المبالغة في المدح والثناء

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 
 
الكلمة مسؤولية 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوسُ به نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْه منْ حَبْل الْوَريد * إذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَان عَن الْيَمين وَعَن الشّمَال قَعيدٌ * مَا يَلْفظُ منْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْه رَقيبٌ عَتيدٌ} صدق الله العظيم.
 

لقد شدد الله سبحانه وتعالى الرقابة على ما يصدر منا من قول بما لم يشدده على بقية الجوارح والأعضاء.. وهذا يعود لخطورة الأثر الذي يتركه القول، حتى ورد أن الجوارح تشرف على اللسان عند كل صباح تقول له اتق الله فينا فإنك إن أحسنت أحسنا وإن أسأت أسأنا..

 

فكم من الكلمات رفعت من شأن صاحبها وأعلت من موقعه، وكم من كلمات أحيت أمة وبعثت في النفوس روح الخير والصلاح وعزرت في داخل المجتمع.. وكم من كلمات أفسدت حياة الناس وألحقت بها الأضرار، ومالت بها عن طريق الحق وأثارت الفتن والعداوات، وعطلت إرادة الخير والصلاح..

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى الأثر الذي تتركه الكلمة الواعية والمدروسة: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَديداً * يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}..

 

وفي الحديث الوارد عن رسول الله(ص): "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللَّه تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللَّه له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللَّه له بها سخطه إلى يوم يلقاه"..

وقد ورد في الحديث عن الإمام علي(ع): "رب قول أنفذ من سهام"..

 

وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "أن الرجل ليدنو من الجنة فيتكلم بالكلمة فيتباعد منها"..

 

ولذلك نجد علياً(ع) يحذر رجلاً راح يتكلم وبدون أن يحسب حساباً لكلامه ولا يعي أن كل كلمة تصدر منه أو يكتبها هي مدونة عند الله وسيواجه بها ويحاسب عليها، فقال له: "يا هذا إنك تملي على حافظيك كتاباً"..

 

وعندما سئل عن أي شي في خلق الله أحسن، قال الكلام وعن أي مما خلق الله أقبح، قال الكلام.. ثم قال: بالكلام ابيضت الوجوه وبالكلام اسودت الوجوه"..

 

إذن الكلمة أيها الأحبة مسؤولية ولا بد أن لا ندعها تخرج منا قبل أن ندقق فيها، ونتدبر نتائجها، فالإنسان معني بالآثار والتداعيات التي تتركها.. ولذلك يقول الله: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ في إمَامٍ مُبينٍ}..

 

لذا لا معنى أو حقيقة لما يقال عن أن "الكلام ليس عليه جمرك" أو "هذا كله كلام" وماذا يؤثر الكلام، الكلام مسؤولية كبرى..

 

ومن هنا ورد الحديث: "لسان المؤمن وراء قلبه (هو يتدبر الكلمة قبل أن يطلقها) وإن قلب المنافق من وراء لسانه".. ثم بعد ذلك يفكر بها، ولذلك يضطر أن يعتذر ويتراجع وأن يعالج الآثار التي تركها كلامه عند الآخرين..

 

وقد تدخل التشريع الإسلامي لتحديد أي كلام ينبغي أن نطلقه، ليبيّن لنا الجائز منه من غير الجائز، فهو لم يترك للإنسان خياراً في كلماته بل حدد له الضوابط، وحرم عليه الغيبة والنميمة والكلام البذيء والتنابز بالألقاب والغيبة، ودعا إلى الكلام الأحسن والتعبير الأجمل..

 

المبالغة في المدح

ونحن هنا نشير إلى واحدة من هذه المفردات التي كان للإسلام موقف منها، وهو المبالغة في المدح إلى حد الغلو، فالمدح أمر طبيعي أن يصدر من الإنسان للآخرين الذين يقومون بأعمال خيرة وفيها فائدة لأنفسهم أو مجتمعهم لتشجيعهم عليها وحث الآخرين على الاقتداء بهم، ولكن المشكلة دائماً في المغالاة..

 

ففي المغالاة مغايرة للحقيقة فهو كذب، وغش لمن نمدحهم عندما يرون أنفسهم أكبر من واقعهم فيصيبهم العجب والغرور، وهو غش للمجتمع وللحقيقة عندما يؤدي هذا الإطراء إلى رفع أشخاص إلى مواقع ليسوا أهلاً لها وإلى تضييع معايير التقييم.

