عاشوراء..مظهرٌ للتكامل بين الرجل والمرأة
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
الخطبة الأولى
يقرر الله وتعالى في هذه الآيات واحدة من سننه وهي أن الأهداف التي جاءت بها الرسالات السماوية ودعت إليها لن تتحقق بجهود المؤمنين فقط أو جهود المؤمنات فقط، بل بتعاونهم وتكامل جهودهم وطاقاتهم.. ولذلك نجد في تاريخ هذه الرسالات دائماً دور المرأة الرسالية إلى جانب الرجل.
وقد أشار هذا التاريخ إلى هذا الحضور الفاعل للنساء إلى جنب الرجال في كل مراحله.
وعاشوراء التي نعيش في هذه الأيام ذكراها كانت مظهراً لهذا التعاون فقد كانت المرأة فيها حاضرة إلى جانب الرجل حتى قيل إنّ من أهم العناصر التي ساهمت في خلود عاشوراء وفي استمرارها وبقائها هو وجود المرأة، فهذا الوجود ساهم في الزخم العاطفي الذي أطلقته كربلاء.
وعاشوراء ما كان لها أن تمتد وأن يتوسع جمهورها ليشمل الإنسانية، لو لم يكن هذا البعد العاطفي حاضراً فيها بقوة.. وهذا لا يعني أن هذا هو الحضور الوحيد للمرأة في كربلاء، فللمرأة حضورها الفاعل في قلب المعركة حينما كانت تحفز وتبعث الهمم وتشد الأزر،وقد وصل الأمر ببعض النساء إلى المشاركة في المعركة وحتى الاستشهاد..
لقد ظهرت المرأة في عاشوراء كشريك أساس في نهوضها وفي الحفاظ على إنجازاتها.. وحضور المرأة في كربلاء لم يأت صدفة أو أمراً طارئاً بل كان قراراً اتخذه الإمام الحسين(ع) بناء على وعيه أن حضور المرأة أساسي، وهو أيضاً جاء رغبة من المرأة واختياراً منها.. فالأهداف التي لأجلها ثار الحسين(ع) وترك المدينة إلى كر بلاء كانت حاضرة لدى نساء كربلاء.
فالكل كن يشعرن بمدى الخطر المحدق بالإسلام لو تسلم يزيد الحكم وبضرورة النهوض بالأمة، وإعادة إحيائها بعد أن استكانت للأمر الواقع ولمصالحها ولخوفها ولو على حساب مبادئها وقيمها.. كن يعين أن المشكلة في وجود أمة مهزومة لا قرار لها.. وكن واعيات ومنذ البداية على أن هذا الخروج مع الحسين(ع) لن يكون سهلاً وسيكون مكلفاً ويستوجب التضحيات وصولاً إلى السبي.. لكنهن كن واعيات أن كلفة إبقاء الأمر كما هو سيكون مكلفاً أكثر على الدين وعلى الأمة ومستقبلها.
ولقد أظهرت عاشوراء رغم آلامها وجراحها ومعاناتها، كما قدرة رجالها على الثبات والصمود والنجاح في الامتحان.. قدرة المرأة على هذا النجاح.. لقد تجاوزت المرأة هناك ما توصف به المرأة من ضعف جسدي ومن طغيان عاطفتها وتحملت المسؤولية وأدتها بكل جدارة.. فلم نر المرأة في كربلاء على الهامش بل في الطليعة.. وهذا أكدته السيدة زينب التي كانت بحق شريكة الحسين(ع).. شريكته في حمل الأهداف التي انطلق لأجلها وفي التفاصيل التي عاشها.. وقد كان الحسين(ع) حريصاً على أن يضعها في صورة كل ما سيقدم عليه وأن يستشيرها ويدعوها أن تشير عليه.
كان لا يرى فيها الأخت فقط، بل كان يراها المرأة الرسالية والحكيمة والتي تملك القدرة على القيادة ولم يكن في ذلك ينظر إليها.. كما ينظر الكثيرون إلى المرأة..
