أربع سنوات على رحيل المؤسس, فضل الله: استمرار «المبرات» إنجاز

يبدو، في حديث السيد علي فضل الله، أن استمرار «جمعية المبرات الخيرية»، بعد وفاة مؤسسها المرجع السيد محمد حسين فضل الله منذ أربع سنوات، يعتبر وحده انجازاً. وهذا مفهوم، في قياس نماذج أخرى تقلص حضورها بغياب مؤسسيها. وهو ما يبدو، في مؤسسات تتكل على مرجعية دينية، أكثر احتمالية. لكن الجمعية، ومؤسساتها المتنوعة، استمرت. وترافق ذلك مع استكمال مشروع، سابق على رحيل المؤسس، يؤمن تطوير جانبيها الإداري والمؤسسي. «وكنا نريد من ذلك أن نواكب العصر وآلياته، وتطوير أداء الموظفين. وهذا ما يشكل ضمانة لاستمرار خدمات المؤسسة»، يقول فضل الله.

الانفتاح على الآخرين
يقر السيد فضل الله بأن هناك تقصيراً في توجه الجمعية إلى بيئات خارج المجال الشيعي. وهو يطرح تغييره، وتوسيع مجال العمل، هدفاً للمستقبل. وفي المبدأ «نتوجه إلى الجمهور العام كله، بتنوعه الطائفي والمذهبي. وهدفنا أن نكون خارج الاصطفاف الطائفي. وهذا أقل التزام ممكن بالصورة التي رسمها سماحة السيد لمؤسسات منفتحة على الآخر. طبيعة المستفيدين من المؤسسات والعاملين فيها تؤكد ذلك». على أن ظروف معينة، وحاجات، حكمت، وفقه، لتكون الغلبة لـ«جمهور خاص»، كما يسميه. يبقى أن انطلاق الجمعية، ومؤسساتها، من مرجعية دينية معلنة قد يعيق احتمال تقرب الآخر منها. هذا افتراض ينفيه السيد فضل الله. وهو يرى أن الانطلاق من طائفة معينة ليس مشكلة، «ما دمت تنفتح في أعمالك على الآخرين. ونحن لا نستعمل أي لغة خاصة في هذا المجال، بل نحرص على تنوع حضورنا».
لا ينفي السيد فضل الله تبنيه نظرة للقضايا العامة وللسياسة، لكن ذلك لا يتعارض، عنده، مع الحرص على وجود الرأي الآخر في المؤسسات. هكذا، يبدو خطيراً، وفقه، «تحول جمعيات المجتمع المدني إلى تأكيدات للاصطفافات المذهبية. ما يعطل دورها». والجمعية، بما تنظمه من نشاطات، تسعى إلى «إزالة الأمية في التعرف على الأديان والآخرين»، وهذا ما قد يظهر في مناهج المؤسسات التعليمية. كتب المادة الدينية، مثلاً. وهو ما يبرره بـ«الحس الانفتاحي»، سياسة وسلوكاً، المُورث للمؤسسات من قبل مؤسسها. والحال أن الانفتاح ليس موجهاً، فحسب، إلى الآخر من خارج الجماعة. تنوع الجماعة، الشيعية نفسها، يفرض وجود انفتاح من نوع آخر، «وخاصة أن الساحة الشيعية ساحة تنوع، نسبة لتنوع الاجتهادات فيها»، وفقه.
لكن السيد لا يذهب بعيداً في توضيح علاقته بـ«حزب الله»، مثلاً. والأخير يملك أيضاً جهازاً مؤسساتياً وخدماتياً، موازياً لما تملكه الجمعية. وهما، في آخر السياق، يتوجهان إلى فئة واحدة تقريباً. «ليست هناك مشكلة»، يقول. وهو يرى أن لبنان يتسع لكل التنوعات الموجودة. لكنه، على الأقل، لا ينفي تقابلاً يطرحه محاوره بين نموذج اعتدال «سياسة فضل الله» ونموذج الفريق الآخر. «الطائفة الشيعية مبنية على التنوع والاجتهاد. لكن طريق الاعتدال ليس سهلاً، وخصوصاً بحضور الخوف بين الطوائف. وهذا ما يدفع الناس إلى الاستقواء بالطائفة، والالتجاء إليها، لأن التقوي بالدولة، ككيان عام، غير ممكن». والاعتدال عنده هو «الخط الأسلم الذي يربح في آخر الأمر، لأن لبنان محكوم بالحوار والتلاقي. وهذا الخط قد لا يجد جمهوراً في الراهن، لكنه سيجد جمهوره في مراحل لاحقة».

المرجعية والعالم العربي
في السائد تتعرض المرجعية الدينية لهزات بعد وفاة مرجعها، لكن في حالة السيد محمد حسين فضل الله يبدو الأمر مختلفاً، وفق نجله. «شهدنا بعد وفاته زيادة في تقليده، داخل لبنان وخارجه، وهذا ما يقوم على رغبة المقلد وخصوصاً أنه يرى في أفكار المرجعية تميزاً». وتجيز مرجعيات دينية شيعية، على قيد الحياة، تقليد مرجعيات بعد وفاتها. «على أن المسائل التي لم يسبق للمرجع، في حياته، أن تحدث عنها تجيز للمقلد أن يركن إلى اجتهادات مرجعية أخرى». لكن «الدفع للمرجع» توقف بعد وفاته. وهذه كانت مشكلة، وفق السيد فضل الله. «إذ كانت مصدراً رئيسياً لتمويل عمل المؤسسات. لكن ما خفف من خطورتها الثقة الموجودة عند الناس تجاه الجمعية». عدا ذلك، تؤمن الجمعية تمويلها من خلال جزء من الحدود الشرعية (الخمس مثلاً)، وأرباح مؤسسات إنتاجية وتعليمية وتقديمات وزارة الشؤون الاجتماعية.
لا توجد مشكلة مع الدول العربية. والجمعية تملك مؤسسات إنتاجية أو «مؤسسات ذات طابع تنموي»، في تلك البلدان، مثل المطاعم. وهذا ما يراه دليلاً إضافياً على انفتاح المؤسسات وقدرتها على تجاوز حدود الطوائف والعداوات. «حتى محاولة البعض تصنيف هذه المؤسسات، لتعريضها للضرر، لم ينجح في دول الخليج العربي مثلاً. المجتمع نفسه رفض هذا التنصيف». وتبرير ذلك عنده، التزام في المؤسسات لفهم الدين على أنه دين انفتاح وتواصل. «لسنا نحن نراه هكذا بالتأويل والاجتهاد. بل هو، في طبيعته، على هذه الحال».

