استقبل وفد “لقاء مستقلّون من أجل لبنان” فضل الله: لتغليب منطق الحوار ورفض المشاريع غير الواقعيَّة

استقبل سماحة العلَّامة السيِّد علي فضل الله وفداً من “لقاء مستقلّون من أجل لبنان”، ضمَّ كلّاً من الدكتور رافي مادايان، الدكتور بشير المرّ، الدكتور جاسم عجاقة، الأستاذ زياد الشويري، المهندس أيوب الحسيني، المحامين جوزيف مخايل، كارين قصعة، أمين أبو جودة، سيريل نفاع، توفيق جورج نجم، رياض نعيم، نيكول القارح، الأستاذ خليل برمانا، المهندس إبراهيم حنَّا الضهر، وتداول معه في عدد من القضايا على الساحتين المحليّة والإقليميّة، ولا سيَّما أزمة الرئاسة، وإشكاليات اتفاق الطائف، ومسارات الحوار، وتوتر العلاقات الإسلامية – المسيحية.

واستذكر الوفد مواقف المرجع فضل الله (رض)، ودعواته للاحتكام إلى العقل والحوار في معالجة الأزمات الوطنيَّة، وانفتاحه على الجميع، وتميّزه بآرائه واجتهاداته المتنوّرة، وتمسّكه بالشراكة الإسلامية ــ المسيحية كأساس للوحدة الوطنيَّة، وكمضمون لصيغة ميثاق الطائف، وطرحه المتقدّم في دعوته إلى إقامة دولة الإنسان، الدولة التي لا تقسم اللبنانيّين طائفياً أو دينياً، بل تغلّب في سياساتها مفهوم إنسانية الإنسان.

واستغرب الوفد إحجام الأحزاب المسيحية الرئيسة عن المشاركة في الحوار الَّذي يؤدِّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، فيما يتفرجون على إفراغ المناصب المسيحيَّة الأساسيَّة في الدولة، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل إذا ما كانت هذه الأحزاب تمهِّد للانسحاب من اتفاق الطائف ومن الدولة الوطنية ومن صيغة العيش المشترك مع المسلمين.

ورأى الوفد في خلال اللّقاء أنَّ الحوار الداخلي الذي يدعو إليه الرئيس بري، والذي حاز تأييد معظم النوَّاب، هو المفضَّل للتوصُّل إلى توافق وطني حول انتخاب الرئيس العتيد، مشيراً إلى أنَّ السلَّة ــ المعادلة السياسيَّة التي طرحها رئيس المجلس، ما زالت تصلح لتكون أساساً للتفاهم الوطني الواسع، وهي لا تتناقض مع مسارات الحوارات الداخليَّة ولا الحوار الفرنسي، كما تتضمَّن تحديد المهمَّات الواقعيَّة لرئيس الجمهوريَّة، وأولويَّات البرنامج الإنقاذي للحكومة المقبلة.

وأشار أعضاء اللّقاء إلى ضرورة التمسّك باتفاق الطائف الذي أقرّ المناصفة، وإلى ضرورة تطويره وتطبيق بنوده الإصلاحيَّة المغيّبة، مندِّداً بموقف الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي الذي يحوِّل لبنان من نموذج حضاري تعدّدي، ومن واحة للحريَّة والديمقراطيَّة والإبداع الفكري ــ الثقافي، إلى تجمّع للاجئين في المشرق العربي.

فضل الله

من جهته، رحَّب سماحته بالوفد، شاكراً لهم زيارتهم، مقدّراً هذه الروح الوطنيَّة التي يحملونها، مثنياً على الجهود التي يبذلونها من أجل تعزيز العلاقة المسيحيَّة الإسلاميَّة، داعياً إلى ضرورة التواصل والتلاقي بين اللّبنانيين، وإلى تعزيز لغة الحوار الجادّ بينهم، التي من خلالها نستطيع أن نبدِّد الكثير من المخاوف والهواجس التي صنعت أو صنعناها، وكانت ثغرة استفاد منها كلّ من لا يريد خيراً لهذا الوطن.

ودعا سماحته الجميع لتغليب منطق الحوار ومصلحة هذا الوطن وإنسانه، والخروج من منطق التقسيم والمصالح الفئويَّة والمشاريع غير الواقعيَّة، وتلبية كلّ دعوات الحوار، وعدم تعطيله أو إفشاله بانتظار متغيرات هنا أو هناك، مؤكِّداً ضرورة أن يكون الحوار صادقاً وشفّافاً، لا لمجرد تسجيل النقاط أو مضيعة للوقت.

واعتبر سماحته أنّ من يحكم لبنان ليس الطوائف، بل الشخصانيَّة داخل الطوائف، داعياً الأحزاب إلى الخروج من أطرها الضيِّقة والخاصَّة، إلى الإطار الواسع والمنفتح الذي يأخذ في الاعتبار مصلحة الوطن وإنسانه، مشيراً إلى أنَّ مشكلتنا أننا فرَّغنا الأديان من قيمها ومفاهيمها لمصلحة الطقوس والشكليات، حتى فقدت الجوهر الذي من أجله وجدت.

وقال سماحته: علينا أن نقدِّم لبنان الرسالة إلى العالم، وأن يكون أنموذجاً في قدرة الأديان والرسالات على التَّلاقي والتعايش، فلبنان لا يبنى إلَّا بهذا التنوع، معتبراً أنّ الحلَّ الأمثل لهذا الواقع المأساوي الَّذي نعيشه، هو الانتقال من دولة الطوائف والمحاصصات إلى دولة المواطنة، حيث يتساوى الجميع بالحقوق والواجبات، ويعيش الانسان بكرامة وعزّ.

وأبدى سماحته خشيته من أن نبقى نعيش في دوَّامة الأزمات في ظلِّ التعقيدات الخارجيَّة، إلَّا إذا قرَّرنا أن نفكّر بحرية لمصلحة وطننا، ونحن نملك الكثير من الإمكانات التي من خلالها نستطيع أن ننهض بالبلد، ونخرج من أن نكون صدى لما يريده الخارج، مستغرباً محاولات الدولة من خلال الموازنة فرض ضرائب جديدة على المواطنين، ومحاولة شطب أموال المودعين، مؤكّداً الوقوف إلى جانبهم، وضرورة رفع صوتهم عالياً، وأن تكون تحركاتهم ضمن خطَّة مدروسة وفعَّالة تؤدِّي غرضها.

وختم كلامه بضرورة المعالجة الحكيمة لمشكلة النّزوح التي بدأت سلبيَّاتها تنعكس على جميع المكوّنات اللبنانيَّة، وأن لا تكون عامل اختلاف بينهم، معتبراً أن لبنان لا يقدر على تحمل هذه الأعداد، متسائلاً عن سبب إصرار الغرب على إبقائهم في لبنان.

***