قصَّة أصحاب الجنَّة: دروس وعبر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

من القصص المهمّة الّتي أوردها القرآن الكريم في سياق دعوة النّاس إلى الله وهدايتهم وتربيتهم، قصّة أصحاب الجنّة الّتي ذكرت في سورة القلم. وكثيرة هي القصص الّتي ذكرها القرآن الكريم، في معرض الحديث عن أحداث وشخصيّات مرّت في التاريخ، والهدف منها ما ذكره الله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}.

وتأكيداً لموضوع العبرة والاعتبار في القصص القرآني، نلاحظ أنَّ هذه القصَّة، كأغلب القصص القرآنيَّة، لم يشر القرآن إلى مكان حدوثها ولا تاريخها ولا أسماء الأشخاص الّذين تدور القصَّة حولهم،  واكتفى بذكر الوقائع الأساسيّة الّتي تظهر الفكرة وتلفت إلى الغاية من إيراد القصّة.

مؤمن لم يفرِّط بالزَّكاة

وفي قصّة أصحاب الجنّة درس وعبرة على أكثر من مستوى: المستوى التربويّ، علاقة الأبناء بالآباء، ومشكلة التمرّد على وصايا الأهل وتوجيهاتهم في حياتهم وبعد مماتهم.. وفيها مستوى اجتماعيّ يتعلّق بالتّكافل وشعور الأغنياء بالفقراء، فضلاً عن مستوى إيمانيّ له علاقة بالابتلاءات والاختبارات، وخصوصاً كيفيّة التّعامل مع الابتلاء بالنّعم والثّروة، ومن هنا تبدأ مباشرة، إذ يقول لنا القرآن عن أصحاب هذه الجنّة: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجنة..}.

وملخّص القصّة كما وردت في سورة القلم، أنّ رجلاً مؤمناً طاعناً في السّنّ، كان يملك جنّة في أرضه، أي بستاناً عامراً جميلاً، كثير الأشجار ووفير الأغلال والثّمار. وطبعاً نستطيع أن نفهم أهميّته قياساً بذلك الزّمن، ففي ذلك إشارة إلى مردوده الاقتصاديّ الكبير.

وكان هذا الرّجل شاكراً لأنعم الله عليه، حريصاً في كلّ سنة على أن يؤدّي زكاة أمواله، فيأخذ في نهاية الموسم من الثّمر والغلال كفاية عائلته، أمَّا الباقي، فيوزّعه على الفقراء والمساكين.

وورود موضوع الزَّكاة في هذه القصّة، دليل على أنّ الزّكاة لم تكن تشريعاً خاصّاً بالإسلام وحده، بل صاحبت كلّ الرّسالات، واقترنت الدّعوة إليها بالدّعوة إلى الصّلاة، وهذا ما نقرأه مثلاً في قول السيّد المسيح: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ…}، وقول القرآن عن إسماعيل: {كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ…}، وكذلك كلّ الأنبياء: {أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاة…}.

الشّيطان يغوي الأبناء

هذا الرّجل، في قصّة أصحاب الجنّة، لم يفرّط في الزّكاة أبداً، بقي على هذه الحال لسنوات طوال، اعتاد خلالها الفقراء أن يأتوا إليه في كلّ موسم حصاد ليتسلّموا حصصهم الوفيرة… وكان يفعل ذلك بطيبة خاطر، ومن دون أيّ منّة، لأنّه مؤمن وموقن بأنّه يوزّع حقوقاً لأصحابها.. هذا الأمر لم يرق لأولاده الخمسة الّذين أزعجهم إعطاء الفقراء كلّ عام، والتخلّي عن رزقه وثروته، وصاروا يضربون أخماسا بأسداس، وكانت النتيجة في رأيهم أنّ هذا تفريطٌ من والدهم برزقه ورزقهم وبمستقبل أولادهم…

نعم، سحبهم الشَّيطان إلى ساحته، ووقعوا في حبائله سريعاً، لم يخفوا الأمر، قصدوا أباهم ناصحين ليعيدوه إلى جادة العقل.. وقدّموا حججهم وتبريراتهم، لكنّ الأب كان يجيبهم: المال مال الله، والثّمار ثماره، وهو من أوجب عليَّ فريضة الزّكاة {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه..}. المعادلة واضحة مثل عين الشّمس، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟ لم يقتنعوا.. لكنّهم كانوا يسكتون على مضض. ولم يمض زمن طويل حتّى توفّي الأب، وورث الأولاد البستان، وصار أمره بأيديهم.. ولم يتردّدوا لحظة في أخذ قرارهم الحاسم.

