ذكرى فتحِ مكَّةَ وانتصارِ الإسلامِ على الشِّرك
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}[الفتح: 1-2]. صدق الله العظيم.
ما يتميَّز به شهر رمضان المبارك، وهو من بين العديد من المميّزات الّتي منحنا الله إيَّاها في هذا الشَّهر، أنّه شهرٌ شاء الله عزَّ وجلَّ أن تتحقَّق فيه العديد من الانتصارات، والتي حصلت للمسلمين بقيادة رسول الله (ص)، في مواجهة الشّرك الَّذي كان يتمثَّل آنذاك بقريش، ولعلَّ أبرز ما تحقَّق فيه هو فتح مكَّة، والذي عبَّر عنه الله سبحانه وتعالى بالفتح المبين.
الوعدُ بدخولِ مكَّة
ففي العشرين من شهر رمضان المبارك، وفي السنة الثَّامنة للهجرة، دخل رسول الله (ص)، والمسلمون معه، مكَّة فاتحين، بعد ثماني سنوات من خروجهم منها، هذا الفتح الَّذي وعد به الله رسوله (ص) يوم خرج مهاجراً من مكَّة إلى المدينة، حيث تذكر السِّيرة أنَّ النبيّ (ص) لما بلغ الجحفة، وهي في الطَّريق من مكَّة إلى المدينة، هاج به الشَّوق والحنين إلى مكَّة حرم الله، وظهرت أمارات ذلك على وجهه الشَّريف، فتوجَّه إلى مكَّة قائلاً: “والله إنّكِ أحبُّ أرضٍ إليّ، ولولا أنَّ أهلَكَ أخرجوني منْكِ ما خرجْتُ”، عندها نزلت عليه الآية الكريمة لتبشّره بأنَّه سيعود إليها: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}.
وقد تكرَّر هذا الوعد من الله عزَّ وجلَّ بعد صلح الحديبية، حين نزلت الآيات الكريمات على رسول الله (ص)، لتقول له إنّ الفتح آت وتبيّن أهميته: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}.
إسقاطُ عنفوانِ قريش
وفتح مكَّة لم يكن حادثاً عاديّاً في تاريخ المسلمين، بل شكَّل تحوّلاً في الصِّراع مع الشِّرك المتمثِّل آنذاك بقريش، فهذا الفتح أسقط عنفوان قريش، وكسر هيبتها في الجزيرة العربيَّة، وفتح الباب واسعاً لدخول النّاس في الإسلام، فالكثيرون في الجزيرة العربيَّة كانوا يخشون الدّخول في هذا الدّين والانتماء إليه رغم قناعتهم به، خشية قريش، لما كان لها من مكانة اقتصاديَّة وسطوة سياسيَّة ومعنويَّة، وهو (ص) أعاد مكَّة لتكون كما أرادها الله سبحانه وتعالى، مركزاً للتَّوحيد، في الوقت الَّذي أرادتها قريش مركزاً للشِّرك وعبادة الأصنام والجاهليّة.
وقد حدث هذا الفتح بعد صراع طويل استمرَّ لعشرين سنة، ومعاناة عاشها رسول الله (ص) والمسلمون معه، وذلك عندما نقضت قريش العهد الَّذي كان بينها وبين رسول الله (ص) في الحديبية، الذي كان يقضي في بنوده عدم اعتداء قريش على القبائل المتحالفة مع رسول الله (ص)، حيث اعتدت آنذاك على قبيلة بني خزاعة الَّتي دخلت بعد صلح الحديبية في حلف مع رسول الله (ص)، فقتلوا منهم رجالاً، وعبثوا بممتلكاتهم وأراضيهم. يومها، دعا النبيّ (ص) قريش إلى إعادة الاعتبار إلى بني خزاعة، والتَّعويض عليهم بدفع الديات لهم، لكنّ قريش المعتزَّة بقدراتها، رفضت ذلك، وأصرَّت على عدوانيَّتها، ما دعا رسول الله (ص) إلى أن يدعو أصحابه إلى التهيّؤ لدخول مكَّة، وإنهاء سلطة قريش عليها، بعدما أصبح واضحاً أن لا أمان ولا سلام في الجزيرة العربيَّة، وأن لا قدرة لهذا الدين على الانتشار ما دامت قريش تمتلك القوَّة والجبروت فيها. لكن رسول الله (ص) العارف بحرمة مكَّة والبيت الحرام فيها، والحريص على الدماء، ما كان يريد أن تسقط قطرة دم، وقد اتّبع لذلك تدابير عدَّة ضمنت الوصول إلى هذا الهدف.
