الرحمة سبيل لرفعة المجتمع الإسلامي

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

صدق الله العلي العظيم

 

للرحمة في المفهوم الرباني بُعدان أساسيان: بعد عملاني وإيحابي باعتبارها إرادة لإيصال الخير والعطاء إلى الآخر، والبُعد الثاني: عموميتها، فالله سبحانه يُتيح رحمته لكل المخلوقات، ويشمل بها البشرية كلها بصرف النظر عن الجنس واللون واللغة والدين والإيمان والجغرافيا، ولا يحرم أي كائن أو مخلوق من هذه الرحمة، فالتعامل الإلهي مع خلقه قام ويقوم على الرحمة، وترد آيات الرحمة في القرآن الكريم بوصفها قيمة مطلوبة لكل المخلوقات وللناس، وهذا ما يكسبها عموميتها وشموليتها {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}

 

وبدون الرحمة تكاد الحياة أن تكون جحيماً، أو أمراً مستحيلاً، يعني عالماً بدون حنان أمهات، وآباء لا يعرفون من الأبوة غير الإنجاب، ومجتمعات تسودها الأنانية والأحقاد والعداوات، ولا تعرف أي نوع من علاقات التراحم والتعاون.

وهذا ما يُفسّر لماذا كانت الرحمة في القرآن الكريم مقياساً للإيمان، ولماذا وصف الله سبحانه القرآن بأنه: {هُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وارسل رسوله بالإسلام هدى ورحمة للبشرية جمعاء { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

 لذلك، بُنيت قيم الإسلام على الرحمة والرأفة والشفقة والتعاون والتكافل، وكان الرسول(ص) قدوة وأسوة في تجسيد الرحمة قولاً وفعلاً حتى مع أعدائه، وبات التراحم السمة الأبرز في المجتمع الإسلامي الأول { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.

 

 أيها الاحبة…

 إن أساس الدين هو تنظيم الرابطة بين العبد وربّه من جهة، وبين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة ثانية واعتبر الاسلام ان الرحمة هي السمة الاساسية لهذه الرابطة {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}.

إن التراحم يصنع الرحمة، يوجدها، ويؤسس لها، والرحمة تؤلف بين القلوب، تزيل الحواجز وتفتح سبل التعاون والتفاهم. بعض الناس يفضلون قيادة العصا والسيف على قيادة الكلمة والحوار، لكن الرحمة بمنطوق القرآن تبقى الحل { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

 

ومن عهد الإمام علي(ع) إلى واليه على مصر مالك الأشتر: وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم…ولا تكونن عليهم سَبِعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق.

   اذا الرحمة خلق رباني، والإسلام أوجبها على مستوى القيادة، وعلى مستوى القاعدة وبين الناس في كل علاقاتهم. والتراحم يبدأ في الأسرة، وفي النواة الأولى لها { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

 

 وفي العائلة {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}

وعن السلوك الرحموي أكدت الاحاديث على تفاصيل يومية تولد هذه الرحمة في النفوس، فقد ورد في الحديث: «إن أردت أن يلين قلبك فاطعم المسكين وامسح رأس اليتيم»، من هنا ربط القرآن بين الإيمان الصادق والحض على إطعام المسكين {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}

 

   والرحمة عندما تتأصل في القلب وترتقي، تتحول حباً. وعن الرسول(ص) أن من الكمالات الربانية التي وهبها الله تعالى للإمام علي هو حبه للمساكين، وورد أنه قال: «يا علي إن الله زيّنك بزينة لم يُزيّن العباد بزينة أحب إلى الله منها، زيّنك بالزهد في الدنيا… ووهب لك حب المساكين».

وفي الحديث: قال أبو الطفيل: رأيت علياً يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه: لوددت أني كنت يتيماً.

وفي حديث عن الرسول (ص): يقول الله تعالى أطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي تعيشوا في أكنافهم، فإني جعلت فيهم رحمتي، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي..

 

أيها الاحبة:

ونحن ما زلنا في شهر الرحمة شهر التراحم، شهر الفقراء والمساكين والايتام، ومخزون الرحمة في يوم واحد منه يوازي اضعاف ما هو في بقية الايام.. هلموا لنغرف من هذه الرحمة  لنكون من المرحومين لا من المحرومين.

  عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر جمعة من شهر رمضان.. فقال لي: "يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودِّعه، وقل:"اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه، فإن جعلته فاجعلني مرحوماً ولا تجعلني محروماً…".

 

  ونحن ايها الصائمون العابدون نعيش الاسبوع الاخير من الشهر، ونوقن ان  الفرصة الإلهية مازالت قائمة والمائدة الربانية مازالت معروضة، فلنكن  أحرص ما نكون على أن لا تبرد هممنا وحرارة قلوبنا، بل أن نزداد اندفاعاً وهمة وحرارة وعزماً وتركيزاً لنكون الأحسن حظوة فيه ولننال ما فيه من فضل ورحمة وخير كثير وعد الله به عباده اجمعين.

 

والأمر الرحماني الآخر الذي ينتظرنا ونحن نودع هذا الشهر، ويشكل شرطاً مهماً لقبول أعمالنا فيه، فهو واجب أداء زكاة الفطرة، حيث أشارت الأحاديث إلى أن قبول شهر رمضان لا يتم إلا بالإتيان بها كوجوب ولم تترك اختيارية وهي بحد ذاتها رحمة خالصة للمجتمعات الاسلامية ان احسنت ادارتها لتؤمن حاجات كثير من العائلات الفقيرة والمستضعفة.

فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع): "إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة" كما هي الصلاة على النبي(ص) وآله من تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة، فلا صوم له إذا تركها متعمداً كما لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآل بيته الكرام…

 

أيها الأحبة:

الزكاة كما تعلمون ركن قائم بذاته من أركان الإسلام, و لكنه أيضا يرفد باقي الأركان، ومن هنا أهميته. فالصلاة وهي الركن الثاني وعمود الدين قرنت وبشكل متتال في القرآن بالزكاة، بل ولم يرد ذكر الزكاة في القرآن من دون الصلاة إلا في موضعين فقط، أما ما عدا ذلك فقد كان النص الإلهي دوما بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. والحج أيضا من شروطه الواجبة تقديم الزكاة وهو الهدي، ولا حج من دون هدي كما نص الرسول(ص) في سيرته. وزكاة الفطرة هي في نفس الإطار الذي وصل فيه الله سبحانه وتعالى بين حقه على الفرد المسلم بالعبادة وحق المجتمع والناس عليه. وهذه مظهر من مظاهر رحمته جل وعلا.

 

لقد أراد الله لهذه الزكاة أن تكون تتويجاً للعلاقة بالله والتي يساهم شهر رمضان في تعزيزها، ولكي تؤكد عملياً أن الإنسان كلما سما في علاقته بالله لا بد أن يسمو في علاقته بالإنسان، فيكون أكثر إنسانية ورحمة للمستضعفين وللفقراء والمساكين، وأكثر حرصاً على خدمة الناس الذين يحتاجون إلى خدمته.

«الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه» و«رحم الله من أدخل على أهل بيت سروراً»…

والحمدلله رب العالمين 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله؛ هذه التقوى التي تجلَّت في وصية أمير المؤمنين قبل يوم استشهاده في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، حيث تذكر سيرته أنَّه جمع بني عبد المطلب بعدما تناهى إلى سمعه أنهم سيأخذون ثأرهم من قاتله ابن ملجم، حسب المنطق العشائري؛ منطق من يستبيحون الدماء بدون حساب، فقال لهم حينها: "لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتلنَّ بي إلا قاتلي.. انظروا، إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربةً بضربة، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: "إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور"، فلا يجوز التَّمثيل بالأجساد مطلقاً.

وإلى حين تنفيذ القصاص، فإنّ ابن ملجم هو أسيركم، فأطعموه مما تأكلون، واسقوه مما تشربون، ثم قال: "الله الله في أسيركم".

تصوَّروا أنَّ علياً(ع) يناشد بني عبد المطَّلب بأن يحسنوا إلى قاتله الَّذي ضربه بسيف مسموم وضع فيه كل حقده، وهو لم يقتله في مواجهة، بل قتله غدراً في محرابه وهو يصلّي بين يدي ربّه!

