إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}.

لقد كان الله حاسما في هذه الآية بدعوته إلى استحضار مشيئته عند كلّ عمل يراد القيام به. وهذه الدعوة هي من صلب ما دعت إليه الرّسالات السماوية التي جاءت وفي أولى اولوياتها الدعوة الى ان لا إله الا الله، وهي تعني أنَّ كلّ ما في الوجود والكون، تديره وتدبّره مشيئة واحدة لا مشيئة سواها. هي مشيئة الله الواحد الأحد، وقد دل على ذلك بقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ}، (أي في الأرض والسماء)، {إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

 

والمشيئة في اللغة تعني الإرادة. والمشيئة من الله تعالى، تعني الإيجاد والفعل والتّدبير والهداية. فالكون وكلّ الوجود تحكمه قوانين وعلل وأسباب خلقها الله، وتتجلّى في كلّ الظواهر، من أصغر ذرّة إلى أكبر مجرّة. ومشيئة الله إذا تتعلق بالخلق والتكوين وبالانسان في رزقه وهدايته او في نصره وتأييده. هي مشيئة مقرونة دائما بالمحبة والرحمة والرأفة وتقوم على الحكمة والنظام والمصلحة للخلق جميعا.
 

والحديث عن مشيئة الله يثير العديد من القضايا التي لطالما كانت مدار بحث ونقاش من الفلاسفة وعلماء الكلام، كقضية خلق الشرور، ولماذا لا يزيلها الله بمشيئته، ومسألة البداء والتي تناقش إن كانت مشيئة الله تتغير وتتبدل وغيرها، ولكن سنحاول اليوم الإجابة على الطرح التالي بما يتسع له المقام:

 

إذا كان كلّ شيء في هذا الكون وفي عالم الوجود تابعاً لإرادة الله ومشيئته، وخاضعاً له، وهذا أمر ثابت لا نقاش فيه، فهل هذا يعني أنَّ الإنسان مجبر على كلّ عمل يقوم به؟ وإذا كان مجبرا فهذا يعني ان كل ما يجري من مظالم ومفاسد فهو لا يتحمل مسؤوليتها. ويأخذ هذا التساؤل، للوهلة الأولى، بُعداً أكثر إلحاحاً إذا ما قرناه بالشواهد القرانية التي تنص أن هداية الإنسان أو ضلاله كلاهما من عند الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} {قُلْ إِنَّ اللَّه يُضِلّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} فعلى أي أساس يحاسب الإنسان على عمله؟

 

والجواب باختصار: صحيح أنَّ مشيئة الله فوق كلّ مشيئة، حيث يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}، إلا أنَّ الله سبحانه بمشيئته أعطى الإنسان امتيازاً دون سائر خلقه. فقد كرَّمه، وحمّله أمانة، ومنحه الحريّة، وجعله بموجب قضائه وقدره، مُكلّفاً، يستطيع أن يختار، وأن يتحكّم بخياراته. والى ذلك يشير الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ (والأمانة هنا الاختيار) عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} فالانسان يملك الاختيار، فيما السماوات والارض والجبال ليست كذلك إذ هي خاضعة للنظام الذي رسم لها ولا تملك أن تحيد عنه قيد أنملة.

وقد ورد عن الإمام الصادق(ع) حديث يوضح دور الارادة الانسانية في الاختيار إذ يقول: "إن الله خلق الخلق، فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شيء، فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به، وما نهاهم عنه من شيء، فقد جعل لهم السبيل إلى تركه، ولا يكونوا آخذين، ولا تاركين إلا بإذن الله".

إذاً فحرية الإختيار بمفهومها الواسع لا تعني خروجاً عن مشيئة الله، فمشيئة الله هي التي قضت من الأساس أن يتمتّع الإنسان بهذه الحرية وهي التي تملك عقالها. والقرآن يشير الى ذلك بوضوح: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

ويقول أيضاً: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}، فلم يزوّد أيّ نبيّ بعصا، أو يرسل معه سلاحاً، كي يفرض الإيمان فرضاً. هم دعوا النّاس بالكلمة والعقل والمنطق وما بعد ذلك: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}.

 

أما السبب فلأن فرض الايمان جبرا أو كرها لا يجعل للانسان ميزة عن غيره وهو لا يؤسس لإيمان حقيقي وفاعل.

لكن هذا الاختيار لا يعني ان الله تركهم يتخبطون في الحياة ويواجهون مصيرهم بأنفسهم، بل أودع لديهم كل وسائل الهداية، أودع فيهم فطرة توجههم نحو الهداية وهم مجبولون عليها، وأمدهم بالعقل وأرسل الأنبياء والرسل وأراهم الأيات في السماوات والأرض والأنفس، وبعد كل هذا ترك الخيار للبشر أن يختاروا في أي النجدين سوف يسعون، أفي نجد الهداية والإيمان، أم يعطلون فطرتهم ويطمسونها ويتركون وراء ظهورهم دعوات أنبيائهم وما تؤدي اليه عقولهم فيكونون في نجد الضلال.

