الحج تأكيد للإيمان وانطلاق للفضاء الإنساني الأوسع

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
 
الخطبة الأولى
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}. صدق الله العظيم.

 

عندما أتى النداء من الله إلى نبيه إبراهيم(ع) بعدما انتهى من رفع قواعد البيت مع ولده إسماعيل(ع)، {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، فسأل ربه كيف ذلك وصوتي لا يصل إليهم، قال: عليك النداء، وعليّ البلاغ… تذكر الرواية أن إبراهيم وقف على جبل الصفا وقال بأعلى صوته: "أيها الناس قد اتخذ الله لكم بيتاً فحجوا إليه"، وانتشر النداء في الأرجاء… ومنذ ذلك الوقت والناس يفدون برغبة وشوق وحنين إلى البيت زرافات ووحداناً لا يمنعهم عن ذلك مشاق الطريق وبُعد السفر ولا حرارة مناخ ولا أرضها الجرداء القاحلة…

 

 لقد أودع الله في النفوس جاذبية لهذا البيت.. وقد أخبرنا الله سبحانه عن ذلك عندما سمى مركز البيت وهو مكة أنها أم القرى كما قال لرسوله(ص): { لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}، فمكة بمثابة هي الأم التي ينجذب إليها أولادها وتحتضنهم…

 

وقال تعالى في آية أخرى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً..}… فالبيت هو مثابة، أي المكان الذي يرتاح إليه الإنسان ويطمئن فيه، ولذا هو دائم التردد إليه… وهذا فعلاً ما يشعره كل راغب إلى الحج… فنجد الناس يحجون إلى بيت الله رغم معرفتهم بالمشقات والصعوبات والأخطار كما شهدنا في العام المنصرم بل ويمنون النفس بالحج في كل عام لو سنحت الفرصة والظروف.. ويكفي للدلالة على ذلك جموع المنتظرين لأداء هذه الفريضة..

 

وهذا البيت ــ كما هو مرجح ــ قديم قدم البشر على وجه البسيطة… هو وجد مع وجود آدم، وقد أشار أمير المؤمنين(ع) إلى ذلك، وإلى الحكمة من وجوده في تلك البقاع القفرة: "ألا ترون أن الله اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار ما تضر ولا تنفع.. ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه..".. فآدم إذاً هو أول من بنى البيت الحرام، أما دور إبراهيم(ع) وإسماعيل(ع) فهو أنهما رفعا قواعد هذا البيت بعد تهدم بفعل عوامل طبيعية أو طوفان نوح…

 

فقد شاء الله سبحانه وتعالى لهذا البيت أن يكون أول بيت وضع للناس للعبادة وإلى ذلك أشار سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}.

 

فرمزيته أنه أول بيت عبد الله سبحانه، المكان الذي يتوحد عليه المسلمون فهو وجهتهم في صلواتهم حيثما كانوا.. وعنده يلتقون عندما يفدون إليه من شتى بقاع الأرض للطواف والصلاة والذكر والدعاء والاستغفار.. وقد بين الله سبحانه بعضاً من تكريمه لهذا البيت عندما قال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}.

 

فهذا البيت له ميزة أنه كثير البركات التي تغمر كل الذين يفدون إليه، الطائفين والمصلين والناظرين إليه واللائذين به..

فقد ورد في الحديث: "إن لله في كل يوم وليلة مائة وعشرين رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين إليها أي إلى الكعبة".

وقد ورد في الحديث: "من قصد هذا البيت حاجاً أو معتمراً، رجع طاهر الذنوب كيوم ولدته اُمّه"..

وقد ورد في ثواب الصلاة في هذا البيت أنها تعادل مئه صلاة.

 

وهو المكان الذي يستجاب فيه الدعاء والاستغفار حيث يكون الإنسان فيه أقرب إلى ربه..

 

وميزة أخرى أضافها الله لهذا البيت، أن جعله حرماً آمناً، بعد أن استجاب لدعوة النبي إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِناً}.. وتجلى ذلك في حماية الله لهذا البيت وحفظه من كل طاغية، وهو ما حصل لأبرهة عندما جاء إلى هذا البيت بجيش جرار قاصداً هدمه ليوجه الناس إلى غيره.. فأرسل الله على جيشه طيراً أبابيل رمتهم بحجارة من سجيل فأهلكتهم..

كما تجلى هذا الأمان في أن من يدخل إلى البيت ينعم بالسلام والأمن بموجب التشريعات الإلهية التي أكدت أنه لا يجوز التعرض لأحد في هذا البيت بسوء.. وإلى ذلك أشار الله سبحانه: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِناً..}..

