام الحسين(ع)، التي تصادف في الثالث من شهر شعبان، أن نستهدي بكلماته التي توجّه بها إلى رجلٍ جاء إليه قائلاً: أنا أعصي الله، وأريدك أن تتدخل لي عند ربك، حتى لا يجازيني بمعصية.. فقال له الإمام(ع): أنا على استعداد لذلك، لكن بشرط أن لا تأكل من رزق الله، فقال له الرجل: ومن أين آكل، وكل ما في الكون من عطائه؟! هذه لا قدرة لي عليها، فقال له الإمام(ع): إذاً، اخرج من أرض الله، واعصِ الله ما شئت، فقال له الرجل: وهذه أعظم من تلك، فأين أسكن وكل ما في الكون لله وحده؟ فقال له الإمام(ع): إذاً، اطلب موضعاً لا يراك الله فيه، واعصِه بعد ذلك ما شئت، فقال له الرجل: وهل تخفى على الله خافية، فقال له الإمام(ع): إذا جاءك ملك الموت، فادفعه عن نفسك، واعصِ الله ما شئت، فقال الرجل: هذا مُحال! قال الحسين(ع): إذا أُدخلت النار، فلا تدخل فيها، واعصِ ما شئت، فقال الرجل: حسبي يا ابن رسول الله، فلن أعصي الله بعد الآن، فكيف أعصيه وأنا آكل من رزقه، وأسكن في أرضه، وهو يراني أينما كنت، وليس بيدي دفع الموت عن نفسي، ولا ردّ العذاب إذا عذبني!

 

أيها الأحبة، هذا القرار الذي اتخذه الرجل، لا بد لكل واحد منا من أن يتخذه، ولا بد من أن نستحضر الله دائماً، لنكون قادرين على ضبط شهواتنا وانفعالاتنا، ما يمنحنا القوة لمواجهة كل التحديات.

 

والبداية من لبنان، الذي حصل فيه ما كان متوقعاً من شغور في موقع رئاسة الجمهورية، والذي قد ينسحب على المجلس النيابي. إننا نخشى أن يؤثر ذلك في أداء عمل الحكومة، نظراً إلى ما ينتج منه من تعطيل عمل المؤسسات، وتهديد مصالح المواطنين، كما حصل في المجلس النيابي، عندما عجز عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب. وكما نعرف، فإن التداعيات السلبية للتعطيل لا تقف عند حدود المسّ بلقمة عيش موظفي القطاع العام والمعلمين، بل قد تصل إلى تعطيل الامتحانات الرسمية، الذي يؤدي إلى إلحاق الضرر الكبير بمصالح الطلاب ومستقبلهم العلمي…

 

ومن هنا، نجدّد الدعوة للمسؤولين إلى الإسراع في تحقيق التوافق حول رئيس للبلاد، والاستفادة القصوى من المناخ الإقليمي والدولي الإيجابي، الذي لا يمانع تمرير هذا الاستحقاق إن توافق عليه اللبنانيون. وفي الحد الأدنى، ندعوهم إلى التوافق لتلبية المطالب الحيوية والاجتماعية العاجلة للبنانيين، والحفاظ على عمل المؤسسات الأخرى، بدلاً من السعي لتعطيلها، كما هو الحديث الجاري، ذلك أن من حق اللبنانيين على الطبقة السياسية في بلدهم، أن تؤمن لهم كل ما يساهم في تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، في بلدٍ مفتوح على الرياح العاتية التي تحيط به، وقد تصل تداعياتها إليه في أي لحظة.

 

وفي مجال آخر، لا بد من التوقف عند ما جرى من تداعيات وردود فعل على انتخاب السوريين المتواجدين في لبنان لرئيس جمهوريتهم، حتى وصلت بالبعض إلى حد اعتبار ذلك غزواً للبنان من قِبَل النظام السوري، أو رداً على إخراجه من هذا البلد، والمطالبة بإعادة السوريين النازحين إلى بلدهم.

