من دروسِ معركةِ أُحُد: لا نصرَ إلَّا بشروطِهِ

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 152].

ذكرى معركةِ أُحُد

في الخامس عشر من شهر شوّال السنة الثَّالثة للهجرة، حصلت معركة أحد، والَّتي ابتدأتها قريش ثأراً لهزيمتها النَّكراء في معركة بدر الّتي حصلت قبل سنة من ذلك التَّاريخ.

وقد أعدّت قريش لهذه المعركة كلَّ ما يؤمّن لها الانتصار من العدَّة والعديد: ثلاثة آلاف مقاتل مجهَّزين بالسِّلاح والعتاد الكافيين، وأخرجت معهم النِّساء والأطفال لتحفيز المقاتلين وضمان ثباتهم في أرض المعركة وعدم فرارهم منها.

وصل خبر خروج قريش إلى رسول الله (ص)، فبدأ بالإعداد لمواجهتها، وقد كان آنذاك أمام خيارين: إمَّا أن يقاتل من داخل المدينة، أو أن يقاتل خارجها، فاستشار في ذلك أصحابه، وهذا كان دأب رسول الله (ص)، فقد كان يستشير أصحابه في قرارت الحرب والسِّلم، وهو ما دعا إليه الله عزَّ وجلَّ وحثَّه عليه، عندما قال له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.

وكان الرأي الأرجح، وبناءً على هذه المشورة، الخروج لملاقاة جيش قريش قبل وصوله إلى المدينة.

وبالفعل، التقى المسلمون الَّذين كانوا لا يزيدون عن سبعمائة مقاتل، بجيش قريش عند جبل أُحُد على تخوم المدينة المنوَّرة، وقد اعتمد رسول الله في خطّته العسكريّة، على جعل ظهر جيشه إلى جبل أحد، ليكون مانعاً طبيعيّاً وحامياً يحفظ الجيش من الخلف.

لكن بقيت ثغرة من على يمين جيشه، كان رسول الله (ص) يخشى أن يتسلَّل منها العدوّ وأن يباغتهم منها، فعمل على إحكام سدِّ هذه الثَّغرة الَّتي كانت عبارة عن تلَّة سميت لاحقاً بجبل الرّماة، فوضع لذلك عليها خمسين من الرّماة الماهرين، مع قائدٍ لهم هو عبدالله بن جبير، وأوصاهم رسول الله (ص): “انضحوا الخيل عنّا بالنّبل، لا يأتونا من خلفنا! إن كانت الدّائرة لنا أو علينا”، وحتى لو رأيتمونا تخطفنا الطَّير.

وبدأت المعركة، ولم يمض وقت طويل، حتَّى هُزمت قريش، ووضعت أسلحتها، وفرَّت من أرض المعركة مخلِّفةً وراءَها الغنائم الكثيرة.

عندها حصل ما لم يكن متوقَّعاً، عندما صاح أحد الرّماة: “الغنيمة الغنيمة قبل أن يأخذها غيركم!”، وترك موقعه، ولحق به آخرون طمعاً بالغنائم، بحيث لم يبق على الموقع إلَّا عشرة رماة، ولم يصغوا إلى تحذير قائدهم الَّذي ذكَّرهم بكلام رسول الله وتوصيته لهم أن لا يغادروا هذا المكان تحت أيِّ ظرف من الظّروف.

