الصَّبرُ من علاماتِ الإيمانِ وسبيلٌ إلى الانتصار

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صدق الله العظيم.

من علاماتِ الإيمان

نزلت هذه الآية لتدعو المؤمنين إلى الأخذ بقيمة الصَّبر، وقد اعتبرت أنَّ الصَّبر علامة للإيمان ومظهر من مظاهره، وبدونه لا يتحقَّق. فالإيمان لا يكون إلا بالصَّبر على الطَّاعة، والصَّبر على المعصية، والصَّبر على البلاء، والصَّبر عند مواجهة التحديات.

وفي ذلك، ورد في الحديث أنّ رسول الله (ص)، لما سئل عن الإيمان قال: “الصَّبر”. وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): “الصَّبر في الأمور بمنزلة الرَّأس من الجسد، فإذا فارق الرَّأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصَّبر الأمور فسدت الأمور”. وعنه (ع): “أيُّها النَّاس، عليكم بالصَّبر، فإنه لا دين لمن لا صبر له”، “إذا ذهب الصَّبر ذهب الإيمان”.

ومن يتابع تاريخ الرّسل والأنبياء، يجد أن الطريق الذي سلكوه لبلوغ أهدافهم وإيصال رسالاتهم إلى النَّاس هو صبرهم، فهم بصبرهم استطاعوا أن يواجهوا الضّغوط التي تعرضوا لها، والحروب التي شنَّت عليهم، فلم يضعفوا، ولم يستكينوا، ولم يتراجعوا أمام كلِّ ذلك.

وهذا ما أشار إليه الله سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآَتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

وقال في آية أخرى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ما يؤدِّي إليه الصَّبر على صعيد القوة والغلبة، فقال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}، وقال في آية أخرى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}.

وفي الحديث: “إنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وإنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وإنَّ مع العُسرِ يُسراً”.

وفي الحديث: “إنَّكم لا تدركون ما تحبّون، إلَّا بصبركم على ما تكرهون”. وفي الحديث: “لا يَعدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ، وإن طالَ بهِ الزمانُ”.

فبالصَّبر وتحمّل الألم والثَّبات تُصنع المعجزات وتُقلب المعادلات، وهذا واقع شهدناه ونشهده، وهذا على صعيد الحياة الدّنيا. أمَّا على صعيد الآخرة، فقد بشَّر الله سبحانه الصابرين، فقال: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}. {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وقال في آية أخرى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}، وقال في آية أخرى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

الصَّبرُ لا يعني الخنوع

إننا، ونحن نتحدَّث عن الصَّبر، لا بدَّ لنا من أن نوضح هذا المفهوم الَّذي قد يلتبس فهمه على الكثيرين، فيمارسونه بطريقة خاطئة، كأن تأتي الدعوة إليه لتكون دعوةً إلى الخنوع والخضوع، وقبولاً بالأمر الواقع، حتى لو كان الواقع ظالماً فاسداً وطاغياً… والخانعون غالباً ما يبرّرون تقاعسهم وهزيمتهم، لذا تراهم يردّدون: “فالج لا تعالج”، و”إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون”، “أو هذا قدرنا”… إنَّ كلَّ هذه المقولات لا تمتّ إلى مفهوم الصَّبر ولا إلى المقصد منه بصلة، فالصَّبر في منطق الله هو أن يبقى معك عقلك، وأن لا تتجرَّد من إيمانك عندما تواجه التحدّيات أو الضغوط أو الانفعالات أو رودد الفعل، فلا يستولي عليك خوفك ولا انفعالاتك، ولا غرائزك ولا شهواتك، ولا الضّغوط النفسيَّة أو الماديَّة التي تمارس عليك، لتتحرك في دراسة وتخطيط ووعي للنتائج، ولذلك ورد ذكر الصبر دائماً مقروناً بالعمل والثَّبات والتحدي، كما أشارت إلى ذلك الآيات القرآنيَّة والأحاديث، فالله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}، {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

وإلى هذا أشارت الآية التي تلوناها، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

وقد عبَّر عن ذلك لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

ولذلك ندَّد الله بأولئك الذين يصبرون على الظلم، ولا يتحركون لمواجهته أو يهربون إلى بلادٍ ينعمون فيها بالأمن والعدل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}.

