فضل ليلة النّصف من شعبان

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.. صدق الله العظيم

في رحاب هذا الشهر شهر شعبان شهر رسول الله(ص) سنلتقي وبعد أيام قليلة بليلة النصف من شعبان، والتي ورد في بيان فضلها أنها أفضل الليالي بعد ليلة القدر فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنّه. لهذا "فاجتهدوا(فيها) في القربة إلى الله تعالى بالدعاء والذكر والاستغفار والصلاة وأقبلوا فيها عليه.. هي ليلةٌ آلى الله عزّ وجلّ على نفسه أن لا يردّ فيها سائلاً ما لم يسأل الله المعصية"…

 

وفي حديث آخر: "إذا كان ليلة النصف من شعبان، اطلع الله إلى خلقه (أي ينظر إليهم بالرحمة)، فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين أي يمهلهم، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه".. فالله لا يقبل صلاة ولا دعاء ولا استغفاراً ممن في قلبه حقد على الآخر أياً كان الآخر ومهما كان جانب الاختلاف معه. فلا بأس من الاختلاف و هو من سنن الله في خلقه حيث يقول الله: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، لكن شرطه إلا يتحول إلى حقد وبغضاء، فقال عز وجل: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

 

وما يزيد من فضل هذه الليلة حدثان مباركان حصلا فيها:

 

الأول: هو أنها الليلة التي ولد فيها الإمام المهدي(عج)، إمام عصرنا وزماننا، والعصور التي ستأتي إلى أن يأذن الله له بالخروج من غيبته، والذي نسأل الله أن يكون قريباً، ليتحقق على يديه الشريفتين الهدف الذي لأجله أرسل الله الرسل والأنبياء بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.. نسأل الله أن يرينا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة وأن يكحل ناظرينا بنظرة منه ونكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه..

 

والحدث الآخر: إنها الليلة التي نزل فيها جبريل على رسول الله ليزف إليه البشرى حيث أمره الله أن يتوجه والمسلمينَ بالصلاة إلى الكعبة المشرفة قبلة للمسلمين.. بعدما كانوا يتوجهون إلى المسجد الأقصى.. هذا التبليغ الذي كان ينتظره رسول الله(ص) كما أخبرنا بذلك الله عندما قال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..}..

 

لذلك لا بد من أن نحرص على إحياء هذه الليلة المباركة، ليلة النصف من شعبان، فهي من أيام الله وواحدة من الفرص التي هيأها الله سبحانه بعباده لينعموا فيها من بركاته ورحمته.. فلنفرغ لها وقتاً ولنحييها مع كل المسلمين وبمختلف مذاهبهم الذين يتشاركون في إحيائها لنعيش فيها الأجواء الروحية والإيمانية التي نحتاج إلى أن نتزود منها، ولعلنا نحظى بما وعد به الله الذين يحيون هذه الليلة..

 

وبرنامج هذه الليلة فيه العديد من الأدعية والأذكار والصلوات وقراءة سور من القرآن الكريم..

 

ونحن اليوم سنتوقف عند فقرات من المناجاة التي تقرأ في هذه الليلة من شهر شعبان وفي كل أيام شهر شعبان الواردة عن أمير المؤمنين(ع)، والتي تسمى بالمناجاة الشعبانية لعلو مضامينها الروحية والإيمانية وللدروس التربوية التي تشتمل عليها..

 

تبدأ المناجاة بفتح باب تواصل الإنسان مع الله بعدما أغلقه هو على نفسه بالذنوب والآثام والمعاصي.. فهناك من الذنوب والمعاصي ما يحجب الدعاء عن الوصول إلى الله كما نقرأ في دعاء كميل: أللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء".. أما هذه الذنوب، فقد وردت الإشارة إليها في حديث الإمام الصادق(ع) حين قال: "سوء النية والسريرة، وترك التصديق بالإجابة والنفاق وتأخير الصلاة عن وقتها"..

 

.. "واسمع دعائي إذا دعوتك، واسمع ندائي إذا ناديتك وأقبل علي إذا ناجيتك".. وهنا يتوجه إلى الله سبحانه بكل افتقار وتضرع أن لا يغلق عليه بابه، أن يسمع دعاءه إذا دعاه ويجيب نداءه ويقبل عليه فلا يطرده من ساحته.. فالدعاء هو باب التواصل مع الله، فإذا أغلق هذا الباب انقطع عنه المدد الإلهي، ومن القادر على أن يستغني عن هذا المدد.. والله سبحانه في ذلك يقول: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}.