 ثم إن الله سبحانه وتعالى، من بعد أن يختار الإنسان طريقه وسبيله، يوفّر للصّادق في إيمانه، والمخلص في عمله، هدى بعد هدى وتسديداً يصوّب به نيته وضميره وفعله. كما يشير الله إلى ذلك في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}

 

أيها الأحبة:

إن مشيئة الله في خلقه تعمل دائماً كدافع باتجاه الخيار الذي يسعى إليه الإنسان ويعمل لأجله، فمن يُبدي ميلاً إلى سلوك طريق الخير والاستقامة، يأخذ الله به إلى الهداية، ومن يصرّ على المعصية، فإن الله سيدعه لخياره وتنتهي به الأسباب لكي يوغل في الضلال والمعصية أكثر فأكثر.

ولذلك فإن الشيطان لا يستطيع أن يغوي الانسان عنوة، بل الانسان هو دائما من يخطو الخطوة الاولى نحوه وهذا عهد من الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان إِلَّا مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْغَاوِينَ}.

 

ولنقرب الفكرة أكثر فلنتخيل شابا اختار قضاء أوقاته مع رفاق سوء، فإن احتمال أن ينزلق نحو الضلال أكبر بكثير من شاب أحاط نفسه بدائرة من الأصدقاء ذوي الخلق الحسن. فهامش الاختيار للشاب هو فيمن يصاحب، وأما ما بعد ذلك فسنن الله كما ذكرنا ستوغل به في هذا الإتجاه أو ذاك. ومن هنا عندما يهدي الله من يشاء ويضل من يشاء يعني أن يتركهم لخياراتهم فيسدد الطريق للساعي إلى الهداية فيما يدع الانسان الضال يتخبط في ضلاله {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

وقد ورد في الحديث القدسي: "ما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويــده الّتي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن سألني لأعطينه".

 أما من اختار المعصية، وأصرّ على المضي فيها، فمن المحال أن يحلم بعون من الله:

{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}

 

أيها الأحبة:

إن من أهم اسباب الهداية هي الآية التي تلوناها في مطلع الخطبة والتي تترجم توكلا على الله، وإيمانا بأن الله يهدي من استهداه كمقدمة للأخذ بباقي الأسباب العملية كالعبادة والدعاء ولزوم ما وصى به الأنبياء والمرسلون.

فالله عزوجل من لطفه بعباده أن ترك لهم الباب واسعاً بأن يجعلوا مشيئتهم تؤدي إلى مشيئته. وحتى إلى محو ما كتب وما قدّر. وهذا ما أشارت إليه العديد من الآيات والأحاديث، وهذا من صلب عقيدتنا الإمامية.

 

    ولذلك أيها الأحبة، نحن مدعوون وفي ظل كل هذه الاحاطة من الله بنا أن نجعل كلّ حركة، وكلّ لحظة من العمر، مرهونة بإرادة الله ومشيئته بعد أن نعقل طبعا. فلا نحسم خياراتنا من دون أن نربط ذلك بمشيئة الله، فإننا بذلك نكون مخطئين، حيث لم نقدر الله حقّ قدره، ولم نحسب له حسابا. فما أدرانا ماذا يخبئ لنا القدر هذه الليلة أو في الغد، بل ماذا يخبئ لنا بعد هذه اللحظة؟!

إنَّ التزامنا بهذه الحقيقة الإسلاميّة، يمثّل العبوديّة الحقّة، وقمّة الأدب والتواضع أمام إرادة الله ومشيئته، وفيها تسليم لأمر الله، والرضا بقضائه، وتأكيد بأنَّ الله محيط بنا ومعنا، أينما كنا.

ولذلك، علينا في أدبياتنا كما في كل تفكيرنا وتخطيطنا ألا نترك قول "إن شاء الله"، ومن كلّ جوارحنا. فلا ننس استحضاره أبداً، ولنربط نياتنا وقصدنا بمشيئة الله وإرادته، فمن هذا الباب نبدأ الطريق، حيث لا توفيق إلا به وكفى بالله وكيلا.

والحمد لله رب العالمين

 
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا الاعتبار بما ورد في هذه القصَّة، حيث يذكر أنَّ أنوشروان؛ أحد ملوك الفرس، غضب على وزير فسجنه، فبقي أشهراً لم يُسمع منه تأفّف واحد، رغم خشونة العيش في السّجن وظلمته.

