مقابلة مع جريدة المستقبل
المتابع لحركة تيار العلامة السيد محمد حسين فضل الله من خلال نجله العلامة السيد علي فضل الله يلحظ وبسرعة مدى توسع نشاطات هذا التيار على مختلف الصعد، سواء من خلال جمعية المبرات الخيرية ودورها الاجتماعي والتربوي والصحي والثقافي كأبرز جمعية بين الجمعيات اللبنانية، او من خلال ملتقى حوار الاديان والثقافات الذي اسسه فضل الله سيرا على نهج ابيه والذي كرّم قبل ايام المطران جورج خضر في احتفال مميز بتنوعاته وكلماته.
ويبدو أن لمسات هذا التيار تبرز في الجانب الفكري والثقافي والاجتماعي اكثر من ملامستها للعملية السياسية التفصيلية وما تحتويه من تعقيدات على الساحة اللبنانية، خلافا لما كان عليه الوالد (المرجع فضل الله) الذي كانت حركته السياسية توازي اطلالته الفقهية والمرجعية.
ففي عيد البشارة على سبيل المثال، تبرز جمعية المبرات الخيرية كعبارة عن لوحة فنية ثقافية لها بصمتها الخاصة في كل سنة، بما يحاكي العلاقة الاسلامية المسيحية ضمن منهج حواري منفتح حتى على مستوى الاناشيد والموسيقى التي تقدس مريم البتول كما هي مقدسة في القرآن والانجيل.
وبالنسبة الى العلامة السيد علي فضل الله، يبدو حضوره المهم على الساحة جلياً من حجم الدعوات الكثيرة الموجهة له من تركيا الى مصر حيث كانت له مشاركة فعالة في الاشهر الاخيرة في المؤتمرات الاسلامية بمشاركة الازهر الشريف والتي ركزت على محاربة الارهاب وتوحيد صفوف المسلمين، وهو الامر نفسه الذي فعله السيد فضل الله في حضوره المميز ضمن مؤتمر الوسطية العالمية في الاردن اذ كانت له كلمة وحضور لافت وتكريم من قبل المؤتمرين له، واستقبالهم شخصيات فكرية ورسمية اردنية مع دعوات له لإقامة محاضرات في عدد من النوادي الثقافية وحتى في الجامعة الاردنية على ان تركز المحاضرات على مسألة العلاقة بين السنّة والشيعة وسبل حماية الوحدة بينهما في ظل حالة التشظي التي تصيب العالم العربي والاسلامي.
في الآونة الاخيرة وجد تيار السيد فضل الله نفسه يصارع على جبهتين، جبهة من حاربوا مرجعية الراحل السيد محمد حسين فضل الله من لبنانيين وايرانيين وغيرهم، وجبهة اخرى لوحظ من خلالها ان بعض اللبنانيين حاولوا، بحسب مصادر مقربة من التيار، ان يُدخلوا اسم جمعية المبرات الخيرية في اطار القرار الاميركي الاخير المتعلق بالمصارف اللبنانية والعقوبات المالية بحق «حزب الله». وهو ما انعكس سوء فهم في العلاقة بين بعض المصارف اللبنانية وجمعية المبرات الخيرية حيث تقوم هذه المصارف، وبعد اتصالات اخيرة، بإعادة رسم لهذه العلاقة بعيدا عن الاساءة الى جمعية المبرات والمؤسسات التابعة لهذا التيار بحسب ما يؤكده السيد علي فضل الله.
يلفت العلامة فضل الله في حديث الى «المستقبل»، في مكتبه في حارة حريك، الى ان «القرار الأميركي اكتفى بادراج اسم السيد محمد حسين فضل الله على لائحة «الارهاب» مع ان الكل يعرف ان فكر السيد فضل الله كان فكرا ترشيديا للحركات الاسلامية، وهو الذي عمل على ادخالها في الحياة السياسية من الباب الواسع، وبالتالي فمن المعيب ان يشار بالسلبية إلى اسم كاسم السيد الذي ينبغي ان يكون محل تكريم من اللبنانيين اولا ومن العالم العربي والإسلامي ثانياً، لكونه الشخصية الاكثر تأثيرا على مستوى صناعة جسور الحوار ولأنه العنوان الابرز على مستوى الوحدة ولكونه بصمة من بصمات الانفتاح الكبرى في المنطقة والعالم بصرف النظر عن خلفيات القرار الأميركي».
ويؤكد ان والده كان «يشكل مظلة حماية للمقاومة في لبنان وانه الملهم لها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولكنه لم يكن يعمل في اي اطار تنظيمي على الاطلاق وكان يؤكد على مستوى التحدي بأنه لا دخل له في اي نقطة دم خارج اطار الفتوى في قتال الاحتلال الاسرائيلي، وبالتالي فكل ما ينسب له خارج هذا الاطار لا اساس له من الصحة على الاطلاق».
ويضيف: «ان الذين تتلمذوا على يد السيد الوالد تأثروا به من خلال فكره العام وثقافته الاسلامية الواسعة، حيث لم يكن السيد يعمل لاحتضانهم ضمن اطار تنظيمي معين بل ترك لهم كل الخيارات، ولم يكن ليفرض عليهم حتى فكره وثقافته وتوجهاته».
وعن زيارته الاخيرة للدانمارك، يشير فضل الله الى انه شارك في «المؤتمر الرابع للحوار بين الاديان الذي ينظمه مجلس كنائس الدانمارك الوطني والمجلس الاسلامي الدانماركي، والفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي في كوبنهاغن، تحت عنوان: «الحوار بين الاديان في مواجهة التطرف»، مشيرا الى مشاركة قادة روحيين وعلماء دين ومفكرين وباحثين وسياسيين دانماركيين ونوابا من الدانمارك ومن الشرق الاوسط.
