استحضارُ رحمةِ الله في الشَّدائدِ والكوارثِ والآلام

قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: 54]. صدق الله العظيم.

الرّحمةُ صفةُ الله

لقد حرص الله سبحانه وتعالى على أن يظهر لعباده مدى رحمته بهم ومحبَّته لهم، حتى يشعرهم بالأمان منه، عندما دعا رسوله (ص) إلى أن يقول لهم: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، وعندما قدَّم نفسه إليهم بأنَّه الرحمن الرحيم، ولم يقدّمها إليهم بأنه العزيز الجبَّار المتكبّر القاهر، ومع أنه كذلك، وعندما قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف: 156]، فالرحمة لا تقف عند حدود، ولا تدخل فيها الاعتبارات.

وقد تجلَّت هذه الرحمة في خلقهم، فهو عندما خلقهم قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: 4]، وعندما أوجدهم على الأرض، لم يوجدهم إلَّا بعد أن مهَّدها لهم، وهيأ لهم فيها كل السبل التي تضمن لهم الراحة والعيش الكريم، وسخَّر لأجلهم كل ما في السماوات والأرض.

وهي تجلَّت عندما لم يتركهم يعيشون الحيرة؛ لا يعرفون الطريق الأسلم في دنياهم وما يتقربون فيها إلى ربهم، بل أودع لديهم عقولاً يميّزون بها بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشر، وأرسل إليهم الأنبياء والرسل، ومعهم الكتب السماويّة، لهدايتهم وإخراجهم من جهلهم وتخلّفهم وانحرافهم، ومن عبوديتهم لغير الله، وفتح لهم أبواب رحمته واسعة لهم إن هم أخطأوا وحادوا عن طريق الصَّواب واستسلموا لشهواتهم ورغباتهم، يكفيهم حتى يعودوا إليه أن يعلنوا عن رغبتهم بالتَّوبة حتى يغفر لهم، مهما كبرت ذنوبهم وعظمت خطاياهم، وهم لا يحتاجون في ذلك إلى وسيط أو شفيع، وهو – سبحانه – القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}[البقرة: 186]، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزّمر: 53].

ولم يقف الأمر عند ذلك، بل ادَّخر لهم رحمة واسعة عندما يقفون بين يديه، وهذا ما أشار إليه الحديث: “إنَّ الله تعالى خلق مائة رحمة، فرحمة بين خلقه يتراحمون بها، وادَّخر لأوليائه تسعاً وتسعين”. وقد ورد في ذلك: “إنَّ لله رحمة في يوم القيامة يتطاول لها عنق إبليس”.

ولذلك، عندما قيل للإمام زين العابدين (ع): إنّ الحسن البصري قال: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا! فقال الإمام (ع): “أنا أقول غير ذلك: “ليس العجب ممن نجا كيف نجا، وأمَّا العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله”.

ولذلك، نجد رسول الله عندما رأى امرأة تحتضن ولدها وتقيه بنفسها من نار كادت تمتدّ إليه، يتوجَّه إلى أصحابه قائلاً لهم: “أتَظُنُّون أنَّ هذه المرأةَ راميةٌ ولَدَها هذا في النَّارِ مُختارةً وهي تَقدِرُ على ألَّا تَرمِيَه فيها؟ فأجاب الحاضِرون: لا تَطرَحُه في النَّارِ طائعةً أبدًا، فقال (ص): لَلَّهُ أرحَمُ بعبادِه مِن هذه المرأةِ بوَلَدِها.

وهذا ما عبَّر عنه الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: “يا من هو أبرّ بي من الوالد الشَّفيق، وأقرب إليَّ من الصاحب الرفيق، أنت موضع أنسي في الخلوة إذا أوحشني المكان، ولفظتني الأوطان”.

رحمةُ اللهِ في الشَّدائد

لذلك أيُّها الأحبَّة، نحن نعيش الاطمئنان في هذه الحياة الدّنيا، لأننا نعيش فيها ونحن نحظى برحمة الله، هذه الرَّحمة التي تظلّلنا أينما وجدنا، هي معنا عندما نعيش في هذه الدّنيا، وعندما نغادرها، وعندما نقف بين يدي ربنا لنواجه المسؤوليَّة، هذه الرحمة ينبغي ألا تغيب عن بالنا، وأن نستحضرها حتى ونحن نعاني، وعندما تواجهنا الشدائد والمصائب والآلام، لأنَّ لدينا ملء الثقة بأنَّ الله لا يريد بعباده إلَّا خيراً، وأنَّ وراء الألم والمعاناة والشدَّة خيراً، بأن نتطلَّع دائماً إلى أنَّ وراء كلّ بلاء نعمة قد تكون دنيويَّة وقد تكون أخرويّة.

