ذكرى وفاة الامام الجواد(ع)

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}{ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} صدق الله العظيم.

 

تمضي بنا الأعمار على غفلة منا، فما أسرع الساعات في اليوم وأسرع الأيام في الشهر وأسرع الشهور في السنة وأسرع السنين في العمر.. والعمر مسؤولية وسيحاسب الإنسان عليها ويسأل عنها بين يدي الله.. فلا يجوز أن تقضى لهواً وعبثاً أو فيما لا طعم له ولا لون ولا رائحة، فالإنسان عليه أن يكون ضنينا بكل دقيقة من عمره ان تذهب هدراً، ولا يملؤها خيراً وعطاء وبناء.

ومن صلب إيماننا أن العمر هو أمانة سوف نحاسب عليها عندما نقف بين يدي الله حيث يسأل الإنسان عن عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه.

 

وقد ورد في الحديث: "إنّ عمرك مهر سعادتك إن أنفذته في طاعة ربّك".

وقد ورد في الحديث أيضاً: "إِحْذَرُوا ضَيَاعَ الأعْمَارِ فِيمَا لاَ يَبْقَى لَكُم؛ فَفَائِتُهَا لاَ يَعُودُ".

 

ونحن أمام العمر وفي التعامل معه على نوعين، فهناك من يعمر السنين الطوال ولكنه في أخر سنيه السبعين أو الثمانين ينظر إلى ما جناه من كل هذه السنين الطوال…. فلا يجد إلا القليل المتبعثر فهو لم يترك أثراً في حياته أو حياة الآخرين، ولات حين مندم، ومن الناس من يقضي في هذه الحياة اليسير من السنين لكنها سنين مكثفة فهي ساهمت في تغير واقعها وبقي أثرها حتى ما بعد الوفاة.

 

وهذا النوع هو الذي دعانا إليه الله سبحانه عندما دعانا إلى أن يكون عمرنا وفيراً وأن نستغله لا في الأعمال العادية بل بأحسن الأعمال.. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.

 

ونحن في آخر ذي القعدة نلتقي بذكرى وفاة أحد أولئك الذين لم يعمروا طويلاً… ولكن رغم قصر عمره كان من تلك البيوت الذي أذن الله أن ترتفع.. فقد ارتفع ذكره في حياته ولا زال يذكر بعد ارتحاله وهو الإمام الجواد(ع).

 

وقد حظي هذا الإمام برعاية أبيه الرضا(ع).. فقد كان ولده الوحيد والذي سيتحمل أعباء المسؤولية من بعده.. وتميز هذا الإمام بالجود ومن كثرة جوده لقب به وأصبح عنواناً لصيقاً به.. ونحن عندما نتحدث عن صفة لدى إمام من أئمة أهل البيت(ع) لا نريد في ذلك أخذ العلم أو تبيان مآثره بل بالاقتداء به وأخذ هذه الصفة، وبذلك نكون فعلاً ممن يتولونه والمحبين له.. والمقصود بالجواد حتى نفهم مدلولها هو أن يبذل الإنسان ماله حال اليسر والعسر ولا ينتظر منه مقابل وأن يرى أن الذي بلغه من شكر الذي أسدى إليه أو من عطاء الله أكثر مما أعطاه..

 

وهذه القيمة قيمة العطاء والجود كما تمثلت بسيرته كانت وصيته الدائمة لأصحابه.. وقد ورد عنه: "إِنَّ للهِ عِباداً يخصُّهُم بدوام النِّعَم، فلا تزالُ فِيهم ما بَذلوا لَهَا، فإذَا مَنعُوهَا نَزَعَهَا عنهم، وَحَوَّلَهَا إِلى غَيرهم".. "مَا عَظُمَتْ نِعمُ اللهِ على أَحدٍ إِلاّ عَظُمَتْ إليه حَوائجَ النَّاس، فمن لم يحتمل تلك المُؤنَة عرَّضَ تلك النعمة للزوال".

