السيدة خديجة: أنموذجاً وقدوة في عناصر شخصيتها

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ} صدق الله العظيم.

 

نلتقي في العاشر من شهر رمضان المبارك بذكرى وفاة شخصية عظيمة ممن شملتهن هذه الآية، من أولئك السابقين المقربين بشهادة رسول الله(ص) بها حين قال: " لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس (فقد كانت أول من آمنت برسول الله من النساء)، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها".. وهي أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد..

 

ولقد حظيت السيدة خديجة رضوان الله عليها باقترانها برسول الله(ص)، فكانت أولى زوجاته وبتقديره الدائم لها في حياتها وبعد وفاتها.. وقد بلغت بالموقع عنده ما لم تبلغه أي امرأة أخرى من زوجاته.. وهذا ما عبر عنه لإحدى زوجاته عندما قالت له: لقد أبدلك الله خيراً منها، فقال: "ما أبدلني الله خيراً منها"..

 

ونحن اليوم فإننا نذكر السيدة خديجة فلكونها مثلت أنموذجاً وقدوة في عناصر شخصيتها.. وللدور المميز الذي قامت به في حياة رسول الله، وفي إيصال رسالته للناس.. فالسيدة خديجة في شخصيتها لم تكن امرأة عادية في مكة، فقد كانت من تجار مكة ومن أثريائها لها تجارتها من الشام وإليها، وقد بلغت من الشأن والموقع ودماثة الخلق أن لقبت بالطاهرة والحكيمة والكريمة وسيدة نساء قريش..

 

لقد فرضت السيدة خديجة شخصيتها على المجتمع الجاهلي الذي ما كان يرى للمرأة مكانة بل كان يحتقرها، وقد أهلتها هذه الصفات ليتسابق أشراف قريش على طلب يدها.. لكن خديجة كانت ترى في محمد فيمن كان ينعت بيتيم قريش خيارها، وهي لم تنتظر حتى يطلب يدها بل سعت إليه، وهي لم تسع خلفه عبثاً أو تسرعاً بل بصيته الذي ذاع في مكة بأنه الصادق الأمين والحكم العادل.. والذي عززه ما سمعته من غلامها ميسرة بعدما رافقه في تجارة لها إلى الشام (والإنسان تظهر خصاله وصفاته في السفر فيكف إذا كان سفر تجارة).. فقد قال عنه لما سألته: ما رأيت قط مثله في صدقه وأمانته وحسن معشره ومعاملته وفي رقة حديثه وقوة بأسه وصلابة رأيه، وتواضعه جلّ نظره إلى الأرض دائم التفكر لا يتكلم في غير حاجة لا يخالطه أحدٌ إلا أحبه.. وكم تمنى أن يبقى في قربه.

 

لقد رأت أن كفؤها هو من يملك هذه الصفات رغم أنه لم يكن يملك مالاً كالتي تملكه.. ولا بد أن لا تتزوج إلا من كفؤها.. وقد تلاقت نظرتها هذه مع نظرة رسول الله(ص)، عندما رأى فيها كفؤه فيما تميزت به في طهارتها وحصانتها وحكمتها ورجاحة عقلها مع أنها كانت تكبره بسنوات كثيرة.. وهو بالطبع ما كان ينظر إلى مالها..

 

وكان من نتاج هذا الزواج النسل الطاهر لرسول الله: القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وعبد الله وفاطمة، والذين توفوا جميعاً قبل وفاة رسول الله(ص) ولم يبق منهم إلا السيدة الزهراء(ع)..

 

وقد بدأ دور السيدة خديجة الرسالي منذ كان رسول الله(ص) يذهب إلى غار حراء ليخلو هناك إلى نفسه متفكراً متأملاً ومتعبداً.. بعيداً عن صخب مكة وضوضائها ورجالاتها.. فقد كانت السيدة خديجة(ع) تؤمن له كل سبل الرعاية لذلك.. فكانت تجهد نفسها وهي تقطع المسافات، حيث تذكر السيرة أنها كانت تقطع خمسة كلم مشياً على الأقدام للوصول إلى الجبل، وتصعد إلى جبل حراء العالي والموحش لتوصل إليه الطعام والشراب، ولتعينه لا على أمور دنياه بل على ما يتعلق بعلاقته بربه، وكثيراً ما كانت تشاركه في رحلة تأمله وتفكره..

 

ويوم عاد رسول الله(ص) من الغار بعد نزول الوحي عليه لأول مرة.. وقد جاء يومها مثقلاً بأعباء المسؤولية التي حمّله الله إياها، وقفت السيدة خديجة معه تؤازره لا لكونها زوجته والزوجة تكون دائماً مع زوجها، بل لأنها كانت تعرفه جيداً، تعرف منطلقاته وصدقه وهي واثقة أن ما يقوله حق..