وهذا ما عبَّر عنه الحديث: “ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، وإنّي إنَّما أبتليه لما هو خير له، وأعافيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليرض بقضائي، وليشكر نعمائي، أكتبه في الصدّيقين عندي”.

وقد ورد في الحديث: “ما من بليَّة إلَّا ولله فيها نعمة تحيط بها”.

ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى أن نستحضر هذه الرَّحمة ونحن نشهد الهزات والزلازل الّتي تحصل اليوم، والتي خلَّفت وراءها مآسي ودماراً، حتى لا تؤثِّر في نظرتنا إلى الله سبحانه، فنراه على غير صورته قاسياً شديداً على عباده، وهذا يحصل عندما نرى هذه الكوارث تأتي من الله مباشرة، وأنَّه السبب في كلّ ما يحدث من ورائها، فيما القضيَّة ليست كذلك، صحيح أنَّ الله بيده الأمر والقرار في هذا الكون، ولكنَّ الله سبحانه أجرى الحياة ضمن قوانين تتحرَّك من خلالها، وهذه القوانين تضمن انتظام الكون وسلامته واستقراره، وهي خير للإنسان وللحياة، وهذا لا يعني أنَّ القوانين لا تحدث من ورائها سلبيَّات وحتى مآسٍ، فالشَّمس التي أوجدها الله لتشرق علينا، ولا يمكن أن تستمرَّ الحياة بدونها، قد تؤدي إلى ضرر بالإنسان والحيوان والنبات، والمطر الذي ينزل وفيه فائدة عظيمة، قد يتسبَّب بفيضانات، وقد يؤدي إلى المآسي، كما شهدنا مؤخَّراً في باكستان على سبيل المثال، لكنه حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، لأنه ضروري لاستمرار الحياة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العواصف والزلازل والأعاصير، وإلى ما هنالك من الظواهر الطبيعيَّة الخاضعة للسنن التي تضمن التوازن في الكون.

هل للكوارث إيجابيّات؟!

ونحن عندما نتحدَّث عن السلبيَّات التي قد تنتج من مثل هذه الحوادث، لا نريد أن نغفل عن الآثار الإيجابيَّة، والَّتي قد تنتج منها، إن على صعيد البيئة، أو على صعيد حياة الإنسان وتنمية القدرات لديه مما يشير إليه الخبراء، أو الآثار الإيمانيَّة التي تتركها على صعيد علاقة الإنسان بالله، فهي تذكِّره بضعفه وعجزه ومحدوديَّته، وأنه مهما بلغ من القدرات والإمكانات، فهو عاجز أمام الكون وربّ الكون، ما يدعوه إلى التَّواضع لربِّه بدل الغطرسة والطغيان، وأن يتصرَّف كعبد لا كإله كما يفعل الكثيرون في هذا الزَّمن، وأن يستقيم في حياته استعداداً لملاقاة ربِّه يوم القيامة، لكون ما حصل صورة معبِّرة عمَّا يحدث في هذا اليوم ليستعدّ لمواجهته، والتي أشار إليها الله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[سورة الزّلزلة].

أمَّا الذين أزهقت أرواحهم بسبب ذلك، فهم، وكما أشارت الأحاديث، بعين الله ورحمته، لهم أجر الشهداء، والَّذين أصيبوا أو أصابهم الخوف، لهم أجر الصابرين، وكما قال عزّ وجلَّ: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 157].

أخذُ العبرةِ منَ الابتلاءات

أيُّها الأحبَّة: إنَّ ما يجري هو جزء من هذه الابتلاءات التي تحدث في الحياة، والنَّاتجة من السنن والقوانين الإلهيَّة التي تحكم الحياة، من دون أن نغفل عن أنَّ بعض هذه الابتلاءات (وليس كلّها بطبيعة الحال)، قد تكون بفعل العبث الَّذي قد يقوم به الإنسان في البرّ والبحر، ما ينبغي أن يعيد النَّظر فيه، مع الإشارة إلى أنَّنا لا نتفاعل مع المقولات التي تضع ما حدث في خانة العقاب الإلهيّ وما إلى ذلك، فتلك تخمينات لا تستند إلى علم، فيما الأساس أن نعتبر ما حدث يندرج في سياق الابتلاءات لأخذ العبر ومراجعة الذات، ونتعامل معها على قاعدة الصَّبر الذي دعا إليه الله سبحانه وتعالى، عندما قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: 155 – 156]، والإسراع بالقيام بالمسؤوليَّات المترتبة علينا، للتَّخفيف من آلام المصابين والمتضرّرين والمنكوبين، وخصوصاً الأقربين منهم، والعمل ودراسة كلّ السّبل التي تحول دون حصول البلاءات إذا أمكن ذلك، أو التَّخفيف من وقعها.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثَّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أشار به الإمام الصادق (ع)، للَّذين جاؤوا إليه يتأفَّفون من الموت، بعدما فقدوا بسببه أحبَّة لهم، فقال لهم: إنَّ قوماً أتوا نبيّاً لهم، قالوا له: ادعُ لنا ربَّك يرفع عنّا الموت، فدعا الله تبارك وتعالى، فاستجاب لدعائه، فكثروا حتّى ضاقت عليهم المنازل وكثر النَّسل، وأصبح الرَّجل يطعم أباه وجدّه وجدّ جدّه، وهكذا من طرف أمِّه، ثمّ يرضيهم ويتعاهدهم في كلِّ شؤونهم وحوائجهم، حتّى شغلوا عن طلب المعاش والذَّهاب إلى العمل. فجاؤوا إلى نبيِّهم، وقالوا له: سل لنا ربَّك أن يردّنا إلى حالنا الّتي كنّا فيها، فسأل ربَّه وردَّهم إلى حالهم.

