ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. صدق الله العظيم

الشفاعة واحدة من العقائد الإسلامية التي لم ينكرها إلا من شذ، وهي من العقائد الدينية التي تحدثت عنها كل الرسالات السماوية.

هي من مظاهر رحمة الله في الآخرة في ما يجريه لمن ارتضاهم من خلقه وعباده، على أيدي الانبياء والاولياء والعلماء والشهداء والملائكة وهم الذين أعطاهم حق الشفاعة. انه استثناء و نفحة ربانية  تشمل المقصرين لتقيهم من سوء العذاب وفي الوقت نفسه هي تكريم نوراني لمن اختارهم الله ليقوموا بدور الشفعاء، هي منحة منه لهم.

 

والشفاعة في اللغة من الشفع أي الزوج وضمّ الشيء إلى مثله في مقابل الوتر أي الفرد، وهي تعني تقوي الفرد الضعيف بالقوي، وفي المصطلح الديني والإسلامي هي توسيط أناس ممن لهم شأن وموقع ووجاهة عند الله سبحانه للحصول على غفرانه. والأساس في الشفاعة ما يحصل يوم القيامة حين يقوم الناس لرب العالمين {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}، حيث لا ينجي هناك العمل وحده بل لا بد من الرحمة، كما ورد ذلك عن رسول الله عندما قال: "ألا إنّه لا ينجي إلا عمل مع رحمة".

 

وهنا يرد السؤال: لمن يعود الأمر والقرار في الشفاعة، وهل هناك حدود لها؟ لقد كان القرآن واضحاً عندما قال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

 

ويقول في آية أخرى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}.

إذاً أمر الشفاعة بيد الله سبحانه، فلا يتم هذا الأمر بدونه وبعيداً من إرادته، ولا استقلال للشفعاء فيما يقومون به، بل هم يتحركون ضمن الساحة التي حددها لهم سبحانه وتعالى وفي إطار الرخصة التي أعطاها، وهم بأمره يعملون.

وإلى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} أي لمن ارتضى دينه، {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً}، {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ}.

 

والشفاعة لا ينالها أي إنسان، بل لا بد من أن يسبقها عمل، فالذين يُشفع لهم لا بد أن يكونوا قد حظوا برضى الله ووفوا بعهودهم وشهدوا له بالحق، فهي لا تشمل الذين نسوه أو من غيبوه في حياتهم.

وهذا ما يشير إليه الله: {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.

وفي آية أخرى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.

فالشفاعة أيها الأحبة ليست كما يعتقد بعض الناس أنها باب نجاة للعصاة والمذنبين بشكل انتقائي وعشوائي، وأن الأولياء المقربين وبما لهم من شأن عند الله سيشفعون لكل الذين يرتبطون بهم وينتمون إليهم.

هذا ليس وارداً لا في حسابات الله سبحانه ولا حسابات الشفعاء الذين لا يكفي الانتماء إليهم بالهوية أو بإظهار المحبة حتى تنال شفاعتهم، لا سبيل إلا بالعمل والورع، فهذا رسول الله(ص) وهو أفضل خلقه وأعز رسله يقول له الله تعالى: "ولو عصيت لهويت". والامام زين العابدين يقول: "خلق الله النار لمن عصاه  ولو كان سيداً قرشياً يوم لا أنساب بينهم".

ومن هنا نحن ندعو في كل صلواتنا بعد التشهد ان يتقبل الله شفاعة محمد فينا: "وتقبل شفاعته وارفع درجته"

وهنا نشير الى العديد من الروايات التي بيّنت معالم الشفاعة والطريق إليها، ففي حديث عن رسول الله(ص): "لا ينال شفاعتي مستخف بصلاته"

 

وفي حديث آخر: "أقربكم مني مجلساً وأوجبكم عليَّ شفاعة: أصدقكم لساناً، وأدّاكم لأمانتكم، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس".

وجاء رجل رسول الله متلهفاً فقال له: حاجتي حاجتي يا رسول الله، أن تشفع لي يوم القيامة، فقال له رسول الله: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"

وورد في حديث عن الرسول(ص): "من قضى حاجة لأخيه، كنتُ واقفًا عند ميزانه، فإنْ رجح، وإلاّ شفعت له".

وفي حديث آخر عنه(ص): "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة".

فأول الشفعاء هو رسول الله(ص) الذي وعده الله الشفاعة عندما قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}،وقد أشارت الأحاديث إلى أن المقام المحمود هو الشفاعة، لأنّ جميع الخلائق يحمدونه بتشفعه لهم، وقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.