هنا يضيء لنا القرآن الكريم المشهد بومضة خاطفة من المهمّ أن نلتفت إليها، هؤلاء لم يكتفوا بتصميمهم على حرمان الفقراء فحسب، بل راحوا يشهدون الله، ويقسمون بأنّهم سيحرمون الفقراء، تصوّر إنساناً يُقسم بالله أنّه سيرتكب المعصية، هذا يعني أنّ الشّيطان لم يغوهم فحسب، بل ملأ يده منهم… هكذا راحوا يتحدّون الله، ومن غير حياء: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ…}، {وَلَا يَسْتَثْنُونَ}… منذ الآن سيقطفون الغلال وحدهم، ولن يكون هناك بعد اليوم أيّ حصّة للفقراء والمساكين كما كان يفعل والدهم… لقد انتهت المرحلة الّتي كان أبوهم يبدّد خلالها ثروتهم، وبدأت اليوم مرحلة جديدة بالنّسبة إليهم… وراحوا يدرسون كيفيَّة التّنفيذ بكلّ دقّة.

صدمة غير متوقّعة

لذلك، اختاروا وقت الفجر، ولم يكتفوا بذلك، بل مشى بعضهم على رؤوس أصابعه، وحرصوا على التَّخاطب همساً، وأكثر من هذا، بدّلوا الطّريق من تلك الّتي يمرّ بها الفقراء… وهكذا، ضمنوا بشكل كامل أنّ خطّتهم ستنجح.

لكن، لماذا كلّ هذه الإجراءات؟ يدلّك هذا على مدى التوتّر الّذي كانوا يعيشونه من الفقراء والمساكين.. كانوا مصمّمين على إنهاء الموضوع بسرعة، وجوابهم حاضر.. {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ *أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ *فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ *أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ *وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}.

وما إن وصلوا إلى البستان، حتّى كانت المفاجأة المرعبة: صدمة هزّت أركانهم، شلّت خطواتهم، عقدت ألسنتهم… الجنّة الّتي تركها لهم أبوهم عامرة خضراء مليئة بالأشجار والثّمار، ها هي متهالكة متداعية، وقد أصبحت سواداً ورماداً… وعبرةً. ما الّذي حدث؟

{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ}.

في البداية ظنّوا أنهم أخطأوا الطّريق إلى بستانهم، دقّقوا النّظر أكثر، فتأكّدوا أنّهم أمام الحقيقة المرّة. هنا استفاقوا بعد فوات الأوان، واعترفوا بالنّتيجة الّتي أوصلوا أنفسهم إليها: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}. نعم، لقد ذهب كلّ شيء، والآن أصبحوا فقراء بعد غنى… تساووا مع الّذين حرموهم.. ويا له من عذاب! {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}.

أيّها الأحبَّة: هي ليست قصّة عابرة في التّاريخ وانتهت بانتهاء أشخاصها، إنّما هو موقف يتكرَّر كلّ يوم، وفي كلّ مكان..