في هذا الوقت، كان أحد قادة جيش المشركين خالد بن الوليد متربِّصاً، وعينه على هذه الثَّغرة، وجاءه مشهد انكشاف التلَّة لتشكِّل فرصةً له ليحمل عليها، فيقتل قائد الرّماة عبد الله بن جبير، والرّماة القلّة الَّذين بقوا معه، ثمَّ باغت بفرقته المسلمين من الخلف، وقد أدَّى ما جرى إلى استشهاد سبعين صحابيّاً، من بينهم أسد الله حمزة عمّ النّبيّ (ص)، ومصعب بن عمير الّذي كان سفير رسول الله (ص)، وهو من أرسله إلى المدينة قبل هجرته إليها ليتولى الدَّعوة إلى الله فيها، وجرح العديد منهم، وأصيب رسول الله (ص) نتيجة ذلك، حيث ورد أنَّه كسرت رباعيَّته، وهي أسنانه الأماميَّة، وشجَّ رأسه، وكاد أن يقتل، لولا الفئة القليلة الَّتي وقفت تدافع عنه وتذبّ عنه السِّهام والسّيوف والرّماح، وهنا يشار إلى دور الإمام عليّ (ع) الّذي لشدَّة ما قاتل ودافع عن رسول الله (ص)، كسر سيفه، فأعطاه رسول الله (ص) سيفه “ذا الفقار”، فما زال يقاتل حتى نزل جبرائيل على رسول الله (ص) وهو يهتف: “لا فتى إلَّا عليّ، ولا سيف إلَّا ذو الفقار”، فيما فرَّ أكثر جيش المسلمين، كلٌّ يريد أن ينجو بنفسه، ولا سيَّما بعدما سمعوا من يقول: لقد قُتل محمَّد.

امتحانٌ قاسٍ للمسلمين

لقد شكَّلت معركة أُحد امتحاناً قاسياً للمسلمين، وهو كما أشرنا، لم يكن ذلك بسبب عدم جهوزيّتهم للحرب، اذ لم تكن تنقصهم شجاعة وثبات، ولا استعداد للتَّضحية وروح قتاليَّة عالية ووعي وإيمان برسالة الإسلام، وقد تجلَّى ذلك في الَّذين ثبتوا في أرض المعركة…

وهنا نذكر ما قاله أنس بن النَّضر، فهو عندما رأى فرار الكثيرين من أرض المعركة لما سمعوا من يقول إنَّ محمَّداً قد قُتل، قال لهم: يا قوم، إن كان محمَّد قد قُتل، فإنَّ ربَّ محمَّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثمَّ قاتل حتى استشهد.

لكنَّ الخسارة، كما ذكرنا، كانت نتاج عدم الالتزام بواحدٍ من شروط النَّصر، عندما غادر بعضهم موقعاً أمرهم رسول الله (ص) بالبقاء فيه، طمعاً بصفوة الغنائم، وبالفرار الَّذي حصل عندما تخلَّفوا عن أرض المعركة نجاةً بأنفسهم.

حديثُ القرآنِ عن المعركة

لذا، حرص القرآن الكريم في العديد من الآيات الكريمة، على أن يدعوهم إلى معالجة الأسباب الَّتي أدَّت إلى الهزيمة الَّتي حصلت بعد انتصارهم، والتي أشارت إليها الآية التي تلوناها، عندما قالت: {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ}، ولتبلسم جراحهم وتخفِّف معاناتهم، وأن يستعيدوا دورهم وحضورهم في مواجهة التحدّيات القادمة، لتقول لهم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وليذكِّرهم بأنَّهم إن مسَّهم قرح فقد مسَّ هؤلاء مثله في معركة بدر، وأنَّ خسارة جولة مع  المشركين لا يعني خسارة المعركة إن عملوا على معالجة أسبابها، فقال: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وقوله عزّ وجلَّ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

وقد أكَّدت الآيات الكريمة لهم أنَّ الطريق إلى الجنَّة لا يتحقَّق إلَّا بالجهاد الممزوج بالصَّبر والثَّبات وعدم الانكسار أمام الآلام عند مواجهة التحدّيات: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.

وردَّت الآيات على الَّذين راحوا يتحسَّرون على موت العدد الكبير من الشّهداء، بالقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

النَّصرُ بأسبابِهِ

أيُّها الأحبَّة: إنَّ دروس أُحُد كثيرة، وأهمُّ درس فيها، أنَّه لا يكفي أن نكون على حقّ، وأن تكون قضيَّتنا عادلة، وأن نكون مؤمنين، حتَّى يتحقَّق النَّصر، بل لا بدَّ من الأخذ بشروطه.