لقد كانت عاطفة السيدة زينب جياشة تجاه الحسين(ع) وتجاه أولادها وبقية أخوتها وأصحاب الحسين، ولكنها كانت حريصة على أن تغمد عاطفتها بقوة عندما يقتضي الموقف الرسالي ذلك، وهذه قيمة الرساليين أنهم أمام الرسالة لا وجود للعاطفة ولا للحسابات الخاصة الذاتية.. الكل يذوب أمام الرسالة.
ولذا رأينا زينب(ع) وسنبقى نراها في المعركة وأمام الأعداء شامخة، وعند المصائب قوية صابرة.. أبداً لن نراها مهزومة ولا ضعيفة ولا منكسرة ولا جزعة رغم كل الألم الذي كان يعتصر داخلها.. وهذا ما حرصت على أن تثبته في كل نساء كربلاء.. كان الموقف لديهن واحداً.
لقد استجابت السيدة زينب كما كل نساء كربلاء إلى دعوة الحسين لهن.. أن لا يشقوا عليه جيباً ولا يخمشوا وجهاً ولا يدعوا بالويل والثبور… فالموقف بالنسبة للحسين ينبغي أن يكون موقف عز وعنفوان…
وهذا ما تجلى في كربلاء، رأيناه عند الحسين وأصحابه وأهل بيته وعند النساء على حد سواء خلافاً لما نسمعه من الكثير من قراء العزاء الذين يقدمون رجالات عاشوراء ونساءها بصورة الضعف والخوف والألم، لاستدرار الدموع، بحيث تضيع عندهم عناوين العزة والتي حرص الحسين(ع) على تأكيدها عندما كان يقول: "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد.. هيهات منا الذلة".. وعندما قال لما ذبح ولده الرضيع بين يديه: "هون ما نزل بي أنه بعين الله"..
إلهي تركت الخلق طراً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك
فلو قطعتني في الحب إرباً لما مال الفؤاد إلى سواك
وقد تجلى الموقف العزيز هذا عند زينب(ع) في المعركة، عندما تحركت بكل عنفوان القوة أمام جيش عمرو بن سعد، وعندما كانت تمنع أي مظهر ضعف يستفيد منه العدو ويهون من عزائم المقاتلين، وبعد المعركة عندما تحركت وسط أجساد الشهداء وهم أولادها وأخوتها وأولاد أخوتها.. في ذلك الموقف، اكتفت بأن تقول: "اللهم تقبل منا هذا القربان".. هذه هي صورتها.. بعض الناس يعمل على أن يظهرها يائسة وأنها ضربت رأسها في المحمل وهذا ليس صحيحاً.. لقد كانت واعية إلى نتائج هذا الطريق ووعورته، والسلاح فيه لا بد أن يكون الصبر والثبات.
وهي بذلك بددت نشوة النصر في جيش عمرو بن سعد وأشعرتهم بأن ما أقدموا عليه قد حقق أثره في الأجساد، لكنه لم يفعل شيئاً في النفوس والإرادات والعزائم.. وهذا العنفوان عبرت عنه أيضاً عند ابن زياد حين أراد أن يقهر عنفوانها عندما قال: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.. حيث قالت(ع): "الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد(ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله"…
وفي مجلس يزيد عندما وقفت أمامه تحاججه وتذله وتصغره وكانت قمة ذلك قولها: "كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".
ولم تكل زينب عن إطلاق مثل هذه المواقف في كل الساحات التي مرت عليها، وفي أثناء طريقها إلى المدينة، تواكبها كلمات ومواقف شريكها وابن أخيها الإمام زين العابدين(ع)، والتي فضحت حكم يزيد ونزعت شرعيته، وأشعرت الأمة بتقصيرها وتخاذلها، لتكون ردات الفعل وبعد فترة قصيرة، حضوراً قوياً لشعارات عاشوراء في النفوس، حضوراً تمثل بثورات متعددة ومقاومة متنوعة، حتى عاد للإسلام فعاليته وتأثيره في ميادين الحياة.. بعد أن كاد يزيد وكل الحكم الأموي أن يضيِّع ويشوّه معالمه ويجعله شكلاً بلا مضمون وروح.
