فضل الله لـ أيوب: رمضان فرصة للوحدة

خاص (أيوب)

إثبات هلال رمضان في كل عام يتحول الى قضية خلافية ليس بين مذهب وآخر وحسب بل ضمن المذهب نفسه، إلا أن المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله تمكن من حجز مكانة مميزة في عملية إثبات ولادة الهلال مستنداً على أسس علمية وهو ما مكّن مؤسسته في الاستمرار بهذه المرجعية رغم وفاته.

"أيوب" حاور نجله السيد علي محمد حسين فضل الله حول كيفية إثبات ولادة الهلال وعن علاقة السياسية في هذا الاختلاف.

 

 كما العادة يترقب المسلمون في كل عام مسألة بداية ونهاية شهر رمضان، وقد تحولت مؤسسة سماحة السيد محمد حسين فضل الله إلى مرجعية في هذا الإطار، ما سبب ذلك وعلى ماذا تستندون في إثباتكم لهلال رمضان، وما نسبة الخطأ فيما تقومون به؟

في البداية أتوجه بالتهنئة إلى المسلمين جميعاً بحلول هذا الشهر الفضيل الذي آمل من الله أن تتنّزل فيه رحماته على الجميع لينعموا بالسلام والأمن والاستقرار والخير في رحابه، وقد دأبت مؤسستنا في حياة سماحة السيد الوالد رضوان الله تعالى عليه على أن تقدّم للناس الإجابات حول بدايات الشهور الهجرية ونهاياتها، وبخاصة شهر رمضان المبارك، ودأب الناس على مراجعتنا ولا يزالون، ولم نشعر بأن رحيل سماحة السيد أثر في ذلك، فالناس لا تزال على تقليده وتأتينا المراجعات من داخل لبنان وخارجه بشكل مكثّف ولا سيما على أبواب الشهر الفضيل، ولا أُظهر سراً إذا قلت أن ثمة عدد كبير ممن لا ينتمون إلى الطائفة الإسلامية الشيعية هم من المراجعين، وممن يبدأون صيامهم انطلاقاً من الوقت الذي نحدده والمستند إلى رأي سماحة المرجع الراحل السيد فضل الله(رض) حول بدايات الشهور القمرية.

إن سماحة السيد فضل الله رضوان الله عليه يرى أن بداية الشهر القمري تكون بولادة الهلال فلكياً بحيث يثبت ذلك بالحسابات العلمية الفلكية المؤكدة، إضافة للرؤية حيث يكون الهلال قابلاً للرؤية ولو بالعين المسلّحة أي من خلال المناظير، وذلك في أي بلد من العالم، فإن العالم أفق واحد بالنسبة لدخول الشهر القمري وذلك في البلد الذي نشترك معه بجزء من الليل، فلو لم يكن كذلك، فاليوم التالي هو بداية الشهر في البلد الذي لا نشترك معه في الرؤية.. فإن الشهر القمري واحد بالنسبة لمناطق الأرض من جهة، ومن جهة ثانية فليس هناك موضوعية للرؤية بل هي وسيلة لإثبات الهلال، وقد كانت الرؤية هي الوسيلة المتاحة سابقاً، ولكن مع وجود التطور العلمي فإن كل ما يحصل من معرفة حاسمة عن طريق العلم هو حجة في هذا المجال.. وهذا موافق للحديث الشريف الوارد عن النبي(ص): "صم للرؤية وأفطر للرؤية" لكونه ورد مع "إن اليقين لا يدخله الشك، وإن الأمر ليس بالتظنن".. فمعنى ذلك أن العبرة هي بتحصيل العلم والاطمئنان، ومن هنا يتبين أن نسبة الخطأ غير واردة ما دام الفقيه يعتمد على الحسابات العلمية المؤكدة..

اختلاف المسلمين بطوائفهم ودولهم حول هلال رمضان، هل هو خلاف فلكي أم أنه في عمقه سياسي؟

اختلاف المسلمين حول الهلال يعود إلى الاجتهادات، وإلى عدم وجود مؤسسة واحدة يصدر عنها القرار حول رؤية الهلال، وربما تختلط المسألة عندما تتداخل فيها أمور كثيرة بينها السلطات الشرعية أو السياسية في هذا البلد والتي تختلف مع سلطات أخرى في بلد آخر، وتعدد الولاءات وتعدد المرجعيات التي يعود الناس لها فيما يتصل بشهر رمضان على وجه التحديد..

