السيّدة زينب (ع): اسم اقترن بالتّضحية والإيمان

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. صدق الله العظيم.

 

الولادة المباركة

في الخامس من شهر جمادى الأولى، وفي السنة الخامسة للهجرة، أقبل رسول الله إلى بيت عليّ (ع)، بعد أن أُخبر أنّ ابنته الزهراء قد رزقت بمولودة، احتضن رسول الله (ص) المولودة بين يديه، ضمّها، أذّن في أذنها اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا الله أن تكون قرَّة عين له ولأمّها وأبيها، بعدها توجَّه إلى الزَّهراء (ع) وعليّ (ع)، وقال لهما سمياها زينب. وزينب تعني لغةً نوعاً من الشجر طيِّب الرّائحة، جميل المنظر.

عاشت السيّدة زينب (ع) طفولتها الأولى في كنف جدِّها رسول الله، الّذي أغدق عليها حبّاً وعاطفة وحناناً، وتربَّت في بيتٍ كان رسول الله (ص) يفِدُ إليه في ذهابه وإيابه وقبل سفره وبعد رجوعه منه، هو البيت الّذي لطالما نزل الوحي ليشير إلى فضائله وموقعه عند الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً}(الأحزاب/33)، وفيه نزلت الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُور}.

في هذا البيت الطّاهر، ترعرعت السيّدة زينب وعاشت، فحظيت برعاية أمّها في حياتها القصيرة معها، والتي تمتدّ إلى ستّ سنوات، وبعد ذلك، برعاية أبيها الإمام عليّ (ع)، الرّعاية التي رعى بها أخويها الحسن والحسين، وهو الّذي حرص على أن تُصاحبه إلى كلّ الأمكنة الّتي تنقّل فيها، فكانت تسكن حيث يسكن، لم تفارقه حتّى بعد زواجها، وحتّى بعد انتقاله إلى الكوفة عندما تسلّم الخلافة.

العالمة العابدة

لقد اقترن اسم السيِّدة زينب (ع) بعدَّة ألقاب ميَّزتها، وعبَّرت عن شخصيِّتها وحضورها، ونحن سنشير إلى عظمة سيرتها من باب هذه الألقاب، فقد لُقّبت بعقيلة بني هاشم، والعقيلة تعني العزيزة في قومها، وهذا يعود إلى دورها وحضورها في مجتمع المدينة والكوفة، فقد كانت في موقع احترام الجميع، وهي بلغَتْه بتقواها وأخلاقها وتواضعها وابتسامتها وحبّها للنّاس ورعايتها للفقراء والمساكين منهم. ولم يقف تقديرها ومحبتها عند حياتها، فمرقدها في الشّام، أو حتى لمن يعتقد أنه في مصر، محجة لقلوب المسلمين.

كما لُقّبت أيضاً بالعالمة، وهي الّتي نهلت العلم من أبيها وأمِّها، فكانت عالمةً بالقرآن والحديث، وكان الرّجال والنّساء يرجعون إليها، وقد ورد أنّ ابن عبّاس، وهو الّذي يُعرَف بحبر الأمّة، كان يسألها عن المسائل التي لا يهتدي إلى حلّها، ويقول: حدّثتنا عقليتنا زينب (ع).

وإلى موقعها العلميّ، أشار الإمام زين العابدين (ع)، حيث قال: "كانت عمّتي زينب عالمةً غير معلّمة، وفاهمةً غير مفهّمة". وهو موقع حقَّقته بفعل ما أخذته من علم أبيها عليّ (ع) وأمّها الزّهراء (ع). وقد أشار إلى بلاغتها وقوّة منطقها وحضورها، واحد ممن استمعوا إلى خطبتها البليغة في الكوفة خلال مسيرة السبي، حين قال: "ورأيت زينب بنت عليّ (ع)، ولم أرَ خفرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (ع)، وقد أومأت إلى النّاس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأصوات".

ومن ألقابها أيضاً عابدة آل محمَّد، فقد عبدت الله كعبادة أمِّها التي عبدت الله حتى تورَّمت قدماها، فقد كانت تقوم اللَّيل، ولم تترك نافلته طوال حياتها، حتى في أشدّ الأوقات صعوبة، كالذي قامت به في ليلة الحادية عشر من المحرّم، رغم ما حملته هذه اللّيلة من مآسٍ، وفي أثناء السّبي، ورغم التعب والجهد والألم الّذي كانت تعيشه.