 

وهذا ما عبرت عنه عندما قالت له يوم نزلت عليه الآيات: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.. قم يا رسول الله ونفذ أمر ربك.. فوالله لا يخزك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

 

وسارعت مع علي(ع) لإعلان إسلامهما ويشهدا معهاً أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..

وقد عاشت السيدة خديجة مع رسول الله أشد المراحل صعوبة حين استنفرت قريش كل قدراتها وإمكاناتها لمواجهة رسول الله(ص)، فكان كان يدعوهم إلى رسالته.. فيجابه بالتصفيق والتصفير وبالسب والشتم.. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل كان يصل إلى الإيذاء الجسدي..

 

فقد شكلت بيتاً يمتلئ عاطفة وحباً ورعاية وحضناً دافئاً ينسيه كل التعب والإيذاء والمعاناة.. وشاركته في مسؤولياته فراحت تدعو إلى ما كان يدعو إليه مستفيدة من موقعها في مكة وبذلت في ذلك مالها.. وتحملت مع بناتها زينب ورقية وأم كلثوم أذى قريش حين قررت قريش الضغط على رسول الله(ص) من خلالهن فجاءت إلى أزواجهن وكن قد تزوجن، لتقول لهم: لقد فرغتم محمداً من همه، وأخذتم عليه بناته فردوهن عليه لتشغلوه بهن، فطلقت رقية وأم كلثوم من زوجيهما فيما رفض زوج زينب طلاقها..

 

ولم يقف صبر خديجة عند هذا بل تجلى صبرها على ما أصابها بوفاة ولدها الأكبر وهو صغير، وبعد ذلك في ولدها عبد الله الملقب بالطيب.. وهنا نذكر ما قاله رسول الله(ص) لها يوم توفي القاسم معزياً وهو عزاء لكل أم تفقد ولداً صغيراً: "يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيئي إلى باب الجنّة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنّة وينزلك أفضلها، وذلك لكل مؤمن، إنّ الله عزّ وجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذّبه بعدها أبداً"..

 

وتجلى صبر خديجة وثباتها في سنوات الحصار الذي تعرض له بنو هاشم في شعاب مكة حين حوصر هو والمسلمين من بني هاشم بأمر من قريش، وكان قرارهم في ذلك عدم بيعهم والشراء والتزوج منهم.. إذ عانت خديجة مع من عانوا وتعذبت مع من تعذبوا وبذلت هناك كل ما كان بقي لديها من مال لتشتري الطعام بأضعاف مضاعفة لكسر هذا الحصار حتى لم يعد عندها شيء منه.. وقد قال حينها رسول الله(ص): "ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة"..

 

وكان وقع الحصار عليها كبيراً حيث اعتلت صحتها بسببه لتنتقل إلى رحاب ربها في مثل هذا اليوم في العاشر من شهر رمضان وفي العام العاشر للبعثة الذي سماه رسول الله عام الحزن حزناً عليها ووفاءاً لها.

 

لقد جسدت السيِّدة خديجة الصورة المشرقة عن المرأة في الإسلام، وقدمت نفسها أنموذجاً للمرأة التي يريدها الإسلام فهي ليست المغلوبة على أمرها، ولا الهامشيَّة الباحثة عن دورٍ خلْفَ دور الرّجل، بل شريكة له. لذا عندما نتحدث عن الأسس التي ساهمت في رفع قواعد الإسلام الأولى، نتحدث عن قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله ومال خديجة وثباتها ونتحدث عن بطولات علي(ع)..

 

كما وقدمت صورة لزواج مميز خالف كل النمط التقليدي الذي يرى في الزّواج مجرّد رغبة وتلبية حاجة، فيما هدف الزّواج أبعد من ذلك، هو بناء أسرة صالحة. فهي سعت إلى الإنسان الذي يملك العناصر التي تؤهله ليكون زوجاً صالحاً وأباً قدوة وأن يقوم بدوره في أسرته لا الذي يوازيها مالاً أو شأناً.

 

وقدمت درساً في الصبر على كل الظروف الصعبة التي عاشتها مع رسول الله(ص)، لم تتأفف في ذلك ولم تتضجر وهي التي كان يمكن لها أن تعيش بما تملك من مال وجاه حياة رغيدة بعيدة عن كل هذا الجو، فعاشت شظف العيش وبذلت مالها لله ولنصرة دينه

 

أيها الأحبة:

لقد ارتأت المشيئة الإلهية أن يكون من نسل خديجة النسل الطاهر الذي تمثل بالزهراء(ع) وبنيها ممن أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيراً..

 

وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق(ع) عندما قال: "إن الله جعل السيدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة"..