 

وقد روي عنه أحد أصحابه: "إنّ في الجنّة باباً يُقال له المعروف، لا يدخله إلاّ أهل المعروف.. يقول الراوي: فحمدتُ اللهَ تعالى في نفسي، وفرحتُ بما أتكلّف من حوائج الناس، وشكرت الله على ذلك.. فنظر إليّ وقال(ع): نعم، تُمَّ على ما أنت عليه؛ فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في الآخرة.. حيث ورد أن الله يضع عند أهل المعروف في الدنيا الحسنات ليوزعوها على من يحتاج في الآخرة.

 

وقال(ع): "أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأن لهم أجره وفخره وذكره، فما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه".

 

وقد تسلم الإمام الجواد(ع) زمام الإمامة بعد وفاة أبيه وكان آنذاك في حداثة سنه حيث لم يبلغ آنذاك من العمر سوى عشر سنوات.. وهذا الأمر من الطبيعي أن يطرح تساؤلاً ويثير علامة استفهام حول كيفية تولي هذا المنصب الخطير لمن هو بهذا السن.. وقد استفاد منه المشككون بمبدأ الإمامة ووجدوا فيه فرصة للنيل من موقع الإمامة.

 

وهذا وإن كان من الممكن الإجابة عنه بمثيلات له في التاريخ عندما تحدث الله عن يحيى فقال: {وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}..

 

وكذلك تولي النبي سليمان الحكم بعد أبيه وكان بمثل سن الإمام الجواد(ع).. فقد جاء تميزه في الموقع العلمي ليرد على هذه التساؤلات، فقد تفرد الإمام(ع) على المستوى العلمي في عصره في كل ميادين العقيدة والفقه والتفسير والحديث ومختلف ألوان الثقافة الدينية على كل الذين عاشوا معه، حتى أن المأمون لما رأى من فضله رغم صغر سنه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال الفضل ما لم يساوه من أحد في زمانه عرض عليه الزواج من ابنته أم الفضل وهي التي لها ما لها من الشأن عنده، وقد قبل الإمام الزواج بها لما تميزت به من علم وتقوى وفضل كبير..

 

وتذكر السيرة أن حاشية المأمون استنكرت هذا الزواج لخشيتهم من مكانة أهل البيت(ع) وخوفهم أن ينتقل الحكم إليهم.. فهم بدون هذا الموقع ملكوا أفئدة الناس فكيف إذا كان لهم هذا الموقع.. فقال لهم: اخترته لتفوِّقه على أهل الفضل كافة في العلم والثقافة مع صغر سنه، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فتعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.. فقالوا له: ولكنه لا يزال صغيراً فأمهله ليتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.. فقال لهم: ويحكم أني أعرف بهذا الفتى منكم وأنه من أهل بيت علمهم من اللـه تعالى وإلهام منه.. وإن شئتم فامتحنوه…".

 

فقالوا له: رضينا بذلك فخلِّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيْ، من فقه الشريعة فإن أصاب لم يكن لنا اعتراض في أمره.. فخرجوا من عنده وأجمعوا على أن يبارزه يحيى بن أكثم، وهو يومئذ قاضي القضاة على أن يسأله مسائل لا يملك الإجابة عنها واختاروا يوماً للاجتماع بحضور الخليفة المأمون.

 

وتحقق الاجتماع في الموعد المحدد، فما كان من الإمام إلا أن أجاب على كل أسئلته بإقناع وإفحام (طبعاً المجال لا يتسع للإشارة إلى هذه الأسئلة ويمكن مراجعها في سيرته).. وهنا تقول السيرة أنه بان في وجه يحيى بن أكثم العجز والانقطاع.. فقال المأمون عندها: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي.. ثم نظر إلى الذين استنكروا عليه: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه.