إننا نرى في ما جرى تعبيراً طبيعياً عن حق السوريين الطبيعي في الانتخاب، في ظل تواجد أعداد كبيرة منهم في لبنان، وصلت إلى حدِّ ثلث أعداد اللبنانيين، فلا يُحمّل هذا الموضوع أكثر من حجمه الطبيعي، ولا يؤدي إلى إثارة أجواء التشنج والتوتر بين الشعبين الشقيقين، اللذين لا غنى لأحدهما عن الآخر.

 

وفي الوقت الذي ننبّه إلى عدم إثارة التشنج في العلاقات، ندعو الحكومة إلى دراسة موضوع النازحين السوريين، لا على أساس ردّ الفعل، بل بعين مسؤولة تراعي متطلباتهم وحاجاتهم، وفي الوقت نفسه، تتلافى سلبيات هذا الوجود على مختلف المستويات، بحيث لا يترك أي انعكاس سلبي على الواقع الأمني والمعيشي، ولا يؤدي إلى حساسيات بين الشعبين.

ومن هنا، لا ينبغي أن يبقى هذا الملف بعيداً عن التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، ودراسة إمكانية عودة بعض النازحين إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

 

وانتقالاً من الملف اللبناني، نطل على زيارة البابا إلى الأماكن المقدسة في فلسطين، والتي نرى فيها إيجابية، لما فيها من تأكيد لتعددية الديانات في القدس وفلسطين، في وقت يعمل الكيان الصهيوني على يهودية هذا الكيان، ما يعني تهميش الأديان الأخرى، هذا إلى جانب المشاعر التي أبداها عند الجدار العازل، وتجاه من التقاهم من الفلسطينيين. ولكن كنا ننتظر مع الفلسطينيين مواقف أكثر قوة وعدالة، ممن يحمل عنوان السيد المسيح(ع)، الذي جاء ليخلّص الناس من معاناتهم، ودعا إلى إخراج اللصوص في بيت المقدس، بأن يكون حديثه أكثر وضوحاً وصراحةً، وخصوصاً فيما يتصل بحق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم، وتقرير مصيره، وعودة أبنائه الهائمين على وجوههم في العالم وفي المخيمات، وأن يشير إلى ما يعانيه هذا الشعب بشكل يومي جراء القتل، والأسر، والحصار، والاستيطان، وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، بحيث يشعر الشعب الفلسطيني إن لم تنصفه السياسة، بأن الذين يمثلون الدين ينصفونه، فلا تتحرك مواقفهم من موقع سياسي، بل من موقع ديني يدعو إلى رفض الظلم والاحتلال، ولا يقبل بأن يصافح محتلاً ما دام مصراً على احتلاله، أو يبرر له هذا الاحتلال.

 

 

ويبقى أخيراً، أن ننبّه إلى الخطر الكبير المتمثل في التنافس بين القنوات التلفزيونية على عرض البرامج التي تخدش الحياء، وتساهم في تعزيز أجواء الميوعة والانحلال، في بلد عنوانه القيم الأخلاقية، لكونها القاسم المشترك بين كل الأديان والمذاهب…

إننا أمام هذا الواقع، نتوجه أولاً إلى المعنيين بهذه القنوات، وندعوهم إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه إنسان وطنهم، والحفاظ على مكامن القوة لديه، وهي الإيمان والقيم الأخلاقية والعفة والحياء، فلا يكون هاجسهم جذب المشاهدين أو الإعلانات التجارية…

وفي الوقت نفسه، ندعو كل الفاعليات المؤثرة، من علماء دين واجتماع وتربية، وجمعيات، وقوى سياسية، إلى العمل على خطين؛ خط الوقاية، من خلال رفع الصوت ضدّ استمرار هذه البرامج، وخط التحصين والتوجيه والتوعية الروحية والإيمانية. ويبقى على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها، فكما تعدّ مسؤولة عنهم في لقمة عيشهم، فإنها مسؤولة أيضاً عن حفظ قيمهم وأخلاقهم وعفتهم وحيائهم، فهذه القيم هي أغلى ما ينبغي الحفاظ عليه، فلا تضيع وسط حجج الحرية وتغير الزمن، أو غير ذلك من الحجج الواهية…

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 1 شعبان 1435هـ الموافق : 30ايار 2014م
 

Leave A Reply