 

هذا هو عليّ(ع) لمن أراد أن يلتزمه؛ إنّه بهذا السّمو الإنساني، والرقي الإيماني، فلم ينس إنسانيته حتى وهو يتلوى ألماً وينتظر مصيره، ولم تفته الدقة في رعاية العدل وتنفيذ الحكم الشرعي، حتى في الأمر الذي يتعلَّق به.

أيها الأحبة، إنَّ بطولة عليّ(ع) ليست فقط في سيفه الّذي لطالما جندل به الأبطال، وذبَّ به عن الإسلام وعن رسول الله.. بل بطولته هنا، وفي كلّ المواقف الَّتي تألَّق بها؛ في إنسانيّته، في حلمه، في عدله، وفي التزامه الحقّ، حتى لو كان على حسابه.

ولذلك، عندما نخلص لعليّ، علينا أن نخلص له كلّه، أن لا نجزّئ علياً، بحيث نأخذ منه ما يرضي انفعالاتنا وحساسيّتنا، ونترك ما يعزّز إيماننا وقيمنا! بمنطق علي(ع) انتصرنا، وبه نواجه التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي لا يزال على كفّ عفريت، سواء مما يجري في محيطه، أو من خلال الواقع السّياسيّ اللبنانيّ الداخليّ، والمناكفات الَّتي شهدناها، والتي خرجت عن الحد الأدنى من اللياقات التي ينبغي أن تحكم علاقة مختلف القوى السّياسيّة فيما بينها، حيث تجاوز البلد قطوعاً كان يخشى من تداعياته على استقراره وعلى مسيرة السّلم الأهليّ فيه، بعدما بات واضحاً أنَّ استخدام الشارع قد يستفز شارعاً آخر، وأنَّ أيّ تصعيد من طرف، قد يؤدّي إلى تصعيد مقابل.

إنَّنا نأمل أن لا يتكرَّر ما حدث، سواء في مجلس الوزراء أو في الشارع، وأن يكون ما حصل دافعاً للجميع للتفكير في عواقب الأمور ونتائجها، في ظلِّ الاستعار المذهبيّ والتّوتّر الطّائفيّ الحاصل في المنطقة، والذي نجد آثاره في الداخل، وهذا لا يعني التنكّر للمطالب المشروعة والهواجس الحقيقية لدى هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الفريق أو ذاك، ولكن علينا أن نحسن التعاطي مع كلّ هذه المسائل، بالابتعاد عن الخطاب الانفعالي والموتر، ومراعاة التوقيت المناسب الذي يأخذ بعين الاعتبار دقة المرحلة وخطورتها، وواقع الناس المعيشيّ، ومتطلباتهم الحياتيَّة، والتحديات التي تواجه البلد.

 

المفاوضات النووية

وفي موازاة ذلك، تتَّجه الأنظار إلى فيينا، حيث المفاوضات الجارية بين إيران والغرب، والَّتي كنا نأمل أن تنتهي إلى حلٍّ يساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم، بعدما أظهرت إيران كلّ مرونة في مجال ملفّها النووي.

ولكن يبدو أنَّ الأمور تتَّجه إلى التعقيد، على الأقل في هذه الأوقات، لاعتبارات نراها لا تتصل بالملف النوويّ، بقدر ما تتصل بقضايا هي أبعد من هذا الملف، وخصوصاً مع إصرار إيران على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية العليا.

ومن هنا، فإننا ندعو الغرب إلى الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة، والّتي يمكن أن تؤسّس لعلاقات إسلامية أفضل معه؛ علاقات قائمة على حفظ الحقوق واحترام المصالح، بما ينعكس على كلّ ملفات المنطقة الشائكة التي من مصلحة الجميع حلّها، والتي لا تحلّ إلا بتوافقهم.

وإلى اليمن، الَّذي تستمرّ مأساة إنسانه المستضعف، حيث نأمل أن تساهم الجهود الأخيرة في الوصول ولو إلى هدنة تمهّد الطريق لحلٍّ ينهي ملف الصّراع الجاري، ويمنع التدخّلات الّتي تهدّد البشر  والحجر، بعيداً عن منطق الغلبة والاستئثار.