التّخطيطُ لفتحِ مكّة
التَّدبير الأوَّل: السّريّة التَّامَّة في الإعداد لهذا الفتح، فقد حرص على أن لا يصل أيّ خبر عن تحرّكه إلى قريش، مع أنَّ عيون قريش وجواسيسها كانوا يتحسَّسون أخبار مكّة وما يجري فيها، وهو عندما علم أنَّ أحد أصحابه، وهو حاطب بن أبي بلتعة، أرسل كتاباً إلى قريش مع امرأة يكشف أن النبيّ (ص) سيسير إلى مكَّة، حتى يكون لحاطب يد عليهم، فلا يتعرضوا لعائلته الَّتي كانت لا تزال في مكَّة، أرسل (ص) عليّاً والزبير والمقداد ليأتوا بالكتاب، فوجدوا المرأة في منزل بين مكَّة والمدينة، وأعادوها إلى المدينة، وقد عفا عنهم رسول الله (ص)، وتاب بعدها حاطب بن أبي بلتعة توبةً نصوحاً.
وهذا التَّدبير ساهم في وصول رسول الله (ص) إلى مشارف مكَّة، بدون أن تعرف قريش بوصوله، ما جعلها تتفاجأ بذلك.
التّدبير الثاني: وهو الذي حصل ليلة الفتح، عندما وصل المسلمون إلى مشارف مكَّة، يومها طلب رسول الله (ص) من جيشه أن يشعل كلّ واحد منهم ناراً في المكان الَّذي هو فيه، لإظهار ضخامة هذا الجيش وعديده، وقد فوجئت قريش بهذا البحر من الأضواء يحاصرها، وأشعرها بضخامة هذا الجيش وقوَّته، وأضعف من معنويّاتهم.
التّدبير الثَّالث: أرسل رسول الله (ص) إلى عمِّه العباس، وكان لا يزال في مكَّة، بأن يخبر قريش بمحاصرته مكَّة، ويبيّن لهم كثرة عددهم، وأن لا مناص لهم إلا التَّسليم للأمر الواقع، والسَّماح له بالدخول إلى مكّة، ودعاه في الوقت نفسه أن يستدرج أبا سفيان، ليرى بأمّ عينه قوَّة المسلمين وعددهم والتَّنظيم الذين كانوا عليه. وفعلاً، لما رأى أبو سفيان حجم جيش المسلمين، قال للعبَّاس: لقد صار ملك ابن أخيك عظيماً. فردَّ العبَّاس عليه حينها: ويحك يا أبا سفيان، ليس بملك، إنَّها النبوَّة.
التّدبير الأخير: تحييد قريش عن القتال، عندما منحهم الأمان وقال: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن لم يحمل السّلاح فهو آمن”.
وقد نجحت خطّة رسول الله (ص)، وأدّت هذه التَّدابير إلى إفقاد قريش أيّ رغبة بالقتال، ووصل الأمر بأبي سفيان زعيم قريش بأن ينادي: يا معشر قريش، هذا محمَّد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، من دخل داري فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
وهكذا استسلمت قريش وتخلَّت عن غرورها، وفتحت مكّة ذراعيها لتستقبل محمّداً رسول الله (ص)، تحت رايات النصر وصيحات التّكبير والتّهليل.