وبذلك نستطيع القول والاستنتاج أن بقاء عاشوراء مدين لهذا التكامل بين الرجل والمرأة، والذي نريده أن يستكمل مسيرة عاشوراء في أهدافها.. وإن كان الأسلوب قد يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان.. ليكون كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.
إننا بحاجة إلى هذا التفاعل في المجتمع، والذي يعني أن تستنهض كل الجهود ولا يضيع أي منها وأن تتعاون.. ومن هنا دعونا الرجال والنساء إلى الحضور معاً في ميادين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الميدان السياسي والاجتماعي والتربوي..
وقد أثبتت المرأة طوال تاريخها أنها قادرة على النجاح في كل هذه الميادين أن توفرت لها الفرص ومع الأسف يصر على تهميش حضورها وإن أدى ذلك إلى خسارة طاقات فاعلة نستطيع الاستفادة منها، ووضعت في موضعها.. هي حاجة في المجتمع ولبناء الحياة..
ومن هنا تساءلنا سابقاً ونعيد السؤال، كم عدد النساء في المجالس النيابية والبلدية والمواقع السياسية…
وهنا قد يتحدث البعض أن المرأة عاجزة لعاطفتها، ويأتون بحديث فيه التأكيد على فشل أي قوم وليتهم امرأة، وينسبونه إلى رسول الله(ص) وهو حديث غير صحيح.. وهؤلاء يتناسون النماذج التي قدمها الإسلام وكل تاريخ الرسالات (امرأة فرعون، السيدة مريم، السيدة خديجة، السيدة الزهراء، السيدة زينب وغيرهن)، والتي أكدت حضورها وقدراتها وتجاوزت عاطفتها في المواقف الرسالية.. لقد أكدت كل هذه النماذج أن العاطفة ليست قدر المرأة.. هي قادرة على تجاوزها.. هي قادرة أن تضع العاطفة في موقعها والعقل في موقعه.
ثم العاطفة ليست نقطة ضعف إن أحسن الاستفادة منها ووضعت في موضعها، هي حاجة في المجتمع ولبناء الحياة.
إننا بحاجة إلى هذه العاطفة التي من خلالها ننمي الإحساس بآلام الفقراء والمساكين ومن خلالها نبني شخصيات متوازنة.. طبعاً هناك تنوع في الأدوار نظراً لتنوع القدرات والإمكانات.. فقد لا تستطيع المرأة أن تقوم بأشياء، ويقدر الرجل القيام بها، وقد لا يستطيع الرجل القيام بأشياء تقدر المرأة على القيام بها..
لقد هيأ الله سبحانه كل من الرجل والمرأة لأداء دوره في الحياة.. فللرجل دوره داخل البيت وللمرأة دورها داخل البيت، والأمر نفسه في المجتمع والحياة العامة.
والمطلوب أن يؤدي كل دوره في إطار خصوصيته، وأن يعين كل منهما الآخر على أداء هذا الدور.. ويتعاونا في مساحة مشتركة يعملان فيها.. وهذا ما دعا إليه الله سبحانه {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.. والخلل يحصل عندما ينكفئ كل عن دوره أو يفتقد المجتمع طاقات أي منهما.
لقد أكدت عاشوراء أنه بتكامل الأدوار وبتعاونهما يمكن تحقيق الأهداف والوصول إليها..
ولذلك يقال انتصرت عاشوراء بقيادة الحسين وبدماء أصحابه وأهل بيته وبدور زينب ونساء كربلاء وهذا ما نحتاجه في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهنا.
