أدعية الإمام زين العابدين (ع):زاد فكري وروحي كبير

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ» (السجدة 24)

 

ما زلنا نعيش أجواء ذكرى الولادة المباركة للإمام زين العابدين(ع)، في الخامس من شهر شعبان. وهناك الكثير مما يمكننا الحديث عنه في ذكراه، وهو من تميّز بعلمه وحلمه وعبادته وكرمه وصبره وشجاعته وكثرة صدقاته.. لاسيما صدقة السر ، لكن المحطة البارزة في جهاد الامام هو الدعاء الذي ترك منه إرثا جليلا وعظيما خصوصا أدعية الصحيفة السجادية ، وهنا بالمناسبة ندعو كل المسليمن إلى قراءتها، لاستثمار ما فيها من كنوز.

 

لقد تميّز دعاء الإمام زين العابدين(ع) بأنه احتل كل الساحات فامتد ليطال كل نواحي الحياة وفي كل الظروف. وتميز أيضا بأنه وجّه رسائل مفتوحة إلى الجميع ، فيها تتشابك الأهداف السياسية الكبرى مع وضع اليد على جراحات الأمة والناس وأخلاق الفرد والمجتمع وما هو كائن وما يجب أن يكون ، للظالم والمظلوم، والمتخم والجائع ، الصغير والكبير المرأة والرجل … كان همه أن يحدث حجر الدعاء هزة في حركة الضمائر المستكينة، ويوقظ الناس من عقدة الخوف والخنوع والجري خلف زخارف الدنيا وملذاتها، كان همه أن يحول الدعاء إلى أداة تعبير وبناء ..

 

 فالدعاء عند الإمام زين العابدين لم يقتصر على مشاعر الحب والود التي تفيض من القلب تجاه الله او في كونه مفتاحا لخزائن رحمة الله وطلب مغفرته ،أو هو وسيلة لدفع البلاء ورد القضاء، بل تحول الدعاء عنده إلى مدرسة تربوية  بامتياز على مستوى المفاهيم والافكار والأخلاق والعقائد والعلاقات الاجتماعية والحياة السياسية والجهادية. بحيث صار من يدعو أدعية الإمام زين العابدين(ع)  من جهة يعيش أسمى المعاني الروحية من العلاقة بالله  والتعرف اليه وفي الوقت نفسه يربي شخصيته ويبني فكره ووعيه لبناء الحياة وفق الهدي النبوي والقرآن الكريم.

 

 ايها الاحبة : لقد تجلى الجانب التربوي  في منهج الامام بوضوح وتميز بالشمولية والعمق.. ولأن الوقت لا يتسع فسوف نشير إلى بعض ما ورد من أدعيته التي برز فيها بوضوح هذا الدور..  تاملوا في كل مفردة من هذا الدعاء وسترونها إن طبقت  كفيلة بصلاح الانسان الذي هو اساس لصلاح المجتمع والحياة

 

يقول(ع): «أَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَحَلِّني بِحِلْيَةِ الصّالِحينَ، وَأَلْبِسْني زينَةَ الْمُتَّقينَ، في بَسْطِ الْعَدْلِ،وَكَظْمِ الْغَيْظِ، ، وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ، وَإِصْلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ، وَإِفْشاءِ الْعارِفَةِ، وَسَتْرِ الْعائِبَةِ، وَلينِ الْعَريكَةِ، وَخَفْضِ الْجَناحِ، وَحُسْنِ السّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيحِ، وَطيبِ الْمُخالَقَةِ، والسَّبْقِ إِلَى الْفَضيلَةِ، وَإِيثارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ التَّعْييرِ، وَالاْفْضالِ عَلى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ، وَالْقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإِنْ عَزَّ"

 

فالصالحون في نظر الإمام(ع) لن تظهر تقواهم في المساجد ,  بل الامتحان للتقوى هو عندما ينزلون الى معترك الحياة  في خضمها وصراعاتها .. التقوى تظهر في قول الحق حتى ولو كان مرا ، حتى ولو لم يترك لك صديقاً وحتى لو كان يعمل ضد المنافع الشخصية..  فالدين عند الصالحين ليس لعقا على السنتهم واذا محصوا بالبلاء  ثبتوا، يحوطونه حتى ولو لم يدر عليهم معايشهم  …. هذا هو مقياس الصلاح وزينة المتقين عند الامام زين العابدين..  الذي تربى على ابيه الحسين امام المصلحين  وجده إمام المتقين وجده لابيه رسول الله صاحب الخلق العظيم.

