في الذكرى السنويَّة للسيِّد علي عبد اللَّطيف فضل الله في عيناثا فضل الله: ثالوث القوَّة والنزاهة والوحدة يبني الوطن

أكَّد سماحة العلَّامة السيِّد علي فضل الله أنّ البلد لا يُبنَى إلَّا على ركائز ثلاث، وهي امتلاك القوَّة والاستعداد لمواجهة العدوّ الصهيونيّ، داعياً إلى دعم هذه القوَّة متمثّلة بالمقاومة والجيش، وحفظها بكلِّ الوسائل. والركيزة الثانية مواجهة الفساد الَّذي يعبث بالوطن، ويستخدم للضَّغط عليه لتقديم التنازلات. أما الركيزة الثالثة، فهي تعزيز الوحدة الداخليَّة، ومحاصرة كلِّ الاتجاهات التي تريد المسّ بها.

ورأى سماحته أنّ لغة الحوار هي المدخل الوحيد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي الذي يشكِّل المدخل الأوّل للاستقرار الداخلي وإعادة بناء الدولة الخالية من الفساد، دولة تحمي الوحدة الوطنيّة، مشيراً إلى أننا قادرون على ذلك عندما نخرج من حساباتنا الخاصَّة ومصالحنا الفئويَّة ونفكّر بحجم الوطن كله.

ودعا سماحته إلى ضرورة كشف الغموض عن الحادثة الأليمة التي حصلت في بلدة عين إبل، لتنجلي الحقيقة، ولإزالة أيّ التباس يحصل بين هذه البلدة وجوارها، منعاً لأي فتنة يراد تفجيرها.

كلام سماحته جاء في الحفل التأبيني الحاشد الَّذي أقيم في حسينيّة عيناثا، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة رئيس منتدى الفكر العاملي السيِّد علي عبد اللَّطيف فضل الله، وجاء في كلمته:

 عمل السيِّد علي عبد اللَّطيف على أن لا يغادر هذه الحياة إلا وقد ترك بصمته في العديد من المواقع الَّتي كان له فيها الدور الفاعل على صعيد بلدته الطيِّبة عيناثا، من خلال الدور الذي قام به على صعيد التوجيه والوعي والتربية، وعندما عاش همومها وآلامها واهتماماتها، وشارك ناسها أفراحهم وأحزانهم، وهو الذي كان يسعى جاهداً لسدّ حاجة فقرائها واحتضان أيتامها، وأن يسدَّ أيّ فجوة تحصل بين أبنائها أو عائلاتها أو الجهات المتواجدة فيها، حتى بات صمَّام أمان يرجع إليه عند أيِّ اختلاف…

لقد حرص السيِّد علي على أن يكون للجميع، وأن يمدَّ يده إلى الجميع، حريصاً على منطقة جبل عامل، حيث كان همه أن يظهر تميزها وفرادتها على كلِّ المستويات، من خلال إبراز دور علمائها ومفكِّريها وأدبائها، وما بذله رجالها من جهود وطاقات لسدِّ حاجاتها، وما قدَّموه من التضحيات لأجل الوطن.

آمن السيِّد بالحوار قاعدةً في التعامل مع الجميع، وحرص على أن يمتلك عدَّته المعرفيَّة وقواعده وأساليبه، ودعا له وشارك في العديد من منتدياته… وكان جادّاً في العمل للوحدة الإسلاميَّة، ويشهد هذا المنبر على أنَّه كان صوتاً للوحدة وداعيا لها، من خلال كلماته ومواقفه، أو المؤتمرات التي كان يقيمها، والوقوف في وجه كلِّ دعاة التَّكفير والتفريق، ومواجهة كلِّ من يعمل على بثّ بذور الفتنة، ولم يوفِّر جهداً في العمل لأجل اللقاء الإسلامي – المسيحي، وعمل على تعزيز دعائمه على صعيد هذه المنطقة التي أرادها أن تبقى نموذجاً للعيش المشترك على صعيد الوطن.