صحيح أنَّنا قد لا نرى مع كلّ حالة نكرانٍ وتحدٍّ لأوامر الله استعجال العذاب ونزوله مباشرة، لأنّ لهذا قوانين وحسابات في علم الله، لكنَّنا نرى الكثيرين ممن يقفون موقف أولئك الأبناء، الّذين ظنّوا في لحظة أنّهم قد تحكّموا بالظّروف، وسيطروا على الوضع، وأنّ الأمور باتت لحسابهم وحساب مصالحهم ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين}…

واجب مساعدة الفقراء

أيّها الأحبَّة: إنَّ مسؤوليَّة الفقراء والمساكين لم يجعلها الله أمراً اختياريّاً، بل فرضها واجباً، كما يشير إلى ذلك الحديث: «إنَّ الله فرض على أغنياء النَّاس في أموالهم قدر الّذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإنّ الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً». وطبعاً، الأغنياء في العرف الإسلاميّ هم من يملكون مالاً زائداً عن قوت سنتهم… يقول تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل..}، وقال جلّ وعلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.

وفي حديثٍ للإمام الصَّادق(ع) يحذّر فيه من مغبّة التمرّد على أداء هذه الحقوق: «ما فرض الله على هذه الأمّة شيئاً أشدّ عليهم من الزّكاة، وفيها تهلك عامّتهم…».

فالكثير من النّاس قد يصلّون ويصومون ويذهبون إلى الحجّ، ولكن عندما يصل الأمر إلى أن يفوا بواجباتهم الماليّة والتزامهم أمام الله، يتوقّفون ويتذرّعون، والشّيطان كفيل بكثير من الأعذار.

إنّ دور التّربية الإيمانيّة أن تجعلك تصمد أمام الابتلاء، وتثبت أمام الاهتزاز… وأن تحسب لله ألف حساب، فلا تغفل أو تتحدّى، لأنّ الله عزيز ذو انتقام، وهو يمهل ولا يهمل، فإذا كنت مقتدراً وتقف متردّداً أمام هذا الواجب، فتذكّر أصحاب الجنّة، واسعَ لتخرج من الامتحان فائزاً في الدّنيا ببركة وزيادة في الرّزق والنّعم، وفوقها الفوز في الآخرة. أبرئ ذمّتك، أعط الفقراء حقّهم مما أعطاك الله من نعمه وتيسيره ورزقه، هو لهم، فلا تحرمهم منه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

أمّا الخيار الآخر، ففيه الأمان كلّ الأمان: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى *فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}، {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ * وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ * وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التَّقوى أن نتمثَّل الخُلُق العظيم الَّذي كان يتَّسم به أئمَّتنا(ع)، اقتداءً برسول الله(ص). ومن ذلك، ما ورد عن الإمام الرِّضا(ع)، عندما جاء إليه رجل وهو جالس بين أصحابه، فقال له: "السّلام عليك يا بن رسول الله، أنا رجل من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ به بلدي"، فقال له الإمام(ع): "اجلس رحمك الله".

بعدها، دخل إلى حجرته، وعندما خرج، دعا الرّجل وأعطاه مبلغاً وفيراً من المال، ولكن من وراء الباب، فقال له أحد أصحابه: "جُعِلت فداك، لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟"، فقال(ع): "مخافة أن أرى ذلّ السّؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله(ص): المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجَّة، والمذيع بالسيِّئة مخذول، والمستتر بها مغفور له"؟ أما سمعت قول الأوّل:

مَتى آَتِهِ يَوماً لأَطلبَ حَاجَةًرَجِعتُ إِلَى أَهلِي وَوَجهِي بِمَائِهِ؟"

أيّها الأحبَّة، نحن بحاجة إلى أن نؤكّد هذه القيمة في واقعنا، وأن نحرص على العطاء، وفي الوقت نفسه، أن نحرص على حفظ كرامة الإنسان فينا، ففقراؤنا أعزّاء، وعلينا أن لا نضطرّهم إلى أن يأتوا إلينا. وإن أتوا إلينا، فعلينا أن نحرص على حفظ كرامتهم، فهم يمنّون علينا، لأنّهم جعلونا أهلاً للمعروف.

بهذه الرّوح، نستطيع أن نضمن سلامة مجتمعنا، لأنَّ المجتمع الّذي يصرّ على عزَّته وعزّة الّذين يعيشون فيه، هو المجتمع القويّ القادر على مواجهة التحدّيات، والّذي لن يستطيع الأعداء أن ينخروه من داخله، وهذا ما نحتاجه لمواجهة تحدّيات الحاضر والمستقبل.