 

ورغم قصر المرحلة التي عاشها الإمام الجواد حيث تذكر سيرته، أنه لم يعش سوى خمس وعشرين سنة.. فقد ترك أثره بين الناس وذاع صيته لدى العلماء وأصبح طالبو العلم يفدون إليه من كل فج عميق، وقد تميز الزمن الذي عاش فيه الإمام(ع) بانتشار المدارس والمعاهد العلمية والثقافية والمعرفية، وكثرة الفرق الدينية والمدارس الفلسفية.

 

ويكفي حتى نلمس العطاء الفكري والعلمي للإمام ما ما تركه من تراث علمي وفقهي أو من خلال كثرة أصحابه وتلامذته والرواة عنه…

 

وقد واجه الإمام(ع) خلال مرحلته ألوان الغلو، الغلو في أهل البيت ممن ألقي عليهم صفات الألوهية وإخراجهم عن البشرية أم في الصحابة ممن رفعهم إلى درجة العصمة، وعمل(ع)  على إزالة الشبهات التي أثيرت حول بعض قضايا العقيدة الإسلامية.. فواجه المشبهة الذين يشبهون الله سبحانه وتعالى بصفات البشر، أو يجعلون منه جسماً ذو أبعاد كسائر الأجسام، مما يخالف قوله سبحانه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}

وقد عبر عن ذلك في دعائه:  يا من لا شبيه له، ولا مثال، أنت الله لا إله إلاّ أنت، ولا خالق إلاّ أنت تفني المخلوقين، وتبقى أنت..".

 

وعالج قضايا الشرك اللفظي والعملي ومما سمي بالشرك الخفي.

وفي الوقت نفسه لم يهادن الإمام الظالمين، فهو دعا إلى رفض الظالمين ومجاراتهم والركون إليهم.. فقد روي عنه: "العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء".

وقال(ع): "من استحسن قبيحاً من ظالم  كان شريكاً فيه"..

وقد روى حديثاً: "إنّ أوحى الله إلى بعض الأنبياء: أمّا زهدك في الدُّنيا فتعجِّلك الرَّاحة، وأمّا انقطاعك إلي فيعزِّزك بي، ولكن هل عاديت لي عدواً وواليت لي وليّ".

وكان يقول(ع): "يوم العدل على الظالم اشد من يوم الجور على المظلوم".

 

وقد أدت هذه المواقف الجريئة والحضور الفاعل للإمام في المدينة والتفاف العلماء والناس حوله، من الخليفة العباسي المعتصم الذي تسلم الخلافة بعد المأمون إلى أن يرسل من يأتي به إلى بغداد ليكون تحت عينه ورقابته., ولما رأى أن لا فائدة من ذلك وأن الإمام لن يغير ويبدل في مواقفه ولن يتوقف عن الجهد الرسالي الذي انطلق به دس السم له كما تذكر ذلك روايات وردت بهذا الشأن.

 

أيها الأحبة: بمقدار الألم الذي نشعر به عندما نستعيد ما حدث لهذا الإمام والمعاناة التي عاشها في حياته القصيرة كما أباؤه.. نشعر بالمسؤولية تجاه هذا الإمام بأن نسير حسب ما سار لنحفظ الإسلام ونبقيه حياً نقياً صافياً من كل غلو وأن نحسن إظهار كنوزه وتقديمها إلى العالم.. وبأن نستلهم مواقفه وكلماته والوصايا التي أوصى بها حين قال: "توسَّد الصَّبر واعتنق الفقر، وارفض الشَّهوات، وخالف الهوى، واعلم أنَّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون"، "الثّقة بالله ثمنٌ لكلِّ غالٍ وسلَّمٌ إلى كلِّ عالٍ"..

 

والسلام عليه يوم ولد ويوم انتقل إلى رحاب ربه ويوم يبعث حياً…

 

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله، عندما دعانا إلى إحياء الأيام العشر الأوائل من ذي الحجّة بلياليها، بالصَّلاة والدّعاء والتّهليل والتّكبير، والصّيام عدا يوم العيد..