 

وثم يقول(ع): "فقد هربتُ إليك ووقفت بين يديك مستكيناً لك، متضرِّعاً إليك، راجياً لما لديك ثوابي..".. فأنا قد جئت إليك هارباً من ذنوبي وآثامي من تقصيري وكيف لا أهرب منها وهي التي إن بقيت فستودي بي وتسقطني من رحمتك وتوقعني في العذاب ولا هرب لي إلا إليك.. وأنت من قلت {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}.. حيث لا مفر منه إليه..

 

ثم يتابع الإمام(ع): "وتعلم ما في نفسي، وتخبر حاجتي، وتعرف ضميري، ولا يخفى عليك أمر مُنقلبي ومثواي..".. وأنا يا رب عندك لا أحتاج لتعداد ذنوبي ولا ذكر حاجاتي وطلباتي وأنت من قلت: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.. وقال سبحانه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}..

 

ثم يكمل (ع): "إلهي إن حرمتني فمن ذا الذي يرزقني وإن خذلتني فمن ذا الذي ينصرني".. وأنا يا رب أرجع إليك فلأني أعرف وبدون أدنى شك بأن لا غنى لي عنك وكل الأمور بيدك، فإلى من أرجع إن أنت طردتني من بابك ووكلتني إلى نفسي.. فأنت لا غيرك مصدر الخير في الحياة، فالحياة منك والرزق منك والتأييد منك.. وأنت كما وصفت نفسك في القرآن الكريم: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}..

 

صحيح أن للرزق أسبابه وللنصر شروطه وللملك طرقه وللخير مداخله، ولنا دور في تحقيقها.. ولكن هذه الأسباب لا تتم إلا بالله.. ولذلك ورد: من الشرك أن يقول الإنسان لولا فلان لهلكت، أو لولاي ما تم هذا الأمر، بل قل لولا أن من الله علي بفلان أو مكنني من هذا الأمر لهلكت أو لم يتم هذا الأمر، فالله هو ممسك بكل خيوط الحياة.. فلا يغرنا أحد من الناس بأن أمرنا وقرارنا ومستقبلنا رهن إشارته وأنه هو يرفعنا ويضعنا.. "إِلـهي إِنْ وَضَعْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَرْفَعُني وَاِنْ رَفَعْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَضَعُني وَاِنْ أَهْلَكْتَني فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْرِضُ لَكَ فِي عَبْدِكَ أَوْ يَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِهِ"..

 

فالله إن أعطانا فلا أحد قادر على منعنا وإن حرمنا فلا أحد قادر على إعطائنا، وإن نصرنا فلا أحد قادر على خذلاننا..

ثم يقول: "إلهي لم يزل برك علي أيام حياتي، فلا تقطع برك عني في مماتي.. إلهي كيف آيسُ من حسن نظرك بعدَ مماتي وأنتَ لم تُولِّني إلاّ الجميل في حياتي، إِلهِي تَوَلَّ مِنْ أَمْرِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ".

 

أيا يا رب كنت في الدنيا لا أحسب لك حساباً وأعصيك، لكن ذلك لم يجعلك تقطع إحسانك عني، فكيف في مماتي.. وقد صرت بين يديك، وقد انقطع عصياني لك، فكما كنت كريماً معي في الدنيا فأنا واثق بأنك سيكون كريماً في هذه اللحظات عندما مماتي ويوم أقف بين يديك..

 

"إلهي قد سترت علي ذنوبا في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها علي منك في الأخرى".. أنا يا ربي وكل الناس من حولي يذنبون في الخلوات وبعيداً عن أعين الناس، لو شئت يا رب وأنت القادر لكشفت سترهم وأظهرتها للذين يستغلون هذه المعاصي للتشهير بأصحابها، ولكنك لا تفعل ذلك، فقد عودت عبادك أن تظهر جميلهم وتستر قبيحهم وأنك لا تهتك الستر والسريرة..

 

ولكن يا رب هذا الستر الذي سترته علي في الدنيا أرجوه لنفسي ولكل الناس في الآخرة حيث الفضيحة هناك لا تقاس في الدنيا فهي أمام الخلائق وأي فضيحة أكبر من هذه الفضيحة..

 

بعدها يقول: "إلهي إن أدخلتني النار أعلمت أهلها أني أحبك".. أنا يا رب إذا وقعت الواقعة ورفعت الموازين وحكمت محكمتك بدخولي النار لجرمي وجريرتي وعصياني وتقصيري.. فأنا أسألك ماذا ستفعل يا رب عندها بهذا القلب الذي يحبك هل تحرقه بالنار، وهل يمكن أن تدخل إلى النار قلباً أحبك.. ومن سيخبر أهل النار بهذا الحب، فأنا لا أنسى أياديك عندي في دار الدنيا.. فأنت لم تقصر بحقي بل أنا المقصر بحقك..

