الإمام الرضا(ع): قدوة في تربية الأبناء

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}..

 

استعدنا في الحادي عشر من شهر ذي القعدة واحداً من هؤلاء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهو الإمام علي بن موسى الرضا(ع).. فكان كما أراده الله أنموذجاً وقدوة لنا.. عبرت عنها ألقابه حيث لقب بالزكي والوفي والرضا الذي يعني أنه بلغ الرضا عن الله والرضا عند الناس بعد أن بلغ قلوبهم والأفئدة..

 

ونحن اليوم سنتوقف عند حديث ورد عنه يحمل الكثير من الدلالات والعبر:

فقد روى الشيخ الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا(ع): أن الإمام الرضا أرسل وخلال وجوده في خراسان إلى ولده الإمام الجواد(ع) والموجود في المدينة آنذاك رسالة قال له فيها: "يا أبا جعفر (لاحظوا أسلوب الإمام كيف كان يخاطب ولده بكل احترام، فقد كان يكنيه رغم صغر سنه)، بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنّما ذلك من بخل منهم، لئلّا ينال منك أحد خيراً، وأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلّا من الباب الكبير (حيث الناس) فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضّة، ثمّ لا يسألك أحد شيئاً إلّا أعطيته.. إنّي إنمّا أريد بذلك أن يرفعك الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً"..

 

قال الله سبحانه: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}..

 

لقد أظهرت هذه الرسالة مدى حرص الإمام(ع) على توجيه ولده (الإمام الجواد(ع)) ورعايته، فهو أرسل إليه رسالة من حيث هو في خراسان إلى المدينة المنورة ونحن نعرف مدى بعد المسافة بينهما وحيث لم تكن وسائل نقل كما هي الآن..

 

وضمن ظروف سياسية دقيقة لا ليسأله كما يسأل الآباء عن صحته، أو عن طعامه وشرابه ولباسه أو عن وضعه الأمني وما إلى هنالك.. بل كان ما يشغل بال الإمام أنه بلغه أن موالي ولده كانوا يحرصون عندما يخرج إلى أي مكان يقصده أن يخرجوه من الباب الخلفي حيث لا يلتقي بالناس..

 

وهذا بالطبع لم يكن من توجيهات الإمام الرضا(ع) لهم أو بطلب من الإمام الجواد(ع)، بل اعتقاداً من الموالي أنهم يريحون الإمام وهو صغير السن حتى لا يلتقي بالناس وخصوصاً الفقراء والمساكين وطالبي الحاجة الذين كانوا يلجأون إلى أهل البيت(ع)..

 

ولذلك حرص الإمام الرضا(ع) على أن يبلِّغ هذا الأمر وأن يدعو ولده ليطلب ممن يواكبونه في تنقلاته أن يخرجوه من الباب الكبير.. حتى يكون جاهزاً لمساعدة الناس فلا يتأخر عنهم في حاجتهم.. وهذه هي صورة أهل البيت(ع) التي بينها القران الكريم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}..

 

وقد بين الإمام الرضا(ع) الغاية الأخروية من كل ذلك، هو ما قاله: "إنّي إنمّا أريد بذلك أن يرفعك الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً".

 

فالإنفاق هو الوسيلة التي يبلغ بها الإنسان ما عند الله، فالله يريد للإنسان المؤمن أن ينفق، أن لا يكون بخيلاً أو أنانياً أو أن لا يبالي بمعاناة من حوله.. ولذلك عندما تحدث عن علامات المؤمن قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}..

 

وأكد أن الإنفاق يجزي به الله وفائدته تعم المعطي لا الفقراء والمساكين فحسب.. ولذلك ورد أن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد العبد {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ..}.. {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}..

 

ومن وصية الإمام علي(ع) لولده الحسن(ع): "إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فانفق في حق ولا تكن خازناً لغيرك".. "طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله".

 

ولذلك نقول إن أفضل نذر ننذره وأفضل عمل نقدمه لأهل البيت(ع) هو أن نطعم على اسمهم فقيراً أو أن نأوي يتيماً أو نساعد في حل مشكلة إنسان..

 

ولذلك نقول إن من أولويات صرف المال الذي نراه في المقامات هم الفقراء الذين يحيطون بمقام الإمام(ع) لأنه لو كان موجوداً لما تركهم، بل عمل لتخفيف معاناتهم وسد حاجاتهم..