أيُّها الأحبَّة: غالباً ما نرى الجانب السلبي من القوانين التي أودعها الله في حياتنا وفي هذا الكون، فيما علينا أن نرى الصّورة الإيجابيَّة. صحيح أنَّ الموت يفقدنا أحبَّة لنا وأعزاء، ولكنه هو خير للحياة ولمستقبلها، فلنعِ ذلك لنكون أكثر مسؤوليّة ووعياً للحياة وقدرة على مواجهة المسؤوليات.

كارثةُ الزلزال

والبداية من كارثة الزلزال التي حصلت في مناطق في تركيا وسوريا، والَّذي خلَّف وراءه دماراً هائلاً، وآلاف الضَّحايا وعشرات الآلاف من المصابين، ومئات الآلاف ممن أصبحوا بلا مأوى في ظلِّ الصقيع والبرد القارس، والَّذي وصلت تردّداته إلى لبنان والعديد من البلدان المحيطة.

ونحن أمام هذه الكارثة، بكلّ تداعياتها على البشر والحجر والخوف والهلع الَّذي يحصل عند حدوثها أو من تكرارها، نهنّئ اللبنانيين وكلّ الناجين منها بسلامتهم، والدّعاء لهم بدوام هذه السَّلامة، في الوقت الَّذي نتقدَّم بأحرّ التعازي إلى الشعبين التركي والسوري وأهالي الضّحايا على مصابهم الأليم، والدعاء للباري عزّ وجلّ بالشفاء العاجل للمصابين، وأن يضفي السكينة على قلوب الخائفين من تداعيات ما حصل.

واجبُ التّضامنِ

ونحن في الوقت نفسه، ندعو، وانطلاقاً من الأخوَّة الإيمانيَّة والمشاعر الإنسانيَّة، ومن مسؤوليَّتنا في مدّ يد العون إلى كلّ من يحتاج إلينا، إلى وقفة تضامن مع أهالي الضّحايا والمصابين، ومن فقدوا بيوتهم وباتوا في العراء، وتقديم الدَّعم بكلّ السبل والوسائل المتاحة التي تضمن تجاوزهم لهذه المحنة في أسرع وقت ممكن.

وهنا نقدِّر كلَّ المبادرات التي قامت وتقوم بها دول وجهات وأفراد لدعم هذه المناطق والوقوف معها في مصابها، وندعو إلى تضافرها لمدى الحاجة إليها، ولا سيما تلك التي زادت هذه الكارثة من معاناتها بفعل الحرب أو الحصار الَّذي مورس عليها، ما جعلها تفتقد أبسط المقوّمات لمواجهة ما يجري، كما هو الحال في سوريا.

رفعُ الحصارِ واجبٌ إنسانيّ

إنَّ من المعيب أن نجد في هذا العالم الذي يعتبر نفسه راعياً لحقوق الإنسان، من يتعامل مع ما جرى انطلاقاً من البعد السياسي وتصفية الحسابات، ويبقي سيف العقوبات مسلطاً حتى الآن، رغم الكارثة التي ألمت بشعب هذا البلد، فلا يقدِّم المساعدات، وإن قدَّمها، فبالنزر اليسير، فيما ندعو إلى تجاوز كلّ الخلافات والنزاعات والصراعات والاعتبارات السياسيَّة وغير السياسيَّة أمام هول هذه الكارثة.