 

وتتعدد الأسباب التي تدفع إلى هذا السلوك، فهو ينشأ ممن يرتفع بحبه إلى درجة المغالاة فيدع مشاعره وأحاسيسه تطغى عليه ليفيض على محبوبه عناوين وألقاباً ليست عنده أو يعلي من مقامه أكثر مما يستحق.

 

وقد تعود المغالاة هذه إلى التعصب، فالمتعصب لا يرى في من يتعصب له الا صفات الكمال، بل قد يرى أخطاءه إيجابيات، ويكفي أن تنتقد حتى إيجابياً من يتعصب له في أمر ما لترى رد فعله يفيض غضباً وشرراً..

 

وقد تعود ظاهرة المغالاة في أسوأ تعابيرها إلى الرغبة بالوصول لرضا من يُمدحون وبلوغ ما عندهم من مال أو جاه، وهذا نجده في المتملقين والمتزلفين وممن نسميهم بأنهم يمسحون الجوخ، نجد ذلك في كل ساحة تحضر فيها مواقع القوة والمال والسلطان..

 

إن هذا الأسلوب الذي أخذ يتفشى في مجتمعنا، يتقنه المتسلقون على الألقاب والمدح والثناء الذين يريدون الوصول بسرعة إلى المواقع المتقدمة وهم لا يتمكنون من الوصول إليها بقدراتهم وإمكاناتهم أو بالمداخل الطبيعية، أو هي رغبة من يتزلفون لهم من أصحاب المواقع في سماع أهازيج الثناء والمدح..

 

لقد رفض الإسلام هذه الظاهرة، ودعا إلى مواجهتها وسعى لعلاجها لخطورتها الكبيرة على الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية للمجتمع، فهي تسمم العلاقات الإنسانية، وتشوش ميزان الحقيقة والخطأ، وتضيع معايير النجاح والفشل، وتجمد تقدم العلم والمعرفة..

 

فهو دعا المادحين إلى الالتزام بالعدل، فالمادح قاضي ولا بد من القاضي أن يكون عادلاً، والعدالة هنا أن يعطي من يمدحه ما يستحقه من المدح أن لا يزاد منه ولا ينتقص، فميزان المدح عند العادل لا بد أن يكون دقيقاً، يوازي ميزان الذهب..

 

ولذلك قال تعالى: {وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}.. فلا يدخل في تقييمه أي جانب ذاتي أو شخصي أو مصلحي، وقد قال الله سبحانه في آية أخرى: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}..

 

وقد جاء التوجيه أيضاً إلى الممدوحين وخصوصاً الزعماء عندما دعاهم إلى الحذر من المادحين وإلى عدم الإصغاء إلى المادحين المغالين منهم ورفضهم وأن لا يدعوهم يصلون إلى غاياتهم من خلال ذلك.. فقد ورد عن رسول الله(ص): "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله"..

 

وقد ورد علي(ع) يوماً على رجل أكثر من الثناء عليه قائلاً: "فَلاَ تُكَلّمُوني بَمَا تُكَلَّمُ به الْجَبَابرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا منّي بمَا يُتَحَفَّظُ به عنْدَ أَهْل الْبَادرَة، وَلاَ تُخَالطُوني بالْمُصَانَعَة، وَلاَ تَظُنّوا بيَ اسْتثْقَالاً في حَقّ قيلَ لي، وَلاَ الْتمَاسَ إعْظَام لنَفْسي، فَإنَّهُ مَن اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْه.."..

 

فقد جاء في نهج البلاغة: أنه قال لرجل أفرط في الثناء عليه: "أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك"، لكون الإمام علي(ع) وهو في موقع القيادة، عرف أن هذا الرجل غير صادق في مدحه وإنما يتزلف بهذا الكلام للوصول إلى غايته المادية أو المعنوية، وهو بذلك أراد أن يقطع الطريق على المتزلفين أمثاله..

 

ويبقى التوجيه للذين يعتقدون أن بلوغ قلوب الناس وتحقيق آمالهم في الحياة يأتي من خلال الإطراء  والتزلف.. أنتم مخطئون فالحياة بكل مفرداتها لم يجعلها الله بيد أحد، هي بيد الله فمن أراد الوصول وتحقيق أمانيه عليه أن يبلغها من خلال من بيده قرار الرفع والخفض والإعزاز والإذلال ومن بيده مفاتيح قلوب الناس: {قُل اللَّهُمَّ مَالكَ الْمُلْك تُؤْتي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزعُ الْمُلْكَ ممَّنْ تَشَاءُ وَتُعزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذلُّ مَنْ تَشَاءُ بيَدكَ الْخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ}..