 

وما زاد من قيمة هذا البيت أن جعل الله بعض مواقعه ساحة لاستدرار الرحمة الإلهية كالحجر الأسود ومقام إبراهيم والحطيم تحت مزراب الرحمة حيث تتحطم الذنوب، وتميزت الفريضة فيه أنها جامعة الفرائض فريضة الحج تجمع الصلاة والصوم والدعاء والذكر وبذل المال والتضحية.. وقد فرضها الله على كل مستطيع واعتبر تركها كفراً وإخلالاً بإيمانه، وأن من تركها مستطيعاً "مات على غير دين الله" حسبما جاء عن رسول الله(ص).

 

ولقد تميزت هذه العبادة بسعة معانيها وآفاقها فهي عبادة تربطك بالتاريخ حيث تعيش فيه آفاق الرسالات السماوية فتستحضر منها في ذاكرتك آفاق النبي إبراهيم(ع) ومنطلقاته وتطلعاته، عندما كان يرفع قواعد البيت كما يقول الله سبحانه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.. ثم يتوجه إليه يفكر بمستقبل الدين الذي حمله {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}..

 

ويستحضر في رحاب هذه الأرض الطاهرة مكة والمدينة.. تاريخ رسول الله(ص) في كل الأمكنة والمحطات التي عاشها والحروب التي خاضها، لنأخذ من ذلك زاداً في الروح والقوة والعزة.. وفيه تؤكد عبوديتك لله وحده… عندما تعلن الولاء له لا لسواه… وتقول لبيك اللهم لبيك… لبيك لا شريك لك لبيك…وأنت تلبس ثياباً لا تستسيغها وتصوم عن الشهوات…

 

وعندما تطوف حوله تؤكد أنك لن تطوف حول غيره ولن تسعى إلا اليه… وأنك ستقف حيث يريدك أن تقف… وتبيت حيث يريدك أن تبيت حتى لو كان على حسابك.. وأنك ستضحي من أجله ولن تهادن شيطان نفسك ولا شياطين الإنس من حولك.

 

  ومن مظاهر العبادة في هذا الموقع، أنها ملتقى المسلمين ومكان اجتماعهم الأعظم، يتعارفون فيه ويتواصلون ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ويتبادلون الرأي حول قضاياهم العامة.. لكن تبقى الفائدة الأهم والتي يلتقي عليها المسلمون هي في استثمار هذا المشهد المهيب حين ترى المسلمون يطوفون معاً ويسعون معاً ويقفون معاً ويرجمون الشيطان معاً.. حيث تتجلى في ذلك قوتهم وعزتهم ووحدتهم والتي أن أحسنوا استثمارها ليعززوا بها مواقعهم ويتعاونوا لأجل نشر قيم الخير والعدالة فأنهم سوف يكونوا في  مواقع العز التي يريدها الله سبحانه وتعالى  للمسلمين.

 

ولعل أهم وظائف الحج، هذا التواصل والترابط بين المسلمين بحيث يظهرون الصورة التي أرادها الله لهم عندما جعلهم أخوة… وأشار إليها رسول الله(ص) عندما قال "المؤمن للمؤمن كالبيان المرصوص يشد بعضها بعضاً" " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

 

وهذه الصورة هي التي أشار إليها أمير المؤمنين(ع) عندما قال في وصيته "الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم فأنه أن ترك لم تناظروا وعندما قال "الحج تقوية للدين"…لكننا مع الأسف لم ندرك معنى هذه الفريضة بعمقها… وإلا هل يمكن أن نطوف معاً ونسعى معاً ونقف معاً ونضحي ونهزم الشياطين معا فيما صورتنا حتى ونحن في الحج على غير ذلك … تتلاعب بنا الفتن ويتلاعب بنا الآخرون… وبدلاً من أن نرجم الأعداء نرجم بعضنا بعضاً.

 

لقد كان حرص رسول الله(ص) كثيراً على تعزيز هذه القيم التي يحملها الحج في نفوس المسلمين عندما وقف وسط الحجيج قائلاً لهم: "أيها الناس أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في عامكم هذا… إلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم بعضاً"…

 