 

 

وننتقل الى اختيار آخر من أدعية الامام لتصويب مفهوم الرزق وهذا المفهوم ان ضبط كما يطرح الامام يصبح الانسان اكثر حرية واكثر عزة .. وهذا الدعاء انطلق به الإمام بعد ان رأى أكثر طبقات المجتمع ومنذ أن أمسك الأمويون بدفة الحكم باتت تنظر إلى الحاكم أو المسؤول  انه الآمر الناهي في مسألة حصول الإنسان على لقمة العيش، ان أراد أن يغني فعل، وان شاء أن يفقر أمسك ومنع.. الم يكن الخوف على مصدر الرزق والعيش هو الذي دفع اكثر الناس لخذلان الإمام الحسين(ع) في معركة كربلاء؟  نعم خاف الكثيرون ان يفقدوا أعطيات يزيد لهم إن هم وقفوا مع الحسين .. ولذلك يحرص الامام ان يوجه الأنظار إلى الله: هو من بيده الرزق والأمر والتدبير فيقول: «وَلا تَفْتِنّي بِالاْسْتِعانَةِ بِغَيْرِكَ إِذَا اضْطُرِرْتُ، وَلا بِالْخُضُوعِ لِسُؤالِ غَيْرِكَ إِذَا افْتَقَرْتُ، وَلا بِالتَّضَرُّعِ إِلى مَنْ دُونَكَ إِذا رَهِبْتُ» «اللهم … فَمَنْ حَاوَلَ سَدَّ خَلَّتِهِ مِنْ عِنْدِكَ وَرَامَ صَرْفَ الْفَقْر عَنْ نَفْسِهِ بِكَ فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّها» 

لقد كان هم الامام ان لا تبيع الناس ماء الوجه من أجل الرزق وان يعوا ان  السعي الحق يكون من الأبواب التي لا تفقد الإنسان إيمانه ولا عزّته ولا كرامته ولا حريته. انها لثقة مطلقة بالله تشعر الانسان بالامان والاطمئنان الضروريين لحياة كريمة …

 

أيها الأحبة

ان أدعية الامام  بما تمثله من عمق مضمون  وجمال لغة واسلوب (حتى تخال بعض العبارات كانها لوحات ) قيمتها الاساسية تكتسبها من انها التحمت بالتطبيق وتحولت سلوكا في ارض الواقع  ولم تبق  في إطار الوعظ والارشاد.

لقد دعا الامام الله أن يحبب اليه صحبة الفقراء..  فهل ظل دعاؤه مجرد مواعظ..لا لقد كان الامام يحمل الجراب وفيه الزاد  ويدور بحثا عن الفقراء في الليالي.  لقد سد بذلك الهوة بين النظرية والتطبيق  وبين الممارسة والقول،  واكثر ما تجلى ذلك في موقف  يذكره جميع المورخين والمتعلق بمروان بن الحكم هذا الرجل  من رجالات الامويين وكان له دور في ما حصل للامام الحسين في كربلاء  وهو كما الامويون  قتلوا وشردوا وسبوا النساء والاطفال وهتكوا الحرمات ..

