الزهراء القدوة: الصورة المشرقة للمرأة المسلمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

ما تمنّى غيرها نسلاً ومن   يلد الزهراء يزهد في سواها

 

حين نذكر فاطمة الزهراء(ع) انما نتحدث عن معدن الرسالة، ونور النبوة، ومشكاة العلم، ومورد الفضائل ومكارم الأخلاق، فهي الصدّيقة، الطاهرة، العالمة، الزاهدة، العابدة، الورعة، التقية النقية المعصومة..سيدة نساء العالمين.

 وعظمة الزهراء أنها القمة في العبودية لله، والطاعة له والحب، والرحمة، وعشق العطاء والبذل حتى الذوبان فيه، وإلاً ما معنى ان يُسميها والدها(ص) أمَّ أبيها؟

تُرى، كيف يمكن لبنت ان تكون أمّاً لرجل جاء ليعلّم الناس كيف تكون الرحمة وكيف يتراحمون ويتكاملون؟

بمقاييس البشر العاديين، ترتقي البنت الى مقام الأم تجاه أبيها عندما تحبّه، وتكرمه، وتبرّه إلى حد الإيثار ونكران الذات. لكن حب الزهراء كان أكبر من ذلك، ورسول الله  لا ينطق عن هوى، إن هو إلاّ وحي يوحى حين يقول: فاطمة بضعة مني ، فاطمة روحي التي بين جنبي.  إن امومة فاطمة لأبيها ليست امتيازاً وكرامة لها فحسب، بل إشارة لدور لها في الرسالة فيه الضمانة لاستقامة الأمة واستمرار الرسالة وانسانيتها وكمالها من خلال ذريتها الطاهرة.

 و لقد شاء الله تعالى ان يقترن مولد فاطمة(ع) بالبعثة النبوية، وبالإعصار الذي أثارته قريش وعتاتها في وجه الرسول(ص)، وترعرعت وهي ترى ما يعانيه من اضطهاد وظلم، وكيف يتلوى ألماً من اجل عذابات المسلمين الأوائل.

وكم تجرعت الزهراء مرارة الصبر الذي يتجرعه أبوها، ويوم صبّ على رأسه أحد سفهاء قريش حفنات من التراب والأوساخ، عاد النبي(ص) الى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه، وجعلت تمسح رأسه وهي حديثة العهد بوفاة أمها خديجة، فالتفت اليها وعيناها تهمي بالدموع وقال: لا تبكي يا بنيّة، ان الله مانعٌ اباك وناصره على أعدائه.

لقد عاشت الزهراء حياتها القصيرة وهي لا تعرف غير العطاء. كانت الإنسانة التي لم تعش لنفسها لحظة واحدة، تماما ًكما تعلّمت في مدرسة النبوة ، فقد ملأت هذا العمر بالعلم والعبادة والتربية والتوجيه..وهي التي خرجت إلى مواقع الجهاد لتضمّد الجرحى وتسقي العطاشى، وهي من وقفت ضدّ الظلم والانحراف، عندما رفعت صوتها أمام نساء المهاجرين والأنصار ورجالهم، يوم تنكّروا لعليّ(ع) في أمر الخلافة.. ووقفت صارخةً في المسجد تضع النقاط على الحروف، وهي في كلّ ذلك، كانت أمينة على الإسلام أن يبقى قويّاً ولا يتعرّض لكيد الكائدين وانحراف المنحرفين…

 فيها نزلت الآية الّتي نزلت برسول الله(ص) وعليّ(ع) وأولادها الحسين والحسين: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهّرَكم تطهيراً }

وهي كما قال عنها رسول الله(ص): "سيّدة نساء العالمين"، و"سيّدة نساء أهل الجنّة".. "فاطمة بضعة منّي، من أغضبها فقد أغضبني، ومن آذاها فقد آذاني"..

وأكثر من ذلك، قال رسول الله(ص) عنها: "يا فاطمة، إنّ الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك". " مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار".

أيّها الأحبّة:

إن حب الزهراء أيقونة نحملها في القلوب والمهج، فإذا ذُكر اسمها اهتزّت الأفئدة، ودمعت العيون،  ولكن هل هذا يكفي لنكون بمستوى حب الزهراء؟

لقد كانت ريحانة الرسول(ص) قدوة في تحمّل مسؤولية إيمانها، ومسؤولية انتمائها، فكانت تجمع بين العبادة والعمل، وبين الإيمان والسلوك، ومشكلة الكثيرين حتى ممن يحبون الزهراء، انهم عندما يتعبدون ينسون العمل.

