تزكية النَّفس وتحصينها

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

كثيرة هي التحدِّيات الّتي تواجه الإنسان في سعيه لتعزيز الإيمان في نفسه، وأبرزها تحدّي الشّيطان الّذي أعلن بكلّ وضوح عداءه للإنسان: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.. ومنذ أن تعهّد بالسّعي لغواية كلّ خلق الله، ما زال إبليس يغيّر ويبدّل في أساليبه، والمهمّ لديه، أن يزيد في عدد الغافلين والمغفّلين، وها هو عصرنا شاهد. والنّتيجة ليست خافيةً على أحد، وما أكثر الّذين يدقّون ناقوس الخطر من ارتفاع مستوى الانحلال والشّذوذ والانحراف والفساد، ومن شيوعه وانتشاره، وأيضاً من سهولة توفيره وتوافره!

فقد صار من الطّبيعيّ أن يكذب السياسيّ ويغشّ الصّانع ويتلاعب التّاجر، وأن تشيع الفاحشة في أوساط النّاس، وأن تشذّ العلاقات، وكلّ هذا يؤكِّد لك حضور الشّيطان بقوَّة وفاعليّة في مختلف مناحي حياة النَّاس.

فما السّبب، وأين تكمن المشكلة؟

أسباب الغفلة

في حديثٍ للإمام الصّادق(ع)، يسأل فيه ـ من قبيل السّؤال الاستنكاريّ ـ : "إن كان الشّيطان عدوّاً فالغفلة لماذا؟!".

أي إن كان عدوّنا واضحاً، وأعلن حربه علينا منذ أبينا آدم وأمّنا حوّاء، وصرّح بذلك أمام الله وأقسم، وأخبرنا عن وسائله، فخلاف العقل أن نغفل عنه، وإلا كنا مغفّلين، واستدرجنا الشّيطان إلى حيث يريد.

وسبب الغفلة، أيّها الأحبّة، واحد من ثلاث، أشار إليها لقمان الحكيم، عندما قال لولده وهو يعظه: "يا بنيّ، لكل شيء علامة يُعرف بها ويشهد عليها… وللغافل ثلاث علامات: اللّهو، والسّهو، والنّسيان".

ومن هنا نفهم الأحاديث الّتي دعت إلى إزالة الغفلة، والأساليب كثيرة، منها:

ـ "بِدَوامِ ذِكرِ اللهِ تَنجاب الْغَفْلَةُ".

ـ "يا أبا ذرّ: هِمّ بالحسنة وإن لم تعملها، لكي لا تكتب من الغافلين».

ـ "أيمّا مؤمن حافظ على الصّلوات المفروضة فصلاها لوقتها، فليس هذا من الغافلين".

ـ «بالمسجد ترتفع الغفلة». ومن هنا، نفهم تأكيد زيارة المسجد، والأجر الّذي يحصل عليه الإنسان بكلّ خطوة يخطوها تجاهه.

أيّها الأحبّة: لم يدع الإسلام الإنسان يواجه شيطانه ونفسه الأمّارة بالسّوء وحده من دون سلاح، بل اهتمّ بتربيته وبناء شخصيّته بشيء اسمه التّحصين الوقائيّ أو التربية الروحيّة، وهنا نفضّل استعمال التّعبير القرآني، وهو تزكية النفس. وتزكية النّفس هدفها الوصول بها إلى حدّ الكمال الممكن: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَندَسَّاهَا}، والتزكية لغةً هي التطهير والرّعاية والتنمية والتنقية…

وكمال النّفس يكون بتحصينها من التلوّث بالموبقات والذّنوب والمفاسد والانحراف، بحيث تنتقل من نفس شاردة بعيدة من الله، إلى نفس تعطيه حقّ العبوديّة، من نفس متفلّتة من الضّوابط، إلى نفس لا تحيد عن الصّراط المستقيم، من نفس أنانيّة، إلى نفس تسعى بكلّ جهدها للتّخفيف من آلام الآخرين وإخراجهم من معاناتهم.

