الصلاة في وصية علي (ع)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

في وصية لعلي: «تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها، فإنها {كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، ألا تسمعون جواب أهل النار حين سئلوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}؟ وإنها لتحتّ الذنوب حتّ الورق، وتطلقها إطلاق الربق، وشبّهَها رسول الله(ص) بالحَمّة التي تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن، وقد عرف حقها رجال من المؤمنين، الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرة عين، من ولد ولا مال. يقول الله سبحانه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة}، وكان رسول الله(ص) نَصِباً بالصّلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}. فكان يأمر بها أهله، ويصبّر عليها نفسه».

 

أيها الأحبة:

الصلاة.. هي وصية الإمام علي(ع)، وقد بقي يُذكِّر بها حتى آخر رمق من حياته حيث وقف يناشدنا قائلاً: «الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم»..  دخلت الصلاة إلى قلب علي ووجدانه، وصار يلهج بها في كل وقت، كان يراها هي الشغل الذي يتبع له كل شغل. ولذلك نراه حريصاً على أن يؤديها حتى في أشد الأوقات حراجة، فعندما افتقده أصحابه في ليلة الهرير في معركة صفين، وخشوا أن يكون قد أصابه مكروه، وجدوه بين الصفوف يصلي، فهو يريد أن يصلي الصلاة من أول وقتها، وعندما قيل له أهذا وقت صلاة؟ قال علام قاتلناهم. وفي هذا درس ومنهج في كيفية عدم تضييع الهدف والاتجاه …

ولكن يبقى السؤال: أي صلاة هذه الصلاة التي يدعونا إليها الإمام علي(ع)؟ هل هي ما اعتدناه من صلاة نكتفي فيها بقيام وركوع وسجود وتشهد وتسليم.. أو هناك أمر آخر لا بد من أن يواكب كل ذلك.

لقد عبّر علي(ع) عن ذلك عندما قال لأحد أصحابه وهو كميل بن زياد: «يا كميل! ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق، إنما الشأن أن تكون الصلاة فعلت بقلب نقيّ، وعمل عند الله مرضيّ، وخشوع سويّ». فالخشوع إذاً، هو هدف الصلاة، وهو لبّها وروحها وعمقها، وهو ما يحقّق معناها وهدفها.

 أما معنى الخشوع فهو خضوع القلب لله، وهو انحناء له، مما يظهر بعد ذلك أثره في الجوارح… في سكون الجسد، وغض البصر، وإطراق الرأس.. وعدم التلفت يميناً وشمالاً ولو بالعين.

 

وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص) عندما سئل عن الخشوع: «التواضع في الصلاة، وأن يُقبل العبد بقلبه كله على ربه عزّ وجلّ.. لا يشغله عنها شاغل». وعلي(ع) جسد هذا الخشوع كما جسده رسول الله(ص).. ففي الحديث: «كان النبي(ص) إذا قام إلى الصلاة تربد وجهه خوفاً من اللَّه تعالى». أما خشوع علي(ع)، فقد ورد أنه: «كان إذا حضره وقت الصلاة، تلوّن وتزلزل، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان، وأنا في ضعفي فلا أدري أَأُحسنُ إذا ما حُمِّلتُ أم لا». وقد ورد عنه أنه إذا دخل الصلاة، كان كأنه بناء ثابت أو عمود قائم لا يتحرك.ولم يطق أحد أن يصلي صلاة رسول الله الا علي ابن ابي طالب عليه السلام.

 الصلاة شكل وحركة لكنّ الخشوع، والإقبال على الله، والتواضع بين يديه، والعروج بأرواحنا، هو ما يجعل لصلاتنا معنى وهو ما يجعل لها أثراً وفاعلية ودوراً. ففي الحديث: «ليس لك من صلاتك إلا ما أقبلت عليه فيها»، «إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإن منها لما يلفّ كما يلفّ الثوب الخلق، فيضرب بها وجه صاحبها، وإنما لك من صلاتك ما أقبلت عليه بقلبك».