 

أيها الأحبة.. إن أحوج ما نكون في ذكرى ولادة الإمام الرضا(ع) أن نستهدي هذه القيمة التي تحمل التعبير العملي والحقيقي عن كيفية إحياء أمره.. فباستلهام كلماته ومواقفه نحيي أمره.. بقوله إن: "يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا".. ومما نستلهمه من الرواية التي ذكرناها إضافة إلى فضيلة العطاء والإنفاق في سبيل الله أيضا أن نلتفت إلى أولادنا – مع اختلاف المقام بين الائمة المعصومين ومقامنا – أن نتابعهم في تصرفاتهم كل ما قد يترك أثراً في سلوكهم وأخلاقهم أو على إيمانهم..

 

وأن يكونوا شغلنا الشاغل.. فلا يكفي حتى نعذر في مسؤوليتنا تجاههم أن نربيهم بأن نتابعهم في كل الطوارئ التي قد تطرأ عليهم فكما إذا أردنا أن نزرع زرعاً لا نكتفي أن نحرث الأرض ونضع فيها البذور، بل لا بد أن نتابعها ونزيل منها الآفات والحشائش حتى تنتج ثماراً.. وكثيرة هي المؤثرات التي قد تؤثر فينا وهي بالطبع تؤثر فيهم…من النفس الأمارة بالسوء ووسوسوات الشيطان ورفاق السوء وما إلى ذلك.

 

إن حرصنا لا بد أن يبلغ حرص الإمام الرضا(ع) الذي كان وهو بعيد عن ولده يوصيه وهو لم يتابعه لأخطاء ارتكبها كما بينا ومن الطبيعي أن لا تصدر أخطاء عن الإمام المعصوم(ع)، بل أن يرتقي به ليكون الأفضل، أن نقوم بهذا الدور ورغم كل ضغوطات الحياة ومشاغلها.. وبالطبع مشاغلنا لا تبلغ مشاغل الإمام الذي كان إماماً وولياً للعهد وكانت هناك أمامه الكثير من التحديات ومع ذلك لم يغفل دوره تجاه ولده.

 

إن عدم تواصلنا مع أولادنا هو الذي يجعلنا نكتشف بعد فترة من الزمن أن أولادنا هم في عالم آخر، قد تغيروا وتبدلوا.. فالولد الذي يترك الصلاة ويعلن ذلك وبعد أن يكون تربى عليها لم يحصل ذلك منه فجأة.. بل بعد تعرضه لمؤثرات وتساؤلات لم يجد الحضن الذي يستوعبه ليجيبه عنها، فتلقفه الانحراف ليبلغ به إلى ما يريد.. وكذلك الفتاة التي تترك الحجاب، فهي لم تتركه الآن فقط أو تغير رأيها فيه بل بعد زمن طويل كانت تثار فيه تساؤلات وشكوك عن معناه، عنه وكانت تترك أثرها فيها، لكنها لم تلق اهتماماً بمن يصوب مسارها من الأهل والأخوة..

 

وكذلك الأمر في من يتعاطى المخدرات أو من يذهب إلى أماكن السوء، هؤلاء كانوا يتغيرون والأهل بعيدون عنهم لا يجالسونهم ولا يحاورونهم ولا يراقبون تغيرات أفكارهم أو تحولاتهم.. هم منشغلون عنهم باهتماماتهم فيما ينبغي أن يكونوا من أول الاهتمامات..

 

ولذلك نجد أن أول مرة توجه به الله إلى رسوله(ص) وقبل أن ينطلق بدعوته {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}.. لذا توجه أولاً إلى عائلتك..

وهذا ما نقوله الأقربون أولى بالمعروف والمعروف ليس هو الصدقات فقط كما قد تفسر بل المعروف يمتد إلى كل كلمة حسنة أو توجيه صائب أو نصح وعون.

 

لذلك نحن مدعوون وانطلاقاً من تربية الإمام الرضا(ع) لنا إلى أن نعيد الاعتبار إلى أسرنا.. وأن لا يشغلنا عنها أي شاغل أن نقوم بمسؤولياتنا تجاهها أن لا ندعها تتحرك إلى حيث لا نرغب..لقد حذرنا الله أيما تحذير من اهمال هذه المسؤوليات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}..

 

ووعدنا بأفضل الثواب عند نجاحنا في إصلاح الأهل والأولاد {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}..

 

وقد ورد في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع): "وأما حق ولدك: فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه"..

 

وورد في الحديث أن الله برحمته يثيب الأهل على إيفاء حقوق الأولاد: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به، وصدقة جارية"..