إن حب الزهراء سبيل واضح وبين كي نغيّر واقعنا، لنجعل منه واقعاً إن لم يكن مثالياً، فعلى الأقل نجعله واقعاً أكثر صلاحاً وقيمة وعطاء.

لقد أحب الرسول(ص) بضعته الزهراء حباً عظيماً، لكن ذلك لم يمنعه من أن يؤكد للمسلمين ان موقعه كنبي لن يغني عن مسؤولية ابنته امام الرسالة. لقد قال لها وهو يوصيها: "يا فاطمة بنت محمد اعملي لما عند الله فإني لا أُغني عنك من الله شيئاً"، وضربت الزهراء مثلاً في تحمّل هذه المسؤولية.

تحمّلت الزّهراء مسؤوليتها كزوجة وكأم، فكانت قدوة في كيف تكون الزوجة مَحبة وعطاء، ووفاء، ورعاية. وهي التي قالت لزوجها عليّ(ع): "يا بن عمّ، ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة،  ولا خالفتك منذ عاشرتني"..

كان الإمام علي(ع) لا ينتهي من حرب الا ويدخل في اخرى، فهل تأفّفت، هل تضجّرت، وهل وقفت لتقول له في اي يوم: أنا بنت نبي، ولم أعد استطيع تحمّل هذه المعيشة ؟ معاذ الله. لم تميّز نفسها من اي زوجة مسلمة مع زوجها، كانت مثقلة بهموم البيت والأولاد، ودائماً تظل الزوجة والأم المثالية. ولنسمع الإمام كيف يصفها إذ يقول: إنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها (أي اخشوشنت) وكنست البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القِدر حى دكُنت (أي اسودّت ثيابها)

كانت تفعل كل هذا راضية، صابرة على شظف العيش والفقر قانعة، ضاربة بذلك مثالاً للزوجة المثالية، فكانت أسرتها الأسرة المثالية.. اكتفت من ذلك بوصية رسول الله وهي بان تقرأ تسبيحة قبل ان تنام ، سميت بتسبيحة الزهراء..

ومع ذلك كانت تقوم الليل، وهي الّتي أخلصت لله، عبدته حتى تورّمت قدماها.. وهي من كان لسانها يلهج بذكر الله ولها نوافل في النهار وصلوات وصوم مُستحب، وبذلك كانت امينة على مبادئها، وفضائلها والجمع الدائم بين العبادة والعمل.

من حديث للإمام الحسن عن والدته يقول فيه «رأيت أمي فاطمة(ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسميهم، وتُكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني الجار ثم الدار.

هذا الإيثار ليس غريباً على اهل البيت(ع) اهتمّت بالأيتام والفقراء والمساكين والأسرى الّذين آثرتهم على نفسها، وبقيت تعاني ألم الجوع أيّاماً ثلاثة كي يشبعوا، وفيها وفي عائلتها نزلت الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً}.

ايها الاحبة:

  لم يعرف الزهراء(ع) حقّ معرفتها الا النبي(ص) وعلي وبنوها(ع). لكن الزهراء وُجدت لتكون حُجَّة. فإذا كنا نحبها ونقدّسها، فلا يكفي ان نجعل منها لوحة راقية نعلّقها رسماً ووصفاً، ونفتخر بها دون الاقتداء بها وبأعمالها ومواقفها.

نعم، لا يمكن لرجالنا ان يصبحوا كعلي(ع) ولا لنسائنا ان يصبحن كفاطمة(ع) ولا لشبابنا ان يرتقوا الى مستوى الحسين(ع).

عندما تكون القمة عالية وشاهقة، فقد يكون من المستحيل الوصول الى آفاقها، لكنك تستطيع ان تحلم، ثم تبدأ في الصعود.

هكذا علمتنا الزهراء…. ان لا نقف في الحياة عند حد بل نبقى في صعود دائم .

الزهراء أذابت عمرها في العطاء ، ولا يكفي ان نحبّها ونقدّسها ونحيي ذكراها ببضع كلمات، ثم تنتهي مهمتنا. هل نكتفي بأن تكون ذكرى الزّهراء في يوم وفاتها، دموعاً نذرفها من مآقينا، وهي تستحقّ دموعنا.. أو فرحاً وأناشيد وزغاريد واحتفالات يوم ولادتها.. ليعود بعد ذلك كلٌّ إلى حياته، يتصرّف بوحي مزاجه وانفعالاته وعصبيّاته..