وهذا الإقبال الخاشع نستطيع تحقيقه من خلال خطوات لا بد من توافرها في كل صلاة؛ أولها أن تعدّ نفسك للصلاة، وأن تُهيئ هذه النفس للقاء الله، للقاء من بيده أمر حياتك وموتك ورزقك، ومن لا غنى لك عنه.. وعبّر عن ذلك قبل البدء بصلاتك بأن تتلو: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين}، {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

ويُعلّمنا الإمام الصادق(ع): «إذا استقبلت القبلة، فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كل شاغل يشغلك عن الله تعالى ـ وعاين بسرّك عظمة الله عز وجل ـ واذكر وقوفك بين يديه. {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ}»، وقف على قدم الخوف والرجاء…. "فإذا كبّرت، فاستصغر ما بين السموات العلى والثرى دون كبريائه، فإن الله تعالى إذا اطّلع على قلب العبد وهو يكبّر، وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، قال: «يا كذاب، أتخدعني.. واعلم أن الله غير محتاج إلى خدمتك، وهو غني عنك وعن عبادتك ودعائك، وإنما دعاك بفضله ليرحمك، ويبعدك عن عقوبته».

 

بعدها وأنت قد دخلت الصلاة فكر في الكلمات التي تؤدّيها، فهي تساعدك في أن يخشع قلبك لربك، فهي تذكرك به كي لا تنساه.. فهو أكبر من كل كبير، وأرحم من كل رحيم، وهو بيده ملكوت الدنيا والآخرة.. وهو السبيل لهدايتك، وبلوغ الصراط المستقيم.

ثم وأنت في صلاتك  قد ترد عليك الكثير من الافكار والمشاغل والتفاصيل.. فاعمل على أن لا يشغلك أي شاغل عنها مما يحيط بك، فأنت بين يدي من هو قادر على حل مشاكلك وإزالة همومك.

ففي القيام ركّز على موضع سجودك، وعند الركوع ركّز على مكان وقوفك، وكذلك عند السجود على أنفك وعند الجلوس على ما بين ركبتيك وعند القنوت على باطن كفيك.

واحرص أن تبعد من أمامك كل ما يشغلك عن صلاتك، وأن يتطلع قلبك وعقلك إلى ربك، فلا تصلِّ أمام مرآة، أو أمام صورة، أو ما عليه كلام، أو في مكان مرور الناس، أو أمام طعام أو شراب، واعمل على أن يكون لك مصلاك الخاص، وأن يكون إن أمكن في مكان هادئ، بعيداً عن ضجيج الناس والشارع، مكان تطمئن إليه. وأفضل الأماكن هو بيت الله، حيث يخصك برحمته.

بعد ذلك وحتى يكتمل خشوعك بين يدي ربك صل صلاة رجل لا يظن بل لا يأمل أنه سيصلي غيرها.. ، كما قال رسول الله(ص): «إذا صليت صلاة فريضة، فصلِّ لوقتها صلاة مودع يخاف ألا يعود فيها»..

ولا تسرع في صلاتك، كأنك تستعجل في صلاتك لأجل دنيا تسعى إليها أو حاجة أنت قادر على تأجيلها، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع): «إذا قام العبد في الصلاة، فخفِّف صلاته قال الله تبارك وتعالى لملائكته: أما ترون إلى عبدي كأنه يرى أن قضاء حوائجه بيد غيري، أما يعلم أن قضاء حوائجه بيدي».

 

أيها الأحبة:

 هناك اشكالية يجب أن لا نغفل عن ملاحظتها وعلى أساسها دائماً يطرح السؤال: لماذا لا تترك الصلاة التي نؤديها كل يوم خمس مرات أثراً في سلوكنا وأخلاقنا وتعاملنا، فيما بيننا ومع الآخرين.. لا يمكننا ان نتجاهل ان هناك من يصلّي ويظلم، يصلّي ويغش، يصلّي ويكذب، يصلّي ويغتاب، أليس بين الناس من يفعل ذلك. لماذا؟

السبب أننا لا نعيش معاني الصلاة بالعمق والتأني لنغوص بها ولا نهيئ لأنفسنا الجو الملائم كي نعيشها. تبقى علاقتنا بها محدودة في إطار الفريضة والهم والعادة التي اعتدناها ونستوحش ان فارقناها  في كثير من الاحيان …

 

 

أيها الأحبة:

يقول علي عليه السلام: «طُوبَى لِنَفْس أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا (الصبر على البؤس)، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا (النوم)، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى (النعاس) عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَر أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ».

جعلنا الله من أولئك، وأذاقنا معرفة قربه والجلوس بين يدي طاعته إنه أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، أن نستهدي بهدى السيدة زينب(ع)، ونحن نعيش ذكرى وفاتها في الخامس عشر من هذا الشهر؛ شهر رجب. أن نستهدي إيمانها، وحبّها لأخيها وإمامها الحسين(ع)؛ أن نستهدي عبادتها، وهي التي حرصت على أن لا تترك صلاة الليل حتى في كربلاء في ليلة الحادي عشر من محرم.