ومن الذين يشفعون وتُقبل شفاعتهم كما في الحديث: "الشفعاء هم الأنبياء، العلماء ثم الشهداء".

وورد في الحديث عن أهل البيت(ع): "تعلموا القرآن فإنه شافع مشفع لمن صاحبه ووافقه".

وورد أيضاً: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان"

وممّا ورد: "إنّ الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: أي رب، أَنَّى لي هذا؟ فيقول: بدعاء ولدك لك".

 

ويبقى أخيراً أن نجيب عن السؤال الذي يطرح عند الحديث عن الشفاعة، كيف نوفق بين الإيمان بها وبين قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}.

وقوله سبحانه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً}، هذه الآية التي وردت عندما راح النصارى في عهد رسول الله يقولون إن المسيح سيشفع لنا فنحن أتباعه، واليهود يقولون إن نبينا موسى سيشفع لنا فنحن أحباؤه، والمسلمون يقولون لن يخذلنا رسول الله فسيدخلنا الجنة وسيقول أمتي أمتي لا أدخلها إلا وأنا معهم، فنزلت هذه الآية لتشير إلى الأمر بكل وضوح، هذه أماني لا واقع لها، والجزاء بالأعمال.

والأمر تكرر في حديث رسول الله لابنته الزهراء ولعمته صفية ولعمه العباس عندما قال لهم قبل وفاته يوصيهم : "اعملوا لما عند الله فإنّي لا أغني عنكم من الله شيئاً".

 

أيها الاحبة إن تأصيل مفهوم الشفاعة يحتم علينا الآتي:

– الوعي بأن  مفهوم الهوية والانتساب الشكلي والسطحي للدين وللمذهب وعند الجميع بدون استثناء  هو ما أدى و لا يزال في وجدان الكثيرين في الأمة (وهناك من العلماء من يشجع على ذلك), إلى هذا التسطيح في النظر إلى ميزان الحسنات و السيئات بحيث يظن أن الأمر مزاجي وعشوائي، وأن الإنتساب الديني او المذهبي بطاقة تسهيل مرور بغض النظر عن العمل. المطلوب أيضاً أن الفهم السطحي  لحديث: "الله لا يخدع عن جنته" الواسعة  يؤدي الى فهم منقوص لمدى رحمة الله وسعتها.

 

– والامر الثاني:  أن المفهوم القرآني للشفاعة ولرحمة الله وعدله (وهو واضح جدا في القرآن الكريم ولا لبس فيه)، يتعارض جزئياً أو كليّاً مع ما ورد في بعض الأحاديث الإسلامية وعند كل المذاهب، فمن الصحيح أن هناك من الأحاديث ما يقدم الشفاعة كما هي، ولكن  من الأحاديث أيضاً ما يقدم الشفاعة كجائزة لعصبية نسبية أو قومية او لانتماء شكلي، وهذه الاحاديث مردودة وهناك ضرورة ملحّة لوعي ما يدور حولها من أفكار والبحث فيها.

 

ومن المبادئ التي لا يجوز أن نفترض أن الشفاعة تنطبق عليها هو أن الإسلام كما لم يفترض وجود ابن ست وابن جارية وجعل التقوى مقياسا للتفاضل الدنيوي، كذلك الأمر في الآخرة فلا فضل لامرئ على آخر إلا بالتقوى وما الشفاعة إلا مصداق للورع والتقوى. إن الانتساب للدين أو للشفعاء لن يكون أبداً بطاقة نجاة للمنتسبين إليهم، وإنما بالعمل والعمل وحده يكون الخلاص.

 

وأخيراً ندعو الله أن يوفقنا أن نحظى بالعمل الذي يبلغنا شفاعة الشفعاء ورحمة الله، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلوبنا بحبّه وذكره، وأحذركم وأحذّر نفسي من أن يطلع علينا نهار أو يتغشّانا ليل، والله غير راضٍ عنا، فلا طاقة لنا على ردِّ غضبه وهو العزيز الجبار، ونحن أيها الأحبَّة، أحوج ما نكون إلى ربّنا ربّ الكون وربّ الناس وملكهم وإلههم.

وما يساعدنا على نيل مرضاته، هو أن نستهدي النَّفحات الروحيَّة التي تفيض من أدعية شهر رجب المبارك، ويكفي أن نقرأ هذا الدّعاء: "خاب الوافدون على غيرك، وخسر المتعرّضون إلا لك، وضاع الملمّون إلا بك، وأجدب المنتجعون، إلا من انتجع فضلك… بابك مفتوح للراغبين، وخيرك مبذول للطالبين، وفضلك مباح للسّائلين، ورزقك مبسوط لمن عصاك، وحِلمك معترض لمن ناواك، وعادتك الإحسان إلى المسيئين، وسنَّتك الإبقاء على المعتدين".

