الإصلاح بين الزوجين

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه: 
 
الخطبة الأولى
 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}.. صدق الله العظيم

 

الخلاف بين الزوجين هو أمر طبيعي بل قد لا يكون نادراً أن يحدث هناك خلاف بينهما، فعقل الزوج لا يتطابق دائماً مع عقل الزوجة فكل منهما قد يكون له رأي مخالف لرأي الآخر أو طباعه التي قد تختلف مع طباعها، والزوج ليس معصوماً والزوجة أيضاً ليست كذلك.

 

فكلٌ منهما قد يخطئ مع الآخر في ما يطلق من كلام أو تصرفات أو انفعالات أو أسلوب في التعامل مع القضايا، وقد يخضع كل منهما لتغيرات أو تبدلات في أحواله النفيسة، أو لتحولات في ظروفه وأوضاعه والتي قد تترك أثراً على الحياة الزوجية في علاقة كل منهما بالآخر..

 

ولكن ليس كل خلاف يحصل قد يؤدي إلى حدوث أزمة في العلاقات الزوجية، فمن الخلافات ما هو بالمستطاع معالجته واحتواؤه كالكثير من تلك التي تمر وينجح الزوجان في الحؤول دون تحولها إلى نزاع وشقاق يهدد سلامة البيت الزوجي..

وأكثر الخلافات يمكن تجاوزها واستيعابها بابتسامة أو بكلمة طيبة وبعدم المبادلة بالمثل، مما دعا إليه الله سبحانه عندما قال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}..

 

ولكن من الخلافات ما يكون بطبيعته معقداً، أو قد يصبح معقداً بفعل سوء إدارة معالجته، بحيث يتم التعامل معه بالكلام القاسي أو بالعنف.. الأمر الذي يستدعي تحركاً لحله حتى لا يصل الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، بحيث يؤدي إلى الافتراق.

 

والإسلام كان حريصاً على استقرار الحياة الزوجية من خلال تعزيزه لثقافة المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف التي دعا إليها الله سبحانه عندما قال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.. وثقافة "خيركم خيركم لأهله" التي أشار إليها رسول الله(ص) وثقافة الصبر، صبر كل من الزوجين على سوء خلق الآخر، حيث ورد في الحديث: "من صبر على سوء خلق امرأته، أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيّوب عليه السلام على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم".. وهو لذلك حث على الإسراع في علاج أية مشاكل تصيب هذه الحياة وعدم تركها تتفاقم تجنباً للآثار السلبية الناتجة من هذا التأخر إن على مستقبل كل من الزوجين أو على الأولاد وعلى نموهم النفسي والتربوي والروحي والفكري وانعكاس ذلك على المجتمع، لأن أي تهديد للأسرة هو تهديد للمجتمع لكون الأسرة إحدى لبناته، فالمجتمع هو عبارة عن تجمع للأسر المتنوعة..

 

ولذلك كانت دعوة القرآن الكريم إلى الصلح، حتى بلغ به أن جعله أهم من درجة الصلاة والصيام.. حيث ورد عن رسول الله(ص): "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة".. قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.. وحتى أنه أجاز الكذب رغم كل ما فيه من حرمة لأجل الإصلاح لأهميته، فالمصلح كما ورد في الحديث ليس بكاذب..

 

ولم يكتف الإسلام بالدعوة إلى الإصلاح السريع للمشاكل التي تحدث بين الزوجين والحث عليه، فهو بين الآلية الأفضل لحلّ أي خلاف منعاً لتحول الخلاف إلى نزاع أو شقاق يهدد العلاقة بين الزوجين وعدم الانتظار كما يحصل غالباً، إلى حين يتفاقم الخلاف إلى درجة هدم هذا الكيان على رؤوس قاطنيه.. فقال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا..}..

 

فهو دعا عند حصول أية بوادر نزاع أو شقاق بين الزوجين إلى تعيين حكم من قبل أهل الزوج وحكم من قبل أهل الزوجة..

 

والقرآن الكريم لم يحدد من يتولى تعيين هذا الحكم، بل ترك الأمر مفتوحاً.. قد يختار الزوجان هذا الحكم أو أهل الزوجين، ويأتي اختياره من عداد أولئك الذين يملكون الغيرة على تماسك هذا البيت الزوجي ومصلحته، والحريصين على سلامة المجتمع.. وممن لديهم باع طويل في حل النزاعات والمشاكل في الحياة الزوجية وفي غيرها..

 

وليس من الضروري أن يكون الحكم فرداً واحداً بل يمكن أن يكون هناك أكثر من مصلح يختاره أهل الزوج أو أهل الزوجة، وهذا يخضع لطبيعة المشكلة التي أدت إلى تأزم العلاقة بين الزوجين..