علينا أن نستهدي صبرها، وهي التي وقفت شامخة في كربلاء شموخ الإسلام، لتقول لله، وهي عند جسد أخيها الحسين الشهيد، وأمام الأعداء: "اللهم تقبّل منا هذا القربان"؛ أن نستهدي عنفوانها، وهي تصرخ أمام يزيد، لتقهر كبرياءه وإحساسه بالنصر والقوة، وتقول له: "خسئت يا يزيد، كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله، لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".

لم يهدأ صوت زينب ولم يخفت، رغم عمق الآلام والجراح، وعظيم التحديات، وهول المصاب، وبقيت ثابتة، لم تهتز، ولم ترضخ، إلى أن انتقلت إلى رحاب ربها راضية مطمئنة. هذه الروح التي أطلقتها السيدة زينب(ع)، والتي انطلقت من أعماق دماء الحسين وأصحابه وأهل بيته، هي التي ساهمت في صنع انتصارات السابقين، وحفظها في القلوب والعقول والأحاسيس، وكلّ ذلك ساهم في انتصارات الحاضر، ومن خلاله نملك القدرة على مواجهة كلّ التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث بات واضحاً من خلال مجريات الواقع السياسي، أنَّ البلد يتجه نحو الفراغ في سدة موقع رئاسة الجمهورية. ومع الأسف، بات الفراغ هو خبز اللبنانيين في كلِّ استحقاق، سواء كان حكومياً أو رئاسياً، بحيث اعتادوا عليه، وبات من سمات هذا البلد.

وعلى ما يبدو، فإنَّ الأمر مؤجّل بانتظار جلاء الغبار عما يجري من لقاءات وحوارات على المستويين الإقليمي والدولي. وبانتظار ذلك، ينفض المسؤولون أيديهم، ويعلنون عجزهم عن انتخاب رئيس يتوافقون عليه، أو تتوافق عليه أغلب الكتل السياسية.

 ورغم كلّ ذلك، فإننا نأمل وندعو أن تحمّل لنا الأيام القادمة عكس كل هذه التوقعات، وأن ينتخب النواب رئيساً تجمع عليه كلمتهم، فلا يعيش البلد تجربة الفراغ مجدداً، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر…

إننا أمام هذا الواقع، نعيد مناشدة جميع المسؤولين للمزيد من العمل على تحصين البلد، وقطع الطريق على أي ساعٍ للعبث مجدداً بأمنه واستقراره، وإن كنا نرى، وهو ما أكَّدناه في الأسبوع الماضي، أنَّ تسخين السّاحة اللبنانيّة، بات مستبعداً في ظلِّ أجواء التبريد التي تعيشه منذ فترة، وذلك بفعل الرغبة الدولية والإقليمية في استقرار لبنان، فضلاً عن رفع منع السفر من قِبَل جهات لها تأثيرها وحضورها في الساحة اللبنانية، لكن هذا لا يمنع دائماً في بلد مثل لبنان، الحذر، والحذر الشديد.

ويبقى الهمّ المعيشيّ حاضراً، حيث كنا نأمل أن تفضي اجتماعات المجلس النيابي، وقبل تحوّله إلى هيئة ناخبة، إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لإنصاف المعلمين والقطاع العام، وما يتبعها من قرارات قد تساهم في إصلاح ما فسد على مستوى إدارات الدولة، والتعامل الأمين مع المال العام، ولكن، وكما كان متوقعاً، لم تتطابق حسابات الموظفين والمعلمين مع حسابات من يريدون استمرار الهدر والفساد، ولا مع حسابات الذين يتقاسمون الأملاك البحرية والصناديق المختلفة وغير ذلك، مما لا يراد له أن يمس.

ويبقى على الموظَّفين والمعلّمين أن يواصلوا طريقهم، وهنا نقول لهم: تابعوا تحرككم، ولكن بعقلانيَّة وواقعيَّة تراعي مصلحة البلد، فما ضاع حق وراءه مطالب. ونقول للبنانيين بكلِّ تنوعاتهم؛ أولئك الّذين انتفضوا وتحركوا، أن لا تكون حركتهم في مواجهة الفساد وهدر المال العام، ومن لا يريد لهم العيش الكريم، آنية أو انفعالية، أو أن تحكمها حسابات ذاتية، بل نريدها أن تستمر، ليشعر كل من هم في مواقع المسؤولية، ممن يمارسون فساداً أو يغطونه، بأنَّ وجودهم مهدَّد، وبأنّ الشعب يريد فعلاً تحقيق الإصلاح والتغيير.