تقييم أربع سنوات
كان المطلوب من الجمعية، بعد وفاة مؤسسها، ألا تجمد. هكذا، استكملت مشروع التطوير الإداري وأطلقت مؤسسات جديدة. «لكن حرصنا أيضاً على بناء شبكة تواصل مع المؤسسات الأخرى بكل تنوعاتها من أجل الاستفادة من التجارب وبحث أولويات المرحلة المقبلة، ضمن إطار تكاملي. وهذا مرتبط بضرورة التركيز على مشاكل مستجدة، مثل البيئة والتنمية الزراعية»، وفق فضل الله. وكان لا بد من توسيع مجالات العمل ناحية الاغتراب اللبناني وحاجاته، والتركيز تحديداً، وفقه، على مجتمعات الاغتراب. «تلك بلدان فقيرة، وهي تستقبل اللبنانيين. هكذا، نعمل على تأسيس مؤسسات صحية واجتماعية في الدول الأفريقية الفقيرة. وافتتحنا مدرسة خاصة في بوركينا فاسو وغينيا، لكنها ليست دينية، كي لا نتهم بالتبشير. ونسعى، من جانب آخر، على تأكيد حضور المؤسسات الدينية هناك». ولا يقتصر العمل على أفريقيا. هناك مشاريع في كندا وأستراليا، ومدرسة في ميتشيغن في الولايات المتحدة.
توجد، في تقييمه أيضاً، إشارة إلى إخفاقات، مثل التقصير، السابق الذكر، في الوصول المخصص إلى جماعات أخرى. «يجب أن نفكر في المستقبل بأن يكون لمؤسساتنا حضور في مناطق معينة». ولا بد أيضاً من السعي أكثر إلى «تطوير كل خدمة من الخدمات».

 

خطة التطوير الإستراتيجية: انفتاح وتربية على المواطنة

أطلقت «جمعية المبرات الخيرية» خطة التطوير الاستراتيجية للعشرية الثانية بعد مرور أربع سنوات على غياب المؤسس المرجع السيد محمد حسين فضل الله.
وأعلن المدير العام للجمعية محمد باقر فضل الله، في مؤتمر صحافي في مقر «نقابة الصحافة، أمس، أن عدد المدارس الأكاديمية والمهنية التابعة للجمعية قد بلغ عشرين، ووصل عدد تلاميذها في العام الدراسي الحالي إلى اثنين وعشرين ألفاً. بينما بات عدد المبرات تسعا وتحتضن أربعة آلاف يتيم ويتيمة، وتحتضن مؤسسات الاعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل، ستمئة شخص معوق. إضافة إلى أربعين مراكزاً ثقافياً، ومستشفى وأربعة مراكز صحية، ومركز للتشخيص التربوي، ونواد رياضية وكشفية، ومؤسسات إنتاجية تسد بعضاً من العجز في نفقات المؤسسات الرعائية والتعليمية والثقافية، ودار الأمان لرعاية المسنين، وجامعة، ومؤسسة للخدمات الاجتماعية تعنى ببرامج للفقراء والأيتام». وأكد العمل على إنجاز «مركز للاعاقات المتعددة الأكثر تطوراً في مؤسسة الهادي، في ظل ندرة المراكز التي تهتم بهؤلاء وعوائلهم، وتوسعة مستشفى دار الأمان للمسنين في العباسية، مبرة الحوراء زينب في بلدة رياق (البقاع)، مركز المصطفى الصحي الاجتماعي في بلدة قبريخا، مركز السيدة زينب الصحي الاجتماعي ودار للمسنين في بلدة جويا».
وكشف عن «تطوير البناء الهيكلي للمبرات، وتحقيق الدمج التربوي، واحتضان نحو 1200 تلميذ مدمج من ذوي الصعوبات التعلمية في المؤسسات الاكاديمية والمهنية».
تابع: «في سياق ثقافة الانفتاح أرست الجمعية علاقة تفاعلية مع الدولة، وتعاونت مع المنظمات الدولية المانحة، ومع البعثات الديبلوماسية لبعض الدول العربية والأوروبية، فعملت على إنجاز برامج دينية ومناهج تعليمية تعبر بطريقة واضحة عن هذه الرؤية، والقيام ببرامج التوأمة والشراكة في مؤسساتها التعليمية مع مدارس المقاصد ومدارس الشانفيل، إضافة الى التعاون مع البرامج التدريبية التي ينفذها برنامج ألوان في مؤسسة أديان، والذي يهدف إلى تعزيز القيم والممارسات، على ضوء مفهوم التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع الديني».

المصدر: صحيفة السفير 

Leave A Reply