 

ومن هذه الأيام المباركة، يوم عرفة الَّذي لا يختصّ بالحجّاج وحدهم، وهو اليوم الذي تُغفر فيه الذنوب، ويُعتِق الله عباده من النار. وتتوّج هذه الأيام بيوم العيد؛ يوم توزيع النتائج لمن أحسن عملاً ولم يقصِّر.

 

أيّها الأحبّة، لم يُرِد الله سبحانه وتعالى أن تكون أيام شهر ذي الحجة أياماً خاصَّةً بالحجاج فقط، بل أراد لكلِّ المسلمين أن يعيشوا الأجواء الروحيّة والإيمانيّة حيثما كانوا. ونحن أحوج ما نكون إلى التزود من بركات هذه الأيام ومن أجوائها الروحية، في مواجهة ما يتحدانا من طغيان المادّة والشّهوات ووسوسات الشّياطين والنّفس الأمّارة بالسّوء. وبذلك، نصبح أكثر قدرةً على مواجهة التّحدّيات الّتي نواجهها الآن.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث بات واضحاً أن لا حلول تُرتجى لأزمات هذا البلد السياسيّة، في ظلّ إصرار الفرقاء السياسيين على مواقفهم، وعدم استعدادهم لتقديم تنازلات حقيقية تضمن الوصول إلى حلول، أو تمهِّد الطريق انتظاراً لمتغيّرات مرتقبة في المنطقة.. ولذلك، سيبقى التّجاذب السّياسيّ على أشدّه، وسيسعى كلّ فريق لتصعيد مواقفه واستنفار قاعدته الشعبية، لتحسين مواقعه في أيّ مفاوضات قادمة.

 

لكنّ كلّ ذلك سيبقى محكوماً بعدم قلب الطاولة والوصول إلى فراغ يهدّد الاستقرار السّياسيّ المطلوب في هذا البلد، والّذي يسعى إلى ترسيخه من باتوا يعتبرون صمام أمان لهذا البلد.

 

وفي هذا الوقت، وإلى أن يقرِّر من هم في مواقع المسؤوليّة أن يعيشوا آلام النّاس وعذاباتهم ومعاناتهم واحتياجاتهم، بعد أن أوصلوهم إلى حدّ اليأس حتى الانتحار، سيبقى البلد أسير أزماتٍ متجددة، كما هو الأمر في ملفّ النّفايات، الّذي اعتقد اللبنانيون أنه انتهى بتوافق كل الأطراف، وبما يضمن مصالح المناطق التي توضع فيها، وأسير أزمات مستمرّة، كما هو الأمر في ملفي الماء والكهرباء، وأسير الوضع المعيشي المتفاقم، ولا سيما ونحن على أبواب عامٍ دراسيّ جديد.

 

وأمام كلّ ذلك، نعيد دعوة الأطراف السياسيين إلى تحمّل مسؤولياتهم الكاملة تجاه الناس الذين أوصلوهم إلى مواقعهم، ولم يبخلوا يوماً في تقديم كل ألوان الدعم لهم، ولو على حساب مصالحهم. إن من حقّ هؤلاء الناس على المسؤولين، أن يشعروا بالأمان في وطنهم، لا أن يتطلعوا إلى أوطان أخرى تحتضنهم.

 

وفي الوقت نفسه، نعيد دعوة الناس، أفراداً ومؤسسات، إلى التكافل والتعاون فيما بينهم، لمواجهة الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعانيها الطبقات الفقيرة والمسحوقة. وهنا، نقدّر الكثير من المبادرات الاجتماعية التي تُبذل في هذا الاتجاه، فمن دونها، كانت المعاناة ستصبح أكبر بكثير مما هي عليه الآن.

 

وهذا التّعاون هو ما نريده أيضاً في الشأن الأمنيّ، فلا ينبغي أن يبقى هذا الأمر هاجس القوى الأمنية فقط، التي نقدّر دورها وجهدها، بل لا بدَّ من أن يكون هاجس كلّ مواطن، في ظلّ سعي العابثين بأمن هذا البلد إلى اكتشاف أي ثغرة للعبث من خلالها باستقراره، والّذي كان واحداً من مظاهره، ما حدث قبل أيام في زحلة في البقاع.