ونحن في هذا المجال، ننوّه بكلّ الدول التي تجاوزت أمام هذه الكارثة الإنسانيَّة الخلافات والحصار والعقوبات، وبادرت للتواصل وتقديم المساعدات وعبَّرت عن تضامنها، ونشيد هنا بالمبادرة التي قامت بها الحكومة اللبنانيَّة تجاه سوريا، من خلال التواصل المباشر، وبفتحها الأبواب واسعة لوصول المساعدات إليها، فضلاً عن المبادرات الشعبيَّة التي انطلقت رغم المعاناة التي يعيشها لبنان، وتجاوزت في ذلك كلَّ المحاذير التي كانت تمنعها من التواصل المباشر ومن المساعدة.

مسؤوليّةُ الحكومةِ اللبنانيّة

ونعود من باب هذه الكارثة إلى لبنان، لندعو الحكومة اللّبنانيَّة إلى العمل لوقاية هذا البلد من تداعيات الهزات التي تتواصل، إن بالتوعية لكيفيَّة التعامل معها، أو محاسبة من يعملون على إثارة الرعب في النفوس بناءً على معلومات غير دقيقة، كالذي شهدناه عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.

وهنا ندعو إلى عدم الإسراع بالأخذ بالِأخبار إلَّا من مصادر علميَّة موثوقة، هذا إلى جانب الكشف على الأبنية المتصدّعة، والإسراع في تدعيمها، والاستعداد لكلّ الاحتمالات، والتي نسأل الله أن يقينا منها، واعتبار ذلك من الأولويَّات.

وهذا ما يتطلَّب العمل على خطة طوارئ على هذا الصَّعيد، تُستنفر فيها أجهزة الدولة وإمكاناتها، وكلّ القدرات المتوفرة لدى الجمعيات الأهليَّة ومؤسَّسات المجتمع المدني.

إننا كنا نأمل أن تؤدّي هذه الكارثة، وما لحقها من ارتدادات، إلى أن تتوحَّد القوى السياسيَّة في هذا البلد، بحيث تسارع للتَّلاقي لملء الشغور الرئاسي، والبدء بتحريك عجلة الدولة، وأن تطوي لأجل ذلك صفحة الانقسام الدَّاخلي الذي بقي على حاله، لكن مع الأسف، لم يظهر أيّ من الأفرقاء رغبةً في  التقدّم خطوة نحو الآخر، حيث يستمرّ الواقع السياسي على حاله من الانقسام، والذي يبقي الاستحقاقات في حالة المراوحة.

تأزّمٌ اقتصاديٌّ ومعيشيّ

في هذا الوقت، يستمرّ التأزم على الصَّعيد الاقتصادي والمعيشي بفعل هذا التَّصاعد غير المسبوق في سعر صرف الدولار بكلِّ تداعياته على صعيد ارتفاع أسعار السِّلع، والذي يهدِّد لقمة عيش اللّبنانيّين ودواءهم، ويترك انعكاساته على انتظام عمل مؤسَّسات الدولة والمؤسَّسات الخاصَّة، وبات يهدد القطاع التعليمي الرسمي، وقد يصل إلى الخاصّ.

ومع الأسف، يجري ذلك من دون أن يكون هناك حلول لهذا الواقع المأساوي، وإذا كانت من إجراءات تجري من ملاحقة المضاربين ورفع الغطاء عنهم، فهي رغم أهميَّتها، غير كافية إن لم تتمّ معالجة الوضع المالي، وإعادة النَّظر في السياسة النقدية التي يتّبعها المصرف المركزي.

في هذا الوقت، تستمرّ المصارف بإضرابها الَّذي بات من الواضح أنَّه يهدف من ورائه إلى الضغط لمنع أيّ ملاحقة قد يقدم عليها المودعون لتحصيل حقوقهم، أو أيّ محاولة تتَّصل بكشف حقيقة ما حدث من تهريب الأموال إلى الخارج، والتي تثار الشّبهات حول مسؤوليَّة العديد من المصارف عن ذلك، أو منعاً لرفع السريَّة عن حسابات كبار العاملين في القطاع المصرفي، ما يستدعي العمل على إيجاد حلّ، منعاً لتأثيره في انتظام الوضع المالي والاقتصادي وفي رواتب الموظَّفين، لكن من دون تبرئة المصارف من مسؤوليَّاتها، ومعرفة ما جرى ويجري داخلها.

ذكرى انتصارِ الثَّورة

وأخيراً، نطلُّ على ذكرى انتصار الثّورة الإسلاميَّة في إيران؛ لنهنّئ الجمهورية الإسلاميّة قيادةً وشعباً بهذه المناسبة، هذه الثَّورة التي جعلت الشعب الإيراني يستعيد قراره الحرّ واستقلاله، ويبعث الأمل لدى الشعوب المستضعفة والمقهورة التوَّاقة لنيل حريتها، ومواجهة من يستولي على مقدَّراتها وثرواتها، ومن يهدّد أمنها واستقرارها.