رعى ندوة لملتقى الأديان حول كتاب عصر الإمام لاكرم طليس فضل الله: السيد الصدر والسيد فضل الله لم يفترقا في الأهداف وإن اختلفا في الإسلوب
أقام ملتقى الأديان والثقافات في مطعم "الساحة" ندوة برعاية السيد علي فضل الله، ناقشت كتاب "عصر الإمام" لأكرم طليس ويتناول فيه شخصية الإمام موسى الصدر.
وحضر الندوة الرئيس حسين الحسيني، النائب نوار الساحلي، النائب السابق لرئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، الوزراء السابقون عبدالرحيم مراد، كريم بقرادوني وفايز شكر، رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ، عضو المكتب السياسي في حركة "أمل" حسن قبلان، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، الشيخ محمد حسين الحاج، الشيخ دانيال عبدالخالق، وحشد من المدعوين.
النشيد الوطني، فكلمة تقديم من رئيس الملتقى الشيخ حسين شحادة تناول فيها الكتاب وما حمله "من أدب تدوين الوثائق والمشافهة".
فضل الله
ثم تحدث فضل الله فقال: "في البداية، أقدر عاليا الجهد الذي بذله الأخ العزيز الأستاذ أكرم طليس في إخراج هذا الكتاب بالصورة التي وثق فيها مرحلة أساسية من تاريخ لبنان. وهي بطبيعة الحال، أسست لمستقبل ساهم الإمام السيد موسى الصدر، ذلك العالم القادم من الوسط الديني في النجف، في صناعة أحداث بارزة فيه، والتأثير في وقائع أخرى، بحيث استحقت هذه المرحلة، كما أحب صاحب الكتاب أن يسميها، أن تكون مرحلة "عصر الإمام. تميز هذا الكتاب بالموضوعية، رغم أن كاتبه كان واحدا ممن ساهموا في مسيرة الإمام الصدر، وشاركوا فيها، ولكن ذلك لم يؤثر في هذه الموضوعية. ولذا، نراه يرجع الحقائق التي ذكرها في الكتاب إلى مصادرها.
وقد أحسن الكاتب حين أطل على جوانب أساسية مختلفة من حركة الإمام الصدر، ولم يقف عند الجانب السياسي أو الجهادي أو المطلبي في شخصيته، بل أطل على أغلب جوانب هذه الشخصية الرائدة".
أضاف: في الواقع، لا نستطيع أن نفهم حركة السيد موسى الصدر بكل جوانبها، بعيدا عن الخلفية الدينية. فالسيد موسى الصدر، كما أفهمه ويفهمه الكثيرون، انطلق من الإسلام ليؤسس لرؤية تجديدية فكرية فقهية حكمت كل توجهاته السياسية والاجتماعية في قضايا الإنسان والمجتمع، وهي التي تفسر مواقفه الرافضة للاحتلال والحرمان والاستضعاف، وانفتاحه على المذاهب والأديان والثقافات الأخرى".
وتابع: "من هذه الرؤية، انطلق السيد الصدر، فكان سباقا في إطلاق الحوار الإسلامي – المسيحي، وإظهار رأيه في طهارة أهل الكتاب، وتشديده على وحدة الأديان في جوهرها الإلهي وفي وحدة القيم الدينية، وكان من المبادرين إلى الانفتاح على الكنيسة التي حاضر فيها، مشيدا بناء حواريا وتواصليا وثقافيا وروحيا، يؤسس لتعايش ديني حقيقي في لبنان، الذي رأى فيه الساحة الأفضل لتقديم تجربة دينية مشتركة رائدة وفريدة إلى العالم. لقد تميز السيد موسى الصدر بمصداقية الطرح وجرأة الموقف في القضايا الدينية، فلاقى ارتياحا بارزا عند المسيحيين، وقد عمل على أن يبدد الكثير من المخاوف التي تعتريهم من الإسلام، مشددا على الصورة الحضارية الانفتاحية لهذا الدين، ومظهرا الفائدة الكبيرة التي يجنيها لبنان من الانتماء إلى العروبة التي كان يتوجس منها البعض، وداعيا إلى التوحد حول كل القضايا الإنسانية في العالم ودعمها، وخصوصا دعم القضية الفلسطينية".