العالم يحتاج منطق الحوار

أيّها الأحبّة، استمع العالم في الأيّام الماضية إلى الخطابات الّتي انطلقت من أروقة الأمم المتّحدة، حيث برز منطق جديد عبَّر عنه الرّئيس الإيراني الشّيخ حسن روحاني، ويقوم على قواعد الحوار والانفتاح، وهو منطق يحتاج إليه العالم كي يعيش الأمان والاستقرار، ويخرج من دائرة العنف والإرهاب وحالة اللااستقرار؛ منطق يدعو إلى احترام حقّ الشّعوب بالعيش الكريم، والحريّة في التصرّف بثرواتها، والاستفادة من طاقاتها ومقدَّراتها، بعيداً عن منطق الهيمنة وذهنيَّة ابن السّتّ وابن الجارية.

ولكنَّ هذا الطّرح لا يعني أنّ الطّريق لتحقيق هذه العناوين سيكون مفروشاً بالورود والرّياحين، فالقوى المهيمنة على هذا العالم لن تتنازل بسهولة عن مكتسباتها، أو تستكين لهذه الخيارات، بل ستعمل جاهدةً من أجل الوقوف أمام كلّ القوى المعارضة والممانعة لمشاريعها، وسلاحها الدّائم هو سلاح الفتنة بين الدّول التوّاقة إلى الحريّة.

إنَّ هذا الأمر يستدعي وعياً متزايداً من الدّول والشعوب لمخطّطات الدول الاستكباريَّة، وسعياً حثيثاً منهم لتقوية مواقفهم وعدم الرّهان على الدّول الكبرى، فهي لا تريد إلا مصالحها، حتّى لا يُلدغوا من جحرها مرّتين، وتكفيهم اللّدغات السّابقة، وليكن رهانهم على منطق الوحدة ووأد الفتن.

سوريا في مرمى الاستنزاف

وهذا ما نريده لسوريا بالذّات، فقد بات واضحاً أنَّ القضيّة في هذا البلد خرجت عن كونها قضيَّة إصلاح لا بدَّ منه، حيث يراد استنزاف موارده وكلّ مواقع القوّة فيه، واستنزاف جيشه وشعبه وبنيته التحتيّة، وجعله مشرَّعاً على رياح كلّ من يريد العبث به.

ومن هنا، فإنَّنا ندعو الغيارى على هذا البلد إلى مساعدة شعبه على تلمّس طريق الحلّ من خلال الحوار، بعيداً عمّا يرسمه الكبار الّذين أصبح واضحاً أنّهم لا يريدون من هذا البلد إلا مصالحهم ومصالح الكيان الصّهيوني، كما ندعو إلى أن يكون الشّعار لدى الجميع: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور سوريا والعالم العربي والإسلامي".

مصر: خطر سياسة الإقصاء

أمّا مصر، فقد كنّا نتمنّى ألا تصل المسألة فيها إلى حيث وصلت، ولا سيّما لجهة قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين، فلا يمكن الحكم بشكلٍ مطلق على جماعة بأكملها، ولا سيّما أنَّ لها عمقها الشّعبيّ الواسع، كما بيّنت الانتخابات السّابقة.

إنّنا، وعلى الرّغم من الكثير من الأخطاء الّتي ارتكبت، والمشاكل النَّاجمة عنها هنا وهناك، ندعو إلى مقاربة المسألة في مصر بذهنيَّة مسؤولة، بعيداً عن سياسة الاستئثار والإقصاء… ليستعيد هذا البلد وحدته وحضوره في العالم العربيّ والإسلاميّ.