أسس تهذيب النّفس

وقد جعل الإسلام أوّل مدماك أساسيّ في تربية النّفس وتزكيتها، وعي الإنسان لحقيقة الدّنيا الّتي يعيش فيها، فهو لم يوجد فيها كي ينهل من شهواتها وغرائزها، وينسى أنّها مزرعة الآخرة، وعليه أن يعي أنّها دار ممرّ والآخرة هي المقرّ، فإذا أطاع ربّه وخالقه، ونفّذ واجباته والتزاماته، ضمن بذلك آخرته عندما يقف بين يدي الله يوم القيامة، يوم محطّ الرّحال {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ? لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: 64].

 أمّا المدماك الثّاني في هذه الورشة، فهو تعزيز حضور الله في داخل النّفس بتعزيز حبّه والخوف منه، والإحساس بقوّته وجبروته والثّقة به. فعندما يفتّش الإنسان عن الله سبحانه، ولا يجده في قلبه وعقله وكيانه، فهذا يعني أنّ نفسه في موقع آخر، وعليه أن يستعيدها من قبضة شيطان أو من منزلق شهوة أو سهو أو نسيان.

ويقول الإمام عليّ(ع): "أفضل الإيمان‏:‏ أن تعلم أنّ الله معك حيثما كنت‏".

أمّا كيف تجعل الله سبحانه وتعالى معك حيثما تذهب وأينما تكون، فالجواب عند رسول الله(ص)، إذ يقول: "القلوب آنية الله في أرضه، فأحبّها إليه أرقّها، وأصلبها، وأصفاها"، أرقّها للإخوان، وأصفاها من الذّنوب، وأصلبها في ذات الله. إنّ امتلاك مثل هذا القلب، يعني أنّ الرّقيب الّذي تحتاج إليه لينبّهك ويدلّك ويحذّرك، بات في حوزتك، وتحمله معك حيثما ذهبت، ويجري فيك مجرى الدّم من العروق.. ولكي تكتمل الرّقابة، كانت الحاجة ماسّةً إلى جلسة حساب يوميّة مع النّفس، نسألها ونسائلها: أين أَحْسَنَتْ وأين أَساءَت؟ هل قامت بواجباتها أم لم تقم؟ ماذا أصلحت وعدّلت، فمن خلال محاكمتك لنفسك، تربّيها تربية تزكويّة، وتسير بها على الصّراط المستقيم.

وتزكية النَّفس لا يمكن لها أن تكتمل، إن لم تقترن بالعمل الصَّالح، وهذا هو المدماك الثّالث، فقد ورد في الحديث: "إنّ العبد إذا بلغ القمّة في العبادة، فلا بدَّ من أن يكون مشاركاً في سدِّ حوائج النَّاس".

وقد جسّد ذلك الإمام الحسن(ع)، عندما كان يطوف حول الكعبة معتكفاً فيها، وإذ به يترك الطّواف الواجب، ليمدّ يد العون إلى إنسان ضعيف، وبعدما أنهى، عاد ليكمل الطّواف من حيث انتهى. وعندما قال له رجل: يا بن بنت رسول الله، إنّك معتكف، فكيف تقطع طوافك؟ فقال له: "سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله يقول: من قضى لمؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله".

وهذا ما يشير إليه الإمام الصّادق(ع): "لَقَضاءُ الإنسانِ حاجة أخيه الإنسان، أفضل من طوافٍ وطوافٍ حتّى عدّ عشرة".

بمثل هذا العمل، نستطيع أن نعزّز مداميك بناء نفس متينة، لا تأخذها في الله لومة لائم، لتكون هي بصيرتنا ونبراسنا في الحياة.

فلو حفظت الآلاف من المواعظ والأحاديث والآيات، ولم تتصدّق بشقّ تمرة، فلا فائدة تجنيها من كلّ ذلك.

شهر العمل

أيّها الأحبَّة: لقد جعل الله سبحانه شهر رمضان شهراً يمضي بالمؤمن إلى حيث دعا عباده، من خلال الإكثار من تلاوة القرآن، والذّكر والاستغفار والصّلوات المستحبّة، وقيام اللّيل والسّجود والدّعاء، هذا إلى جانب بذل الخير والصّدقة للفقراء والأيتام وذوي الحاجة.