وقد أشار إلى ذلك الإمام زين العابدين (ع) حين قال: "إنَّ عمَّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النّازلة بها في طريقنا إلى الشَّام، ما تركت نوافلها اللّيليّة". وهي تأسّت في ذلك بأبيها عليّ (ع) الذي افتقد ليلة الهرير، وهي أشدّ اللّيالي احتداماً للقتال في صفّين، فوجدوه يصلّي صلاة اللّيل بين الصّفوف لا يريدها أن تفوت، وهو من قال: "ما تركت صلاة اللّيل منذ أن سمعت قول الله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ومنذ سمعت رسول الله (ص) يقول: صلاة اللّيل نور…".

أمّ المصائب

ولقب آخر لها، وهو أمّ المصائب، إذ تتالت عليها المصائب منذ نعومة أظفارها، فقد شهدت مصاب فقدِ رسول الله (ص)، ومعاناة أمّها الزّهراء (ع) واستشهاد أبيها عليّ (ع) بسيف ابن ملجم المسموم وهو يصلّي في مسجد الكوفة، ورأت غدر أهل الكوفة بشقيقها الحسن (ع) في حربه مع معاوية، ما اضطرّه إلى الصلح معه، ولم تمض سنين عدة حتى دسّ له معاوية السمّ، فعاشت معاناته في كلّ ذلك، وكانت أقسى معاناتها ما جرى في كربلاء، فقد رأت بأمّ عينها استشهاد ولديها عون ومحمّد اللّذين كانا معها في كربلاء، وإخوتها وأولاد إخوتها وأصحاب إخوتها، وما عانته هي من خلال السبي، وهي في كلّ ذلك كانت الصابرة، بل كانت جبلاً من الصّبر، لكثرة ما عانت وتألمّت. والتّعبير الأبرز عن صبرها تجسّد بعد استشهاد أخيها الحسين (ع) وكلّ الذين كانوا معه في كربلاء، فهي رغم الألم الّذي كانت تعيشه، عملت بوصيّة أخيها الحسين (ع) عندما قال لها: "أخيّة؛ لا تشقّي عليَّ جيباً، ولم تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي بالويل والثبور". ولم تضرب رأسها بالمحمل كما يقول البعض، بل اكتفت بعد انتهاء المعركة بأن توجّهت إلى الأجساد الطاهرة، وعلى مرأى من جيش عمر بن سعد، داعيةً ربها: "اللّهمّ تقبّل منا هذا القربان"، فهؤلاء استشهدوا لأجلك، ويكفيني أن تقبل شهادتهم.

ولذا، نرى إساءة ما بعدها إساءة، عندما تصوَّر بأنها كانت في كربلاء مهزومة مكسورة ذليلة أمام الأعداء.

وهذا لا يعني التنكّر لعاطفتها، وهي الّتي تحمل أسمى معاني العاطفة للحسين (ع) ولكلّ من كانوا في كربلاء، ولكنّها جمدت عاطفتها لحساب رسالتها، ورأت أنّ الموقف في تلك المرحلة هو موقف الصّبر والقوّة والعنفوان.

شريكة الحسين (ع)

ومن ألقابها شريكة الحسين، وشراكتها للحسين (ع) لم تكن شراكة العاطفة، بل شراكة الموقف، فهي كانت ترى أنَّ مشروع الحسين (ع) الإصلاحي، والذي لأجله انطلق في ثورته، هو مشروعها، والّذي عبَّر عنه عندما قال: "إنّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلا بَطراً، وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ". فقد كانت ترى أنّه آن الأوان للخروج للإصلاح في أمَّة جدّها رسول الله (ص)، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وأن تستعيد الأمَّة حضورها وحرّيتها ووعيها وإحساسها بالمسؤوليَّة، ولذلك، لم تتردَّد في الخروج مع الحسين (ع) إلى حيث خرج.