ووسط كلّ هذا التوتر والفتن التي تعصف بالمنطقة، شهدنا صوراً جميلة نريدها أن تتكرّر، لا في الظروف الطارئة، بل بشكل دائم ومستمر، وهي صورة صلاة جمعت المسلمين الشيعة والسنة، سواء في الكويت أو البحرين، بما يعبّر عن أصالة هذه الأمة؛ وهي أصالة نريدها أن تتجلّى في كلّ واقعنا العربيّ والإسلاميّ، وأينما يتواجد هذا التنوع، وأن تتعمَّق في الفكر والوجدان تنسيقاً وتكاملاً في مواجهة كلّ دعاة الفتنة والساعين إليها.

إنّنا في الوقت الّذي نؤكد أهمية هذا المشهد، وضرورة السّعي لتكريسه وتوسعة مداه، ندعو إلى أن يواكب بخطوات مشتركة، لمحاصرة كلّ أنواع التّحريض المذهبيّ والطائفيّ الّتي تجري عبر الكثير من القنوات الفضائيّة غير المسؤولة، أو عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، أو عبر أيّ منبر تطلّ منه رموز الفتنة، فلا يوجد خيار أمام المسلمين سوى التّلاقي والتّواصل والوحدة.

 

يوم القدس

وأخيراً، نستعيد في آخر جمعة من شهر رمضان، اليوم الّذي أعلنه الإمام الخميني(رض) يوماً عالمياً للقدس، مستلهماً المعاني الروحيّة والإيمانيّة والتربويّة لهذا الشّهر، فضلاً عما يحمله من ذكريات مجيدة تمثّلت بكثير من الانتصارات والفتوحات والإنجازات، ليعيد للأمّة ثقتها بربها وذاتها وتاريخها، لتكون مستعدّة لمواجهة هذا الكيان الصّهيونيّ المجرم وحلفائه من قوى الاستكبار العالميّ، واستعادة الأرض السّليبّة، وفي مقدّمها القدس.

وفي هذه المرحلة بالذات، إنّنا أحوج ما نكون إلى استعادة هذه المناسبة، لإعادة الاعتبار إلى هذه القضيّة، بعدما افتقدت وهجها في نفوس الكثيرين من العرب والمسلمين، بحيث ما عاد مشهد احتلالها يحرك وجدانهم، ويهزّ ضمائرهم، ويوقظ مشاعرهم، رغم ما للقدس من رمزية على المستوى الدّينيّ العام، وفي نفوس المسلمين.

 

إننا نخشى أن تنسى هذه القضية في هذه المرحلة الّتي تتلبّد فيها سماء العالم العربي والإسلامي بغيوم الفتن الهوجاء، الَّتي تهبّ عواصفها عليه من كلّ جانب.

ومن هنا، فإنَّنا لا نريد لهذا اليوم أن يتحوّل إلى يوم احتفال موسمي، بقدر ما يكون لتجديد العهد على متابعة الطّريق، وبكلّ الوسائل، لإعادة القدس إلى ربوع العرب والمسلمين، ولشحذ الهمم؛ همم المجاهدين والسّياسيّين والأدباء والشعراء والفنانين والرسامين وأصحاب الأقلام، لكي تبقى القدس ماثلة للعيان، ولا تنسى، وحتى تبقى القضيّة الّتي تنتقل من جيل إلى جيل.

 

عيد الفطر

ولا بدَّ من أن نشير إلى أنَّ يوم الجمعة هو أوّل أيام عيد الفطر المبارك، بناءً على المبنى الفقهيّ لسماحة السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، والَّذي يأخذ بالحسابات الفلكيّة والمعطيات العلميَّة، سائلاً المولى سبحانه أن يجعله عيد بركةٍ وخيرٍ ووحدة، وأن ينعم عالمنا الإسلاميّ بالأمن والاستقرار.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 23 رمضان 1436هـ  الموافق : 10 تموز 2015م

Leave A Reply