فشهر رمضان ورشة على مستوى البدن، وورشة على مستوى النّفس، لنخلّصها من ترهّلاتها ومما علق بها من أدران وأوساخ.

 كم نحن بحاجةٍ لنعيش أصحّاء البدن وأصحاء النفس والقلب، كي نستطيع أن نكون أكثر صلابة ومتانة، فنواجه سموم الرّياح العاتية الّتي تحاول هزّ إيماننا، نواجهها بقدرات من بات يتمتّع بمناعة قويّة، ويتسلّح بقوّة ردع حقيقيّة.

 ودائماً نستلهم الدّعاء، وليكن دعاؤنا كما كان يدعو الإمام زين العابدين(ع) في شهر رمضان:

"إلهي، وَفِّقْنَا فِيهِ لِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالْإِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإِخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ. وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا، وَأَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا. حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيكَ وَلَكَ، فَإِنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوَالِيهِ، وَالْحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيهِ. وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنَا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأْنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ، حَتَّى لَا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلَائِكَتِكَ إِلَّا دُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أَبْوَابِ الطَّاعَةِ لَكَ، وَأَنْوَاعِ الْقُرْبَةِ إِلَيْكَ".             

والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ هذه التّقوى، لا بدَّ من أن نهتدي بهدى أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد؛ هذه المرأة الَّتي صدَّقت رسول الله(ص) منذ أن نزل عليه الوحي وهو في غار حراء، وأخلصت للإسلام منذ أن دعا إليه، وقالت له بلسان الواعية العارفة برسول الله(ص):

"أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنَّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضَّيف، وتعين على نوائب الحقّ". فكانت أوَّل مؤمنة برسالته مع الإمام عليّ(ع)، وسارت مع رسول الله(ص)، تشدّ أزره، وتخفّف عنه بكلماتها الحانية الوادعة، وهي مَن شاركته في بناء أسرة كان نتاجها سيّدة نساء العالمين الزهراء(ع).

وعندما اشتدَّت الضّغوط عليه، واحتاج إلى أن يبذل المال لإعانة فقراء المسلمين وضعفائهم، لم تتردَّد السيّدة خديجة بأن تنفق كلّ مالها من أجل الإسلام، لتعيش بعد ذلك مع رسول الله في الفقر، وقد أشار رسول الله(ص) إلى ذلك عندما قال: "ما نفعني مال قطّ مثل ما نفعني مال خديجة".

وعندما غادرت السيِّدة خديجة الحياة، بعدما تحمَّلت كلّ الظّروف الصّعبة مع رسول الله(ص)، بقي ذكرها على لسانه، ولذلك عندما سمع عائشة تقول عنها: "قد أبدلك خيراً منها"، قال: "ما أبدلني الله خيراً منها، ولقد آمنت بي إذ كفَّرني النّاس، وآوتني إذ رفضني النّاس، وصدَّقتني إذ كذّبني النّاس، وأشركتني في مالها حين حرمني النّاس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها".

وقد عظُم حزن رسول الله(ص) عليها حين وفاتها، الَّتي جاءت بعد ثلاث ليال من وفاة عمّه والمدافع عنه أبي طالب، إلى حدِّ تسمية ذلك العام بعام الحزن، حزناً منه على عمّه وزوجته الوفيّة خديجة.

أيّها الأحبَّة، لم يكن دور المرأة هامشيّاً في حركة الإسلام، بل كان دورها فاعلاً. وها هي حياة السيّدة خديجة وتضحياتها ومواقفها تؤكّد هذا الدّور، فلم يعزل الإسلام المرأة، بل كانت دائماً حاضرةً إلى جانب الرّجل في مواقع الجهاد والعلم والدّعوة في كلّ مراحل التّاريخ الإسلامي، وقد سجّل ذلك القرآن الكريم عندما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التوبة: 71].