فسئل: "أيّها الوزير، نراك فيما نراك فيه من الشّدّة والضّيق، وأنت أنت لم تتغيّر حالك، فما شأنك؟"، قال: "إنّي استعنت على أمري بعدة أشياء، بالثّقة بالله تعالى، وعلمي أنَّه إن أنعم عليَّ فلخير لي، وإن ابتلاني فلخير لي، والصَّبر الجميل (الصَّبر الجميل الّذي لا شكوى فيه)، ومعرفتي أنّي إن لم أصبر، فأيّ شيء أعمل؟ ولِمَ أُعنّ على نفسي بالجزع.. ولدي نعم يتحسّر عليها غيري؟ وما بين ساعة وأخرى، يأتي الله بفرج قريب".

أيّها الأحبّة، بهذه الروح، استطاع هذا الرّجل أن يهزم الضّعف في داخله، ويقوى على ما أصيب به، وبهذه الروح أيضاً، نقوى، ونصبح أكثر قدرةً على مواجهة التّحدّيات الّتي لا تُواجه إلا بإراداتٍ صلبة.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الّذي حطَّ الإرهاب رحاله فيه مجدّداً، فيما حدث في جبل محسن، ونسأل الله أن لا يتكرّر ذلك في مواقع أخرى، حيث سقط هناك العديد من الضَّحايا، ممن لم يقترفوا ذنباً، وذنبهم الوحيد أنَّهم تواجدوا في هذا المكان وفي هذه المنطقة، فأيّ عقل لدى هؤلاء المجرمين! وأي قلبٍ! وأي دين!

وهنا، لا بدَّ من أن نثمّن عالياً هذا التَّضامن الَّذي عبَّر عنه اللبنانيّون جميعاً بكلّ تنوّعاتهم ومواقعهم، ولا سيما فعاليات طرابلس وجبل محسن، في مواجهة الجريمة، حيث قدّموا من خلال ذلك رسالة واضحة برفض الفتنة الَّتي أراد الإرهاب إشعالها مجدّداً في هذه المنطقة، وهم بذلك فوّتوا الفرصة على من خطّط لهذه الجريمة، وسعى لاستثمارها، فلم يُخدعوا بالإثارة المذهبيَّة، من خلال الإيحاء بغبنٍ لهذا المذهب من المذهب الآخر، أو بدغدغة مشاعر أهالي الضَّحايا الّذين سقطوا في مسجدي التّقوى والسّلام.

 

وفي ظلّ كلّ المخاوف التي يعيشها اللبنانيون، فإنَّنا ندعوهم، نتيجة ما يجري في الداخل، والخوف من انعكاس تداعيات الخارج عليه، إلى الاستمرار في العمل على تثبيت الأرض الّتي يقفون عليها، من خلال تفعيل الحوار الّذي يوصل إلى نتائج إيجابيّة، والمتابعة الجادّة للملف الأمنيّ، بما يسمح بمتابعة الخطّة الأمنيَّة لتشمل كلّ المناطق اللبنانيّة، ومعالجة الملفّات الكبيرة، وتسيير عجلة الدّولة، ومعالجة الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة، وأزمة الفساد في المؤسَّسات كافّة، وتقديم كلّ الدّعم للجيش اللبنانيّ والقوى الأمنيّة.

 

وهنا، لا بدَّ من أن نقدّر الدّور الفعال الَّذي تقوم به هذه القوى، وآخره ما جرى في سجن رومية، الَّذي بقى ملفّه عالقاً لفترات طويلة، رغم كلّ التّداعيات السّلبيّة الّتي ولَّدها على الصّعيدين الإسلاميّ والوطنيّ.

إننا ندعو الجميع إلى أن يكونوا على مستوى المخاطر التي يعيشها الوطن، فلا يفرطوا في التضامن الحكومي، الذي بات آخر معاقل الحفاظ على الدولة، بل علينا أن نعمل بكلّ جدية، كي لا تهتزّ الحكومة ومعها البلد في أيّ ملفٍّ خلافيّ، كما حصل أخيراً في ملفّ النفايات، وكما قد يحصل في أيّ ملفٍّ آخر.

إنَّ هذا التضامن الَّذي يعزّز وحدة الشّعب والوطن، بحاجة إلى رعاية وعناية فائقة من قبل الجميع، ولا سيما في ظلّ استمرار الحريق في الجوار، والّذي ما زال يهدّد لبنان بالاشتعال.