سلبيّاتُ نفادِ الصَّبر

أيُّها الأحبَّة، إنَّ ما نعانيه في واقعنا هو الضّعف الذي لا بدَّ أن نتخفَّف منه، فقد بات من الملاحظ، ومن سمات ما نعيشه اليوم، نفاد صبرنا، وعدم أخذنا بهذه القيمة في حياتنا، بعد أن تركت وتيرة الحياة السريعة التي نراها في ثورة الاتصالات والمعلومات ووسائل النقل تأثيرها في طريقة تفكيرنا؛ بتنا لا نصبر على رغباتنا وشهواتنا ومصالحنا وعلى التعامل مع الآخرين أو عندما تواجهنا التحديات، بتنا نريد للأمور أن تتمَّ بسرعة، أو لا نرضى بها، وهذا ما نشهده على سبيل المثال في الحياة الزوجيَّة؛ فلم يعد الزوج يصبر على زوجته، ولا الزَّوجة تصبر على زوجها… أدنى كلمة من الزوجة تجعل الرَّجل يبادر إلى الطَّلاق، غير عابئ بتهديم أسرته أو حرمان الأمّ من أولادها، وأيّ كلمة من الزوج تدفع الزوجة إلى مغادرة البيت، ولا ترجع إلا بجهدٍ جاهد. وكثيرة هي حالات الطَّلاق التي تأتينا ونعاينها عن قرب، لنكتشف أنَّ سببها هو انعدام الصَّبر من كلِّ منهما، كما ينعدم في المجتمع كله. وهذه ظاهرة ينبغي الالتفات إليها لدرء المخاطر الناجمة عن فقدان هذه القيمة. والأمثلة على ذلك كثيرة، والكلّ بات يلاحظها ويشكو منها.

وهو ما نشهده على صعيد تحصيل المال، فقد بات الهدف هو الكسب السَّريع والوصول السَّريع؛ لا أحد يريد أن يصعد السلّم درجة درجة، إنما يريد أن يحصل على المال أو الموقع بضربة واحدة، كما يرى غيره، بينما لغيره ظروفه، ولذلك تحدث حالات الغشّ والسرقات ويستشري الفساد، وقد يصل الأمر إلى خيانة البلاد والعباد للوصول إلى ما يصبو إليه بأقلِّ جهدٍ وعناء.

وهذا ما نشهده في علاقاتنا الاجتماعيَّة، حيث بات الواحد منا لا يصبر على إساءة حصلت من الآخرين أو خطأ حصل منهم، الأمر الَّذي يؤدِّي إلى توترات وحوادث لا تحمد عقباها…

وحتى بتنا في الدعوة إلى الله لا نصبر على إساءات الآخرين أو ردود فعلهم القاسية في مواجهة ما ندعوهم إليه أو عدم الأخذ به، ولذلك نستعجل الحكم عليهم بانحرافهم أو كفرهم، ونكتفي في أداء دورنا معهم بالتَّبليغ والتحذير، فيما الأمر يحتاج إلى جهود وجهود والتفاني في الرسالية للوصول إليه.

الصَّبرُ أمامَ التحدّيات

أيّها الأحبَّة: إنَّ الوصول إلى قيمة الصَّبر يحتاج إلى أن نبذل جهداً مع أنفسنا؛ أن ندرِّبها على أن لا تحصل على كلِّ شيء ترغبه، أن نجاهدها كي نسوسها، فلا تجمح بنا نحو المخاطر، وأن نوحي إليها دائماً أنَّ المطالب لا تدرك بالتمنّي، بل ببذل الجهد والتضحيات، وقد ورد في الحديث: “عوِّد نفسك التصبّر على المكروه، ونعم الخلق التصبِّر في الحق”.

وقد أشار رسول الله (ص) إلى أنَّ الله وعد بأن يمنح من يتسلَّح بالصَّبر ما يسعى إليه ويعمل لبلوغه، فقد ورد عنه (ص): “مَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، ومَن يَستَعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ، وما اُعطِيَ عَبدٌ عَطاءً هُو خَيرٌ وأوسَعُ مِن الصَّبرِ”.