 

ودائماً نذكر قصة السيد المسيح(ع) عندما مر على قبر يعذب صاحبه ثم مر عليه في العام القابل، فإذا رفع عنه العذاب.. فسأل الله عن ذلك فأخبره الوحي أنه ولد له ولد فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بسبب ولده..

 

ولذلك أولادنا هم ذخرنا في الدنيا بين الناس وهم ذخرنا عندما نقف بين يدي الله سبحانه.. وهم أمانة عندنا، ليسوا امتيازاً لنا، فنحن نُبتلى بهم ونختبر.. ولذلك من واجبنا أن نقوم بمسؤولياتنا تجاههم بأن نبني شخصياتهم الفكرية والثقافية والروحية والإيمانية والاجتماعية بحيث تؤهلهم ليكونوا خيراً لمجتمعهم وواقعهم. هذا درس من دروس الإمام الرضا(ع) به نعبر عن حبنا وولائنا.. وبه نغير واقعنا.

 

والسلام عليه يوم ولد ويوم انتقل إلى رحاب ربه ويوم يبعث حياً.

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرضا (ع) أحد أصحابه، وهو إبراهيم بن أبي محمود، عندما جاء إليه يقول: "إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين (ع)، وفضلكم أهل البيت (ع)، أفندين بها ونلتزم بها؟"، فقال له: "يا ابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده (ع) أنَّ رسول الله (ص) قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإنّ كان الناطق عن الله عزّ وجلّ، فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس"، فانتبه حتى لا تكون ممن يصغي إلى الشيطان.

 

ثمّ قال (ع): "يا ابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا.. أي إذا ورد عنَّا سبّ، فإنَّ الأعداء يتخذونه ذريعةً لسبّنا.. يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنّه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه.. يا ابن أبي محمود، إنَّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة نواة"، أي أن يغيّر حقائق الأشياء.

هي دعوة من الإمام الرضا (ع) إلى أن ندقّق جيداً في الأخبار التي ترد إلينا عن الأئمة (ع)، وأن نتأكّد من صدقيّتها، حتى لا نقع في حبائل من يزورون الحقائق، أو نقع في الغلو أو التقصير، أو أن نكون سبباً في الإساءة إليهم، لأنَّ من يسبّ مقدسات الآخرين أو يلعنها، فسيتسبب بسبّ مقدساته ولعنها..

 

ومتى التفتنا إلى كل ما نسمعه أو نقرأه ووعيناه، نكون أكثر وعياً ومسؤوليةً، وبذلك نحفظ أئمتنا (ع)، ونواجه التّحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان الّذي طوى في الأيام الأخيرة فصلاً من أبرز فصول معركته مع الإرهاب، باقتلاع جذوره من جرود عرسال، وبعودة الأسرى سالمين إلى أهاليهم وإلى ربوع وطنهم..

 

لقد أصبح واضحاً أنّ هذا الإنجاز ما كان ليحصل لولا التكامل بين الجيش اللبناني المعني بحماية حدود الوطن وسياجه، والمقاومة التي تبقى سنداً له، وهي بالطبع ليست بديلاً منه، والاحتضان الشعبي الذي نجده لأيّ معركة تحفظ الوطن، والَّذي نريد له أن يستمر في مواجهة تحديات الإرهاب شرقاً، والعدو الصهيوني جنوباً.

 

إنَّ اللبنانيين معنيون في هذه المرحلة، كما كل المراحل اللاحقة، بالوحدة، لأنّنا نخشى دائماً، وبعد كلِّ إنجاز، من الذين يدخلون على خطهم، ليعبثوا بوحدتهم، وليزيلوا الآثار الإيجابية التي أنتجها هذا الإنجاز.

 

لقد أكَّدنا سابقاً، ونؤكّد اليوم، أنَّ اللبنانيين قد يختلفون في النظر إلى القضايا الإقليميَّة وأسلوب التعامل معها، كما هو الأمر في التعامل مع ما يجري في سوريا أو العراق أو اليمن أو غير ذلك من القضايا، ولكن ما ينبغي أن يتَّفق عليه الجميع، هو الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الأخطار المحدقة بهذا البلد، والتي قد تشكل تأثيراً في أمنه واستقراره.

 

ولذلك، إنّنا نثمّن كلّ الأصوات التي انطلقت من المواقع الأساسيَّة، ودعت إلى تحييد البلد عن القضايا التي يختلف عليها. من هنا، ندعو كلّ القوى السياسية في هذا البلد إلى أن لا يضيعوا الإنجاز الَّذي تحقَّق، أو يعبثوا بهذا الشّعور العارم لدى اللبنانيين بالثقة بأنفسهم وبقوّتهم وعزتهم وعنفوانهم، بإثارة هواجس ومخاوف لا واقعية لها من هذا الفريق أو ذاك، أو طرح سجالات حول قضايا يعرف الجميع أن لا جدوى من الحديث عنها وطرحها، سوى المزيد من الانقسام الداخلي وتشتّت طاقاتهم.

