محاضراً في مركز الحسنين (ع) في برلين: فضل الله: الحوار الجدّي بين الشعوب لا يقوم إلَّا على الحريَّة والعدالة

ألقى سماحة العلَّامة السيِّد علي فضل الله محاضرة في مركز الإمامين الحسنين (ع) في العاصمة الألمانيَّة برلين، بحضور ممثلين عن الجمعيات وبعض الأحزاب اللبنانية والعراقية، وبحضور جمع غفير من أبناء الجاليات اللبنانية والعربية.

بعد الترحيب بسماحته، قدَّم براعم كشّافة الحسنين (ع) أنشودة ترحيبيَّة، ثم ألقى سماحة العلَّامة فضل الله كلمته الَّتي بدأها بالتعبير عن سعادته لوجوده بين أبناء الجاليات اللبنانية والعربية في برلين وفي ألمانيا، البلد الَّذي أمّن فرصة العيش الكريم لكثير من الَّذين لم يتمكنوا من الحصول على هذه الفرصة في بلادهم.

 وقال سماحته إنَّه ينبغي الحرص على المشاركة في قضايا هذا البلد العامَّة، لا أن نعتبر وجودنا فيه وجوداً طارئاً، ومن خلال المراكز التي نتواجد في أحدها الآن، نستطيع أن نعبّر عن قيمنا، وأن نطلق ما نفكِّر به إلى كلِّ الذين يعيشون معنا، مؤكِّداً أنّ قيمنا تشدِّد على احترام الإنسان وحقّه في الكرامة والحرية والعدالة، وعلى حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، مشيراً إلى أنَّ الأخلاق الإيمانية هي أخلاق إنسانية مشتركة في العمق، وإن اختلفنا حول بعض المفردات الأخلاقيَّة التي تتعارض مع القيم السَّائدة، فإنَّ هذا الخلاف هو نفسه قائم بين أبناء الحضارة الغربيَّة نفسها.

ورأى سماحته أنَّ علينا أن نفهم المزاج الثقافي والاجتماعي والأخلاقي في هذه المجتمعات التي نعيش فيها، لنستطيع في ضوئها أن نقدِّم الخطاب الثقافي والأخلاقي والإيماني الَّذي يحمي إسلامنا، ويحفظ المفاهيم والروحية التي يقوم عليها هذا الدّين، والأهم أن نبتكر الأساليب التي يمكن لنا من خلالها أن نجذب النَّاس، ولا سيّما الشّباب، إلى أن يعيشوا حياة إنسانية غنية ومزدهرة.

وتوقَّف سماحته عند قضايا الأسرة ومشاكلها، معتبراً أنَّ الأسرة هي الوحدة الأساسيَّة في المجتمع التي إن سلمت وصلحت استقام المجتمع وصلح، وأنها هي المحضن الَّذي يتربى فيه الإنسان على قيم المحبّة والرحمة والتضامن والتضحية، ما يجعل منه إنساناً صالحاً يخدم الوطن الذي يعيش فيه، وهو ما يتطلَّب منا أن ندرس بعمق طبيعة المشاكل التي تعيشها الأسرة في هذه البلدان، لوضع البرامج المناسبة لكيفيَّة توقّيها قبل أن تقع، أو معالجتها إذا وقعت، وبذلك نوفِّر المناخ الصَّالح لإنسان يتمتَّع بالصحة النفسية التي تجعله قويّاً يواجه التحديات…

وتابع سماحته: إنَّ علينا أن نقدِّم الصورة المشرقة عن الدين بشكل عقلاني وإنساني وأخلاقي، كما أنّ علينا أن ننفتح على الإنسان كلّه، وأن نكون خيراً للإنسان، مشيراً إلى أنَّ علينا أن نمدّ جسور التواصل مع الآخرين، وأن ينظر بعضنا إلى بعض من خلال نقاط الالتقاء لا الاختلاف، وهذا ما جعل المرجع السيِّد فضل الله (رض) يدخل إلى قلوب الجميع، ويعبر إلى جميع الأديان والطوائف.

وتوجَّه سماحته إلى الجاليات بالقول: إنَّنا بحاجة إلى تعلم الكثير من التجربة الإنسانية في بلاد الغرب واستلهامها، على قاعدة الشِّعار الذي تبنَّاه المسلمون خلال تاريخهم، وهو قول رسول الله (ص): “اطلبوا العلم ولو في الصين”، والقاعدة القرآنيَّة التي تقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ{، فنأخذ الأحسن من هذه الثقافة الذي يغني إنسانية الإنسان، ويسهم في تطوير حياته المادية والمعنوية، وذلك من دون أن نشعر بعقدة النقص، فكما الغرب أخذ من المسلمين في ذروة تألقهم الحضاري لتطوير مجتمعاته، فنحن نأخذ منه، وتلك هي طبيعة الحياة الإنسانية والدورات الحضارية التي تمرّ بها.

وأوضح سماحته أنَّه ما من ثقافة إلا وفيها عيوب وأخطاء، وثقافتنا الإسلاميّة السّائدة لا تخلو منها، وفي الوقت نفسه، فإنَّ الثقافة السائدة في هذه البلدان تحمل أيضاً عيوباً وأخطاءً، ولكنَّ سمة النقد الذاتي الذي تحمله هذه الثقافة، يجعلها تنجح في الكثير من الأحيان في معالجتها، ما يتطلب منا أن لا نستسلم لعيوبنا وأخطائنا، بل أن ننقدها، وخصوصاً ما تراكم في هذه الثّقافة من تعصّب وخرافة وتخلّف يتناقض وإسلامنا الَّذي رفع من شأن العقل والأخلاق إلى أقصى درجة ممكنة.   

وختم قائلاً: هذه هي رسالتنا إلى أبناء هذا البلد وإلى كل العالم، لنقول بأن هذا الدين لا يشكّل مشكلة، بل هو حلّ للكثير من القضايا الإنسانيّة، وعليكم أن تعملوا مع أبناء هذا البلد على بنائه، وأن تجعلوا منه نقطة التقاء بين الأديان وبين الشعوب، من خلال الانفتاح والحوار الجدّي والمجدي، فإن الحقد والنزاعات لا تبني الحياة، بل إنّ الكلمة الطيّبة والمحبة الّتي تتطلّع إلى عالم يقوم على العدالة والحريَّة والمساواة، هي الَّتي تجعل هذا العالم يستحقّ الحياة.

***