لقد كان دورها أساسياً في قلب المعركة، وتشهد كلّ مراحل معركة كربلاء عن مدى هذا الحضور، ولم يقف دورها عند ذلك، بل تابعت هذا الدّور مع الإمام زين العابدين (ع)، فكانت صوتاً صارخاً ينطق بلسان الحسين (ع) وأهدافه، واستطاعت أن توصل ثورته بكلّ صفائها إلى أبعد مدى ممكن، بعدما أريد لهذه الثورة أن تُدفَن في صحراء كربلاء، ولا يصل صداها إلى النّاس، فأيقظت النفوس، وفضحت المشروع الأمويّ. هذا ما فعلته طوال مرحلة السبي وما بعدها.

عبَّرت عن ذلك في الكوفة، وفي مجلس عبيد الله بن زياد، وردّت عليه بكلّ قوة، عندما قال لها: "كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟"، فقالت: "ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاجّون إليه وتختصمون عنده، فانظر لمن الفلج يومئذٍ (العاقبة)". وبرز موقفها الصّلب عندما وقفت أمام يزيد المنتشي بنصره، عندما قالت له: "كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا".

الأثر الخالد

لقد رسخ ذكر زينب في التّاريخ والحاضر، وسوف يبقى اسمها في المستقبل مقروناً بالبطولة والعنفوان، وستبقى مثالاً يحتذى به للرّجال والنساء على حدّ سواء، وسوف يبقى ذكرها بالغ التّأثير في وجدان المسلمين والأحرار في العالم، وفي إعادة إنتاج القوّة وانتصار الكلمة على السّيف، والحقّ على الباطل…

لقد قدّمت السيّدة زينب في ذلك أنموذجاً في التعاون الذي يريده القرآن الكريم بين المرأة والرجل، عندما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. لذلك وجدناها شريكة أبيها وشريكة الحسن وشريكة أخيها الحسين (ع)، حتى قيل إن عاشوراء لم تحقّق إنجازها إلا بشهادة الحسين (ع) ومن معه، وصبر زينب وصلابتها.

لقد نجح هذا التّعاون في كلّ مراحل التاريخ، عندما كانت المرأة شريكة الرّجل، وحاضرة إلى جانبه في ميدان الحقّ والعدل، ومواجهة الظلم والطّغيان والفساد.

وهذا ما نريد أن نراه في الحاضر والمستقبل، حتى تتحقّق الأهداف التي نرجوها في الحياة.

 

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بهذه الآية: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

هي دعوة لكلِّ المؤمنين لئلا يضعفوا أمام التّحدّيات، ولا يسقطوا أمام التّهويلات، وأن يتطلَّعوا دائماً بأمل إلى المستقبل، وأن يتأمّلوا في تجارب التّاريخ، حيث الغلبة كانت دائماً للمؤمنين في كلِّ الصّراعات، لكنّ هذا يأتي بناءً على الثقة بالله، وبذل التضحيات، وتقديم الأثمان، والتي عبّر عنها الله بقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

وكانت العاقبة لهم، حيث يقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}.

أيّها الأحبّة، بالرّوح الواثقة بالله، المطمئنّة إليه، نستطيع أن نواجه كلّ ما يعصف بنا من أزمات وتحدّيات.

هل تشتعل المنطقة؟!

والبداية من العراق، الّذي أقدمت فيه الإدارة الأميركيّة على القيام باعتداء كبير هو الأخطر، ليس على سيادة هذا البلد فحسب، بل على المنطقة كلّها، والتي باتت مشرَّعة على جملة من الخيارات الخطيرة والمفتوحة على تداعيات وتطوّرات كثيرة.

إنَّ الاستهداف الأميركي لموكب قائد "فيلق القدس" اللّواء سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، والإعلان عن ذلك بشكل رسميّ، يمثّل خطوة تصعيديّة كبيرة نخشى تداعياتها الكبرى على استقرار المنطقة وأمنها واقتصادها.

إنَّنا نرى هذا العدوان الواسع النطاق والدّلالات والأبعاد والرَّسائل، هديّة جديدة تقدِّمها الإدارة الأميركيّة إلى العدوّ الصهيوني الذي لطالما حثَّها مسؤولوه على استهداف الجمهورية الإسلامية، وقد كان العدوّ يرى في سليماني خطراً على كيانه وعلى حركته ونشاطه على مستوى المنطقة كلِّها، بدعمه العمليّ لحركات المقاومة وفصائلها في المنطقة عموماً، وفي فلسطين على وجه الخصوص.