لقد اعتقد المسلمون في معركة أُحد، أنَّهم بمجرّد أن يدخلوا المعركة مع رسول الله (ص)، سيكونون مسدَّدين ومؤيَّدين، وتنزل عليهم الملائكة كما في بدر. لذا راحوا يتساءلون بعد هزيمتهم المدوّية عن وعود الله بنصره المؤمنين، واستنكروا كيف يخسرون المعركة ويُهزَمون ومعهم رسول الله، فأجابهم الله عزَّ وجلَّ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

لذا جاءت الإشارة من الله إلى أنَّ سبب الهزيمة: {هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}، هي حصلت عندما لم تلتزموا بشروط النَّصر، ومن شروط النَّصر الالتزام بالخطَّة العسكريَّة من جهة، والتحرّر من حبّ الدنيا الَّتي دفعت بعض المسلمين إلى ترك مواقعهم للحصول على الغنيمة، وكراهية الموت من جهة ثانية، حين فرَّ آخرون من المعركة بعد أن سمعوا أنَّ محمَّداً قتل.

لقد وعى المسلمون جيِّداً درس أُحد، وقرَّروا في ذلك الوقت أن يبيعوا جماجمهم لله، وأن يدعوا الدّنيا عندما تكون على حساب رضاه، ولذلك تلاحقت انتصاراتهم بعد ذلك في الأحزاب وخيبر، والنَّصر المؤزَّر الَّذي حقَّقوه بفتح مكَّة، وهذا ما نسأل الله أن نكون عليه حتى نحقّق انتصاراتنا.

مسؤوليَّةُ سدِّ الثُّغر

أيُّها الأحبَّة: إنَّ علينا في ظلِّ الحرب التي يشنّها الأعداء على الأمَّة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، أن نستحضر درس أُحد، والَّذي يدعونا إلى أن نسدَّ الثّغر الَّتي ينفذ منها الأعداء إلى المجتمع ليطيحوا بإنجازاته ويقوِّضوه من الداخل، حتَّى لا يبقى في خاصرة هذا المجتمع مواقع رخوة بسبب الفقر أو الجهل أو قلَّة الإيمان والوعي والانقسام.

ونعي بأنَّ الله معنا، وناصرٌ لدينه وإنسانه، ومعزٌّ للمؤمنين والمستضعفين، بشرط أن ننصره {إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

بسمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثَّانية

عبادَ الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستعيد في هذه الأيَّام ما جرى للمسلمين بعد معركة أُحد، حيث تذكر السِّيرة أنَّ أبا سفيان، وبعدما غادر أُحد عائداً إلى مكَّة منتشياً بالنَّصر، ندم على تسرّعه بالعودة قبل أن يستأصل جذور الإسلام من المدينة، مستفيداً من النَّصر الَّذي تحقَّق له، وضعف الروح المعنويَّة لدى المسلمين لما أصابهم من قتلٍ وجراحٍ وآلام.

يومها، عرف رسول الله (ص) بقرار أبي سفيان باجتياح المدينة، فدعا أصحابه إلى ملاقاة قريش والتصدّي لهم، فخرجوا جميعاً، حتَّى الجرحى منهم، خرجوا متثاقلين على جراحهم. لمـّا علم أبو سفيان بعزيمة المسلمين، وبالرّوح المعنوية الَّتي هم عليها، قرَّر العدول عن رأيه، والمضيّ عائداً إلى مكَّة مكتفياً بالنَّصر الَّذي حصل له.

وقد سجَّل القرآن الكريم هذا العنفوان الَّذي كان عليه المسلمون، ومدى ثقتهم بالله وتوكّلهم عليه، فقال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}. لم ترد هذه الآيات أن تشير إلى حادثة منفردة حصلت في التَّاريخ فحسب، بل أرادتها أن تكون حاضرة دوماً في مواجهة كلّ التحدّيات، الَّتي إن استحضرناها وتمثَّلناها، نكون قادرين على مواجهة التحدّيات، وهي كثيرة.