لنتأمل في واقعنا، واقع أسرنا، وعلاقاتنا وبيوتنا وكيف نربي أطفالنا ونقضي أوقاتنا.

تُرى، لماذا كانت الزهراء تُجلس ولديها الحسن والحسين(ع) في حجرها، إذا أرادت تلاوة ما يتيسّر لها من القرآن الكريم، ولماذا كانت تصرّ ان ترسلهما، في عهد جدّهما(ص) الى المسجد في اوقات الصلاة، حتى اذا عادا راحت تسألهما عما سمعاه، وماذا تعلّما من الجدّ(ص) مما كان يُعلّمه للمسلمين؟

كم من أسرنا تنهج هذا المنهج في التربية الإيمانية لأولادها وأطفالها؟

لقد كانت السيدة زينب جبلاً لا يتزعزع من الصبر والثبات في كربلاء، فمن زرع هذا الجلد في نفسها، وهو عبء تنوء بحمله كواهل الرجال.

أليس صبر زينب، وعنفوان زينب هو ثمرة من ثمرات أمومة فاطمة؟ وكم من أمهاتنا اليوم تستقي من هذا النبع، فيما امهات أُخَر لا همّ لهنّ إلاّ عقد مجالس الأنس واللهو والدردشة .

أن تحُبّ الزهراء، وتكون في نفس الوقت ممن يُبعثرون دقائق العمر لهواً وعبثاً لهو حبّ مزيّف، لا طعم له ولا لون ولا رائحة، فالزهراء علمتنا كيف تكون ضنينة بكل دقيقة من عمرها ان تذهب هدراً، ولا تملؤها حباً وعطاء وبناء.

ان نقدّس الزهراء يعني ان نؤمن ايماناً عملياً ان العمر امانة سوف نُسأل عنها أمام الله تعالى. إنّ حبّنا للزّهراء(ع) لا يكون إلا عندما نتمثّلها في حياتنا؛ أن يكون حجابها حجاب كلّ فتاة، وحياؤها حياء كلّ فتاة، وعفّتها عفّة كلّ فتاة، ورسالتها رسالة كلّ فتاة، أن تكون أنموذجاً وقدوة لكلّ بنت وزوجة وأمّ ورساليّة..

 

نقدّس الزهراء يعني ان نكون أيادي تعمّر، وارادات تبني، وخطوات أخ نحو أخيه، وجار نحو جاره، وانسان نحو إنسان.

لقد كانت الزهراء تستعين بخادمة في انجاز بعض أشغال البيت، كانت هذه أمة نوبية اسمها فضة. أتعرفون كيف كانت تتعامل معها؟ ولماذا يا تُرى ارتبط اسم فضة باسم الزهراء، ولماذا ذاع صيت هذه الأمة بالورع والتقوى والزهد وحفظ القرآن؟

ببساطة كانت الزهراء تتعامل مع فضة كواحدة من أسرتها، تتواضع لها، تغمرها بالحب والرحمة، تتناوب بالعمل معها يوماً بيوم، يوم لها ويوم لفضة في انجاز اشغال محدودة.

فهل كلّنا نقتفي خطى الزهراء مع من نستأجرهن كخادمات في بيوتنا؟ اسألوا، وفتشوا، حتى بعض من يتغنى بحبه للزهراء، وسوف تصدمكم الحقيقة المرّة .

نعم، حب الزهراء، يمكن ان يكون سبيلاً لاصلاح الكثير في واقعنا، والشرط ان يقترن بالتوق الى تسلّق القمة، وبتوافر النية والإرادة، فالزهراء عليها السلام قدمت بمواقفها وحياتها النموذج للإنسان الرسالي، الذي يذوب في الرسالة، في الطاعة والعبودية لله، والثقة بالله.

 وندعو بما كانت تدعو به:

"الّلهمّ فرّغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكّفّلت لي به، ولا تعذّبني وأنا أستغفرك، ولا تحرمني وأنا أسألك، اللّهمّ ذلّل نفسي في نفسي، وعظّم شأنك في نفسي، وألهمني طاعتك، والعمل بما يرضيك، والتجنّب لما يسخطك"

الحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي خير الزاد في يوم المعاد. ولبلوغ التقوى، علينا أن نتفكّر في هذا الحديث الوارد عن رسول الله(ص) حين قال: "الأمراض والأوجاع كلها بريد للموت، ورسل للموت، فإذا حان الأجل، أتى ملك الموت بنفسه، وقال: يا أيها العبد، كم خبر بعد خبر؟ وكم رسول بعد رسول؟ وكم بريد بعد بريد؟ أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر، وأنا الرسول، أجب ربك طائعاً أو مكرهاً. فإذا قبض روحه، وتصارخوا عليه، قال: على من تصرخون وعلى من تبكون؟ فواللّه، ما ظلمت له أجلاً، ولا أكلت له رزقاً، بل دعاه ربه، فليبك الباكي على نفسه، فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحداً". يقول الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. 