 

أحداث فرنسا

ونصل إلى ما حدث في فرنسا، حيث كنا ننتظر أن يدفع هذا التَّضامن الإسلاميّ الرسميّ والشّعبيّ العالميّ معها، في مواجهة الإرهاب الّذي لحق بها، باتجاه إعادة النظر في أسلوب التّعامل الحاليّ مع المسلمين، وسياسة عدم المبالاة بمشاعرهم، والإساءة إلى مقدّساتهم، وخصوصاً النّبي محمّداً(ص)، وذلك عبر إرساء قانون يحرم كلّ ما يسيء إلى رموزهم، أسوةً بتحريم كلّ ما يسيء إلى السّامية، لكون ذلك يساهم في تعزيز العلاقة الّتي نريدها بين مكونات المجتمع الفرنسي كافة، وبين الغرب والعالم الإسلاميّ، ويمنع الساعين إلى العبث بهذه العلاقة، من أن يدخلوا على خطّها.. ليكون الحديث هو حوار الأديان والحضارات، بدل الحديث عن صراعها، لكنّنا وللأسف، لم نشاهد إلا إيغالاً في مسلسل الإساءة والإهانة والاستفزاز لمشاعر المسلمين، والَّذي برز في محتويات العدد الجديد من المجلّة الفرنسيّة، حيث لم يعد جائزاً التلطّي وراء شعار حريّة التَّعبير، بهدف الإساءة إلى الآخرين ومعتقداتهم.

 

إنَّنا ندعو إلى مراجعة جذريَّة لهذه السياسة، ومواجهة كلّ دعوات التطرّف في الغرب الَّتي تسيء إلى المسلمين، وتهدّد وجودهم في فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبيّ. وهنا، نثمِّن المواقف والمسيرات التي انطلقت من فرنسا ومن ألمانيا وغيرهما، والَّتي أكَّدت احترام الإسلام ورموزه، والفصل بينه وبين الإرهاب، والإصرار على إقامة أحسن العلاقات مع المسلمين في داخل أوروبا وغيرها، وننوِّه بكلام البابا في تأكيده أنَّ حرية التعبير لا ينبغي أن تؤدي إلى الإساءة إلى الأديان.

ونحن في هذا المجال، ندعو المسلمين الَّذين هزَّهم الظلم اللاحق برسولهم والإساءة إليه، إلى أن يكونوا بمستوى أخلاق نبيِّهم وحكمته في مواجهة الذين أساؤوا إليه، حين دعاهم إلى الحوار والتّفكير ملياً فيما قالوه ونسبوه إليه، فحوَّل أعداءه إلى أناس يحترمون الإسلام والمسلمين، ويكرّمون رسولهم.

إنَّ المطلوب من المسلمين أن لا ينطلقوا في خطواتهم من وحي الانفعال والارتجال وردود الفعل، بل من خلال خطَّة مدروسة، تدرس الأسباب وتعالجها، وتحوِّل ما جرى إلى فرصة لتعريف الناس أكثر برسول الله وبسيرته، وتبيان صورة الإسلام الأصيل البعيد عن التطرّف والإلغاء.

 

البحرين والعراق

وإلى البحرين، حيث نعيد التَّشديد على ضرورة العمل لمعالجة كلّ الأسباب التي أدت وتؤدي إلى التوتر فيه، وندعو إلى إعادة الحوار بين كلّ مكوناته، فما نريده لهذا البلد، أن يكون عنواناً من عناوين الوحدة الإسلاميّة والوطنيّة.

إنّنا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى التضامن العربيّ والإسلاميّ، في مواجهة الإرهاب الذي يهددنا، وفي مواجهة كلّ الّذين يسعون إلى إضعافنا وإفقارنا وإدخالنا في الفوضى والفتن..

ومن هنا، فإننا نثمِّن أيّ جهد يُبذل في هذا الاتجاه، ولذلك، نقدّر الانفتاح الذي يقوم به العراق على محيطه العربيّ والإسلاميّ، وخطاب مدّ اليد إلى كلّ العالم العربيّ والإسلاميّ، الَّذي تحدّث به قائد الجمهورية الإسلامية السيّد الخامنئي، خلال الاحتفال في عيد المولد النبوي، وما صدر عن الأزهر الشريف من دعوته إلى الحوار الإسلاميّ ـ الإسلاميّ، والإسلاميّ ـ المسيحيّ، إضافةً إلى دعوات الحوار التي يسعى إليها لحل الأزمات في سوريا وليبيا، وغير ذلك من الخطوات.

 

ولا بدّ لنا أخيراً من أن نتوقَّف عند تداعيات العاصفة الثلجيَّة التي ضربت المناطق اللبنانيَّة مؤخراً، لندعو الدولة اللبنانية وكلّ الجهات القادرة، إلى تحمّل مسؤوليتها في الإسراع في مدّ يد العون إلى المتضرّرين من هذه العاصفة، ولا سيّما المستضعفين، في ظلّ الحاجة المتزايدة إلى وسائل التدفئة وسبل العيش الكريم.. وكذلك إلى الوافدين إلى هذا البلد من النّازحين السّوريّين.

ولنتذكّر قول رسول الله(ص): "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه، فليس بمسلم".

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله      

التاريخ :25 ربيع الاول 1436هـ الموافق : 16 كانون الثاني 2015م

Leave A Reply