 

ولذلك إذا أراد أحد أن يصل وأن يبلغ ما عند الآخرين، هو لا يكون بالتزلف والتملق، يكون من باب الله من باب تقواه وطاعته وكل من هم دونه وسائل ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا بالله..

وقد ورد في القرآن الكريم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}..

 

وقد ورد في الحديث عن الإمام علي(ع): "من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له دنياه".

 

وورد في الحديث: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس"..

 

ولذلك ليكن نظرنا في كل أمورنا إلى الله لنصلح الأمر معه، وعند ذلك لن نغالي حتى نبلغ ما عند الناس، فأمرنا ليس بيدهم هو بيد الله الذي هو إن شاء أعطى وإن شاء منع والأمر كله يرجع إليه..

 

 الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرضا (ع) تلميذه السيد عبد العظيم الحسن، الذي يطلق عليه الشاه عبد العظيم، حين قال له: "يا عبد العظيم، أبلغ عني أوليائي السلام، وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومرهم بالصدق في الحديث، وأداء الأمانة، وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك، وأسخط ولياً من أوليائي، دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب، وكان في الآخرة من الخاسرين".

 

أيها الأحبة، ونحن نستعيد ذكرى هذا الإمام الذي ارتحل إلى ربه في السابع عشر من شهر صفر، لنتأمل كيف توعَّد من يثيرون الأحقاد والبغضاء بين المؤمنين، لأي سبب، بالدعاء عليهم، ليتحملوا عندها النتائج.

 

ويقول الإمام أيضاً في وصيته: "وعرّفهم أنّ الله قد غفر لمحسنهم، وتجاوز عن مُسيئهم، إلاّ مَن آذى ولياً من أوليائي، أو أضمر له سوءاً، فإنّ الله لا يغفر له حتّى يرجع عنه، فإن رجع عنه، وإلاّ نزع روح الإيمان عن قلبه، وخرج عن ولايتي، ولم يكن له نصيبٌ في ولايتنا".

 

هذه هي الصورة التي أرادها الإمام الرضا (ع) لنفسه ومحبيه. وبغيرها، لا يمكن لهم أن ينسبوا أنفسهم إليه أو أن يكونوا من محبيه، فمحبته ثمنها الالتزام بكل ما أمر به، وعلينا أن ندفع هذا الثمن، وبذلك نكون أفضل، ونقدر على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي طوى سنة من عهد جاء محملاً بالوعود والآمال بإخراج البلد من كثير مما يعانيه إنسانه. ومن حق اللبنانيين أن يطلّعوا على ما حصل خلال هذه السنة من إنجازات، وإذا كان من عراقيل أو إخفاقات، فلا بدَّ من إطلاع الرأي العام عليها، ومن واجب المسؤول أن يقدم حسابه للناس.

 

ونحن هنا، لا نريد أن نقيّم العهد في سنة واحدة، وخصوصاً بعد أن اصطدم بالكثير من الملفات الشائكة والمعقدة، ولكن من حقّ اللبنانيين أن يتوقَّفوا عندما يستمعون إلى من هو في أعلى موقع في الدولة في حديثه عن واقع البلد وتقييمه لأسباب إخفاق المرحلة السابقة، عند مقولة إنَّ مواجهة الفساد لم تتوفر ظروفها بعد، من دون أن يبين ما هي الظروف، ومتى تتوافر، أو عندما يقول إنَّه لا يمكن فتح معركة الفساد قبل أن تتركز أركان الدولة، وهنا أيضاً من دون توضيح متى وكيف سيتم هذا التركيز، أو في قوله إن المحاصصة أمر واقع، وهي العرف المتبع حتى اليوم في نظامنا الطائفي، من دون تحديد آلية للخروج من هذا الواقع، أو عندما يترك بعض الأسئلة من دون أجوبة حاسمة.

 

هذا لا يعني أنَّنا بذلك ننفي إنجازات حصلت بعد إقرار قانون الانتخاب، أو موازنة العام 2017، وسلسلة الرتب والرواتب، أو مواجهة الإرهاب والتصدي له على الحدود الشرقية، وتأمين الحد الممكن من التوافق الداخلي والاستقرار في مرحلة التجاذبات التي تعيشها المنطقة، وهو ما مكَّن الحكومة من العمل.