كان حريصاً على حماية هذا التعايش، والوقوف في وجه كلِّ من يريد المسّ به، وهذا ما يدعونا اليوم إلى أن نجدِّد دعوتنا في ذكراه، بضرورة كشف الغموض عن الحادثة الأليمة التي حصلت في بلدة عين إبل، لتنجلي الحقيقة، ولإزالة أيّ التباس يحصل بين هذه البلدة وجوارها، ما قد يؤدِّي إلى فتنة يريد تفجيرها من لا يريد خيراً بهذه المنطقة…

وفي الوقت نفسه، كان موقفه صارخاً وقويَّاً في وجه الفساد الذي استشرى في هذا الوطن، وعبث بمقدّراته ومقدّرات أبنائه، ورأى أن من يفسد، لا يسيء إلى حاجات الناس ومقدّراتهم ومستقبلهم، بل يمهِّد الطريق لمن يريد الإمساك بقرار هذا البلد وحرَّيته، ويجعله مرتهناً لسياسته واقتصاده وإدارته ومواقعه وخياراته، سواء تحت سطوة صندوق النقد الدولي، أو الدول الكبرى المتربّصة للهيمنة على قراره، ويشهد هذا المنبر على جرأته في هذه المواجهة، وعدم مهادنته لأيّ رمز من هؤلاء الرموز…

إننا في ذكرى هذا السيِّد الجليل، نجدِّد تأكيدنا أنَّ البلد لا يبنى إلَّا على ركائز ثلاث؛ أولاً: امتلاك القوَّة والاستعداد لمواجهة العدوّ الصهيوني الَّذي لا يزال يتربَّص بنا، والذي يرى هذا البلد في تنوعه وحيويته وإرادته وقوَّته خطراً على وجوده. وهنا لا بدَّ من الحرص على دعم هذه القوَّة متمثلةً بالمقاومة والجيش، وحفظها بكلِّ الوسائل، وهي التي تثبت يومياً الأهليَّة الكاملة لردع العدوّ، وتثنيه عن ممارسة أيِّ عدوان، وتمنع المتربّصين شراً بهذا البلد من تحقيق أهدافهم…

الركيزة الثَّانية: مواجهة الفساد الَّذي يعبث بالبلد، وقد تحوَّل إلى عامل أساسي من عوامل الضَّغط علينا، يتمّ توظيفه لانتزاع التنازلات من عزَّة هذا الوطن وكرامته…

أما الركيزة الثالثة، فهي تعزيز الوحدة الداخليَّة، ومحاصرة كلّ الاتجاهات التي تريد المسّ بها، سواء على المستوى الشيعي أو الإسلامي أو الوطني العام، ومواجهة كلّ دعوات التحريض والانقسام بين مكوِّنات الوطن …

إنَّ الالتزام بهذه الركائز ضرورة وطنيَّة وعربية وإسلامية. ومن هنا، نشدِّد على أهميَّة توفير كلِّ الأجواء التي تضمن الالتزام بها، ومن أبرزها، تعزيز لغة الحوار الَّذي نراه السَّبيل الأفضل لحلِّ المشكلات والمعضلات وإزالة الهواجس، والمدخل الوحيد الَّذي لا بديل منه لإنجاز الاستحقاق الرئاسي الذي لا زلنا نراه يشكِّل المدخل الأوَّل للاستقرار الداخلي وإعادة بناء الدَّولة، والتي نريدها عادلة وحرة وقوية ونزيهة، تمثِّل كلّ مكوّنات الوطن، وعلى الصّورة التي يريدها هؤلاء النَّاس الذين تحمَّلوا ما لم يمكن لأحد أن يتحمَّل من أعباء لتحقيقها، دولة خالية من الفساد، دولة تحمي الوحدة الوطنيَّة، دولة قادرة على مواجهة الاحتلال، وحيث كلّ القيادات مسؤولة أن تكون على مستوى آمالهم في بناء مثل هذه الدَّولة، بعد أن منحوا هذه القيادات كلّ الثقة، وتحمَّلوا كلَّ المعاناة…

أيّها الأحبَّة: إننا لن نستطيع أن نتحاور في هذه الظروف الصَّعبة، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، إلا إذا كنا حريصين، ولو بالحدّ الأدنى، على بقاء هذا البلد، وهو الَّذي بأمسّ الحاجة إلى التكاتف والتعاون فيما بيننا. فلنبادر إليه، حتى لا يضيع شعب هذا الوطن، ويُبدّد ما بقي من مقدّراته… إنَّنا قادرون على ذلك، عندما نخرج من حساباتنا الخاصَّة ومصالحنا الفئويَّة، ونفكر بحجم الوطن كلّه.

***