لقد استطاع الإسلام أن يبني مجده بتضافر كلّ جهود المجتمع، وبالتّكامل بين الرّجل والمرأة، ونحن من خلال هذا التَّكامل والتَّعاون، نستطيع أن نواجه التحدّيات، وهي كبيرة، ولكلٍّ دوره في مواجهتها. فماذا هناك؟!

فلسطين: رفض سياسة المفاوضات

في فلسطين المحتلَّة، يتابع العدوّ مخطَّطه الاستيطاني التهويدي، والّذي تجلّى هذه المرّة في النَّقب، من خلال استيلائه على حوالى 850 ألف دونم من أراضيها، والعمل على تهجير ثمانين ألفاً من أهلها، وتدمير حوالى 80 قرية، بحجَّة تنظيم هذه القرى وإعادة بنائها على أساس جديدٍ، ووفقاً لمخطَّط "برافر ـ بيغن".

يأتي هذا المخطَّط في ظلِّ الفتن والأزمات الَّتي ما زالت تعصف بالعالمين العربيّ والإسلاميّ، والَّتي يبشّرنا العدوّ بأنَّها ستمتدّ لسنوات وربما لعقود، الأمر الَّذي يجعل قضيَّة فلسطين على هامش قضاياه، حيث تكاد تُنسى.

ونحن في الوقت الَّذي نحيّي وقفة أهلنا في فلسطين المحتلّة والنَّقب، نعيد الدَّعوة إلى الشّعوب العربيَّة والإسلاميَّة ودولها، لمواجهة هذا المخطّط وكلّ مخطّطات العدوّ السّاعية إلى تهويد فلسطين، وإعادة البوصلة باتجاهها الّذي ينبغي أن يبقي قضيَّة فلسطين القضيَّة المركزيَّة الأولى، فلا تضيع هذه القضيّة وسط العواصف الّتي تحدث في هذا العالم، والّتي، مع الأسف، لن تزيد إلا في شرذمته وإضعاف دوره.

وفي هذا الوقت، تأتي الحركة الأميركيَّة الَّتي تهدف إلى تحريك المسار الفلسطيني في هذه المرحلة، لتستفيد من انعدام الوزن العربي والإسلامي والفلسطيني، لتمنح الفلسطينيّين وعوداً وأحلاماً، من دون أن تمارس أيّ ضغط على الكيان الصّهيوني، سواء على مستوى رفع الاحتلال، ولو في حدود العام 67، أو الحدِّ من استمرار مشاريعه الاستيطانيّة والتهويديّة لفلسطين.

ومن هنا، فإنّنا ندعو الفلسطينيّين إلى عدم تكرار سياسة المفاوضات الّتي يستهدف الكيان الصّهيونيّ منها تجميل صورته، ولا سيّما بعد صدور قرارات الاتحاد الأوروبّي برفض منتوجات المستوطنات، كما يهدف إلى كسب المزيد من الوقت في عمليّة الاستيطان، فيما لم يقدّم شيئاً للشّعب الفلسطيني، حتّى من كيسه، فخيار الفلسطينيّين لا بدَّ من أن يبقى الوحدة، واستخدام لغة المقاومة والانتفاضة؛ لأنها اللّغة القادرة على أن تحقّق المزيد من المكتسبات.

الأزمة السوريّة بلا حلّ

أمّا في سوريا، فالمشهد لا يزال مشهد دمارٍ وقتلٍ وعنف، من دون أن يحظى هذا البلد باهتمام دوليّ، وحتّى عربيّ ذي مصداقيّة، لوقف هذا النزف وإخراجه من أزماته، الأمر الّذي يؤكّد ما كنّا نخشاه، من أنَّ المخطَّط الجاري هناك سيستمرّ نزيفاً متواصلاً، وقد يستمرّ لسنوات، حتَّى يتعب الجميع، ويثخنوا بالجراح، لتأتي الحلول لمصلحة الدّول الاستكباريّة، وتقاسم نفوذها في هذا البلد، بعيداً من مصالح شعبه وتوقه إلى العدالة والعيش الكريم.