أيّها الأحبَّة، أيُّ سموٍّ هو هذا السموّ الّذي نعيشه عندما يكون الله غايتنا! فعندها لن نعرف ضعفاً ولا وهناً، وسنكون أقدر على مواجهة التّحدّيات.

 

 

اجتمعت القمَّة الخليجيَّة التّشاوريَّة خلال الأسبوع الماضي، بحضور الرئيس الفرنسيّ، الذي أراد الدّخول من خلالها على خطّ هذه الدّول، لكسب ودّها، والحصول على صفقات اقتصاديَّة وعسكريّة واستثمارات ماليّة تساعده على تعزيز موقعه السّياسيّ في فرنسا.

وفي هذا الوقت، تستعدّ الدّول الخليجيّة للقاء الرئيس الأميركي، وكلّها أمل بأن تحصل من الولايات المتَّحدة الأميركيَّة على مزيد من الدّعم، بما يطمئنها على أوضاعها في ظلّ المتغيرات الّتي تعصف بالمنطقة.

إننا أمام هذه الوقائع، نشير إلى أنَّ من حقّ الدول العربيّة أو الخليجيّة أن تبذل كلّ جهد لحفظ أمنها الداخلي، إلا أننا نرى أنَّ السَّبيل الأسلم لذلك، لن يكون عبر استجداء الدّول الكبرى بعد كلّ التجارب السابقة معها، وهي المحكومة بسياسة المصالح، بل بالحوار بين الدول العربية وإيران، وخصوصاً في هذه المرحلة، ولا سيما أن هناك استعداداً إيرانياً متواصلاً لذلك.

 

إنَّنا نعتقد أنَّ مثل هذا الحوار، لو حصل بجديَّة وبصراحة، سيساهم في تبديد الكثير من الهواجس والمخاوف الّتي تسمّم العلاقات الخليجيّة الإيرانيَّة، وسوف يكتشف الجميع عندها أنّ الكثير من هذه الهواجس والمخاوف هي أوهام أو سوء فهم، ساهم في إشاعتها من يريد ابتزاز دول الخليج ودفعها نحو إنفاق عشرات المليارات من الدولارات مقابل صفقات تسليحيّة لا يعلم أحد مدى جدواها في تحقيق الحماية الأمنية لهذه الدول، بقدر ما تلبّي طموحات الدّول الكبرى في تحقيق المزيد من الهيمنة على هذه المنطقة من العالم.

إنّنا نرى أنَّ الحل لن يكون بقبّة صاروخية، أو بتواجد عسكري في البر والبحر، أو تطمينات غربيَّة وأميركيَّة، بقدر ما يكون عربيّاً وإسلاميّاً.

 

اليمن

أما في اليمن، فتؤكّد الوقائع يوماً بعد يوم، أنَّ الحرب لن تصل إلى أية نتيجة مرجوّة في ظلّ التعقيدات اليمنية الداخلية والإقليمية، ولن تنتج سوى المزيد من القتل والتدمير، وزيادة في الانقسام الداخلي وفي العداء مع الجوار.

إنَّ مشهد قتل النّساء والأطفال، والمهجّرين الهاربين من ساحات القتال في اليمن، والمأساة الإنسانية المتواصلة بفعل فقدان كلّ مقومات الحياة في هذا البلد، لا بدّ من أن يثير الشّعور الإنسانيّ والعربي والإسلامي، ويدفع إلى إيقاف الحرب، ويسارع إلى تهيئة ظروف الحوار، لا إلى تهدئة إنسانيّة محدودة، رغم أهميتها، أو التهديد بمزيد من ردود الفعل القاسية، كما أُعلِن أخيراً، ولا بطلب تدخّل عسكري، فإنَّ ذلك لن يزيد الأمور إلا تفاقماً وتعميقاً للانقسام، وتمديداً للحرب الأهليّة. ويكفي شاهداً على ذلك ما أدت إليه مثل هذه التدخّلات في العراق وفي ليبيا وفي غيرهما.