أيها الأحبَّة: إنَّ حجم التحديات التي تواجهنا تدعونا إلى الصَّبر، فلا نضعف ولا نهزم أمامها، وتدعونا إلى أن نتواصى به، فالمجتمع الَّذي لا يصبر ولا يتواصى بالصَّبر، هو مجتمع خاسر بحسابات الله: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، هو مجتمعٌ سوف يسهل على الآخرين السَّيطرة عليه، من خلال الضَّغط على أمنه وعلى حاجاته ورغباته، وهو لن يحقِّق انتصاراته ويودِّع هزائمه إلَّا إذا صبر، فلنصبر وما صبرنا إلا بالله، وليكن لذلك دعاؤنا: “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”..

أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقَّ، وألهمنا وإيَّاكم الصَّبر…

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله (ص) ذلك الرجل الذي جاء إليه وقال له: يا رسول الله أوصني، قال له: “إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِهِ، وَإِنْ يَكُ غَيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ”.

أيُّها الأحبَّة: نحن أحوج ما نكون إلى هذه الوصيَّة أن تكون حاضرة قبل كلِّ كلمة نطلقها، أو قرار نتخذه، أو موقف بحقّ شخص أو جهة أو أسماء، أو دخول في سلم أو حرب؛ بأن نأخذ في الحسبان تبعات ذلك، وما قد يحصل من ورائه، وما قد يؤدِّي إليه من تداعيات، إن على الصعيد الفردي أو الاجتماعي أو العام، وعلى الآخرة، ومتى حصل ذلك، سنكون أكثر حكمة ووعياً ومسؤوليَّة في مواجهة التحدّيات…

مأساةُ غزّة

والبداية من فلسطين، حيث يستمرّ العدوّ الصهيوني بارتكاب مجازره وفظائعه بحقّ المدنيّين الآمنين في قطاع غزَّة، في استهدافه المباني السكنية على رؤوس ساكنيها، والمرافق الحيويَّة، وصولاً إلى المستشفيات الَّتي لم يعد أغلبها صالحاً لخدمة المرضى والجرحى، وفي استمرار الحصار المطبق عليه، ما يمنع من الحصول على لقمة الخبز والماء والدَّواء وسبل الاستشفاء والوقود، وهو يواكب ذلك باقتحامات متواصلة ومواجهات دامية، وحملة اعتقالات يمارسها في الضفَّة الغربيَّة، ظناً منه أنّه بذلك يستعيد هيبته وقوَّة الردع التي فقدها ويفقدها كلَّ يوم، بفعل الضَّربات التي وجهتها إليه المقاومة الفلسطينيَّة، ولا تزال، وبهدف زرع اليأس في قلوب الفلسطينيّين، ودفعهم إلى مغادرة أرضهم، أو الانصياع للخيارات التي يسعى إليها هذا الكيان، وجعلهم يقبلون بالأمر الواقع الَّذي سيفرضه عليهم.

وهو في ذلك غير آبه بكلِّ الأصوات التي بدأت تتعالى في أغلب بلدان العالم في الشرق والغرب الَّتي تدين جرائمه وارتكاباته بحقّ الشعب الفلسطيني، وتدعوه إلى إيقاف نزيف الدم الذي يودي بالنساء والشيوخ والأطفال.

الصّمودُ في وجهِ العدوّ

ورغم كلِّ المآسي التي نشهدها، والعدوانيَّة التي يقوم بها هذا العدوّ وآلته العسكريَّة، والدَّعم الغربي الكامل الذي يحظى به، نرى في المقابل من لا يزالون يصرّون على منازلته ومواجهته في الميدان لردِّ كيد عدوانه، ويقدِّم في ذلك أمثولات في البطولة والشَّجاعة والإقدام، رغم عدم التكافؤ بين إمكاناته وإمكانات العدوّ، والّتي تجعله غير قادر على التقدّم، وإن تقدَّم فبأكلاف باهظة تثقله وتثقل كيانه.

إنّنا أمام ما يجري، لا بدَّ أن نحيِّي مجدَّداً صمود هذا الشَّعب وثباته وصبره، واستعداده لتقديم أغلى التضحيات من أجل أن يعيش حراً في أرضه، عزيزاً في وطنه.

ونجدِّد دعوتنا بضرورة الوقوف مع هذا الشَّعب ومع قضيَّته في هذه المرحلة العصيبة، انطلاقاً من واجب إنساني وقومي وإسلامي، ومساندته بكلِّ أساليب الدعم ووسائله.