ويتحدث عن الحضور الكبير لفكر والده المرجع الراحل في قلب اوروبا، في بلاد الاسكندنافية وغيرها، مشيرا بارتياح كبير الى ذكر الشخصيات الاسلامية السنية والده «لجهة منهجه الذي ارسى دعائم الوحدة بين السنة والشيعة وفتح الباب واسعا للجاليات الاسلامية في الانفتاح على الغرب دولا واحزابا وشعوباً»، ليصل الى خلاصة مفادها ان هذا «الفكر المتسم بالانفتاح والقارئ الدقيق للمستقبل والداعي ابدا للحوار هو فكر المستقبل حقاً»، مؤكدا «اننا قد ننتقد سياسات الغرب، ولكننا لا نستطيع الا ان نضيء على الايجابيات التي ارساها النظام الغربي لجهة حرية التعبير واحترام الانسان وتطبيق الكثير من قواعد العدل التي يحترمها الاسلام، وان كنا نختلف في بعض التوجهات حول هذه العدالة، الا اننا نتفق عليها من حيث القيمة، ومن هنا يشدد السيد فضل الله على ان «العلاقة مع الغرب ضرورية، وعلى المجتمع المسلم والجالية الاسلامية في الغرب ان لا تنغلق على نفسها، فنحن معهم في كل ما يتصل برفض الظلم، وفي احترام البيئة وفي احترام حقوق الانسان وما يتصل بالاجتماع الانساني العام ونحن بهذا المعيار لا نشعر بأن ثمة فروقاً اسلامية غربية الا من حيث بعض الشكليات، وبالتالي علينا ان نستفيد من التقدم الغربي، وحتى ان نعمل على الاندماج مع هذا العالم وان نحترم انظمته ولكن مع حفظ خصوصياتنا الاسلامية وعدم الذوبان واحترام الهوية الاسلامية التي نريدها ان تنفتح على دوائر العالم كله».
أما عن الصراع الجاري في المنطقة، فيؤكد انه «صراع سياسي بامتياز وصراع مصالح اولاً وآخراً ولكنه يأخذ بعدا مذهبيا ليأخذ بتداعياته علينا جميعا كمذاهب واديان وشعوب ومكونات ثقافية ودينية وعرقية، لنشعر جميعا بأننا مهددون على مستوى المستقبل».
ويضيف «لعل الخطورة تأتي من جهة المحاور الاقليمية والدولية التي دخلت على خط هذا الصراع بقوة فألبسته تارة رداء مذهبيا وتارة اخرى ثوبا سياسيا معقدا برز فيه الاسلام كوحش مفترس يحاول ان يفترس البشرية كلها، ولذلك علينا كمسلمين سنة وشيعة قبل الجميع ان نبادر الى العمل على جبهتين، جبهة توحيد صفوفنا ورفض القول بأن الحرب في المنطقة هي حرب مذهبية، ومن جهة ثانية، العمل لمنع تشويه صورة الاسلام لان الذي يدفع الثمن اولاً وآخراً هي شعوبنا واسلامنا».
يرفض فضل الله مقولة «اقتحام فكري للسلفيات» ويصرّ على التواصل معها شرط ان يكون هذا التواصل مبنيا على الفهم الحقيقي لها حتى على المستوى التربوي والثقافي»، مشيرا الى «سقوط مبدأ الاستئصال الامني والعسكري»، ومبديا خشيته «من ان ما يعمل له على مستوى المحاور الكبرى في المنطقة هو شعار: « لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، داعيا الى «مواجهة ذلك بمبادرات اسلامية كبرى تنطلق بها المرجعيات الدينية الوازنة والفاعلة على الارض».
ويبدي خشيته من التقسيم الواقعي في العراق وسوريا»، ولكنه يستدرك قائلاً «ان ذلك مرهون بحركة المواجهة عند شعوبنا من جهة وبالتأثيرات السلبية لهذا التقسيم على الدول المجاورة»، ومن هنا يرى اننا «قد نستمر لسنوات في هذا النزيف، وخصوصا في سوريا والعراق ما لم تبرز مواقف شجاعة مستعدة للتفاوض والتنازل لمصلحة الشعبين السوري والعراقي»، مشيرا الى العراق بالتفصيل «لان المسألة مرهونة بقدرة الحكومة العراقية على استيعاب كل الكيانات والمكونات العراقية ومشاركة الجميع على مستوى الحكم وطمأنتهم في مبادرات فاعلة تحفظ كيان الدولة ووحدة العراق».
ويلفت الى ان الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان «اظهرت حراكا لبنانيا يطمئن بعض الشيء ويدعو من جهة اخرى القوى السياسية الى اعادة النظر في علاقاتها بين بعضها البعض وكذلك العلاقة مع الناس»، مؤكدا أن «سياسة المحادل ليست مفيدة لمستقبل اللبنانيين».
ويختم بالقول: «نحن دعونا كل الذين ينادون بالنسبية على مستوى قانون الانتخاب ليطبقوا النسبية كنموذج في الانتخابات البلدية، ليكون ذلك بمثابة المقدمة لإقرارها على المستوى الشعبي والميداني بما يؤسس لذلك في المجلس النيابي، لاننا نعتقد انها تشيع جوا من الاستقرار في البلد كله وخصوصا في الجنوب الذي يحتاج الى استقرار اوسع واكبر لانه خط الدفاع الاول عن لبنان».