وتابع فضل الله: "أما في المجال الإسلامي – الإسلامي، فلم يكتف السيد موسى بالدعوة إلى التوحد حول مواجهة الاحتلال الصهيوني والاستعمار، بل إنه طرح مواقف تقريبية متميزة، ولو تم الالتزام بنسبة قليلة منها، لوفرت علينا الكثير من الفتن التي تشهدها منطقتنا، فأين نحن اليوم من طروحات هذا السيد الذي دعا إلى توحيد الشعائر، كالآذان وصلاة الجماعة، وتوحيد الأعياد وبدايات الشهور القمرية!؟ ولم تكن هذه الدعوة تنطلق من دون أسس، بل كان سماحته يعمل على تأسيس هذه الوحدة وفق رؤية فقهية تجديدية تعتمد على العلم في إثبات الهلال. وقد يفاجئك هذا السيد حين يصل به فهمه للإسلام إلى أن يدعو حتى إلى توحيد الفقه والعقيدة. هذه الرؤية الجامعة للتنوع الديني، كان السيد موسى الصدر يسعى بكل جهده لتجسيدها مؤسساتيا في لبنان، لأنه كان يعتبرها سر غناه ومصدر قوته، وكان أكثر ما يخاف على لبنان من الكيان الصهيوني، الذي اعتبره النقيض الحضاري لصيغة التعايش فيه، في وقت رأى أن الوحدة الوطنية هي أفضل وجوه الحرب ضد إسرائيل. لذلك، كان من أشد المحاربين للنظام الطائفي؛ هذا النظام الذي حمله مسؤولية تمزيق وحدة لبنان واندلاع الفتنة الداخلية، التي أطاحت بالتنوع لمصلحة طغيان البعد الطائفي – العصبوي، الذي قسم اللبنانيين إلى طوائف متناحرة، وأحرق الوطن، ولم تتوقف مساعيه الدؤوبة، والتي استمرت إلى لحظة اختطافه، لإطفاء هذا الحريق".
وقال: "لقد عانى السيد موسى الصدر في هذه المسيرة الجهادية والنضالية والإنسانية، كثيرا من أقطاب النظام الطائفي، ومن الإقطاع السياسي، ومن رجال الدين التقليديين الذين كانوا يعيشون في دوائرهم المغلقة، ولم يفهموا الدين بمعناه الواسع والعميق، أو الذين ارتضوا أن يكونوا أداة في يد هذا النظام أو ذاك، أو هذا الزعيم أو ذاك، في الوقت الذي وقفت إلى جانبه، ودعمته في تطلعاته، ثلة من العلماء الذين فهموا الإسلام حركة تغيير، وسعوا إلى التكيف مع قضايا العصر ومواجهة تحدياته، وذلك من خلال إحداث تحول تجديدي ونهضوي في فهم الإسلام. وهنا، أشهد على العلاقة التي تربط سماحة السيد موسى بالسيد الوالد، فقد كانا يتداولان معا في قضايا الأمة والوطن، وأنا أقول من موقع العارف بهما، إنهما لم ينقطعا عن التواصل الفكري والفقهي والروحي، وإن كان لكل منهما مجاله وتطلعاته التي قد تختلف في الأسلوب، لكنها تلتقي في الأهداف الكبيرة".
وختم: "شكرا لأكرم طليس الذي أتاح لنا الإطلالة على هذه الشخصية، وبكل دقة، في الكثير من أبعادها. كما أتاح لنا فرصة استعادة هذا النموذج الذي نراه الآن مستمرا وحاضرا. ونريد أن يستمر، لأن الكثير من القضايا التي تعرض لها السيد موسى، لا زالت هي هي. لذا، من المهم أن نستعيد منهجه ونستحضره، وخصوصا في ضرورة تغيير هذا النظام الطائفي، الذي كان ولا يزال، وإن بوجوه أخرى، أحد أسباب استمرار الأزمة الداخلية. وفي المقابل، علينا الاستمرار في السعي إلى تأكيد الوحدة الإسلامية، والانفتاح على الأديان والثقافات الأخرى، ولا سيما المسيحية، والانفتاح على العالم العربي والإسلامي وقضاياه وعلى كل العالم".
بقرادوني
ثم تحدث كريم بقرادوني متوقفا عند فكرتين لدى الإمام الصدر وتجسدتا في رفضه للكيان الصهيوني، وعنايته الخاصة بالمسيحيين ودعوته لهم بعدم التورط بعلاقات مع إسرائيل، مشيرا الى مواقفه تجاه المسيحيين والمؤكدة على ضرورة بقائهم والعيش معهم، وإصداره بيانا عام 1977 قال فيه "ان لبنان وطن نهائي لكل بنيه، وذلك بهدف طمأنة المسيحيين، ولأن ذلك يسقط أحلام إسرائيل بتقسيم المنطقة".