أيها المؤمنون، لا يفاجئنا الموت عندما يأتي، فقد نبّهنا إلى وجوده كل الذين يموتون بيننا، والضعف الذي نراه في أبداننا، ورزنامة العمر التي تتناقص أوراقها يوماً بعد يوم، والمرض الذي يصيبنا. ودعوته إلينا، أن نستعد لنكون جاهزين لما بعده، حيث ينادى بنا: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}.

ومن باب تحمّل المسؤوليّة، نطلّ على أوضاعنا. والبداية من لبنان، الذي تتحرك فيه الخطة الأمنيَّة في طريقها المرسوم، وهنا، لا بد من تقدير إنجاز الجيش والقوى الأمنية، وتقدير تعاون المواطنين والقوى السياسية معهم.

وفي الوقت الذي نأمل أن تستكمل الخطّة مسيرتها، لتصل إلى بقية المناطق اللبنانية، بعد البقاع وطرابلس، اللتين عاشتا توترات في المرحلة السابقة، فإننا نأمل أن تواكب ذلك خطة طوارئ اقتصادية، يُرفع فيها الغطاء عن كل الفاسدين والمفسدين المعلومين وغير المعلومين، ممن هم في مواقع المسؤولية أو خارجها، ممن يعتبرون الدولة بقرة حلوباً لهم، وهو الأمر الذي أدى إلى ما وصلنا إليه على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ولا سيما في الدين العام.

إنّ الجدية التي رأيناها في التعامل مع الفلتان الأمني، ينبغي أن تكون بالمستوى نفسه في التعامل مع الفلتان الاقتصادي، والفساد الإداري، والهدر المالي، فمخاطر الفلتان الاقتصادي والاجتماعي، لا تقل عن مخاطر الفلتان الأمني، بل قد تكون تداعيات الفلتان الاقتصادي والاجتماعي أكبر، وقد يؤدي إلى فلتان أمني، فالجوع كافر، وقد قال الإمام علي(ع): "لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته".

وعلى هذا الأساس، فإننا نعيد التشديد على كل من هم في مواقع المسؤولية، عدم معالجة الواقع المعيشي بالمسكّنات والمهدّئات، أو بالمعالجات الجزئيّة، بل من خلال دراسة متكاملة لكلّ هذا الواقع، حيث تُستنفر لأجله جهود الخبراء والعاملين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وتُلاحظ فيه متطلّبات كلّ فئات المجتمع، وكل القطاعات الإنتاجية، وإن كان للفئات الفقيرة والمسحوقة الأولوية عند تضارب المصالح، حيث الكلمة الفصل ينبغي أن تكون دائماً للفقراء والمستضعفين، لا لمن يزدادون ثراء…

وقد كنا نأمل أن تفضي الاجتماعات التي جرت في المجلس النيابي، إلى الخروج بصيغة تؤمّن هذا التوازن المطلوب بين متطلّبات الواقع الاجتماعي الصعب الّذي يصيب الموظفين والمعلمين، ومتطلبات الواقع الاقتصادي وواقع الخزينة، بدل ترحيل السلسلة إلى لجنة لدرسها، والتي نخشى أن تقع فيما وقعت فيه الكثير من اللجان، التي توجد لتمييع المطالب، وترحيلها مجدداً إلى مرحلة غير محددة، كما رحّلت سابقاً، وكما يُقال، فإن اللجان مقبرة المشاريع.

إننا نقول لكل من هم في مواقع المسؤولية: إنّ القضايا المصيريّة الّتي تهدّد لقمة عيش المواطن، وتهدّد اقتصاد البلد أو خزينته، لا ينبغي أن تعالج على خلفيَّة التجاذبات والصّراعات بين المحاور السياسية، وتسجيل النقاط، وتبادل الاتهامات، أو المزايدات السياسية والإعلامية، والاستثمارات الانتخابية، بقدر ما ينبغي أن تُراعى فيها مصالح المواطنين ومصلحة الوطن.