الخطبة الثانية
هذا هو همّ الحسين(ع) في آخر وصاياه، والوصيّة عادة هي أهمّ ما يشغل بال الإنسان، فكيف إذا كانت صادرة عن الإمام! كان همه أن نتوجّه إلى الله وحده في طلباتنا وحاجاتنا، وأن لا نتوجّه إلى غيره، وأن لا نظلم أحداً ممن بيدنا أمره، ولا نستغلّ ضعفه وحاجته وظروفه. بذلك وحده نعبّر عن حبّنا للحسين وولائنا له.
لبنان
والبداية من لبنان، حيث عادت إليه البرودة في السّجالات، والتي تسبّب بها الحديث عن ضرورة الاتفاق على ما يسمّى بالسلّة، كشرط مسبق لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما اعتبره البعض انتقاصاً من موقع رئاسة الجمهورية وتقييداً له، بعدما حرص الجميع على التهدئة وإبعاد مثل هذا السّجال عن ساحة التداول الإعلاميّ، ولا سيما بعد أن أُعطي البعد الطائفيّ.
ونحن في الوقت الّذي كنا نأمل أن تنأى المواقع الدينيّة عن أن تكون في واجهة هذا السجال، فإننا نأمل أن تساهم أجواء البرودة القائمة في إفساح المجال للحوار المطلوب بين الأفرقاء في الساحة اللبنانية، بما يؤدي إلى إزالة العقد الداخلية التي تقف حجر عثرة في وجه إنهاء الشغور في الملف الرئاسيّ، والذي تساعد عدم ممانعة الدّول المؤثرة في القرار اللبناني على تحقيقه…
وهنا، نعيد التّشديد على ما بات واضحاً من أن لبنان سيبقى محكوماً بالتوافق الداخلي، فلا تطغى فيه طائفة على أخرى، ولا يُهمّش فيه موقع سياسيّ محسوب على طائفة لحساب موقع سياسيّ آخر، وهذا ما يساهم في تعزيز اللحمة الداخلية والحفاظ على الاستقرار، ويقلل من التدخلات الخارجية، لكننا ندعو دائماً إلى أن يبقى هذا الحوار محكوماً بالمصلحة الوطنية، لا أن يكون حوار توزيع الجبنة وتقاسم الحصص على مستوى شخصي أو حزبي، مما اعتادته القوى النافذة، وهو سبب مشاكل البلد والفساد المستشري فيه.
وفي هذا الوقت، نشعر مع كلّ اللبنانيين بارتياح لعودة النشاط الحكومي، الَّذي نريده أن يولي الاهتمام لمصالح النّاس، وأن يخفّف من معاناتهم ومن الأزمات الاجتماعيّة الّتي تهدّد لقمة عيشهم. وهنا، نقدّر للحكومة تقديماتها لمزارعي التفاح والقمح، ولكن هذا الأمر ليس هو الحلّ المرجوّ، تُضاف إلى ذلك أزمة الميكانيك والنفايات، والحديث المتزايد عن أزمة نقدية قادمة قد تصيب الليرة اللبنانيّة، وصولاً إلى التحدي الأمني المستمرّ والمحدق بهذا البلد، الّذي يبقى في عين العاصفة ما دامت المنطقة من حوله في حالة صراع، ما يستدعي من المسؤولين الارتقاء إلى مستوى هذه التّحدّيات الخطيرة.
سوريا
وإلى سوريا؛ هذا البلد الّذي تتفاقم معاناة إنسانه، ويزيد دمار بنيته التحتية، ولا يوجد أفق لحلّ قريب يُنهي الصراع الدامي فيه، ولا سيما بعدما تحوّل إلى ساحة صراع وتجاذب بين الدول الإقليمية وبين روسيا وأميركا، بعد انتهاء تفاهمهما على هذا البلد، من دون أن يأخذ أحد بعين الاعتبار التداعيات الإنسانية المؤلمة لهذه الحرب المستمرة.