إنّنا ندين هذا الاعتداء، ونتوجَّه بأسمى آيات العزاء إلى قائد الجمهوريّة الإسلاميّة ورئيسها وحكومتها، وإلى الشعب الإيراني والشّعب العراقي وحكومته، ونقول للَّذين يعتقدون أنهم بذلك يحققون انتصاراً، إنَّ الوقائع أثبتت أنّ القتل والاغتيال يزيدان الأمّة إصراراً وثباتاً على المضيّ في تحقيق أهدافها الكبرى وتحرير الأرض والمقدَّسات.

حكومة كفاءات!

وفي لبنان، لايزال اللّبنانيّون يأملون بأن يحمل إليهم العام الجديد تباشير أمل ببدء الخروج من النّفق المظلم الّذي دخل إليه الوطن على كلّ الصّعد، بفعل التردّي الّذي يعيشونه على مستوى توفير الخدمات، وغلاء الأسعار، وازدياد معدّلات البطالة بفعل تسريح العمّال بسبب إقفال الشركات والمؤسَّسات، وعدم انتظام سعر اللّيرة اللبنانيّة، وتعرّضهم للإذلال على أبواب المصارف، والخوف على مدّخراتهم وجنى عمرهم، وخوفهم المستمرّ من تداعيات الاحتقان الداخلي، سواء على المستوى الطائفي أو المذهبي أو السياسي، على الاستقرار، وتهديدات العدو الصهيوني المستمرّة للبنان، وتداعيات ما يجري على مستوى المنطقة المحيطة به.

إنَّ العلاج يمكن أن يتوافر إن قرَّرت القوى السياسيّة الخروج من حساباتها الخاصَّة أو الطائفيّة أو المذهبيّة أو الحزبيّة، والتعاون فيما بينها لإنقاذ بلدٍ لن يخرج من كلّ أزماته إلا بتعاون الجميع وتضافر جهودهم لأجله، فلا يمكن أن يُبنى بالمناكفات أو الصراعات أو الإقصاء أو الإلغاء، هو بلد لا يبنى إلا بكلّ طوائفه ومذاهبه ومواقعه السياسيّة.

لقد جرَّبنا كلّ هذه السّياسات، وهي لن تنتج إلا خراباً ودماراً وإفلاساً، فلنوفّر على هذا البلد تكرار ما حصل من ماضٍ لا نريد العودة إليه، ولنعد إلى الطاولة الواحدة؛ طاولة اللّقاء لخلاص هذا الوطن.

ومن هنا، فإننا نجدِّد الدعوة لكلّ القوى السياسية، بأن تتكاتف جهودها للإسراع في تأليف حكومة نريدها أن تكون حكومة كفاءات قادرة على القيام بخطوات عمليّة لإنقاذ البلد من الهاوية التي وقع فيها ووقف الانهيار؛ حكومة تلبي احتياجات مواطنيها قبل أن تلبي احتياجات الخارج، حكومة تجمع اللّبنانيّين حولها من خلال تشكيلها وأدائها وما تقدّمه لهم من حلول.

إنَّ اللّبنانيّين ينتظرون بفارغ الصَّبر تشكيل هذه الحكومة، بعد أن أصبح واضحاً أن ظروف البلد لم تعد تحتمل، وأنه لم يعد يستطيع أن ينتظر التّسويف والمماطلة في التأليف.

إنّنا نعي الهواجس الَّتي تشعر بها هذه الطائفة أو هذا المذهب أو ذاك الموقع السياسي، والتي ندعو إلى أن تؤخذ بالاعتبار، وأن تذلّل ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، ولكنّنا في مرحلة نحن أحوج ما نكون إلى المنطق الذي عبّر عنه أمير المؤمنين (ع) يوم أبعد عن الخلافة، فقال (ع): "لأسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمين".

لقد كان همّه أن تسلم أمور المواطنين، وأن يسلم الوطن كلّه، فالوطن إن سقط، فسيسقط معه الجميع، وإن نهض فسينهض بالجميع.

سنبقى نراهن على الواعين والمضحّين، فهؤلاء كانوا دعامة الوطن في مواجهة الاحتلال، ودعامته من أجل البناء

Leave A Reply