إنَّ المطلوب في هذه المرحلة، أن تُقدّم الحقائق كاملة للشّعب اللبناني، ونحن نثق بأنَّ هذا الشّعب عندما يرى الوضوح والصراحة والجديّة، سيكون سنداً لنوابه ومسؤوليه، وسيعضّ على جراحه، إذا اقتضت حقاً مصالح البلاد تحمّل بعض السلبيات.

إننا في هذا البلد، نملك كل مقومات النهوض الاقتصادي، لو توافرت الإدارة السّليمة له، ولو أخرجنا اللصوص من الهيكل، وكفَّ السياسيون عن تغطية هذا أو ذاك، بذرائع لا تليق برجالات الدولة، وإلا لماذا ينجح اللبنانيون في الخارج، فيما لا يملكون فرص النجاح في الداخل؟!

 

أما في سوريا، فلا يزال هذا البلد يعاني جراء الاستراتيجية الدولية القاضية باستنزافه وتدميره وإسقاط كل مواقع القوة فيه، لكي لا يكون له دوره الفاعل في المنطقة وفي الصراع مع العدو الصهيوني، ونحن نعتبر أنه قد يكون من الطبيعي أن الدول الكبرى، وانطلاقاً من مصالحها الخاصة وصراعاتها على النفوذ، تريد أن تبقي هذا البلد أسير حالة الاستنزاف، ولذلك، فإنها لا تستعجل الحلول فيه. ولكن ما ليس طبيعياً، أن تتقاعس الدول العربية والإسلامية عن دورها الفاعل في إخراج هذا البلد العربي والإسلامي من متاهة العنف الدامي المتواصل.

ومن هنا، فإننا في الوقت الذي ندعو السوريين إلى وعي ما يخطّط لبلدهم، والمسارعة إلى المصالحات، وصولاً إلى المصالحة العامة، مستعيرين من كلام أمير المؤمنين: "لأسلمن ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة"، نشدد على كل من يملكون مواقع التأثير من الدول العربية والإسلامية، التلاقي بعيداً عن الحسابات الضيقة، والعمل لإيجاد الحل في سوريا، وإيقاف نزيف الدم والدمار، فهذه مسؤولية إسلامية وعربية وإنسانية.

ونصل إلى البحرين؛ هذا البلد الذي تستمر معاناة أهله وإنسانه، والذي كنا نأمل من السلطة فيه أن تسير بالحوار الجاد إلى غايته، بعد استعداد قوى المعارضة لذلك، بدلاً من القيام بخطوات يُخشى من تداعياتها على الصعيد الشعبي، الذي يمكن أن يصل إلى ما يشبه حالة اليأس من إمكانية أن يفضي الحوار القائم إلى نيل حقوقه المشروعة.

إننا نعيد التشديد على السلطة في البحرين، أن تعي مسؤولياتها تجاه مواطنيها، وأن تعود إلى لغة الحوار، لكونها السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار لبحرين التنوع والوحدة الوطنية.

وتبقى أعيننا على فلسطين، حيث العدو لا يكتفي بمشاريعه الاستيطانية، وتهويد فلسطين والقدس، بل يستمر بإثارة مشاعر المسلمين، من خلال اقتحاماته للمسجد الأقصى. ومع الأسف، بات هذا الأمر يتكرر من دون مبالاة الشعوب العربية والإسلامية، فضلاً عن دولها، فالكل مشغولون بصراعاتهم الطائفية والمذهبية وصراعات الدول، فيما الكيان الصهيوني مستمر بمشاريعه العدوانية.

ومن هنا، نقول للشعوب العربية والإسلامية ودولها: كرامتكم من كرامة مقدساتكم، فلا تكونوا كما قال الشاعر:

       مَن يهُن يسهل الهوانُ عليه         ما لجرح بميتٍ إيلامُ 

وأخيراً، لا بدَّ من التوقّف عند ظاهرة الرهان على الفرق الرياضيّة، الذي قد يؤدي إلى خسائر مالية أو أحقاد وضغائن، وصولاً إلى المشاحنات التي تهدد حياة الناس. إننا نودّ هنا أن نوضح للجميع، ولا سيما ونحن على مقربة من كأس العالم، عدم جواز مثل هذا الرهان، وندعوهم إلى عدم تحويل الرياضة إلى مادة للخصام، بل أن تكون كما هي، وسيلة لتعزيز مناخ الروح الرياضية، التي نريدها طابعاً للرياضة، وأن تعم كل مجالات الحياة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 18جمادي الآخرة 1435هـ الموافق : 18نيسان 2014م

 

 

Leave A Reply