ولهذا أراد الله أن يتزود كل المسلمين حجاجاً وغير حجاج من هذه الأيام المباركة، ومن هنا جعل الله إحياء يوم عرفة ويوم العيد عاماً وشاملا لكل المسلمين، حتى نواكب الحج ونحصل على النتائج المعنوية الكبيرة التي ترتقي بها إلى خير الدنيا من الآخرة.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالاقتداء بالنبي إبراهيم (ع) في تعامله مع ربّه، عندما أمره بأن يذهب إلى مكة، ولم يكن فيها زرع ولا ماء ولا أي سبل من سبل الحياة الكريمة.. وأن يترك زوجته هاجر وولده الرضيع إسماعيل، ويعود إلى حيث كان يسكن في فلسطين.. طبعاً، لم يكن آنذاك ثمة وسائل تواصل أو وسائل نقل حديثة، حتى يعود إليها ساعة يشاء أو عند الحاجة.. ولكنّ النبي إبراهيم (ع)، ومن دون تردد، نفّذ أمر ربه، وهو الذي كان يثق به أكثر من ثقته بنفسه. ولما أراد الانصراف، تعلَّقت به زوجته وراحت تبكي، فكيف يتركها في هذه الأرض الجرداء القاحلة، التي لا يوجد فيها بشر أو طعام أو ماء!

 

وإذا كانت زوجته تستطيع تدبير نفسها، فكيف حال ولده، وهو رضيع، عندما يجوع ويعطش أو يمرض! فقال لها: الذي أمرني بذلك هو ربي، وأنا واثق بأنه لن يخذلني ولن يخذلك… وغادر مكتفياً بالتوجّه إلى الله سبحانه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}..

 

وما هي إلا أيام قليلة، حتى نفد الماء، وجفّ حليبها، فراحت تعدو في الصحراء هائمة تبحث عن الماء بين تَلتي الصفا والمروة.. وما إن انتهت من أشواطها السبعة، حتى وجدت الماء يتدفّق من بين قدمي وليدها، فراحت تزمّه بيديها حتى لا يفور، ولذلك سمّي زمزم.. وكما أراد الله لهذا الماء أن يسقي الحجاج والوافدين إلى بيت الله الحرام، فهو أراد أن يؤكّد الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن بال أحد، بأنَّ من يثق بربه لا بدّ من أن يجده إلى جانبه.. وهذا ما نحتاج إليه، لنواجه التحديات والأزمات، وما أكثرها!

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث بدأ الجيش اللبنانيّ معركة إنهاء جيب داعش في جرود القاع ورأس بعلبك، وإن كانت في البداية تمضي بوتيرة بطيئة نسبياً تقتضيها ظروف المعركة وخططها.

 

وفي هذا المجال، نرى أهميَّة أن يقدم الجيش على هذه الخطوة، انطلاقاً من طبيعة دوره، والّتي يقف معه فيها كلّ الشعب اللبناني بطوائفه ومذاهبه ومواقعه السياسية.. وندعو إلى دعمه معنوياً وإعلامياً، وبكلّ سبل الدعم الأخرى التي يحتاجها. ونحن لنا ملء الثقة بقدرة الجيش وجدارته على خوضها وتحقيق الانتصار.. فهو لا تنقصه الخبرة ولا الكفاءة ولا المعنويات ولا الاستعداد.

 

نعم، كان ينقصه في السابق الغطاء السياسيّ الكافي، وقد تأمّن له الآن.. وحرصاً على تحقيق هذا الإنجاز، نعيد التّأكيد على ما قلناه سابقاً، بضرورة أن يبقى قرار الجيش اللبناني حراً، وأن لا يقيّد بأيّ قيود تجعل مهمّته صعبة ومعقّدة وغير عمليّة.

وبموازاة هذا التّحدّي، يبرز مجدداً العدوّ الصهيونيّ الَّذي يصرّ على استباحة السيادة اللبنانية والعبث بأمن هذا الوطن واستقراره من البر والجو والبحر، وقد تجلَّت هذه المرة باكتشاف جهاز تجسّس على أعلى القمم في لبنان في الباروك، وهو يهدف من ذلك إلى متابعة مجريات الداخل اللبناني على كلّ الصّعد، واكتشاف أية ثغرات قد ينفذ من خلالها.. ونحن نعرف أنَّ هذا العدوّ ينتظر أية نقطة ضعف في الداخل اللبنانيّ، لينقضّ من خلالها، ويثأر لهزيمته.

 

وهذا ما ندعو اللبنانيين إلى وعيه، لأنَّ هناك من يستكين لهذا العدوّ. ولذلك، نراه على استعداد لأن يفرّط بمواقع الردع التي يملكها، سواء كانت قوة الجيش اللبناني وإمكاناته أو المقاومة.