وقد قلناها سابقاً ونقولها الآن: أوقفوا الهدر والفساد، واللبنانيون كفيلون بحلِّ أزمات البلد، والمهم أن تعيدوا الثقة إلى إنسان هذا البلد.

 

ونحن أمام تعرض بعض وسائل الإعلام للمحاكمة الدولية، كما حصل مع قناة الجديد وجريدة الأخبار، نعيد دعوة الدولة إلى تحمّل مسؤوليّتها في الدفاع عن الحرية التي منحها الدستور والقوانين للمواطنين، والتي يجب أن يتعامل مع الإعلام على أساسها. وهنا نتساءل: لماذا لم يتدخّل وزير الإعلام، ولا الجهات القضائية، عندما تمّ نشر هذه المعلومات التي تتم محاكمة الإعلام على أساسها أمام المحكمة الدولية في هذه الأيام؟

إننا وبصرف النظر عما قامت به المحكمة الدولية، نرى أن من مسؤولية الدولة أن تتحرك للدفاع عن هذه الحرية، لا أن تترك مواطنيها يواجهون وحدهم المحكمة والمحاكمة.

 

وفي هذا الجو، فإنا نرحّب بالحديث الجاري عن التقارب السعودي الإيراني، الذي لطالما دعونا إليه، والذي كنا ولا نزال نؤكد أنه من أهم السبُل لتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، وحل الكثير من المشكلات، ومعالجة العنف المستشري، الَّذي يهدد أكثر من بلد عربي وإسلامي، سواء في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن أو البحرين. ومن شأن هذا التقارب أن يعمل على طيّ ملف هذه الصراعات، لمصلحة المزيد من التعاون العربي والإسلامي.

ومن هنا، فإننا ندعو إلى الإسراع في تحقيق اللقاء الذي نعتقد أنه سيبدّد الكثير من المخاوف والهواجس التي أُريد لها أن تحكم علاقة هذين البلدين.

 

فلسطين 

ونطل على فلسطين المحتلة من بوابة النكبة، الّتي تطلّ علينا ذكراها في هذه الأيام، والّتي نريدها أن تكون مناسبة لدراسة الأسباب الّتي أدت إلى ضياع فلسطين، رغم كلّ قدرات العالم العربي والإسلامي، والتي نخشى أن تتكرّر، في ما يعمل عليه لتهويد كل فلسطين.

ومن هنا، وفي يوم النكبة، ندعو الشعوب العربية والإسلامية ودولها، إلى إعادة الاعتبار لحضور فلسطين في وجدانها، فلا تضيع وسط الخلافات العربية والإسلامية، والانقسام المذهبي والطائفي، فضلاً عن الخلافات الداخلية التي لا نريدها أن تستمر في الساحة الفلسطينية.

إنَّ فلسطين ينبغي أن لا تبقى أمانة في عنق الشعب الفلسطيني فحسب، بل أن تكون أمانة في أعناق كل الشعوب العربية والإسلامية، وكل المستضعفين والأحرار أيضاً. ولا بدَّ لنا في هذا المجال، من أن نشدّ على أيدي المجاهدين الَّذين يصنعون من الضعف قوة، والذين سطّروا ولا يزالون يسطّرون ملاحم من البطولة، من ثبات آلاف الأسرى الذين يعانون أقسى الظروف في سجون العدو، إلى صمود الشعب الفلسطيني الَّذي لا يبخل في تقديم الشهداء من أجل هذه القضيَّة، وآخرهم شهداء أمس أمام سجن عوفر، وكلّ الّذين يدعمون قضية فلسطين والقدس، وكلّ من يعمل على بقاء فلسطين حيّة في الأدب والشّعر والفن والإعلام.

ويبقى أخيراً أن نستذكر اتفاق 17 أيار؛ هذا الاتفاق المشؤوم الّذي أريد من خلاله إدخال الكيان الصهيوني إلى قلب السّاحة اللبنانيّة، وشرعنة احتلال هذا العدو؛ نستذكر من خلاله الصوت الذي ارتفع آنذاك من مسجد بئر العبد؛ مسجد الإيمان والوعي والجهاد، حيث سقط الشهيد محمد نجدي في هذا الطريق، والذي أطلق الشرارة لإسقاط هذا الاتفاق بأيدي المجاهدين والمقاومين، ليؤكد مجدداً قدرة الشعب على امتلاك حريته وعزته عندما يريد، وليقدّم أنموذجاً للعالم في مقاومة شعب قرر أن ينتصر، فانتصر بعون الله وتوفيقه.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 17 رجب 1435هـ الموافق : 16ايار 2014م

Leave A Reply