ونحن كنا نؤكد على أن هذا الاختلاف لا سبيل لتجاوزه إلا من خلال الاعتماد على الحسابات العلمية الدقيقة التي لا تخضع للحسابات السياسية أو المذهبية أو ما إلى ذلك، بل تعتمد على العلم اليقيني الذي يُفيد الاطمئنان، ويمكن تحصيل ذلك من خلال مؤسسة واحدة في العالم الإسلامي، إذا اتفق المسلمون بمرجعياتهم على ذلك، أو من خلال علماء الفلك المعروفون بالدقة في آرائهم وهم كثر ومتواجدون في العالم الإسلامي وفي المغتربات.

أين مصلحة الأمة في توحيد صيام رمضان برأيكم؟ وما هو المطلوب للوصول إلى هذه المرحلة؟

إن الصوم يمثل الفريضة التي يعيش من خلالها الإنسان المؤمن في رحاب التقوى مع الله تعالى، وينفتح فيها على الآخرين من خلال شعوره بضرورة التفاعل معهم، سواء أكانوا من أهل الفقر والعوز أو ممن يحتاجون إلى الرعاية، أو حتى من الناس الذين أمرنا الله تعالى أن ننفتح عليهم حتى في ظل الاختلاف معهم في الآراء فـ"الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".. كما يقول الإمام علي بن أبي طالب..

ولعل من أبرز مظاهر الصوم هو أن يتوحد الإنسان المسلم مع أخيه المسلم بعيداً عن كل الحسابات، ونحن ممن يقول بالانتماء إلى الإسلام وإلى الهوية الإسلامية في كل رحابتها قبل الانتماء إلى المذهب..

وفي هذه المراحل بالذات التي تكثر فيها الفتن، وتتوالى فيها على الأمة الإسلامية الحروب والانقسامات كقطع الليل المظلم، نشعر أننا بحاجة ماسة إلى توحيد الصفوف ورصّها وإلى تسخير كل شيء لمصلحة قضايانا الكبرى، ولعل محطة الصوم كمحطة الحج تمثل العبادة التي يتمظهر فيها العالم الإسلامي كله بمظهر واحد، ما يستدعي استثمار ذلك في العمق لنكون معاً في خط الانفتاح على الله، والعمل بما أمر، وقد قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وأعتقد أن أبرز مظاهر الوحدة يمكن أن تتجلى في هذا الشهر الفضيل وفي رحابه..

 وسط الفتن الكثيرة التي يشهدها عالمنا العربي والإسلامي، هل باتت الوحدة الإسلامية حلماً مستحيلاً؟

نحن ندرك أنَّ هذا الطَّريق صعب، وخصوصاً في الأجواء التي تثار فيها العصبيات والغرائز المذهبية والطائفية، ويخبو صوت العقل.. ولكنَّ المسألة لا تتصل بما نجني من أرباح أو نحصد من خسائر من خلال الالتزام بهذا الخط، بل هي مسألة رسالة وفعل إيمان، وأنا أعتبر أن العمل للوحدة بين المسلمين السنة والشيعة ليس خياراً من بين مجموعة من الخيارات، بل هو واجب وفريضة، ولا خيار بعده، لأنّ كلّ الخيارات الأخرى تعني الفرقة والانقسام والمخاطرة بمصيرنا جميعاً كعرب وكمسلمين..

وقد كنت أشعر دائماً بالتفاؤل رغم كلّ الظروف، لأنَّني أعتبر أنَّ الوحدويين من السنة والشيعة هم الأغلبية الساحقة، وإن كانوا فئة صامتة في كثير من الأحيان، أو أنَّ أصواتهم لا ترتفع كما ترتفع أصوات الآخرين.. وأؤكّد دائماً أن لا خيار لنا إلا بالحوار والتلاقي والتواصل، وهذا ما يذكّرنا به ديننا وقيمنا وما تدعوه إليه مصالحنا..

ولا أرى في كلّ ما يجري أنَّه مشكلة سنيّة شيعيّة بقدر ما هو مشكلة سياسيّة تستغلّ فيها العناوين المذهبية لحسابات سياسية.. ومن هنا، دعونا ولا نزال ندعو كلّ المرجعيات الدينية إلى الحضور في الساحة، وعدم الانكفاء عنها تحت أيّ اعتبار، لمنع هذا الاستغلال، ولتأكيد القواسم المشتركة بين المسلمين، ومنع الإساءة إلى مقدّسات بعضهم البعض وإلى رموزهم..