 

لكن على العهد، وطبعاً عندما نقول العهد نقصد مؤسسات الدولة جميعاً، مسؤوليات كبيرة تجاه اللبنانيين، لمعالجة المشكلات المزمنة التي تطال أبسط مقومات حياتهم، فحجم الآمال التي طرحت لا تزال أقل بكثير من حجم الوقائع على الأرض.

 

في هذا الوقت، يعيش اللبنانيون أجواءً من التوتر والخوف من قادم الأيام، بفعل التغريدات التي لم نفهم خلفياتها إلى الآن، ولم نفهم غاياتها، بعد أن حملت تهديداً واضحاً للبنانيين ولحكومتهم إن لم يتخذوا موقفاً من مكون أساسي من مكونات هذا البلد، من دون أن يؤخذ بالاعتبار ما قد يسببه ذلك من اهتزاز لاستقرار البلد، رغم أن هذا الاهتزاز ليس لأحد فيه مصلحة.

إن من المفترض على كل الحريصين على هذا البلد أن يأخذوا خصوصيته وتركيبته والتوازن الموجود فيه بعين الاعتبار، وإذا كان هناك خلاف مع فريق من اللبنانيين، فإنه لا يعالج بطريقة تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، بل بالحوار البناء ومعالجة جذور الخلاف وأسبابه الحقيقية التي تتصل بالداخل اللبناني أو خارجه.

 

إن على العالم العربي أن لا ينسى الدور الذي قام به اللبنانيون على مستوى القضايا العربية والإسلامية، ويكفي في ذلك قيامهم بكف يد العدو الصهيوني، ومنعه من الاستمرار في غطرسته، ومواجهة الإرهاب الذي هدد ويهدد البلاد العربية، وتحمل مئات الألوف من النازحين. ولأجل ذلك، ينتظر اللبنانيون من العالم العربي أن يكون عوناً لهم وقوة أمام كل التهديدات التي يواجهونها.

 

إنَّنا في لبنان سنبقى نراهن على أركان الدولة وحرصهم على التماسك الداخليّ في مواجهة أيّ توتر يهدد الساحة الداخلية، وهذا ما لمسناه في الأيام الماضية، ونأمل أن نلمسه في الأيام القادمة.

 

وعد بلفور

ونصل إلى الذكرى المئوية لوعد بلفور، إلى اليوم المشؤوم الذي وعد فيه وزير خارجية بريطانيا بلفور في العام 1917 الكيان الصهيوني بأن تكون فلسطين وطناً قومياً لليهود على حساب أهلها وشعبها، والهدف هو خلق كيان في هذه المنطقة يمنع تطورها ونموها، ويجعلها دائماً في دائرة التوتر، لتكون حارساً لهيمنة الغرب في المنطقة… ولا يخفى على أحد مدى الآلام التي تركها هذا الوعد عند الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

 

لقد كنا ننتظر من بريطانيا أن يكون موقعها منسجماً مع المبادئ والقيم التي تتحدث عنها؛ قيم حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في العيش الكريم، وأن يكون لها دور أكثر في معالجة النتائج الكارثية التي حصلت، لا أن يكون دورها الاحتفال بهذه المناسبة، فهذا الوعد، برغم تجميله، غير مقبول على المستوى الأخلاقي والإنساني.

 

وهنا، نقدّر الأصوات التي انطلقت من داخل بريطانيا وخارجها، فيما نشهد الكثير من الصمت في أكثر من بلد عربي وإسلامي.

لقد كشف وعد بلفور عن هشاشة كانت تعيشها الأمة العربية والإسلامية، وعدم مبالاة لدى حكامها، فهذا ما أتاح الفرصة للوعد بأن يتحقق وأن يستمر طوال هذه الفترة الطويلة من الزمن، حتى أصبح عند البعض حقيقة واقعية لا بد من التعامل معها.

 

ونحن اليوم نخشى أن تكون الهشاشة التي كان العالم العربي والإسلامي يعيشها، ولا يزال، بفعل الفتن التي تعصف به، سبيلاً لهذا الكيان، لتثبيت وجوده، وتعزيز موقعه العدواني، وإسقاط أي أمل للفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم وتقرير مصيرهم.

سنبقى نراهن على وعي الشعب الفلسطيني ووحدته ووقوفه صفاً واحداً في مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني، وعلى وعي الشعوب العربية والإسلامية، وتنامي روح المقاومة والرفض للمشروع الصهيوني، التي تشكّل الأمل الّذي سيعيد فلسطين في يوم ما إلى أهلها، وهو وعد كان مفعولاً.

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ:14صفر 1439هـ الموافق: 3تشرين الثاني2017م

 

Leave A Reply