إننا نرى في هذه المرحلة أنَّ الساكت على كلِّ ما جرى ويجري هو شريك ومدان، سواء عند الله الَّذي يرفض السّكوت على الظلم والعدوان، وما يؤدِّي إليه من تمادٍ لهذا العدوّ، ومن يقف معه وخلفه في عدوانه وغيِّه، علماً أنه لن يكون بمنأى عنه في المستقبل.

مسؤوليّةُ الدّولِ العربيّة

ومن هنا، فإننا ندعو الدول العربية والإسلامية التي ستجتمع في جامعة الدول العربية، أو في منظمة التعاون الإسلامي، إلى أن يكون موقفها موحَّداً وصارخاً وحاسماً ومنسجماً مع قيمها ومبادئها، في إدانة ما يتعرَّض له الشعب الفلسطيني العربي والمسلم، والعمل بكلِّ الإمكانات والوسائل التي تمتلكها بما يمنع هذا العدوّ من مواصلة ممارساته الإجراميَّة بحقّ هذا الشعب، وذلك باتخاذ مواقف عمليَّة ورادعة تؤدِّي إلى إيقاف نزف هذا الدَّم العربي والإسلامي، ونحن نرى أنَّ هذه الدول قادرة على القيام بهذا الدَّور إن حرَّرت إرادتها، ووحَّدت جهودها، وقرَّرت أن تخرج من ضعفها وهزيمتها أمام هذا العدوّ ومن وراءه، وتأخذ في الاعتبار نبض شعوبها.

لبنانُ يساندُ غزّة

ونعود إلى لبنان الَّذي لا يزال يقف في الموقع المتقدِّم في مساندة الشعب الفلسطيني، ويقدم التضحيات الجسام من دماء أبنائه وممتلكاتهم ومقدّراتهم، واستعدادهم لتحمل أعباء ذلك، في الوقت الَّذي نشهد، وبشكل يوميّ، استمرار العدوّ الصهيوني باعتداءاته المتكرّرة على القرى اللبنانيّة، والتي تستهدف الأماكن السكنيَّة والمزروعات والمدنيّين، والتي وصلت إلى قتل الأطفال والنساء في خلال تنقلاتهم، وهو ما شهدناه في الاستهداف المتعمَّد لسيارة مدنية أودت بحياة ثلاث فتيات بعمر الورود وجدَّتهم وجرح أمّهم، والتي أراد العدوّ من خلالها بثّ الخوف والرعب في نفوس اللبنانيّين، ودق الإسفين بينهم وبين المقاومة.

إنَّنا أمام ما جرى، إذ ندين هذه الاعتداء الغاشم، في الوقت الّذي نحيِّي صمود أهالينا في جنوبنا العزيز وثباتهم، نتقدَّم بالعزاء إلى والد هذه العائلة الكريمة، وإلى الأمّ الصَّابرة الجريحة، وإلى كلِّ المقاومين الَّذين يبذلون الدماء والتضحيات من أجل حفظ هذه الأرض وكرامة هذا الوطن وعزَّته، ونصرة للشعب الفلسطيني المظلوم، ونقول للعدوّ الذي يريد من وراء ذلك إخافة الشَّعب اللبناني وثنيه عن الوقوف في وجه غطرسته وعلوّه واستكباره، إنه لن يجني من وراء ما حدث إلَّا مزيداً من إصرار هذا الشَّعب ومقاومته الباسلة على مواجهة هذا الكيان، ومنع عبثه بالأرض الَّتي نحن معنيّون بحفظها وإبقائها عزيزة حرَّة كريمة.

إنَّ المرحلة تدعو إلى تجميد كلِّ الخلافات والحسابات الخاصَّة والمصالح الفئويَّة، سواء عبر المواقف والتَّصريحات التي تصدر عبر الوسائل الإعلاميَّة أو مواقع التواصل، لحساب بلد نخشى أن يتداعى وتتداعى أركانه، في ظلِّ التداعيات التي قد تحصل من وراء استمرار العدوّ الصهيوني بعدوانه، والأزمات المعيشية والحياتية التي تزداد يوماً بعد يوم.

***