ومن هنا، فإنّنا ندعو إلى العودة إلى لغة الحوار بين كلّ القوى الفاعلة، للخروج من هذا النّفق المظلم الّذي يُراد لمصر أن تقبع فيه، والّذي لن يستفيد منه إلا الكيان الصّهيوني الّذي يعمل جاهداً ليكون كلّ من حوله ضعفاء متنازعين متقاتلين…

وفي الوقت عينه، ندعو أيضاً إلى مقاربة المسألة في البحرين بذهنيّة السّلطة المسؤولة المنفتحة على شعبها وخياراته وحقوقه المشروعة، بعيداً عن سياسة الإلغاء والحظر والاعتقال، كي لا تزداد الأمور تعقيداً في هذا البلد الّذي نريده أن يبقى بلد التّعايش والتّواصل والتّعاون بين كلّ مكوّناته.

فلسطين نحو انتفاضة ثالثة؟!

إنَّنا وأمام هذا المشهد المعقَّد والصَّعب في المنطقة العربيَّة والإسلاميَّة، وفي ظلّ الدّخان المتصاعد في أكثر من بلد، لا يسعنا إلا أن نشدَّ على أيدي المجاهدين داخل فلسطين المحتلَّة، الّذين أثبتوا في الأيَّام الماضية أنَّهم قادرون على النَّيل من جيش الاحتلال الصّهيونيّ، على الرّغم من كلِّ الإجراءات الّتي يتَّخذها داخل الضّفة الغربيَّة وخارجها، حيث استطاعوا توجيه أكثر من ضربة قاتلة إليه.

لقد استطاع المجاهدون في فلسطين أن يوجّهوا البوصلة في الاتجاه الصَّحيح، ولم يكترثوا لكلّ ما يجري من حولهم من مفاوضات التفافيَّة على القضيّة الفلسطينيَّة. وعلى الجميع أن يمدّوا أيديهم إلى هؤلاء، لدعمهم، وتهيئة الجوّ لانتفاضة جديدة تعيد الأولويّة إلى مواجهة هذا العدوّ، الَّذي أثبتت التَّجارب أنّه لا يخضع إلا للغة المقاومة والانتفاضة والمواجهة، ولا يفهم غيرها.

لبنان: الدّولة في الضَّاحية

وعندما نصل إلى الشّأن الدّاخليّ، فلا يسعنا إلا أن نرحّب بوجود الدّولة بأجهزتها الفاعلة في قلب الضّاحية الجنوبيّة، وهي الّتي كانت حريصة دائماً على التزام منطق الدّولة، ولم تكن تسعى يوماً ـ من خلال أهلها والقوى الفاعلة فيها ـ إلى الأمن الذّاتيّ، أو إلى الانسلاخ عن الوطن، بل كانت موقعاً من المواقع الرّئيسة الّتي أعادت اللّحمة إلى الوطن، من خلال كسر حلقات الظّلم الدّاخليّ والعدوان الصّهيونيّ على لبنان.

ولكنَّ هذه العودة الّتي نريدها أن تكون فاعلةً ومسؤولةً للدّولة، لا تعفي أبناء الضّاحية من أن يكون كلّ واحد منهم خفيراً، فلا تزال قوى الشّرّ تعمل في اللّيل والنّهار للنّفاذ إلى هذه المنطقة، واستهداف أمنها كما بقيّة المناطق اللّبنانيّة، ولا تزال عين العدوّ تتربّص بها شرّاً.

ونحن في الوقت الّذي ندعو إلى أن تشمل هذه الخطّة مناطق لبنانيّة أخرى، نؤكّد ضرورة مواكبتها بخطوة سياسيّة، من خلال توفير كلّ المناخات لولادة حكومة جامعة شاملة، تحمي التّوازن الدّاخليّ، وتدفع بالعجلة الاقتصاديّة والسياسيّة والبرلمانيّة إلى الدّوران، وعندها يكون عملُ الجيش والقوى الأمنيّة مكمّلاً ومساعداً.

إنَّنا نريد لأجواء التَّفاؤل الّتي برزت مؤخَّراً، أن تنعكس على السّياسة، من خلال تحمّل الطَّبقة السياسيَّة لمسؤوليَّاتها على كلّ المستويات، فلا خيار للّبنانيّين إلا الحوار المنفتح الّذي تجلّى في اللّقاءات الأخيرة الّتي نأمل أن تستكمل على مختلف الصّعد والمستويات.

 

 

Leave A Reply