وأشار الى مسيرة الإمام و"محاولاته المستمرة لمنع حصول أي صدام مع الجيش اللبناني، مع مطالبته قيادة الجيش عدم عرقلة توجه المقاومين لقتال اسرائيل، وايضا في العمل على بناء الملاجىء"، مختتما بالإشارة الى "النصر الذي حققه السيد حسن نصرالله لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، والذي أدى الى طرد الإحتلال الإسرائيلي في لبنان، وإجبارها في العام 2006 على طلب وقف إطلاق النار لأول مرة في تاريخها".
حمود
كما تحدث الشيخ حمود فقال: "يصعب حصر الكلام عن السيد موسى الصدر وعن كتاب اكرم طليس، لارتباط مسيرة الإمام الصدر بواقعنا ومستقبلنا، خاصة في كل ما قام به الإمام خلال عشرين عاما، وقد صيغ لبنان بصيغة جديدة كانت مزيجا من فهم جديد للاسلام وللتركيبة اللبنانية".
أضاف: "لقد فهم العصر الذي كان فيه، كما فهم قدرته على التأثير في ساحات السياسة والجهاد، فاستطاع تغيير الصورة عن رجل الدين، وعن لبنان، وعن إسرائيل الذي قال ذات يوم ان شرف القدس لا يتحرر إلا على أيدي المؤمنين، وها هم اليوم يقضون مضاجع إسرائيل".
وروى نقلا عن لسان المفتي الراحل حسن خالد كيف حاول الإمام موسى الصدر توحيد بعض المناسبات الإسلامية.
شكر
ثم تحدث شكر فعرض لأبرز ما جاء في كتاب المؤلف وما تناوله عن "هذه الشخصية النادرة"، ولدور الإمام السيد موسى الصدر على المستوى العربي، "إذ كان قد عمل على تأمين عقد قمتين عربيتين من اجل وقف الحرب الأهلية في لبنان".
وقال شكر: "لعب الإمام السيد الصدر دورا توحيديا بين الطوائف على الصعيد اللبناني، وكان بعيدا عن أي نوع من التعصب وكان يؤكد على أهمية عيش الطوائف اللبنانية".
محفوظ
أما رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع فقال: "أهمية هذا الكتاب أنه نتاج للمزاوجة بين النظرية والتطبيق".
أضاف: "من قراءة هذا الكتاب ومن معاينة النظرية الفكرية للإمام موسى الصدر أجد أن البناء الفكري الذي أرساه السيد موسى لا يزال صالحا لتصويب الأداء السياسي ولايجاد المخارج لأزمة لبنانية مستفحلة. فهذا البناء بقوم على:
-فكرة الدولة الملجأ لكل المكونات على قاعدة المواطنة الواحدة.
-العدالة الإجتماعية.
-الوحدة الوطنية.
-الحوار لمعالجة أي خلاف.
-التناقض الأساسي في المنطقة هو مع اسرائيل ما يفترض أن تكون المقاومة خيار الأمة والديبلوماسية سلاحا مكملا لدى الأنظمة السياسية.
-استبعاد سياسة التحدي في العلاقات بين المكونات والطوائف والقوى السياسية.
-الدين في جوهره هو واحد غايته بناء الإنسان وإزالة الحواجز التي نصبتها عوالم مفتعلة يبرأ منها دين الله الحق. والقاسم المشترك بين المسيحية والاسلام هو الإنسان الذي هو هدف الوجود والمحرك للتاريخ.
-ابراز القيم المشتركة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية.
-رفض فكرة الذمية التي ترتب شروخا في المجتمعات العربية.
-تعميم الحوار المسيحي – الإسلامي الذي أطلقه الإمام الصدر بالتعاون مع المطران غريغوار حداد والأب واكيم مبارك والدكتور صبحي الصالح والدكتور محمد مجذوب وآخرين في "الندوة اللبنانية" وإحياء ندوات مشابهة.
-الوصول إلى تعريف واحد للإسلام يركز على الإنفتاح والتسامح والإعتراف بالآخر. وهنا ثمة دور رئيسي للأزهر والنجف وقم. خصوصا وأن التنظيمات المتطرفة التكفيرية تملك تفسيرات خاطئة لـ"الحاكمية بالله" تبرر القتل وسياسات الإلغاء.
-امتلاك رؤى ايجابية حول دور الشباب والمرأة في المشاركة واتخاذ القرار.
-مواجهة البطالة.
-الربط بين السياسات التعليمية وحاجات السوق باتجاه تعزيز الإعتماد على الذات.
