حضورك أقوى
غاب جسدك عنا وحنانك واحتضانك، وما عدنا نتلقّى ما تزرعه فينا من حكمة وتفاؤل وأمل وقوة، حتى في أشدّ الأزمات.. غبت عن مسجدك الّذي كنت حريصاً على الحضور فيه، مهما كانت الظروف.. تفتقدك جلسات الدّعاء والتضرّع والزّيارة، يفتقدك الكبير والصّغير، ويفتقدك المجاهدون الّذين كانوا ينتظرون إطلالتك… ومعهم الأيتام والمعوّقون والمسنون والمرضى.
لقد غابت إطلالتك عن المجاهدين الذين كنت توجّه بوصلتهم، وكانوا راضين بالتوجّه الذي كانوا ينتظرونه من مواقفك المسكونة بمصالح الوطن والأمّة والإسلام لكن حضورك بقي في داخل وجدان كل إنسان مجاهد ومتألّم ومستضعف ومحروم، وإن حرموا من اطلالتك التي كانت تشعرهم بالأمل بالمستقبل، وتمدّهم بالعزيمة والإرادة.
خمس سنوات وحضورك يزداد ألقاً وتوهّجاً في القلوب والعقول، وفي ميادين العلم والجهاد والعمل والبذل والعطاء
رجعت صورتك أقوى.. عادت كتبك لتقرأ من جديد، ورجعت أفكارك تستحضر من جديد، لإظهار حقيقة، أو اتخاذ عبرة، أو تلمّس رؤية، حتى لدى الذين اختلفوا معك.. لقد عادوا إليك وهناك من ندم على سنوات من عمره لم يستفد منك أو يرجع إليك.
لقد بقيت حاضراً في كلّ ميادين الفكر والاستراتيجيّة والفقه، وفي كلّ موقع للوحدة وللحوار والإنسان، وفي دنيا الطفل والمرأة والشباب والعقل، وفي رحاب التحدّيات، وعلى ضفاف الدعاء والقرآن ونهج البلاغة.
وقد صدق معك الأوفياء والطيّبون الّذين نجدهم ينقلون كلماتك وينشرونها حيث هم.. ويدافعون عن نهجك أمام من لم يعه جيداً، أو ممن لم يعِ منطلقاته…
ونحن تعلّمنا منك أن لا نجمد، وأن نتابع المنهج، وفي كلّ الميادين الّتي طرقتها، وحتى تلك الّتي تستجد…
لن نبقى نعيش على التاريخ، بل سنكون ممن يراكمون على تاريخك المشرق المضيء…
لقد تركت حملاً ثقيلاً.. وقد سعينا خلال سنوات أن نؤدي بعضاً من المسؤولية ونحمل ما استطعنا من هذا الثقل.. قد نكون نجحنا في مجال، فنشكر الله على ذلك.. وربما جمدنا في مجال، فعذراً على التقصير…
سوف نواصل المسيرة، ونحن نعرف أنَّ هذا الطريق لن يكون سهلاً، ولا معبّداً، ولا مغروساً بالورود.. هو طريق ذات الشّوكة، ولكننا سنتابع وسنصل، بإذن الله، إلى شاطئ الأمان الذي أردته للأمة.. وللإسلام…