 

أما الآلية المطلوبة للوصول إلى الإصلاح، فهي تبدأ بأن يلتقي الحكمان ويتدارسان عناصر المشكلة بعد سماع رأي الزوجين وآراء أهلهما ومن له علاقة بالمشكلة، وبنتيجة التشاور بينهما، قد يتفقان على الحل المناسب، ويُعتبر رأيهما ملزماً للطرفين في ما حدداه من حل للمشكلة.. وطبعاً عندما نتحدث عن العلاج، فهو لا يعني أن كل مشكلة في الحياة الزوجية يمكن حلها، فقد تصل الخلافات بين الزوجين إلى حد لا يمكن علاجه إلا بالطلاق.. فالإسلام الذي حذر من الطلاق واعتبره أبغض الحلال، قد يكون حلاً عندما تتحول الحياة بين الزوجين إلى جحيم للزوجين أو لأحدهما أو للأولاد أو للأهل وعندها بالطبع لن يكون أبغض الحلال..

 

نعم عزز القرآن الكريم من الدعوة إلى الإصلاح وتحقيق الانسجام وعودة الوئام الزوجي، ولذلك قال تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}.. ثم يقول: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}.. لتنبيه كل من الحكمين بضرورة أن يراقبا الله سبحانه في ما يقومان به حتى ينضبطا في سلوكهما وفي الحل الذي يختارانه..

 

هذا هو الطرح الإسلامي لعلاج المشكلات في الحياة الزوجية وفيه من المميزات والخصائص التي تقلل أية سلبيات قد تنتج من طرح المشكلات الزوجية على المحاكم العادية وحتى الشرعية..

 

فإن اللجوء إلى المحاكم أولاً قد يؤدي إلى مفاقمة الخلافات بين الزوجين، فيكفي أن يستدعي كل منهما الآخر إلى المحكمة حتى ينتج ذلك توتراً، وإن أدى تدخل المحكمة أحياناً إلى الصلح.

 

وقد يؤدي ثانياً بالزوجين ومن باب الدفاع عن النفس إلى أن يكشف كل منهما في المحكمة ما عنده من أسرار قد تمس الآخر أو البيت الزوجي.. ومن الطبيعي أن الزوجين لو كشفا أسرارهما أمام الآخرين فسيؤدي ذلك إلى جرح كل منهما لمشاعر الطرف الآخر، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة العقبات أمام استمرار الحياة الزوجية، ولو عادا إليها فلن تعود إلى ما كانت عليه من وئام ومحبة، وهذا لا يحصل لو كانت هذه الأسرار تودع عند حكمين حريصين وفي إطار الجو العائلي..

 

والأمر الثالث الذي يعزز اللجوء إلى هذه المحكمة العائلية هو أن الذين يتولون شؤون المحاكم العادية وحتى الشرعية فيها قد لا يشعرون بالمسؤولية في حل النزاعات وإيصال الأمور إلى خاتمتها المنشودة.. تلك التي يشعرها الحكمان.. ذلك أن الحكمين يرتبطان بالزوجين برابطة القرابة وهذا يجعلهما على المستوى العاطفي يسعيان إلى بذل كل جهد للوصول إلى الصلح والسلام وإلى عودة المياه إلى مجاريها بين الزوجين..

 

ومن هنا، أيها الأحبة، وانطلاقاً من كل هذه الإيجابيات لوجود الحكمين وللمحكمة العائلية ندعو إعادة الاعتبار إلى هذا المنهج القرآني وتعميمه في واقعنا، وجعله هو الآلية التي تعتمد لحل المشكلات الزوجية وما أكثر هذه المشكلات، كبديل عن أية آليات أخرى وما يؤسف أن هناك في الغرب من أخذ بهذه الآلية وطبقها، فيما نحن لا نلتفت إليها ليكون حالنا ما قاله الشاعر:

 

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمولُ

 

وما قاله علي(ع): "الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم"..

إن طرحنا لهذا الموضوع وضرورة إعادة الاعتبار لهذه الآلية يعود إلى الارتفاع المتزايد في نسب الطلاق في مجتمعنا والتي إن عاد جانب منها إلى التسرع في اختيار كل من الزوجين للآخر أو لعدم الفهم الصحيح لمسؤوليات الحياة الزوجية والصبر عليها، فإن أغلبها يعود إلى عدم حسن إدارة الخلافات الزوجية أو إلى عدم لجوء الزوجين أو الأهل إلى الحكماء المؤهلين والحريصين على حل هذه المشكلات..