 

قصة مروان بن الحكم  انه  يوم أراد الهروب من المدينة بعد ثورة أهلها على الحكم الاموي، لم يجد إلا بيت الإمام زين العابدين(ع) ليحتضن عائلته ويحميها من انتقام الناس من الرموز الأموية، وكان عدد أفراد العائلة ما يقارب أربعمائة نفر من نساء وأطفال، لم يجد يومها من يأتمنه عليهم فلجأ للامام زين العابدين: تراه ماذا فعل الإمام؟ هل تشفى .. هل انتقم؟ هل سد الباب بوجهه لا لم يفعل لانه لطالما دعا المسلم ان يعفو عند المقدرة وان يسامح وان يحسن وان يبادل الشنآن بالمحبة… قبل الامام الامانة: امن حمايتهم و تمت رعايتهم بأحسن طريقة، حتى  قالت إحدى  بنات مروان «لم أجد من الحفظ والرعاية والعاطفة  في بيت ابينا كما وجدته في بيت الامام علي بن الحسين»

 

أي أخلاق هذه الأخلاق.. وأي قلب هو هذا القلب.. يندهش الإنسان حقيقة بهذا الموقف الذي يمثل قمة في التسامح والعفو والإحسان، والذي لا يمكن تفسيره إلا بذوبان هذا الإمام في الإسلام الذي يعلو عنده على أي شأن أو اعتبار ذاتي  انها ترجمة عملية للأخلاق والقران…

ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم أبطح 

وحللتم قتل الأسارى وطالما    

غدونا عن الأسرى نعفو ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح..

 

أيها الاحبة   

عندما يقف مطلق انسان أمام  مثل هذه الأحداث يشعر بنقاء الإسلام وبطهره ورحابته..وقس على ذلك في كل سيرة الإمام و أهل البيت لتراهم خير من جسد الاسلام والقرآن…

ونعود الى واقعنا ونحن الذين اعتدنا ان نقرأ ونسمع دعاء مكارم الأخلاق مرتين أو ثلاثة في ليالي القدر، هلا عمد كل منا إلى أن يمر على نص الدعاء بهدوء ليفكر ويراجع ويحاسب ويربي نفسه … هل يكفي ان يتقرب الى الله بهذا الدعاء فيما عمله في واد آخر؟! ان العلاقة بالله والعبادة له لا يمكن ان تكتمل إلا حين تتحول إلى سلوك وتسامح وتواضع ووقوفاً مع المظلومين ونصرة للمجاهدين وعوناً للمحتاجين وانفتاحاً على كل الناس وحباً لهم..

 

ايها الاحبة: لقد تحول الإمام بعدما بلغ القمة في العبادة، إلى أن يكون زيناً للعابدين وسيداً للساجدين، وإلى أنموذج في سمو الأخلاق، عرفته الأمة محباً لله، رحيماً بالناس محرراً للعبيد، ولم يعرف الناس أنه هو من كان يحمل الجراب على ظهره في الليالي المظلمة ليوزعه على الفقراء والمساكين، إلا بعد وفاته حين انقطع عنها الزاد.

الله شرَّفهُ قِدَماً وفضَّله ….

جرى بذلك له في لوحه القلم

كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا… يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ

ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ…  لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ

والحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، أن نهتدي بهدى الإمام زين العابدين(ع)، حين قال: "إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: من أنتم؟ قالوا: نحن أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا، قالوا لهم: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم ينادي منادٍ: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون لهم مثل ذلك، فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: فما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله، وصبرناها على البلاء. فقالوا لهم: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين.

ثم ينادي المنادي: ليقم جيران الله في داره! فيقوم ناس من الناس وهم قليل، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون لهم مثل ذلك، فيقولون: بم استحققتم مجاورة الله عز وجل في داره؟ فيقولون: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله عز وجل. فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين". 

 

أيها الأحبة، هذه بعض طرق الوصول إلى الجنة، وهي أسرع الطرق لبلوغها، حيث لا حساب، ولا هلع، ولا فزع، ولا طول انتظار.

والطرق كلها بأيدينا، ويكفي في ذلك أن نقرر، ونباشر العمل الذي يحتاج منا إلى بذل جهد، وإلى تضحيات، لكن مهما بلغ الجهد وعظمت التضحيات، فهي لا توازي حجم النتائج التي نحصل عليها في الدنيا والآخرة التي لا يفلح فيها إلا الصابرون، والمتسامحون، والمتواصلون، والمتبادلون، وبذلك تتحقق الطموحات، وبها نواجه التحديات.