رحمةُ الرَّسولِ (ص) وتواضعُهُ
لكن، وبعد أن تحقَّق هذا النصر، كيف دخل رسول الله (ص) مكّة؟ هل دخل مكَّة دخول الفاتح المنتشي بالنَّصر والغلبة على أعدى أعدائه ومن كان يؤلّب أعداءه عليه؟
تذكر سيرته (ص)، أنّه دخل مكَّة متخشّعاً مطأطئاً رأسه منحنياً على فرسه، حتى إنَّ ذقنه ليكاد يمسّ سرجه تواضعاً مسبِّحاً الله عزَّ وجلَّ وذاكراً، وهو يقرأ سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.
لكنَّ رسول الله (ص) رغم كلّ ما عاناه من قريش، كان حريصاً على أن يظهر رحمته بهم، ويزيل العداء من قلوبهم، فنراه عندما سمع سعد بن عبادة الَّذي كان يحمل الراية آنذاك يصيح: “اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة”، أرسل عليّاً (ع) على وجه السّرعة ليأخذ الراية منه ولينادي: “اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة”.
وهذا ما عبَّر عنه عندما جاءت إليه قريش برجالها ونسائها وهم ينتظرون قراره فيهم، وماذا هو فاعل بهم بعد كلِّ الإساءات التي قاموا بها تجاهه، وهم الَّذين همّوا بقتله وأذوه وسبّوه، وقتلوا أعزَّ أصحابه وعذَّبوهم، وفرضوا عليهم حصاراً دام ثلاث سنوات، وأخرجوه من وطنه، وأثاروا عليه الحروب، وألّبوا عليه الأعداء.
وقف يومها رسول الله (ص)، ليقول لهم: “يا معشر قريش: ما تظنّون أني فاعل بكم؟”، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. وأمر جيشه بأن لا يريقوا دم إنسان مهما كان تاريخه، ليسجِّل بذلك أروع مثال في العفو والمغفرة والتَّسامح، فكان يوم الفتح يوم عزّة ونصر وعنفوان، وفي الوقت نفسه، يوم رحمة وتواضع.
لقد أراد رسول الله بذلك أن يثبت بالوقائع حقيقة ما جاء به، وما دعا إليه، وأن قيادته ليست قيادة سيف، ولا قيادة ثأر وتصفية حسابات، بل قيادة رسالة تسعى، ومن موقع القوَّة، إلى فتح قلوب النَّاس على دينها ورسالتها، وتعمل على تحويل الأعداء إلى أصدقاء برسالة هي رحمة للعالمين.
وهم عندما يحقِّقون ذلك، يتمثَّلون ما ورد في القرآن: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله؛ هذه التَّقوى الَّتي جعلها الله عزَّ وجلَّ هدف الصِّيام، والمقياس الذي يقيس به الصَّائم نفسه، ليعرف مدى تأثير الصّيام فيه واستفادته منه، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183].
والتَّقوى، أيّها الأحبّة، هي أن لا يفقدك الله حيث أمرك، وأن لا يجدك حيث نهاك، وبأن لا تقدِّم رجلاً ولا تؤخّر أخرى، ولا تنطق بكلمة، ولا تتَّخذ موقفاً، حتى تعلم أنَّ في ذلك لله رضا.
فلا صيام عند الله عزَّ وجلّ للَّذين لا يزالون تتحكَّم بهم شهواتهم وعصبيَّاتهم وأنانيَّاتهم ومصالحهم، يدورون حيث تدور، أو لا يتحركون في خدمة من يحتاجون إليهم.
فلنبادر، أيّها الأحبّة، وفيما تبقَّى لنا من أيَّام، حتَّى يعيننا على تحقيق هذه القيمة في أنفسنا، وأن ندعو الله إن كنا حظينا بهذه القيمة بأن يثبِّتنا، وإن لم نكن قد حقَّقناها، أن يوفّقنا لبلوغها، حتى نخرج من هذا الشَّهر وقد تزوَّدنا بقيمةٍ تجعلنا أقرب إلى الله وإلى النَّاس، وأقدر على مواجهة التحدّيات.