-الضغط لتسوية التأزم في العلاقات الايرانية – السعودية وفتح إمكانية الحوار بين طهران والرياض لأن الخلاف بين الطرفين يمعن في تمزيق المنطقة واستدراج التدخلات الأجنبية.
-الاستفادة من دور المسيحيين المشرقيين كنافذة على الغرب الأوروبي والأميركي لتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام والتي عممها صاموئيل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات أو في كتابه اللاحق حول تعريف الهوية الأميركية حيث يرى بأن "تعريف هذه الهوية يتم من خلال تحديد من هو العدو. ويستنتج بأن العدو هو الإسلام".
-الإمام موسى الصدر هو أول من تكلم عن حوار الحضارات عندما استنتج بأن الصيغة اللبنانية تعني "التمسك بوحدة لبنان وانسجامه مع المنطقة وصيانة كونه أمانة للحضارة العالمية".
-الاعلام في البناء الفكري للإمام موسى الصدر يرتبط بالوظيفة التي تعطى له فإما أن يكون بناء أو هداما. وهو يرى بأن الإعلام له وظيفة تربوية وتثقيفية باتجاه تعميق الوحدة الوطنية والمواطنة. فالحرب على ما يقول "ليست فعل المدافع فقط بل هي أيضا حرب العقول والنفوس والألسن أيضا. فالألسنة والأقلام خاضت حربا تجاوزت في شراستها الأسلحة الفتاكة فاختلفت وشوهت وحببت وكرهت وضخمت وصغرت وحطمت وتجاوزت حدود أفكار غوبلز. ما يعني أن التنازلات المتبادلة ينبغي أن تكون قانون العلاقة بين الأطراف السياسية على اختلافها في تشكيل الحكومة الحالية. فمن مصلحة فخامة الرئيس الجنرال ميشال عون أن يكون هناك إجماع وطني على عهده بحيث يستبعد سياسات الإلغاء والتهميش وخصوصا الإستفادة من التجربة الشهابية التي شكلت المحاولة الجدية لبناء الدولة ومعالجة العلة الطائفية".
عبدالخالق
أما الشيخ عبد الخالق فأكد على "الواقعية التي اتسم بها دور الإمام موسى الصدر والتي تجلت في حديثه إذ إنه لم يكن يطالب يقضايا خارج المستطاع".
وأعطى أمثلة على واقعية الإمام الصدر ومنها مطالبته المرأة "بالإلتزام الأخلاقي اولا، وبعدها بالتزام الحجاب".
وتحدث عن "واقعية الإمام الصدر حول النظام السياسي في لبنان فطالب بنظام ديمقراطي يعتمد على الكفاءات" ولم يقبل بنظام علماني، "لأن بين نظام الطائفية والعلمانية هناك النظام المتدين، أي النظام المدني الذي يكفل حقوق كل الطوائف والأديان، وهذا ما التقى فيه مع المفكر كمال جنبلاط، إذ ان جنبلاط طالب بنظام مدني رغم انه كان مفكرا اجتماعيا ودينيا".
وحول نظرة الإمام الصدر لطبيعة الكيان الصهيوني، قال الشيخ عبدالخالق: "ان نظرة الإمام الصدر أثبتت واقعيتها بعد مرور اربعين عاما حيث لا زال هذا النظام الصهيوني يبتكر الأساليب لتفتيت المنطقة العربية والإسلامية عبر دفع بعض المعاهد التابعة له للقيام بتحليل "دي.ان.آي" للشعوب داخل الدول كي يشوش على انتمائها". وأشار الى ما ذكره أحد المعاهد التابعة له حول هذا الموضوع في ان "الموحدين الدروز هم من أصول غير عربية وإسلامية"، وقال: "هذا الأمر رفضناه واستنكرناه".
قبلان
وتحدث قبلان عن الكتاب فقال انه "يشكل صيغة جديدة في الكتابة عن الإمام السيد موسى الصدر، إذ امتلك الكاتب مقدرة على تحريك النص وجعله رشيقا وحيويا مما يجعل القارىء كأنه يعيش أحداث النص تماما".
أضاف: "ان الكتاب هو تنشيط لروح الإنتماء الحركي وللمشروع الصدري عند السالكين الجدد وقدامى المنتمين".
وشكر قبلان مؤلف الكتاب وقال: "شكرا لك لأنك كتبت لروحنا الحركية وليس لعقولنا فقط".
وأخيرا، شكر طليس جميع المتحدثين والحضور ووقع كتابه.