 

والبداية من لبنان، حيث يستمر الخوف لدى اللبنانيين من تداعيات الفراغ الذي يبشر البعض بأنه سيطول، وقد لا تقف حدوده عند رأس السلطة، بل ستمتد إلى المجلس النيابي، وصولاً إلى الحكومة، ما سيجعل البلد في مهبّ رياح التّعطيل وآثاره السلبيّة على مستوى الوطن والمواطن.

إننا في الوقت الّذي لا نريد للخوف والقلق أن يكونا هاجس اللبنانيين في هذه المرحلة، لكون لبنان لا يزال محكوماً بالهدوء الّذي توافقت عليه القوى الإقليميّة والدوليّة المؤثّرة، نعيد دعوة المسؤولين في هذا البلد إلى أن يستنفروا جهودهم من أجل منع استمرار هذا الفراغ، وأن يسارعوا إلى تأمين فرص التوافق على شخص الرئيس والملفّات المطروحة، ولا سيما قانون الانتخاب.

ولذلك، نحن نقف إلى جانب كلّ الأصوات التي حذّرت وتحذِّر من تعطيل المؤسسات، ولا سيما المجلس النيابي، الذي يعتبر مؤسّسة الشّعب اللبناني وعماد نظام هذا البلد، فتعطيله هو تعطيل للتّشريع، وإلغاء للرقابة على المسؤولين، ومدخل للفوضى.

 

وفي هذا الوقت، يستمر تفاقم الأزمات الاجتماعية، بدءاً من أزمة سلسلة الرتب والرواتب، وتداعيات ذلك على عشرات الآلاف من الطلاب المهددين بمستقبلهم، ومطالب المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، وصولاً إلى التبشير بتفاقم أزمة الماء والكهرباء، ولا سيما أننا على أبواب صيف حار، ونتأهب لاستقبال شهر رمضان. ومن هنا، فإننا ندعو كل من هم في مواقع المسؤولية، إلى الخروج عن صمتهم أو عدم مبالاتهم، فقد أدى ذلك إلى أسر المؤسسات التشريعية والتنفيذية، في الوقت الذي لم يفك أسر رئاسة الجمهورية بعد.

 

ونصل إلى سوريا، التي أكدت فيها الانتخابات، وبعيداً عن التقييم الجاري لها، إيجاباً أو سلباً، مدى حرص قطاعات واسعة من الشعب السوري على الخروج من الأزمة التي يعانيها بلدها، وتوقها إلى تحقيق الاستقرار فيه، بعدما تحول إلى ساحة صراع دولية وإقليمية، لا علاقة للشعب السوري ومطالبه فيها.

ومن هنا، فإننا ندعو القيادة السورية إلى أن تكون على مستوى طموحات شعبها ورغبته في الاستقرار والبحث عما يساهم في تحقيق ذلك، من خلال الاستمرار في سياسة المصالحات، وتأمين مناخات الحوار الداخلي الذي لا يُستبعد منه أحد.

وهذه الصورة نريدها لمصر أيضاً بقيادتها الجديدة، ليعود هذا البلد إلى استقراره ولعب دوره الريادي على مستوى المنطقة، ولتخفّ معاناة الشعب المصري، الذي من حقه أن يحصل على العيش الكريم.

 

أما العراق، فتستمر معاناة شعبه ممن لا يريدون خيراً لهذا البلد، ومن الساعين لإدخاله في أتون فتنة مذهبية وطائفية، وهو ما تمثّل أخيراً في الهجوم الإرهابي على سامراء، على مقربة من مقام الإمامين العسكريين(ع)، ما يستدعي بذل الجهود لتثبيت الساحة الداخلية، من خلال حكومة جامعة تؤمن الاستقرار لهذا البلد، وتمنع العابثين بأمنه من تحقيق مآربهم.