استمرارُ العدوانِ على غزّة
والبداية من غزّة الَّتي دخلت الشَّهر السَّابع في الحرب عليها، من دون أن تبدو في الأفق أيّ بوادر لحلٍّ ينهي مأساة أهلها، حيث لم يبدِ الكيان الصّهيوني، ولا يبدو أنَّه سيبدي، أيّ رغبة في الالتزام بقرار الأمم المتَّحدة الَّذي يدعوه إلى وقف إطلاق النَّار، أو أن يدخل في مفاوضات تفضي إليه، بل نشهد لدى هذا العدوّ تمادياً في مجازره، والتي شهدها العالم بعد انسحابه من مستشفى الشّفاء، وما خلّفه وراءه من قتل وتدمير للمستشفى، والذي جعل أكبر مستشفيات غزَّة غير قادر على الاستمرار في أداء دوره في هذه المرحلة وحتى بعدها، إضافةً إلى الاستهداف المتعمَّد للعاملين في مجال الإغاثة، الَّذين قدموا من أوروبَّا وكندا وأستراليا وأميركا بهدف سدّ رمق المجاعة عن أهالي غزَّة، والتَّخفيف من وقع الحصار عليهم، والتخفيف من محنتهم، وذلك بهدف إغلاق أيّ باب لمساعدة الفلسطينيّين، ودفع من يريد القيام بهذا العمل الإنساني إلى التراجع عنه كالَّذي يحصل.
وقد أصبح واضحاً أنَّ الكيان الصهيوني لن يتوقَّف عند هذا الحدّ، بل يستعدّ للخطوة التي يراها ضروريَّة لتحقيق هدفه بالسَّيطرة على القطاع وفرض إرادته عليه، وهي الدخول إليه، رغم كلّ المآسي التي قد يتسبَّب بها، والتحذيرات المتواصلة من الدول الداعمة له.
ومع الأسف، يجري ذلك كلّه على عين العالم وسمعه، من دون أن يبدي أيّ موقف جادّ وعمليّ لإيقاف المجازر التي يرتكبها هذا الكيان، أو يوقف مدّ يد العون إليه، ويكتفي ببيانات الإدانة والشَّجب، والتي قد تصل إلى حدّ التَّهديد، ولكنه الخالي من المضمون. وقد علَّمتنا التجارب ألَّا نُخدع بالكلمات، بل أن نحدّق بالأفعال.
لقد أصبح واضحاً أنَّ الضَّوء الأخضر الَّذي مُنِحَ للعدوّ في حربه، ما زال مستمراً لاستكمال جرائمه في تجويع هذا الشّعب حتى تحقيق هذا الكيان أهدافه الَّتي لن تنتهي باستعادة أسراه، بل يهدف إلى تصفية الوجود الفلسطيني في غزَّة، وهو ما يؤكِّده مضيّ هذا الكيان بإنهاء أيّ مظاهر للحياة فيها.
وهو سيواكب هذه المرحلة بإسكات أيّ صوت يشير إلى جرائمه وارتكاباته، والذي برز أخيراً في القرار الذي اتخذه الكنيست الصهيوني الَّذي يتيح له إقفال أيّ مؤسّسة إعلاميّة، وفي الاستهداف المستمرّ للإعلاميّين المتواجدين في غزَّة، حيث وصل أعداد الذين استشهدوا منهم حتى الآن أكثر من مئة وخمسين صحافياً، ممن تلاحقهم طائرات العدوّ ومسيّراته وهم في بيوتهم أو في مواقع عملهم.
ورغم كلّ هذا، لا يزال الشعب الفلسطيني على صبره وصموده، مصراً على البقاء في أرضه، رغم سياسة الحصار والتجويع والتّدمير، ومواجهاً لهذا الكيان بكلِّ بسالة.
وهنا نجدِّد ونكرِّر دعوتنا بضرورة إسناد هذا الشَّعب بكلّ السبل، لجعله قادراً على الاستمرار في صموده وثباته في أرضه وفي مواجهته لهذا العدوّ.