 

ما أحوجنا ونحن نستعيد ذكرى السيدة خديجة إلى خديجات كثر أمثالها من الرجال والنساء الذي ينفقون أموالهم في سبيل الله ويصبرون من أجل الرسالة ويسكبون الإيمان والفرح داخل بيوتهم سكناً ويبلغون دعوة الله، وبذلك يستحقون ما استحقت من الوسام من الله عندما نزل جبريل على رسول الله ليبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب..

 

فالسلام عليها يوم ولدت ويوم بذلت وقدمت من أجل الله ورسوله ويوم تبعث حية في البيت الذي وعدها الله..

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بقراءة الدعاء، فقد جعله الله وسيلتنا للتواصل معه، لمخاطبته بكل ما يجول في خاطرنا، للتعبير عن أمانينا في الدنيا والآخرة، ولبلوغ ما عند الله وفتح خزائنه. وقيمة هذا الشهر بدعائه، حيث تصاحبنا أدعيته في كل وقت في الليل والنهار وعند السحر، ونحن سنتوقف عند واحدة من فقراته التي تفيض بمشاعر الحبّ لله والركون إليه، حيث لا نجاة إلا به:

"إلهي، لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد، ودللت على فضائحي عيون العباد، وأمرت بي إلى النار، وحلت بيني وبين الأبرار، ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت وجه تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي.. أنا لا أنسى أياديك عندي، وسترك عليّ في دار الدنيا. سيّدي، عليك معوّلي ومعتمدي ورجائي وتوكلي، وبرحمتك تعلّقي، تصيب برحمتك من تشاء، وتهدي بكرامتك من تحبّ".
 

إننا أحوج ما نكون إلى هذه النفحات النورانية، لتضيء قلوبنا وعقولنا، وتجعلنا أكثر وعياً ومسؤوليةً وقدرةً على مواجهة التحديات!

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي طُويت فيه صفحة الانتخابات باكتمال عقد المجلس النيابي، ليبدأ المجلس بأداء الدور المطلوب كممثّل لكلّ أطياف الشعب اللبناني. ونحن في هذا المجال، نتطلّع مع كل اللبنانيين إلى أن يكون المجلس النيابي الجديد على مستوى الآمال والطموحات التي تُرتجى منه، بأن يعيد الثقة إلى اللبنانيين، وخصوصاً إلى الذين فقدوها وعبَّروا عن ذلك بالامتناع عن التصويت.

 

إنَّ اللبنانيين، وطوال فترة الانتخابات، سمعوا وعوداً وأحلاماً وآمالاً عظاماً، وهذه الوعود لا ينبغي أن تذهب أدراج الرياح، أو أن يعتبرها البعض وعوداً انتخابية تنتهي فصولها عند صدور النتائج.

 

إنّ احترام الشّعب اللبناني يقتضي اعتبار هذه الوعود برامج عمل من الَّذين أطلقوها للوفاء بها.. وعلى الأقل أن يرى الشّعب أنهم سيسعون إلى ذلك، وهو لن يحمّلهم أكثر من طاقتهم. إنَّ على الَّذين يتسلَّمون مواقع المسؤولية النيابية أن لا يعتبروا المواقع التي وصلوا إليها امتيازات خاصَّة منحت لهم، أو للكتل السياسية التي ينتمون إليها، فهي مسؤولية، وعليهم أن يؤدوا مسؤوليتهم في أن يكونوا معبرين حقيقيين عن آلام الناس ووجعهم وعن أحلامهم وطموحاتهم.. فهم يمثلون كلّ الناس، ولا يمثلون فقط المواقع السياسية التي ينتمون إليها، وهم لا يمثلون الذين انتخبوهم فحسب، فبعدما وصلوا إلى مواقعهم، باتوا يمثلون الجميع، وعليهم أن يعبّروا عنهم في التشريع، والرقابة، واجتراح الحلول، وتقديم مشاريع القوانين التي تلبّي احتياجات الناس، واختيار من سيتولّون مواقع السلطة التنفيذيَّة والإجرائيَّة.
 

إنَّ على النواب أن يعتبروا أنفسهم تحت رقابة الشعب اللبناني الَّذي ندعوه إلى أن يكون دقيقاً في تعامله مع نوابه، وأن يشدّ على أيديهم إن هم أصابوا، وأن يعبّر عن عدم رضاه وسخطه إن هم أخطأوا، أن لا ينتظر السنوات الأربعة المقبلة حتى يحاسب، إن هو حاسب، بل أن يبدأ الحساب من هذا اليوم.. وهذه مسؤوليَّة وطنيَّة وشرعية، حتى لا يتحمل الشعب مسؤولية أعمال من انتخبهم، لأن سكوته هو تعبير عملي عن رضاه.