التَّدميرُ الممنهجُ لغزَّة

والبداية من غزَّة الَّتي يستمرّ العدوّ فيها باستهدافه المدنيين، والتَّدمير الممنهج للمباني السكنية والبنى التحتيَّة، والحصار الَّذي يهدِّد أهل القطاع بالمجاعة، فيما يعلن جهوزيَّته لاستكمال احتلال كلِّ القطاع، رغم المناشدات الدولية والمسيرات والاحتجاجات في أكثر دول العالم، وهي تجلَّت أخيراً في الانتفاضات الطلابيَّة الَّتي جرت وتجري في العديد من الجامعات الأميركيَّة العريقة، وقد امتدَّت إلى فرنسا، والَّتي انطلقت من الَّذين هالهم ما يجري في فلسطين، ولم يعد ينطلي عليهم الإعلام المضلِّل، والمصرّين على تحركهم رغم الاعتقال أو تهديدهم بالطَّرد من هذه الجامعات، والاتهامات الَّتي توجَّه إليهم لتشويه صورة تحركهم.

ومن المضحك المبكي أن توجَّه إليهم تهمة معاداة الساميَّة، وهم من ينتمون إلى كلِّ الأديان، وينطلقون بمواقفهم من بُعد إنساني.

لقد أصبح واضحاً أنَّ ما يشجِّع هذا الكيان، هو استمرار الدّعم من العديد من دول العالم على كلّ الصّعد، والَّذي شهدناه أخيراً في المساعدة العسكريَّة الضَّخمة التي قدَّمتها الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الكيان، وهي جاءت من دون أيّ قيود، ما قد يسمح لهذا العدوّ بالاستمرار في مجازره وحربه على غزَّة، والتي جاء تبريرها من الرئيس الأميركي بأنَّها تهدف لحفظ الأمن القومي الأميركي، في إشارة واضحة إلى أنَّ أمن هذا الكيان من أمن أميركا.

وهو حاول التغطية على هذا الدَّعم، بالتمنّي على هذا الكيان بتمرير المساعدات الإنسانيَّة، حيث لم يأخذ في الاعتبار ما يجري من قتل وتدمير وتهجير، وكأنَّ الحصار هو المشكلة الوحيدة للشعب الفلسطيني، والسبب الوحيد لمعاناته.

ثباتُ الشَّعبِ الفلسطينيّ

في هذا الوقت، يستمرّ الشَّعب الفلسطيني بتقديم أمثولة في الصَّبر والصمود والبطولة والثَّبات على مواقفه والتصدّي لهذا الكيان، ما أربك هذا العدوّ، وجعله غير قادر على الثبات في الأرض الَّتي يصل إليها بفعل عمليَّات المقاومة، وما يزيد من إرباكه، عجزه عن تحقيق أيِّ إنجاز يقدِّمه إلى شعبه أو إلى العالم ويعيد الاعتبار لكيانه، وهذا الصمود هو ما ألقى بتفاعلات سلبيَّة داخل الكيان، وجعل قياداته تتقاذف الاتهامات حول من يتحمَّل المسؤوليَّة عن الإخفاقات التي حصلت في عملية طوفان الأقصى، والَّتي لا تزال تتوالى رغم مضيّ مئتي يوم على حربه، ما أدَّى أخيراً إلى استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية للعدوّ، والتي ستدفع نحو استقالات أخرى.

إننا أمام كلِّ ذلك، نعيد التـأكيد باعتزازنا بالشعب الفلسطيني وبمقاومته، رغم وعينا الكامل لحجم الجراح الّتي يعانيها، والتي يعمل العدوّ على توسيعها وتعميقها، ولكنَّنا على ثقة بأنَّ شعباً كهذا الشَّعب لا يمكن أن يهزم، ولا بدَّ أن يفرض على هذا الكيان شروطَه ودفعه للتراجع عما سيقدم عليه.