ومن هنا، فإنّنا نضمّ صوتنا إلى كلِّ الأصوات الداعية إلى الحوار الجادّ، ووقف إطلاق النار على الأقلّ في شهر رمضان المبارك، لعلَّ ذلك يكون الدّافع للبدء والتّحضير لعمليَّة سياسيَّة حواريَّة توقف دوّامة القتل في هذا البلد العزيز.

مصر أسيرة الانقسام

أمّا مصر، فهي لا تزال أسيرة الانقسام الحادّ في ميادينها، حيث الصّراع فيها صراع ساحات وميادين، والَّذي بات يهدّد وحدة الشَّعب المصري وتلاحمه وقوَّته، وقد يكون سبباً لنشوء فتنة غير محمودة العواقب. ومن هنا، نعيد التأكيد على جميع مكوّنات هذا الشَّعب، بضرورة التَّلاقي والحوار، من أجل الخروج بصيغة تضمن لهذا البلد استقراره، وتمنع امتداد أيادي الفتنة إليه، وتحقّق للجميع المشاركة الفعّالة، بعيداً من سياسة الإقصاء والتّهميش التي تمّ استخدامها مع بعض الفئات السياسيَّة، بحيث يكون الشّعار: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المصريين".

إنَّنا نثق بأنَّ لغة المنطق والحوار والقواسم المشتركة، ستغلب كلّ منطق يدعو إلى العنف، وتنهي كلّ مناخاته، فقد عوَّدنا هذا الشَّعب على سلميَّته منذ انطلاقة ثورته وحتّى الآن، ولا بدَّ من أن يتابع مسيرته على هذا النحو السلمي.

البحرين: تفجير مستنكر

أمّا البحرين الّذي كنّا ننتظر خروجه من أزمته، من خلال الحوار الَّذي أُعلن عنه، لإخراج هذا البلد من معاناته، فإنّنا نخشى أن يسعى السّاعون الَّذين لا يريدون خيراً لهذا البلد، إلى إدخاله في فتنة مذهبيَّة، عن طريق التّفجير الّذي حصل بالقرب من أحد المساجد.

ونحن في الوقت الّذي نثمّن استنكار قيادات المعارضة ورفضها المطلق لهذا الأسلوب وتداعياته، ندعو إلى أن يكون هذا الأمر دافعاً للجميع لحوارٍ جديٍّ يمنع كلّ هؤلاء العابثين من حريّة الحركة، ويعيد إلى هذا البلد استقراره وأمنه، وإلى شعبه حريته وحقّه في العدالة والعيش الكريم.

لبنان: سياسة التّعطيل

أمّا لبنان، فلا يزال أسير سياسة التَّعطيل في مؤسَّساته السياسيَّة، وصولاً إلى الأمنيَّة، وهذا، مع الأسف، لا ينطلق من مصالح اللّبنانيّين، إنما هو استجابة لمصالح إقليميَّة تريد إبقاء هذا البلد في دائرة الاهتزاز، ما يفرض على اللّبنانيّين أن لا يكونوا وقوداً لأحد، وأن يكون رهانهم دائماً على تلاقيهم ووحدتهم، لا على هذا البلد أو ذاك، وخصوصاً أنَّ ثمة من يريد أن يحوّل لبنان إلى صندوق بريد لتلقّي الرّسائل الأمنيَّة والسياسيَّة المتبادلة بين القوى الإقليميّة والدّوليّة.

ولا بدَّ في النهاية، وفي ظلِّ تفشّي الجرائم المتكرّرة، من استنفار كلّ جهود الواعين، من علماء دين واختصاصيّين تربويّين واجتماعيّين، لدراسة هذه الظّاهرة، وإيجاد السّبل لمعالجتها ومنع تفاقمها، كي لا يقع البلد في الانحدار الأخلاقيّ والاجتماعيّ، كما هو واقع في الانحدار الاقتصاديّ والسياسيّ.

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 11 رمضان 1434 هـ  الموافق: 19/07/2013 م

 

Leave A Reply