شارك في مؤتمر الإمام الرِّضا (ع) في مدينة مشهد الايرانيَّة فضل الله: كلُّنا معنيُّون بتحقيقِ العدالةِ ونصرةِ المظلومِ في وجهِ الظَّالم
ألقى العلَّامة السيِّد علي فضل الله كلمةً في حفل افتتاح المؤتمر العالمي الخامس للإمام الرّضا (ع) الَّذي أقيم في جامعة الإمام الرضا (ع) الدوليَّة، في مدينة مشهد الإيرانيَّة، تحت عنوان “العدل للجميع لا ظلم لأحد”، وحضره علماء ومفكّرون من إيران والعراق ولبنان وبوركينا فاسو ومالي وأمريكا وإسبانيا وهولَّندا وإنجلترا والبرازيل والمغرب.
في بداية كلمته، أكَّد سماحته أهميَّة أن نستلهم من معين الإمام الرِّضا (ع) المعاني الروحيّة والإيمانيّة والصّفاء الإنساني، الَّتي تمثلت في سيرته، وعبَّرت عنها كلماته ومواقفه، مقدِّراً ما تقوم به العتبة الرضويَّة من دورٍ لم يقف عند حدود احتضان الزائرين، بل ما أخذته على عاتقها من استضافة العلماء والمفكّرين لتقديم قراءة جديدة للتراث الإنساني الَّذي تركه الإمام الرضا (ع)، سعياً منها ليكون هذا التراث الَّذي يتَّصل بالفطرة، وينسجم مع العقل، عابراً للزمان والمكان، وقادراً على بناء عالم تسوده القيم الَّتي نحن أحوج ما نكون إليها.
وأضاف: إنَّ تراث أهل البيت (ع) غنيّ بالمعاني الروحيَّة والأخلاقيَّة والعلميَّة والفكريَّة، والعالم يحتاج إلى هذا التراث، إن أحسنَّا إظهار الكنوز المودعة فيه، وتولَّينا نشره وتسويقه.
ولفت إلى ضرورة اعتماد أسلوب جديد لتعزيز حضور أهل البيت (ع)، فلا نكتفي بالبعد العقدي والدَّلالة على ما ورد من نصوص حول إمامتهم، بل بالإضاءة على ما تحمله كلماتهم من قيمٍ ودلالاتٍ إنسانيَّة وحضاريَّةٍ تسهم في حلّ ما تعانيه البشريَّة من أزمات، وترتقي بها على الصَّعيد الحضاريّ، مشيراً، في هذا المجال، إلى ما يحتويه فكر الإمام الرّضا (ع) من غنى ومن منهج حواريّ، وهو الَّذي حاور الجميع من مختلف الأديان والمذاهب والثَّقافات، وشهد له كلّ من حاوره على إنسانيَّته ومنطقه الهادئ والرَّصين وسعة صدره، مما ينبغي علينا أن نستلهمه في القضايا الَّتي نختلف فيها مع الآخرين.
ورأى أنّ العدالة تتناقض وسياسة الكيل بمكيالين الَّتي يدار بها العالم، حيث تخضع لموازين القوى وللغة المصالح، ما يدفع البشريَّة نحو التبدّد والانهيار والتمزّق، وبما يعطِّل الهدف الَّذي لأجله بعث الله الأنبياء والرّسل، وجاءت الرسالات السماوية.
وأشار إلى أنَّ الله عزّ وجلّ أراد للعدالة أن لا تخضع للحسابات العائليَّة أو العشائريَّة، أو الاختلاف في الدّين أو المذهب، أو الانتماء الوطني أو القومي، أو للتَّمايز على صعيد العرق أو اللَّون أو الجنس، بل أرادها للجميع، وقد التزم الإمام (ع) بهذا المفهوم للعدالة في تعامله مع العرض الَّذي قدَّمه له الحاكم في مسألة ولاية العهد، فقبلها لمصلحة محدَّدة، من دون أن يتحمَّل مسؤوليَّة ما يقوم به الحاكم، وذلك حرصاً على أن لا تتعرَّض العدالة ولو لخدش يكون هو مسؤولاً عن حدوثه.
وتحدَّث عن تصوّر الإمام الرضا (ع) للحكم، وذلك حين حرص على تأكيد الأمور الآتية: رفض التَّمييز في تطبيق القوانين، الكلّ عنده أمام القوانين سواء، لا فرق بين حاكم ومحكوم، وبين قويّ وضعيف، وأنَّ المناصب لا بدَّ أن يكون المعيار فيها هو الكفاءة، وأنَّ التَّنمية من نصيب الجميع، لا لفئة أو منطقة، وأنَّ العدالة لا بدَّ أن تكون شاملة.
وقد حرص الإمام (ع) على أن يقدِّم أنموذجاً عمليّاً ولو محدوداً، في الكيفيَّة التي على الحاكم أن يقيم العلاقة مع النَّاس على أساسها، حيث كان، وهو في ولاية العهد، يُجلِسُ إلى مائدته خدمَه وعمَّالَه، حتى البوَّاب والسَّائس، وقد أشار إلى القاعدة الَّتي انطلق منها، والتي تمثِّل مبدأً عامًّاً، وله جذوره في القرآن الكريم: “إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد، والأمّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال“، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم.{
وأردف: إنَّنا معنيّون اليوم، مسلمين ومسيحيّين، وسنَّة وشيعة، أن نلتقي على العدالة، وإنَّنا إن لم نقف في وجه الظَّالم وننصر المظلوم لتحقيق العدالة في الأرض، سنكون شركاء فيما يجري من مظالم، ونضحِّي، بالتالي، بقيمنا ومبادئنا، وهو معنى كلمة الإمام الرِّضا (ع): “من أعان ظالماً فهو ظالم، ومن خذل ظالماً فهو عادل”.
وحثَّ الإمام (ع) الملتزمين بالرسالات السماوية على مواجهة الظَّلم الَّذي يشهده العالم؛ ظلم الدول الكبرى للدّول المستضعفة، وظلم الحكَّام لشعوبهم، والانتصار للحقّ والعدل في غزَّة الَّتي يصنع لها الباطل في كلِّ يوم مآسي يندى لها جبين الإنسانيَّة، مشدِّداً على أنَّ الإسلام لا يقوم إلَّا مع العدل، والاستقرار لا يتحقَّق مع وجود مظلومين ومقهورين.