معارضة منهجكم العلمي في إثبات هلال رمضان يلقى معارضة شيعية وسنية، كيف تصفون هذه المعارضة وماذا تقولون لهؤلاء المعارضون؟

لا مشكلة من حيث المبدأ في الخلاف، وخصوصاً عندما يكون خلافاً علمياً، فاختلاف الأمة رحمة شريطة أن يكون خلافاً علمياً خالصاً، وأن نتوخّى جميعاً حكم الله الذي قد يصيبه من يصيبه ويخطئه من يُخطئه.. المشكلة ليست في أن نختلف، بل في كيف ندير خلافاتنا، وبالتالي فلكل مجتهد نصيب..

ونحن نعتقد أن الحوار حول هذه المسألة.. أي إثبات هلال شهر رمضان ينبغي أن يكون حواراً مباشراً بين أهل الاختصاص، لا أن يتم التراشق فيه عن بُعد أو أن يُتهم هذا أو ذاك بالتهم التي تصل إلى مستوى الإدانة، وحيث يبتعد فيه الناس عن الموضوعية والعلمية في الحكم على الأشياء.

كما نعتقد بأننا نملك الحجّة التي نواجه بها من يختلف معنا، سواء العلمية أو الحجة الشرعية المستندة إلى الاجتهاد في النصوص الواردة عن النبي(ص) أو من خلال استهدائنا للقرآن الكريم..

وعلى كل حال فإن الوسيلة المثلى لحسم هذا الأمر تكون من خلال لجنة شرعية تضم كل المذاهب الإسلامية، وتستند إلى أهل الخبرة في كل ما يتصل بالحسابات الفلكية وحسابات الولادة، وأعتقد أننا لن نعدم الوسيلة في الوصول إلى هذا الخيار لاحقاً، وإن كانت الحسابات السياسية، أو بعض الأمور المعقدة لا تزال تحول دون ذلك، ولكن من يعرف صيرورة الأمور يُدرك أننا سنصل إلى هذه النتيجة في نهاية المطاف، ونحن نأمل أن تتم في أسرع وقت ممكن احتراماً لهذا الإسلام العظيم، وتقديراً لكل جهود العلماء، ونزولاً عند حاجات أجيالنا، وتطلعاتهم.

ما هي الكلمة التي يوجهها سماحته  للمسلمين مع قدوم شهر رمضان المبارك؟

ندعو المسلمين إلى أن يتطلّعوا إلى مسؤوليتهم عن كلّ هذا التاريخ والقيم والمبادئ؛ هذا التاريخ الذي قُدّمت فيه تضحيات جسام من أجل أن يُحفظ الدين، وأن يبقى على نقائه وأصالته وعلى صفائه وحضوره.

هذا الدين يتعرض الآن لتحدّيات، وتشوّه صورته وصورة المسلمين. وبالتالي، إذا لم تتكاتف جهودنا ولم تتوحّد طاقاتنا، نكون قد تنكرنا لكلّ هذه التضحيات الجسام. فعندما نستعيد في شهر رمضان ذكرى معركة بدر، التي بُذلت فيها تضحيات كبيرة، وعندما نستعيد حقبة فتح مكّة وكل جهد بذله النبي(ص) لتقوية حضور الإسلام بكل معانيه الإنسانية، نشعر بالمسؤولية تجاه هذا التاريخ القيّم.

بالفعل، علينا أن نتكاتف بكل جهودنا لنقف في وجه كلّ هؤلاء الذين يسيئون إلى الإسلام وصورته ونقائه، وأن نعيد إنتاج صورة جديدة، وهذا لا يتمّ إلا بتوحّد المسلمين وتضافر جهودهم في هذا الاتجاه. وعلى المسلمين أن يشعروا بأن هناك آثاراً تترتب على ذلك وقد يكون منها ما نواجهه من دعوات للإلحاد والبعد عن الدين.

ومن هنا المطلوب أن تستنفر كلّ جهودنا لإعادة الاعتبار إلى هذا الدين وقيمه ومبادئه وحضوره الصافي كما هو، دين الرحمة والمحبة والانفتاح والتواصل. من هنا، ندعو في هذا الشهر للخلود إلى التفكير العميق؛ فهو فرصة حقيقية للتفكير بكيفية الخروج من هذا الواقع، وكيفية حماية الإسلام من داخله ومن خارجه.

 
 

Leave A Reply