 

هناك الكثير من التّحدّيات التي تنتظر هذا البلد، حيث يكثر الحديث عن ضغوط سياسية وعقوبات مالية، ونحن لا ننفي أنَّ بعضها للتهويل، وهي إن حصلت، فلن تقف نتائجها عند طرف من الأطراف أو طائفة أو مذهب، بل ستترك آثارها في الجميع، فلا يظننَّ أحد أنَّ إضعاف فئة من اللبنانيين، أو طائفة، أو مذهب، أو موقع سياسيّ، سيؤدي إلى قوة الآخر، بل إنَّ الجميع سيتأثرون بها، لأنَّ الجميع، شاؤوا أم أبوا، في مركب واحد.

 

ولهذا، نقولها للبنانيين، وقبل أن يفوت الأوان: تلاقوا وتواصلوا وتحاوروا، فلا ينبغي أن يكون هناك ممنوعات في الحوار الداخلي، وليس هناك بديل من الحوار، لكنّ ما نريده دائماً هو الحوار الجاد والموضوعي.. كي نتّقي الأخطار الحالية والقادمة، فنحن نعيش في عالم لن يقلع فيه أحد أشواكنا إن لم نقلعها بأنفسنا، ومن خلال وحدتنا.

 

وفي هذا الوقت، تعود الملفّات الدّاخليَّة إلى الواجهة، وخصوصاً أزمة الكهرباء الَّتي نريد لها حلاً قريباً يخفّف من الأعباء على اللبنانيين، ولكنَّه الحلّ الناجع والشّفاف، كما نؤكّد ضرورة التعاطي بمسؤولية مع قضية الرتب والرواتب التي أثيرت مجدداً مع الحديث عن المفاعيل السلبية لها على مستوى مالية الدولة أو على أغلبية المواطنين، إن على صعيد ارتفاع أسعار الحاجيات الضرورية أو ارتفاع الأقساط المدرسية.

 

ونحن في ذلك، نعيد التأكيد على ما قلناه سابقاً، بأنَّ إقرار سلسلة الرّواتب حقّ للموظفين وللمعلمين، ولكنَّنا كنا دائماً نشدّد على أن يواكب ذلك بمعالجة الفساد والهدر، والتسريع بإنجاز الخطة الاقتصادية، إنعاشاً لميزانيّة الدّولة، وبما يحول دون فرض الضرائب التي تلحق الضَّرر البالغ بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، عندما تحملهم أعباء ليسوا قادرين على حملها، وهذا ما ندعو إلى معالجته وإعادة النّظر فيه.

 

اليمن

وإلى اليمن؛ البلد الّذي اكتوى بنيران الحرب الَّتي بات الجميع يعرفون أن لا أفق لها، ولن تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والخراب لهذا البلد، كما يعرفون أنَّ الذي يدفع فاتورتها هو الشّعب اليمني الَّذي لم يعد ضحيَّة للحرب فقط، بل للأمراض الخطيرة التي تسبّبت بها، وخصوصاً مرض الكوليرا الَّذي يحصد مئات الآلاف.

 

أيّها العرب، أيها المسلمون، نحن أمام شعب مهدّد بمصيره، وأمام بلد تأكله النيران، كما تأكله الأمراض، ولذلك، لا بد من أن يتحمل الجميع مسؤوليته في العمل لوقف هذه الحرب العبثية وتداعياتها التي لن تقف عند حدود اليمن، بل ستتعداها إلى المنطقة كلها.

 

إنَّنا في هذه المنطقة من العالم، والتي، مع الأسف، صرنا وقوداً لحروبها، ندعو إلى الإسراع في الخروج من سياسة إنتاج الأزمات الَّتي اعتدناها، وإلى إنتاج الحلول والتوافقات، وإن كان هذا لا يبدو سهلاً، بعدما أصبح الجميع يكتوون بلعبة الكبار، وخصوصاً أنّ العالم المستكبر يريد أن يبقى العالم العربي والإسلامي تحت وطأة الحروب والاستنزاف التي يجني منها الكثير.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 12 ذو القعدة 1438هـ الموافق:4 آب2017م

 

 

Leave A Reply