 

في هذا الوقت، يبقى لبنان عرضة للهزّات الداخليّة الّتي تتّصل بأمنه الاجتماعيّ والاقتصاديّ، حيث يعاني الواقع اللبناني من تنامٍ في أزماته الاجتماعيّة، وترهّل في الواقع الاقتصادي الذي وصل إلى حافة الانهيار.. وهنا، ندعو مجدداً إلى إعطاء الأولويّة لإعداد خطط اقتصاديّة متكاملة ذات أبعاد إنمائية واجتماعية، تقترن بمعالجة فاعلة وجادة لكلِّ ألوان الفساد أو الهدر، بعد أن استهلك الناس أسماعهم لسنوات طويلة في ترديد السياسيين لمعزوفة الإصلاح، من دون أن يروا أيّ أثر له في الواقع، بل إنهم يشهدون كلّ يوم المزيد من فضائح الفساد والهدر، وليس هناك حسيب أو رقيب.

 

ومن المؤسف أن يستمرّ التجاذب السياسيّ حول الزيارة التي قام بها بعض الوزراء إلى سوريا، والتي كنا نريد أن تتمّ بقرار من مجلس الوزراء.. وإن كنا نأمل ألا يساهم في تعقيد العلاقات بين مكونات الحكومة، بما يؤثر في الاستقرار الداخلي، وخصوصاً بعد أن بات واضحاً أن تقييم الواقع في سوريا والنظرة إليه، هو نقطة خلاف سابقة، وستبقى إلى أن تنتهي الأزمة في سوريا، وكما استطاعت الحكومة أن تتجاوز الكثير من النقاط الخلافية السّابقة، حرصاً على المصلحة الوطنية، فهي تستطيع أن تتجاوز هذه النقطة، وأن تستثمر البعد الإيجابيّ الّذي قد يحصل منها، مما يتّصل بمصالح اللبنانيين الاقتصاديّة والتجاريّة.

 

إنّ قناعتنا مما يجري في سوريا، وبعيداً عن الموقف السياسي لهذا الطرف أو ذاك، أن لا خيار إلا التواصل بين لبنان وسوريا، لطبيعة الترابط بين البلدين، ويكفي أن سوريا هي المنفذ البري الوحيد للبنان.

 

 

أما موضوع الكهرباء، فقد آن الأوان لإنهاء التجاذب بشأنه، لئلا تتواصل باستمراره معاناة اللبنانيين، ونحن نعتقد أنَّ سبل الحلول الناجعة والشفافة متاحة، إن صدق المسؤولون، وتمسّكوا بالمصلحة الوطنية على حساب مصالحهم الفئوية.

 

موسم الحجّ

في هذا الوقت، يستعدّ العالم الإسلامي لتلبية نداء الله، وأداء فريضة الحجّ التي تجمع المسلمين من كلّ أقطار العالم في رحاب البلد الآمن، في مشهد مهيب يعبّرون فيه عن عمق وحدتهم وتلاقيهم، رغم اختلاف ألوانهم وبلدانهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية.

 

 

وانطلاقاً من أجواء هذه الفريضة ومعانيها، ندعو المسلمين إلى أن يتبصّروا جيداً في مواقفهم، وما وصلوا إليه، وما آلت إليه أمورهم ومصيرهم، بأن ينقلوا مشهد الحجّ إلى بلدانهم، كما في العراق أو اليمن أو البحرين أو قطر أو مصر أو لبنان وغيرها، وأن يتلاقوا ويقفوا معاً.. ونحن نعتقد أنّهم عندما يتلاقون بصفاء النية، وبعيداً عن تدخّلات أعدائهم، فسيكون المجال واسعاً لحلّ مشاكلهم، كما أنّ الكثير مما هو مزروع في أذهانهم مذهبياً أو سياسياً أو غير ذلك، يمكن التفاهم عليه وإيجاد الحلول له، وبالتالي، لا خيار لهم إلا العمل معاً، وإلا هم ذاهبون إلى المجهول الذي يصنع لهم.

 

العمل الإرهابي

 

وأخيراً، فإنّنا ندين العمل الإرهابيّ الّذي حصل في إسبانيا، والذي أتى ضمن سلسلة عمليات إرهابية ضربت بوركينا فاسو، وأودت بحياة بعض اللبنانيين، وقبلها نيجيريا وأفغانستان، ما يشير إلى مدى الخطر المتنامي لهذه المنظّمات الإرهابية، التي صار جلّ همّها أن تشوّه صورة الإسلام والمسلمين، وأن تربك علاقتهم مع الغرب، لحسابات لا تصبّ إلا في خدمة أعدائهم.

إنَّنا أحوج ما نكون إلى الوقوف في وجه هذا العقل التدميريّ، ومواجهة أصوله وقواعده الفكريّة ومنطلقاته السياسيّة، التي لا تنتمي إلى الدّين وأصالته أو إلى القيم الإنسانيّة بشيء.

 

 

Leave A Reply