 

و يختم الإمام(ع) الدعاء "أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعلني ممن يديم ذكرك ولا ينقض عهدك ولا يغفل عن شكرك ولا يستخف بأمرك".. لذلك يا رب أسألك أن تعينني وتقويني حيث أديم ذكرك فلا أنساك.. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}.. وأنا لا أنقض عهدي لك عندما عاهدتك على التسليم لك والطاعة وأن لا أستخف بأمرك وأبقى شاكراً لك بقولي وعملي.. فالسبيل للوصول إلى الله لا يتم إلا بذلك..

وغاية الأمل هو أن يهتدي الإنسان بنور الله وأن يبلغ معرفته ولا يتعلق بأحد سواه..

 

ما أحوجنا إلى هذه الوصايا  الروحية والإيمانية لنستعين بها لمواجهة أنفسنا الأمارة بالسوء وتحديات الحياة وصعوباتها… و لنكن من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما ورد عن رسول الله (ص) عندما سأل أصحابه: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟"، فقَالُوا: "الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ"، فقال الرسول: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".

 

إنَّنا أحوج ما نكون، وفي أجواء التوتر والانفعال، إلى الالتفات جيداً إلى كلماتنا وأفعالنا، كي لا تنزلق بنا إلى ما حذّر رسول الله (ص) منه.. مما يذهب برصيد تعبنا من المستحبات وبذلنا للخيرات، ويسقطنا بعد ذلك في مهاوي النار.. فلنبذل جهدنا لعدم الوقوع بها.. لنكون أكثر دقةً ومسؤوليةً، وأكثر قدرةً على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي من الطَّبيعي أن يشهد حدّة في الخطاب الانتخابي مع اقتراب موعد الانتخابات ــ وهي بدأت بالمغتربين ــ حيث سيبقى كلّ فريق يستنفد كلّ الوسائل في الفترة المتبقية لتأمين فرص نجاحه، لبلوغ سدة الندوة البرلمانية أو لتعزيز موقعه فيها.

 

ونحن ما زلنا ندعو ــ ورأفة بهذا البلد ــ إلى عقلنة الخطاب الانتخابي، بأن لا تستثار فيه، كما يحدث الآن، الحساسيّات الطائفيّة والمذهبيّة والعشائريّة والمناطقيّة والأحقاد، والخوف من هذا الفريق أو ذاك، والاتهامات والاتهامات المضادة، ما يزيد من تأزيم الواقع.

 

إنّنا نريد لهذا الخطاب أن يرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه البلد في اقتصاده وأمنه وسياسته والقادم عليه.. فالبلد ليس بألف خير، والمحيط من حوله ليس في ظروف طبيعية.

 

إنَّ كثيراً من الخطاب الَّذي يعرض على الشاشات، وفي مواقع التواصل، وفي المهرجانات، فيه ما يسيء إلى صورة اللبنانيين، ويظهر استخفافاً بوعيهم وتطلّعاتهم، ولن ندخل في التفاصيل.

 

إنَّ اللبنانيين مدعوون مجدّداً إلى أن يعبّروا عن هذا الوعي والعقلانية بالممارسة، وأن يظهروا بأنهم جديرون بهذا الوطن وبمستقبله، عندما يقترعون بناء على مواصفات يلزمون أنفسهم بها، يقترعون للصادقين والأمناء، لمن كانوا في الشدائد حريصين عليهم وأوفياء لهم، ممن لم يخذلوهم ولم يجلسوا على التلّ عندما واجهوا التحديات، يقترعون للَّذين لم يتلوّثوا بفساد ووقفوا في وجهه، لمن كانوا يُغلِّبون الشأن الوطني على الشأن الطائفي والمذهبي، لمن كانوا يعملون لتوحيد اللبنانيين لرصِّ صفوفهم، في الوقت الذي كان هناك من يدعو إلى الاصطفافات المذهبية والسياسية الحادة على حساب الوطن.. لمن يملكون عقلاً وحسن إدارة في الموقع الذي سيشغلونه.

 

إنَّ على اللبنانيين، وخلال الساعات أو الأيام المقبلة، أن يخلدوا إلى أنفسهم، وأن يفكروا جيداً فيمن يختارون لتحمل المسؤولية، إلى أن يخرجوا أنفسهم من دائرة التوتّر والانفعال.. وأن لا يكونوا صدى لآخر خطاب أو آخر لقاء انتخابي.. بل يفكروا بهدوء، كما أشار الله في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.