 

فلسطين

وفي فلسطين، فإنَّنا ننظر بإيجابيَّة إلى اللقاءات التي تجري بين فتح وحماس، ونرى أهمية الجهود التي بُذلت في هذا الاتجاه، ولا سيما في هذه المرحلة، التي يواجه فيها الشعب الفلسطيني ظروفاً صعبة نتيجة الحصار المطبق على غزة، واستمرار سياسة الاستيطان والاعتقال والقتل والتهجير، والتهديد المستمر للمسجد الأقصى والقدس، حيث لا يمكن مواجهة كلّ هذه التحديات إلا بتوحيد البندقية والموقف الفلسطيني.

 

لبنان

أما لبنان، فقد بات واضحاً مدى المخاطر الأمنية التي تحدق به، إن في الداخل من خلال ما يحضّر من تفجيرات أو عمليات اغتيال، والتي كشفت عنها الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، أو ما يحصل الآن على الحدود الشرقية، ما يتطلَّب مزيداً من التَّماسك الداخلي، وتحركاً سريعاً لمواجهة الاستحقاقات الدّستورية والتشريعيَّة.

إنَّ التحدّيات الداخليَّة لا تعالج بالخطاب المتشنّج وبالاتهامات، بقدر ما تعالج بالحوار الهادئ والمسؤول بين كلّ الأطراف، بعيداً عن كلّ الحسابات الفئويّة والصَّغيرة، ما يُساهم في حماية هذا البلد من كلّ الّذين يتهدّدون أمنه. وهنا، لا بدّ من أن تُشكر اليد الّتي بادرت وتبادر إلى حماية الوطن وأمنه، وتقدّم من أجل ذلك أغلى التّضحيات.

إنَّنا ندعو كلّ القيادات السّياسيّة إلى العمل لحصر النار في دائرتها، إن لم يكن بالمستطاع إخمادها، وعدم جرّها إلى الوطن، ولا سيّما أن عناصر التفجير متوفرة في البلد، فإذا لم نتكاتف جميعاً لوأدها، من خلال مواقفنا الوطنية ودعم القوى الأمنيَّة، فلا ضمانة لحفظ البلد من الفتنة، حتى لو كانت بحجم القرار الدّوليّ القاضي بإبعاد لبنان عن نيران الحرب الدّائرة في الجوار.

 

وتبقى مسألة العسكريين المختطفين، فإننا، وعلى إيقاع الحرب المتصاعدة في القلمون، ندعو إلى الإسراع في معالجة قضيتهم، بما يحميهم من تداعيات هذه الحرب، ويعيدهم إلى أهلهم ووطنهم سالمين، وهنا ننوِّه بكل الجهود التي تُبذل في هذا المجال، والتي نأمل أن تستمر.

ومن السّياسة ننتقل إلى الشأن الاجتماعي، لندعو إلى الإسراع في معالجة المشكلات التي تهدّد لقمة عيش المواطن وحاجاته، حيث تزداد الظروف الاقتصادية صعوبةً، والتي لا تُحل بزيادة الرواتب فقط، بل بنهوض اقتصاديّ وتنمويّ وتكامل اجتماعيّ.

وفي هذه الإطار، فإننا ندعو إلى الحوار المباشر بين المالكين والمستأجرين، للتوصل إلى حلول تحول دون إلحاق الظلم بأيٍّ منهما، والأخذ بالحسبان مصالح الطرفين، بما يحمي حقوق المستأجرين الَّذين لا يملكون إلا العراء ملجأ إذا ارتفعت الإيجارات دون الحد المقبول، ويحمي حقوق المالكين الذين لا يملكون ما يعيلون به أنفسهم إلا هذه البيوت التي أصبحت قيمة أجرها لا تساوي شيئاً. ولتُبنَ القوانين والتشريعات على أساس ذلك.

 

يوم الصحافة

وأخيراً، إننا نهنّئ الصّحافة في يومها، في وقت نحن أحوج ما نكون إلى الكلمة الصادقة؛ الكلمة الواعية، الكلمة التي تئد الحروب والفتن، الكلمة الّتي تلمّ الشّمل، الكلمة التي تزيد الوعي، وتنفذ إلى أعماق الأحداث، ولا تبقى في سطحها، الكلمة التي تعزّز الأخلاق والقيم.

إنَّ المعاناة ستكون كبيرة، والخطر سيكون داهماً عندما تتحوَّل الكلمة إلى وسيلة لاستدرار المال، أو لإثارة أحقاد التاريخ ودفائنه، أو صناعة أحقاد في الحاضر وتأجيجها، فعند ذلك تصبح الأوطان والإنسان أمام خطر السّقوط والضّياع.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله                                                           

التاريخ : 19 رجب 1436هـ الموافق : 8 أيار 2015م