إننا نثق بأن الشعب العراقي الذي فوّت الفتنة التي كان يُراد له أن يغرق فيها في السابق، سوف يفوِّت ذلك على الساعين إليها من جديد.

 

وإلى فلسطين، حيث نأمل أن تكون الولادة الجديدة للحكومة الفلسطينية العتيدة، محطة من محطات الوفاق الفلسطيني، التي نريدها أن تساهم في تعزيز التلاحم بين أبناء الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، للوقوف في وجه الاحتلال، الذي لن يكف عن سياسة الاستيطان والتهويد، وها هو يعلن في هذه الأيام استمراره في العمل على بناء مستوطنات جديدة.

إننا لا نريد لهذه الحكومة أن تكون حكومة الضرورة التي فرضتها الظروف الحالية، انتظاراً لمرحلة جديدة، بقدر ما نريدها أن تكون بداية لمرحلة جديدة، في الطريق لإزالة قهر الاحتلال، وتحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.

وفي ذكرى وفاة الإمام الخميني(قده)، نستذكر هذه القيمة الإسلامية الكبيرة التي أرادت لإيران أن تحتضن مشروعاً إسلامياً استقلالياً متحرراً من أية تبعية للدول الكبرى، وتوجهاً وحدوياً لنزع فتائل الحساسيات والصراعات القومية والمذهبية، التي يُراد لها أن تعصف بالعالم العربي والإسلامي، ومنهجاً مقاوماً رافضاً لكل احتلال أو اختراق لأرض الأمة وقرارها، وخطاً حضارياً لتقديم الإسلام بصورة مشرقة وإنسانية منفتحة، بعيداً عن صورة التخلف والخرافة والعصبية، ولنصرة المستضعفين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والثقافية والاجتماعية.

 

وقد استطاعت الأمة، وانطلاقاً من هذه الروح التي بثها الإمام الخميني(قده)، أن تصنع الكثير من الوعي والحيوية والحضور الذي تمثّل في أكثر من موقع. وتبقى المسؤولية كبيرة في الاستمرار في هذا الطريق، ومواجهة العقبات التي يُراد لها أن تعترض هذا المنهج، ونحن على يقين بأن الأمة التي استطاعت أن تخترق كل الحواجز في السابق، وتواجه التحديات، هي قادرة على ذلك في الحاضر والمستقبل…

وأخيراً، فقد كنا ننتظر ردود فعل متفهمة على كل الذين سجّلوا انتقاداً لحديث بعض المقامات الدينية عن العملاء، وخصوصاً حين ينطلق النقد من موقع الحرص على هذا الموقع الديني، بدل وضع ذلك في إطار التجاذبات السياسية والحسابات الطائفية، أو القول إن رمز هذه الطائفة أو تلك، هو فوق أن يُنقد أو يمس، وهي مقولة لم يدّعها الأنبياء لأنفسهم، إذ كانوا دائماً يطلبون من أتباعهم أن ينقدوهم، رغم أنهم معصومون من الأخطاء بعصمة الله لهم.

 

إنّ كلّ من يتصدّى لمواقع المسؤوليّة، سواء كانت دينية أو سياسية، عليه أن يكون مستعداً لتقبل النقد، ولا سيما في القضايا التي تمسّ صميم الدين وقيمه الأساسية، حرصاً على الموقع الذي يمثله، والتزاماً بقيمه، وعليه أن يشكر الذين ينتقدونه بمسؤولية، وبدون تجريح، ولا سيما أولئك الذين هم خارجون عن كل التصنيفات، ولا يتحركون في مواقفهم من حسابات طائفية، أو لحساب هذا أو ذاك، بل من حسابات القيم الدينية والإنسانية المشتركة، وحرصهم على كلّ الدّيانات السماويّة، لكونها تنطلق من أساس واحد ولهدف واحد.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ : 8 شعبان 1435ه ـ الموافق : 6حزيران 2014م

Leave A Reply