 

لقد بدأ المجلس النيابيّ أول اختيار له بتجديده تكليف رئيس مجلس الوزراء، ويُنتظر منه اختيار الوزراء الذين سيتحملون مسؤولية الملفات.. وندعو هنا كلّ القوى السياسية إلى أن تختار الأكفّاء القادرين على القيام بمسؤولياتهم وحمل الملفات التي سيتولونها، لا أن يكون الاختيار عشوائياً، أو يأخذ بالاعتبار مصالحها الخاصة..

 

إننا نريد لمجلس الوزراء أن يكون مجلس وزراء يعمل وينتج، أن يقوم بما لم تقم به الحكومات السابقة، أو فيما قصرت به.. وهناك الكثير من الملفات العالقة، بدءاً بملف الفساد، إلى الملف الاقتصادي والملفات الحياتية والمعيشية، وملف الكهرباء والماء والنفايات وأزمة النازحين السوريين وغير ذلك.

 

وهنا ندعو إلى عدم التباطؤ في تأليف الحكومة، وإلى الإسراع فيها، لعلاج الملفّات العالقة، ومواجهة التوتر الذي يتصاعد في المنطقة، والَّذي كانت تعبيراته في العقوبات التي فرضت على إيران، وعلى مكوّن أساسي من مكوّنات هذا البلد، أو في التطورات التي تحدث في سوريا في الصّراع الدائر فيها، والذي قد ينعكس على لبنان، وهذا الأمر يدعو إلى عدم الخضوع لأية رغبات في العرقلة قد تأتي من الخارج، وأي شد وجذب قد يحصل في الداخل.. وإن كنا نعتقد أن أجواء التوافق التي حصلت بانتخاب رئيس المجلس النيابي وتكليف مجلس الوزراء، سوف ينعكس على تأليف الحكومة..

 

التهديدات الأميركية لإيران

 

وننتقل إلى التهديدات الأخيرة الَّتي ساقها وزير الخارجية الأميركية، والتي هدَّد فيها إيران بأقوى العقوبات إن لم تستجب لشروط إدارته.. لندين هذا الأسلوب، لمخالفته أبسط معايير العدالة، فإذا كان هدف التهديدات منع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، فهناك ما يثبت بالدليل أن إيران لا تسعى إليها، إن من خلال تقارير وكالة الطاقة الذرية أو الحكم الشرعي الذي يرى حرمة استخدام هذه الأسلحة، وهنا نسأل: لماذا لا يدان الكيان الصهيوني الذي يملك أقوى ترسانة نووية في المنطقة!

 

أمّا إذا كان الحديث عن التّدخلات التي تجري، فهذا مما لا تدان به إيران فقط، فهناك الكثيرون ممن يتدخَّلون، وحتى أميركا تدان به، وهي التي لا تكفّ عن التدخّل في العالم. إنَّنا لا نرى في ذلك إلا محاولة جديدة من الإدارة الأميركية لتحقّق بدبلوماسية التهويل ما عجزت عنه حروبها في المنطقة.

 

ونحن لا نعتقد أنَّ أسلوب التهديد والوعيد والعقوبات سيكون مؤثراً، فلم يعد في هذا العالم قطب واحد، بعدما أصبحت الدول والشعوب قادرة على أخذ خياراتها، حتى لو هددتها أميركا أو أية دولة أخرى.

 

ذكرى التحرير

وأخيراً، تمرّ علينا ذكرى التحرير؛ التحرير الَّذي يعيدنا بالذاكرة إلى اليوم الَّذي خرج العدوّ الصهيوني هارباً مذعوراً من الأرض التي كان يحتلّها إلى الداخل الفلسطيني المحتلّ، وقد أكَّد هذا التّحرير الدّور الذي يمكن أن يصنعه التلاحم ما بين الجيش والشعب والمقاومة، وأرسى قواعد الردع مع هذا العدو الَّذي لم يعد قادراً على تكرار تجربته السابقة، وبات محكوماً بالمنطق الذي يقول له "إن عدتم عدنا".

 

إنَّنا في الوقت الَّذي نهنئ اللبنانيين، ولا سيما المجاهدين والجيش اللبناني وعوائل الشهداء والجرحى، فإننا ندعو إلى تعميق هذه الوحدة وصيانتها مما تعرَّضت وتتعرَّض له، لحماية هذا البلد من غطرسة العدو الَّذي لا يزال يتوعَّد ويهدّد ثأراً لهزيمته، ويواصل اعتداءاته وخروقاته اليومية في الجو والبحر، ويطمح في الانتقام من لبنان الذي أذاقه طعم الهزيمة في مثل هذا اليوم وكرَّرها في العام 2006.

 

إنّنا نؤكّد أنَّ حماية التحرير تكون بتحصين البلد على كلّ المستويات، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، وعلى مستوى تأمين احتياجات الناس وحقّهم في العيش الكريم، فلا نستطيع أن نواجه العدو الصهيوني بأرض رخوة ومهتزة، بل بأرض ثابتة وصلبة.

 

 

 

Leave A Reply