فيما نحيّي كلَّ الَّذين يقفون مع الشَّعب الفلسطيني وقضيَّته، والَّذين باتوا يبذلون الدّماء، ويقدّمون التضحيات الجسام في هذا الطَّريق، والَّتي كان آخرها ما نتج من الاستهداف المباشر الَّذي تعرَّضت له قنصليَّة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا، في تجاوز خطير لكلّ الأعراف الدبلوماسية، وهو بذلك يسعى لإيقاف شريان هذا الدَّعم المستمرّ للشَّعب الفلسطيني، بل إنَّ هذه الجريمة ستدفع الجمهوريَّة الإسلاميَّة إلى المضيّ قدماً في هذا الخيار الَّذي تراه واجباً عليها رغم كثرة التّضحيات.
الحذرُ من خططِ العدوّ
ونصل إلى لبنان الَّذي لا يكفّ العدوّ الصهيوني عن الاستهداف المستمرّ لقراه ومدنه، فيما يواصل تهديداته للبنان بإعلانه الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، أو عبر التدريبات التي يجريها لمهاجمة قرى ومدن لبنانيّة، أو إعلان مصادقة وزير حربه على عمليَّات تطاول العمق اللبناني، فيما تواصل المقاومة التصدّي البطولي لهذا الكيان، على قاعدة العين بالعين والسنّ بالسنّ، رغم الإمكانات والقدرات التي يمتلكها هذا العدوّ.
إننا أمام ما يجري، ندعو مجدَّداً إلى مزيد من الحذر لمواجهة مغامرات هذا العدوّ، وأن يكون البلد في حالة طوارئ، بعدما أصبح واضحاً أنّ تهديداته لن تتوقَّف عند هذه الحدود التي تقف عليها.
وفي الوقت نفسه، ندعو إلى تحصين الوضع الداخلي لتعزيز المناعة الوطنيّة الداخليّة، والكفّ عن كلّ ما يهدِّد هذه الوحدة، وإلى الإسراع في ملء الشّغور على الصَّعيد الرئاسي أو الحكومي أو في المواقع الأخرى، ليكون هذا البلد قادراً على تجاوز صعوبات هذه المرحلة وتحدّياتها.
وهنا ندعو كلَّ الذين يتحدَّثون عن ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي والاستحقاقات الأخرى، إلى أن يكون هاجسهم في ذلك هو إزالة العقبات أمام هذا الاستحقاق، بدلاً من التَّصويب على هذا الفريق أو ذاك، أو هذا الموقع أو ذاك، وأن تنصبَّ جهودهم على صيغة توافق، والَّتي تبقى هي الطَّريق الأسلم لعلاج أزمات البلد وتأمين استحقاقاته.
اليومُ العالميُّ للقدس
ونعود إلى فلسطين، إلى القدس، حيث نلتقي في هذا اليوم آخر جمعة من شهر رمضان، اليوم الذي أعلنه الإمام الخميني (رض) يوماً عالميّاً للقدس، وقد أراد بذلك أن لا ينسى المسلمون القدس، وأن تبقى حاضرةً في وجدانهم وعقولهم، وأن يأخذوها بالحساب عندما يخطِّطون للمستقبل، فلا تبقى أسيرة من يعبث بتاريخها ومقدَّساتها وهويتها.
ونحن في هذا المجال، لا خيار لنا إلّا أن نلبّي هذا النِّداء ونستجيب له، ونراه واجباً علينا، لأنَّنا معنيّون بأن نقف مع كلِّ قضيَّة حقّ وعدل، وأيّ قضيَّة هي أكثر عدالةً من قضيَّة فلسطين؟! فلا يمكن أن نسكت على احتلال بلد أو ظلم شعب أو انتهاك مقدَّسات.. ولأنَّ القدس ترتبط بتاريخنا وملتقى الرّسالات السماويّة، فهي مهد السيِّد المسيح (ع)، وفيها المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبيِّهم (ص)، ومنطلق معراجه.
وأخيرا نعيد التذكير بان يوم الأربعاء القادم سيكون اول أيام عيد الفطر المبارك على المبنى الفقهي للمرجع فضل الله(رض) سائلين المولى تعالى ان يمن على بلدنا بالخير والبركة والامن والأمان وعلى فلسطين بالنصر والعزة وعلى امتنا الإسلامية بالوحدة والتكامل والتعاون وكل عام وانت بخير.