 

وليس بعيداً من هذا الجوّ، علينا التنبّه إلى ظاهرة خطيرة برزت في الأيام الأخيرة، وتمثّلت في أكثر من حالة انتحار، ولا نستبعد أن يكون السّبب هو انسداد الأفق في هذا البلد، ما يدفع البعض إلى التصرّف الخاطئ وصولاً إلى إنهاء حياته.

 

إننا أمام هذه الظاهرة الخطيرة، ندعو إلى استنفار الجهود لمعالجة أسبابها تربوياً ونفسياً واجتماعياً وسياسياً ودينياً، ونعيد التأكيد أنَّ الضّغوط، مهما كبرت وعظمت، لا تبرّر أن يقتل الإنسان نفسه وينهي حياته، فهذا ليس حلاً، بل هروباً من المشكلة، والمطلوب من الإنسان أن يواجه المشاكل، لا أن يدعها تنتصر عليه. ولا ننسى أن الله لم يسلط الإنسان على نفسه، لإنهاء حياته، وجعل الحياة أمانة بين يديه، واعتبر الانتحار كبيرة من الكبائر، ولم يفرّق في ذلك بين قتل الإنسان لنفسه أو قتل إنسان آخر.

 

فرنسا

وإلى فرنسا، حيث يبرز التّمييز الذي يمارَس ضد المسلمين، من خلال إجبار المسلمات الفرنسيات على خلع لباس البوركيني، ما يتنافى مع الحرية والعلمانية التي ينادي بها الغرب، والّتي تعني أنّ لكلِّ إنسان حريّة التعبير عن دينه وما يؤمن به. كما أنه يناقض كلّ الدعوات التي تدعو المسلمات إلى الاندماج في المجتمع الغربي وعدم التقوقع فيه..

ولا بدَّ هنا من أن نقدّر كلّ المواقف الرسميّة والقضائيّة والشعبيّة، ومعها كلّ الاحتجاجات التي قامت بها مؤسَّسات وأطر دينيّة واجتماعيّة وإعلاميّة، أعلنت رفضها لسياسات التمييز، ونأمل أن يكون ذلك دافعاً لتعزيز التواصل والاحترام بين أتباع الديانات والتنوّعات الثقافيّة، وتأسيس علاقة الثقة والاحترام المتبادل فيما بينهم.

 

الحجّ

وأخيراً، بدأت جموع الحجيج تتوجّه إلى بيت الله الحرام من كل فجٍّ عميق، تلبيةً لنداء ربّهم، ورغبةً في تحقيق أهداف هذه الفريضة، التي أرادها الله تعبيراً عملياً عن إخلاص العبودية له، وتعميقاً لعلاقة الأخوّة بين المسلمين، حيث يجتمعون معاً على صعيد واحد، يلبّون معاً، ويطوفون معاً، ويسعون معاً، ويضحون ويرجمون الشياطين معاً..

 

إنّنا نريد لهذه المناسبة أن لا تكون مشهداً عابراً يتكرّر كلّ سنة، بل أن تساهم في تعزيز الوحدة بين المسلمين، وتؤكّد أن ما يجمع المسلمين هو أكثر بكثير مما يفرّقهم.. إنّنا نريد لجموع المسلمين الَّتي تتوحد صفوفها في المسجد الحرام، وفي عرفات والمزدلفة وغيرها من الأماكن، أن تتوحد معاً في مواجهة من يكيدون للإسلام والمسلمين ولمقدساتهم وثرواتهم، وما أكثرهم اليوم! وبذلك، نحقق للحجّ معناه، ونجعل البلد الآمن لا يقف عند حدود مكة والمدينة، بل يمتدّ إلى كلّ بلاد المسلمين والعالم.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 1ذو الحجة 1437هـ الموافق : 2أيلول2016م

 

Leave A Reply