وفي الموقع نفسه، نعيد دعوة أهلنا وأعزائنا إلى أن يؤكّدوا مجدداً أنهم على مستوى القيم التي يحملونها.. أن تكون قيمهم حاضرة عند الاختلاف، وفي إطار التنافس.. فالمؤمن يتوتّر ويغضب ويعذر، ولكن غضبه لا يخرجه عن قول الحق والتحرّك بوحيه.

 

وعلينا جميعاً ألا تشغلنا الانتخابات عن الهموم والملفات الأخرى التي أثقلت البلد، كملف الكهرباء وغيره، وما هو مطروح الآن في ملف النازحين، الذين نصرّ على التعامل معهم بناء على المصلحة الوطنية وقواعد الأخوّة، مع الحذر لما تخطّط له الدول الغربية، والتي لا تفكّر إلا بمصالحها، لا بمصالح لبنان واللبنانيين.

 

ابتزاز الرئيس الأمريكي

وفي مجال آخر، نلاحظ تصاعد نبرة الابتزاز المتصاعدة من الرئيس الأميركي في تعامله مع الدول العربية والخليجية بالخصوص لحساب إدارته، وهو الذي قال قبل أيام: "على الدول الثرية في الشرق الأوسط أن تتكفل بالمصاريف الكبيرة التي تنفقها الولايات المتحدة الأميركية لحمايتها".. ومع الأسف، فإنَّ هذه الدول لا تأخذ ذلك على محمل الجدّ، ولا تعمل على أن تدرس تبعاته عليها وعلى شعوبها.

 

إنَّ هذه المواقف تتطلَّب بذل كلّ الجهود للابتعاد عن هذه السّياسة الدّوليّة التي تتعامل مع المنطقة كمركز ماليّ وبقرة حلوب لها، والعودة سريعاً إلى بناء تضامن عربي وإسلامي ينهي هذه المآسي الداخلية المستمرة، والحروب العبثية في الداخل العربي والإسلامي، ويوفر على الدول العربية والإسلامية هذا الابتزاز.

 

اليمن

في هذا الوقت، يستمر العدوان على اليمن، والذي حصد المزيد من الضحايا، فضلاً عن آثاره الصحية والإنسانية الخطيرة.. في الوقت الذي نجد العالم يتفرج على ما يجري، ولا يُغدق على هذا البلد الجريح إلا أصوات الاستنكار والإدانة للمجازر..

 

لقد آن الأوان لهذا العالم أن يستيقظ، وأن يرفع الصوت عالياً لإيقاف هذه الحرب التي غالباً ما تطاول المدنيين في تجمعاتهم وأعراسهم ومنازلهم، كما رأينا أخيراً..

 

العدو الصهيوني

وفي ملف آخر، نريد للجميع ألا يتناسوا العدو الإسرائيليّ الذي يقفز فوق كلّ الضجيج والصخب في المنطقة، ويواصل اغتياله للكوادر والطاقات العلمية، كما فعل "الموساد" قبل أيام في اغتيال فادي البطش في ماليزيا، حيث لم يخف العدو فرحته بالعملية، وملاحقته لكل العقول العربية والإسلامية، ومحاولته تقديم ذلك كانتصار على المقاومة.

 

إنَّ هذا العدو الذي اغتال المهندس التونسي محمد الزواري في تونس، وقبلها محمود المبحوح في الإمارات، وعشرات العقول والطاقات العربية والفلسطينية، هو الّذي ينبغي للجميع أن يحذروه ويعملوا لمواجهته، لا أن يدفنوا رؤوسهم بالرمال، ولا يتطلعوا إلا للفتن التي تنهش أجسادهم؛ الفتن المذهبية والسياسية على السواء.

 

 

عيد العمال

ونحن على أبواب عيد العمال ــ الذي نلتقي به في الأول من أيار ــ نتوجَّه بالتهنئة إلى كلِّ العمّال، رجالاً ونساء، الذين كدّوا وتعبوا لبناء العزة لأوطانهم وعيالهم، في أيّ موقع من مواقعهم.

 

إنَّ من حقّ العمال في لبنان على وطنهم أن يحتضنهم، وأن يشملهم بالرعاية والاهتمام، وأن يكرمهم في حقوقهم وعيشهم الكريم وحياتهم كلّها، لا أن يفرض المزيد من الضّرائب عليهم، ويُحملهم أعباء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في الوقت الذي يحرمون من أبسط ضروريات العيش، فيما تتزايد ثروات القلة المترفة التي تعتاش على حسابهم وعلى حساب بقية الكادحين من أبناء شعبنا.

 

ومن حقّ الذين يريدون العمل، وهم لا يجدونه، أن تؤمن لهم الفرصة لذلك.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ:11شعبان1439هـ الموافق: 27نيسان 2018م

 

Leave A Reply