 

ولم يقف الأمر عند هذه الآلية لحماية البيت الزوجي وحل الخلافات.. فقد سعى إلى هذا الحل عندما اشترط وجود شاهدين يتواجدان معاً لحظة هذا القرار وأن يكون الشاهدان عدلين كما أشار الله إلى ذلك عندما قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.. ويعود اشتراط وجود الشاهدين العدلين إلى الإفساح في المجال لتدخلهما لحل الخلاف، لأن وجودهما معاً سيساهم في ذلك، وهذا ينبغي للشاهدين أن يقوما به لا أن يكون دورهما كشاهدين يتأكدان من حصول الطلاق….

 

إننا أحوج ما نكون إلى تعزيز فرص الإصلاح، وأن لا يتم التسرع في الطلاق، والتسرع لم يعد مقتصراً على الزوج بل امتد إلى الزوجة وحتى الأهل الذين ينبغي أن يكونوا صمام أمان يحمي الزواج من الانهيار.. ومن المؤسف أن يعود السبب أيضاً إلى أولئك الذين يجرون الطلاق بكل سهولة سواء من علماء الدين أو غيرهم من دون تقدير العواقب والنتائج السلبية التي تترتب على ذلك..

 

ومن هنا، فإننا ندعو إلى ضرورة أن يكون لدى المحاكم أو الجهات المعنية بالطلاق لجان متخصصة تبحث في أمر الطلاق قبل أن تجريه بحيث لا يتم التعامل معه كأي أمر آخر بمجرد توافر شروطه الشرعية، بل لا بد من توافر شروطه الاجتماعية ودراسة انعكاساته السلبية على الأولاد والمجتمع.

 

إن النسب العالية للطلاق في مجتمعاتنا تدعو إلى استنفار الجهود لمواجهة هذه الظاهرة بتعزيز ثقافة الزواج عند من يريدون الزواج، ليقوم على حسن الاختيار وحسن التعامل، والصبر عليه وعدم التسرع في حسم الطلاق واستسهاله، لنضمن لمجتمعنا الاستقرار والسلام الداخلي والسكينة والطمأنينة..

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، وأن لا نكون ممن تحدث عنه رسول الله (ص) عندما سأل: "ما المفلس؟"، فقيل له: "هو المفلس فينا من لا درهم ولا متاع له".. فقال (ص): "إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة؛ بصلاة، وصيام، وزكاة، وصدقات، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، وهتك هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار".

 

فلنراقب الله جيداً في الكلام الَّذي يصدر عنا، وفي المال الَّذي نجنيه، وفي أي قرار نتخذه عندما ندخل في معركة أو نستجيب لانفعال أو يصدر عنا أي تصرف، بأن يكون مدروساً ومحسوباً جيداً، حتى لا نخسر رصيداً جمعناه وتعبنا في جمعه.

 

فنحن أحوج ما نكون إلى ذلك حين نقف بين يدي الله، حيث الجزاء مرهون بثقل الحسنات: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}.. لا أن نقول، كما يقول الكثيرون حين يرون أيديهم خالية من عملة الآخرة: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}. ومتى التزمنا بأمر الله، سنكون أقدر وأحرص على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي لم تهدأ بعد فيه العاصفة السياسية على خلفية مرسوم الأقدمية للعام 1994، والتي هي أشد من العاصفة المناخية التي تضرب لبنان هذه الأيام، لما تتركه من تداعيات على استقرار البلد السياسي، وعلى التوازن المطلوب بين الطوائف، وعلى صورة القضاء الذي كنا نريد أن لا يقحم في أي سجال سياسي، وأن لا يكون موضع شبهة، بحيث توجه إليه السّهام.

 

لقد أصبح واضحاً أنّ هذا الجو السياسي العاصف لن يهدأ سريعاً، كما هو الجو المناخي، بل سيستمر لعدم وجود مرجعيّة حلّ تنهي هذا الخلاف، وتعيد البلد إلى استقراره، وإن كنا سنبقى نؤكد أن مرجعية الحل ينبغي أن تكون في المؤسسات التي يلتقي فيها الجميع.

 

إنَّنا لسنا من الذين يقلّلون من تداعيات هذا المرسوم، حتى يقال إن الدنيا تقام ولا تقعد من أجل أقدمية بعض الضباط، ويحصل للبلد كل ما يحصل، فالحدث يحمل أبعاداً تستحق التوافق عليها ومعالجتها، حتى نحفظ التضامن الذي نريده في هذا البلد، ولا سيما في ظرف حساس يعيشه لبنان والمنطقة من حوله.

 

إنّنا نراهن على حكمة القيادات في لبنان، والتي تجلت في معالجة ملفات سابقة، بأن تتجلّى في هذا الملف، لعودة الانتظام العام إلى عمل المؤسّسات، وتخفيف أجواء التوتر والتشنج التي أصبحت طابع الخطاب السياسي خارج المؤسسات الدستورية أو داخلها، ما ينعكس سلباً على هذا البلد.