وأمام هذا الواقع، لن نراهن على مبادرات غير واقعية، بل على زيادة الوعي لدى الجميع، فلا خيار أمامنا إلا المصالحات التي تعري الإرهاب والإرهابيين، والحفاظ على ما تبقّى من حسّ إنسانيّ أو إسلاميّ أو عروبيّ لدى الدول الّتي تمسك بقرار هذا البلد وتؤثّر فيه، وإن كنّا لا نتوقّع الكثير في هذا المجال.
العراق
وإلى العراق، الّذي يتابع جيشه الاستعداد للمنازلة الأخيرة مع الإرهاب الجاثم على صدر الموصل، والمستمرّ في عملياته الإجرامية ضد المدنيين. وأيضاً، تبرز أزمة بين العراق وتركيا، نخشى تأثيراتها وتداعياتها على العلاقة بينهما، والتي قد تصل إلى نزاع وأبعد من ذلك.
إنّنا أمام ما يحدث، ندعو البلدين إلى تعزيز لغة الحوار الّتي تضمن سيادة العراق على أراضيه، من دون إحداث أي توتر أو تصعيد في العلاقات العراقية ـ التركية، بما يضمن مصالح البلدين.
فلسطين
وإلى فلسطين، حيث يستمر العدوّ في ممارساته القمعية والاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وفي حصاره البري والبحري والجوي المستمر على قطاع غزة. وهنا، لا بدّ من أن نحيي ما قامت به ناشطات من عدة دول، إذ توجّهن على ظهر سفينة "زيتونة" لكسر الحصار عن غزة، لولا قيام العدو الصهيوني باعتقالهنّ. وقد أردن من ذلك رفع صوت الإدانة عالياً لهذا العدوان المتواصل على غزة، بفعل الحصار المحكم عليها، وإيصال معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم.
ذكرى عاشوراء
وأخيراً، نتوقّف عند ذكرى عاشوراء الأليمة، التي لا تقف حدودها عند مذهب أهل البيت(ع)، بل هي مناسبة لكل مسلم، إلى أي مذهبٍ انتمى، فالحسين(ع) في نظر كل المسلمين هو سيد شباب أهل الجنة، وهو إمام قام أو قعد، بنصّ رسول الله(ص)، كما أنها مناسبة لكل إنسان يؤمن بالعدل والقرار الحر، فالحسين(ع) سُفِكَ دمه لأنه داعية إصلاحٍ وعدلٍ وتغييرٍ، ولأنه رفض أن يعطي إعطاء الذليل ويقرّ إقرار العبيد، والحسين في ذلك لم يخرج مقاتلاً، بل خرج ناشراً للوعي، داعياً إلى المعروف، ناهياً عن المنكر، لكن منطق الطغاة يردّ على الكلمة والمنطق بالسيف وإشهار السلاح..
وفي هذا الجو، نحن مدعوون إلى أن نعبّر عن حبنا وعن صدق مشاعرنا لمن أعطى كل شيء من أجل أن يبذر فينا بذور العزة والحرية والإباء والشموخ، بالحضور الكثيف في مجالس العزاء، ولنحرص على أن يكون تعبيرنا حضارياً منطلقاً من وحي الرسالة والقيم التي استشهد الحسين من أجلها.
إنّ الحسين(ع) لا يريد منا أن ندمي رؤوسنا بالسيف، وأن نضرب ظهورنا بالسلاسل، بل أن نواسيه بأن نكون حيث كان في مواقع العدل والحرية حتى الاستشهاد، فهو لم يضرب رأسه بالسيف وظهره بالسلاسل، بل ضُرِب وهو في ساحة الجهاد. هكذا يكون ولاؤنا وإخلاصنا للحسين، وبذلك نعلي شأن عاشوراء ونعزز حضورها.