مسؤوليّةُ الدّولِ العربيَّة

ونحن في الوقت نفسه، نعيد دعوة الدول العربيَّة والإسلاميَّة وشعوبها، إلى تحمّل مسؤوليَّتها، وعدم ترك هذا الشَّعب منفرداً، وأن لا يفرِّطوا بالقوَّة الَّتي عبَّر ويعبِّر عنها كلَّ يوم.

ودائماً نؤكِّد أنَّه بتضافر جهودها، يمكن فعل الكثير لهذا الشَّعب، ذلك أنَّ السماح لهذا الكيان بتحقيق أهدافه، سيكون له تبعات ستمتدّ إلى أيّ مكان قادر على أن يصل إليه، وهو الَّذي لا يخفي أنَّ حدوده تمتدّ إلى أيّ مكان يستطيع جيشه أن يصل إليه.

تهديدُ العدوّ… والفراغُ الرّئاسيّ

ونصل إلى لبنان الَّذي تستمرّ فيه المقاومة بالقيام بالدَّور الذي أخذته على عاتقها، في إسناد الشعب الفلسطينيّ، والردِّ على استهدافات العدوّ للمدنيِّين وللمباني السكنيَّة والقرى الآمنة، في وقتٍ يستمرّ العدوّ بتهديداته للبنان.

إنَّنا أمام ما يجري، نجدِّد دعوتنا للبنانيّين إلى أن لا يخضعوا لتهاويل هذا العدوّ الَّتي يريد منها زيادة الشَّرخ في ما بينهم، وأن يثقوا بالقدرات التي يمتلكونها، والتي يخشى العدوّ منها، ونأمل منهم الوقوف صفّاً واحداً.. فإذا لم يكن هناك توافق بينهم على إسناد قطاع غزَّة، فلا بدَّ من توافقهم على منع هذا العدوّ من المسّ بالسيادة اللبنانيَّة وفرض شروطه على اللبنانيين، وعلى الأقلّ، أن لا يصوِّبوا على من يقف الآن في مواجهة هذا العدوّ بما يضعف الموقف اللبناني.

وندعو، في الوقت نفسه، إلى العمل جدّياً لملء الفراغ على الصَّعيد الرئاسي، والتعامل بإيجابيَّة مع كلِّ من يعمل لمساعدة اللبنانيّين على اختيار الرَّئيس القادر على التَّعامل مع هذه المرحلة بالحكمة المطلوبة.

ونبقى على صعيد الانتخابات البلديَّة الَّتي كنَّا نأمل أن تجري في وقتها، انطلاقاً من إيماننا بضرورة تجديد الحياة السياسية ومن يتولَّى إدارة شؤون البلد على المستويين البلدي والاختياري، وأن لا يكون التَّأجيل هو الأساس، وإن كنَّا نتفهَّم منطلقات من أخذوا بقرار التَّأجيل لفترة محدودة في ظلِّ ما يجري في الجنوب، وما يعكسه ذلك على الوضع الدَّاخلي برمَّته.

تحيَّةٌ للعمَّالِ في عيدِهم

وأخيراً، مع اقتراب عيد العمَّال في الأوَّل من أيار، نتوجَّه بالتهنئة إلى كلِّ العمال، ونعبِّر عن تقديرنا لجهودهم وعملهم، ويكفيهم تقديراً أنَّ اليد التي يعملون بها هي يدٌ يحبُّها الله ويحبُّها رسوله، وهي يدٌ تبني الأوطان وتساهم في إعزازها.

إنَّ المؤسف أن يأتي هذا العيد في هذا البلد، والعمَّال يكتوون بنار الوضع الاقتصادي الصَّعب والغلاء الفاحش وبنار العدوّ الصهيوني، سائلين الله أن يرفع هذه الغمَّة عن كاهلهم، وأن يكون مستقبل أمرهم خيراً من ماضيهم.