 

إنَّ هناك الكثير من الملفات التي تنتظر، ولا يمكن أن تعالج إلا بالاستقرار والهدوء، ولا سيما القانون الانتخابي، الذي لا بد من أن ينجز بشكل كامل، وأن تعالج كل العوائق التي قد تعترض تنفيذه، فإن لم تعالج، ستكون باباً ينفذ منه الذين لا يريدون لهذا الاستحقاق أن يتحقق. ولا بد من أخذ الملف الأمني بعين الاعتبار، وهو الذي عاد إلى الواجهة من خلال عملية الاغتيال الفاشلة في صيدا، التي تحمل بصمات العدو الصهيوني، أو من خلال التحذيرات التي صدرت عن أكثر من دولة لرعاياها، بتجنب كثير من المناطق اللبنانية، فلا يمكن إلا أن تحمل على محمل الجد.

 

إنّ لبنان لا ينبغي أن ينام على حرير الأمان الذي نعيشه، والرغبة الدولية في استقراره، في عالم لم يعد الأمان بيد أحد معيّن، فلا يزال البلد عرضة للتهديد من الجماعات الإرهابية وخلاياها النائمة، التي تنتظر أية غفلة من القوى الأمنية أو أي توتر سياسي أو أي اعتداء من العدو الصهيوني أو من العابثين بالأمن الداخلي من المجرمين أو المعتدين على المؤسسات المصرفية أو الاقتصادية.

 

فلسطين

وبالانتقال إلى فلسطين المحتلة، لا بدَّ من أن نتوقف عند المقررات التي انتهى إليها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، رداً على إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة للكيان، حيث قرر المجلس أن "الفترة الانتقالية التي نصّت عليها الاتفاقات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن لم تعد قائمة".. ونحن في الوقت الذي نقدر هذا الموقف، نريد له أن يتجسد بإعلان نفض اليد كليّاً من هذه الاتفاقات، وعلى رأسها اتفاق "أوسلو"، الذي كبّل الفلسطينيين، وترك الهامش كله للاحتلال ليعبث بالأراضي والمقدسات وبالإنسان الفلسطيني، وإلغاء الاعتراف بالكيان الصهيوني.. لأننا نعتقد أن المرحلة الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، تحتاج إلى قرارات جريئة وحاسمة بمستوى هذا التحدي، لا إلى توصيات تبقى حبراً على ورق.

 

إننا نريد للقيادات الفلسطينيَّة أن ترتقي إلى مستوى آمال شعبها وطموحاته، وهو الذي لم يخذلها طوال تاريخه، ولا يزال حاضراً في أي موقف يحتاج إلى تضحية وبذل دم، رغم كل ما يعانيه هذا الشعب.

إن الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون إلى أفعال وقرارات، وإلى دعم ينعكس على الأرض، لا إلى مؤتمرات وقرارات سرعان ما تنتهي بانتهاء الاجتماعات فيه.

 

سوريا

وإلى سوريا، التي لا تزال محل تجاذب بين القوى الدولية والإقليمية، وموقعاً للصراع فيما بينها، ينعكس على وحدة هذه البلد وعلى الاستقرار الذي ينتظره الشعب السوري. إن ما يحصل ينبغي أن يدعو الشعب السوري إلى اليقظة والوحدة، لمنع البلد من أن يكون جبنة تقسم في مواقع القرار على حسابه، وأن يكون مطية لأحد، تحت عنوان تأمين مصالح قومية أو طائفية أو أية اعتبارات سرعان ما تظهر الأيام عدم الجدية فيها، وأن السوريين لم يكونوا سوى أدوات لتنفيذ مشاريع خاصة. 

 

 

وأخيراً، أمام الأرقام الخطيرة التي تتوالى من اليمن عن حجم الكارثة التي قد تصيب شعباً بأكمله، وأمام عجز الأمم المتحدة التي تكتفي بدور المراقب الذي يصدر بياناً كل مدّة حول ما يصيب اليمنيين من كوارث وأضرار وأمراض، نجدّد الدعوة إلى وقف هذه الحرب العبثية المجنونة التي ستؤول إلى كوارث، ليس على اليمن وحده، بل على العرب والمسلمين جميعاً، الذين بات عليهم أن يتداعوا لوقفها من الآن.. ونحن نتساءل: لماذا يتحدث بعض العرب عن سلام الشجعان مع العدو فقط؟ ولماذا لا نتحدث عن السلام في ساحاتنا الداخلية وبين بعضنا البعض؟!

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :2 جمادي الاولى 1439هـ الموافق:19كانون الثاني2018م

 

Leave A Reply