النفاق: مرض اخلاقي وايماني

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه في كتابه العزيز:

«يوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»

«يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ» صدق الله العلي العظيم

  النفاق في اللغة، هو ان يظهر الانسان بصورة غير ما هو عليها، وأصل هذه الكلمة من النفق الذي تحفره بعض الحيوانات وتجعل له فتحتين فإذا هاجمها العدو ليفترسها، وجاءها من فتحة هربت من الفتحة الأخرى لتنجو بنفسها. والمنافق وانطلاقاً من اصل هذه الكلمة  يعتمد على الأنفاق في شخصيته  لينجو بنفسه ؛ شخصية تظهر وشخصية تتوارى، شخصية يطل من خلالها على من حوله  ويُرضي من خلالها الناس ، وأخرى يبقيها خلف الستار وفي العتمة وهي شخصيته الحقيقية .

… والحديث عن النفاق لا يقف عند حدود النفاق العقيدي الذي يعني ان يُخفي الانسان الكفر ويظهر الايمان، (والذي ظهر في عهد رسول الله عندما كان في المدينة المنورة وبدأ مع عبدالله بن أبي الذي اعتنق الاسلام نفاقاً وصار فيما بعد ظاهرة هددت الاسلام من الداخل ونزلت الايات الكثيرة حتى هناك سورة باسم المنافقين) ودائرة النفاق تتسع لتشمل اضافة للنفاق العقيدي النفاق الاجتماعي والسياسي والفكري… فالنفاق عدّة شغل يستعملها البعض كلما فضل عدم المواجهة أو ليحصل على شيء ما: مصلحة، قرب، موقع، صحبة، مال، حظوة… وما الى ذلك.

 والنفاق يبدأ على المستوى النفسي على نار هادئة في قلب الإنسان، يبدأ  بالمسايرة وينتهي بالمؤامرة ..  نعم في حالات كثيرة يبدأ النفاق مسايرة. تساير شخصا في آرائه ومواقفه، تضحك له، توحي له انه محق  في ما يشكو او يقول. كل شيء يقوله تقول عنه صحيح، وانت غير مقتنع.
  أما اشد النفاق فهو أن تتحوّل المسايرة والمجاراة عملا او سلوكا… مثلا كمن يؤدي أعماله في مكان ما او كمن يحضر في مناسبة ما لأجل ان يكسب ثقة ناس يهمه رأيهم ، او كمن يتصدق كي يذكر اسمه، او كمن يبذل الخير ليرفع على الأكف أولاً، او ليوضع في الصفوف الأمامية. هنا يأخذ النفاق منحى جديا وعمليا..

  فإذا ترسّخ في النفس أصبح أعقد وهو ما قال عنه أمير المؤمنين(ع) «أشدّ النّاس نفاقا من أمر بالطّاعة و لم يعمل بها، و نهى عن المعصية ولم ينته عنها»  ونصيب هذا النوع من المنافقين عند الله معروف، اذ يقول القرآن الكريم « إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً»

  فكم من الناس تسمعهم يستهجنون ويستنكرون امرا يقع امامهم، وربما يلقي واحدهم مقطوعة طويلة من المواعظ والأحاديث، يعلمك فيها مكارم الأخلاق والفضائل حتى اذا خلا الى شياطينه تنكر لكل ما قاله، كما يقول الله تعالى «…وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ»

«مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ*وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا»

  انها صورة بشعة للانسان المتلوّن كالحرباء، يبدّل وجهه وقوله وفعله ساعة يشاء يخضع لهذا، ويتذلل لذاك، ويتزلف ويمالئ، يمدح ويتملق لبيع ماء وجهه وكرامته. هو ذو الوجهين واللسانين، ويقول الامام الكاظم لاحد اصحابه : «يا هشام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً»

وهنا قد يقول قائل وماذا عن اللياقة ومداراة الناس؟ ألم يأمرنا الرسول(ص) بذلك؟ هذا صحيح، لكن المداراة شيء والنفاق شيء آخر،  نتذلل ونخضع ونساير محبة ولغايات أخلاقية بحتة وليس لمصلحة أو منفعة شخصية…  ليس نفاقاً ان تجامل صديقك أو جارك بكلمة طيبة، وليس نفاقاً ان تمدح ابنك لتنمي عنده خصلة حميدة، لكن المشكلة عندما يتحول الثناء وسيلة للكسب، وباباً لاصطياد فرصة وظيفة او ربح او حظوة او قرب، أو عندما يخرج الثناء عن حدوده، أو عندما تمدح من ليس اهلاً للمدح.  اذا العلامة الفارقة هي في الاهداف، والغاية ابدا لا تبرر النفاق كوسيلة للوصول..

ولكن مع الأسف هناك الكثير من الناس وفي مختلف المواقع باتوا يتقنون هذا الاسلوب، أسلوب التلون، وبعض الناس ماهر في خلع ثوبه، وتبديل جلده ساعة يشاء، وحسب ما تقتضي المصلحة. وبات لهذا المنطق منظّرون (سايره لتوصل) وعادة تمسيح الجوخ  والانحناء هي عدة  الوصول اما اللسان فهو الاساس: (فلان تعبان على لسانو  يعني لسانو بيساعدو ليخفي ما في داخلو..) وهنا يأتي حديث رسول الله: "أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان"

النفاق ايها الاحبة هو تمثيل…لكن، على مسرح الحياة والمجتمع، وما أكثر من يمثلون وهم يعيشون بيننا.. يمثلون بعواطفهم وكلماتهم كما ورد: "المنافق يملك عينه يبكي كما يشاء ومتى يشاء" هؤلاء الناس للاسف فقدوا قيمة الصفاء.. هناك اناس كثر يعيشون مع بعض ولا يعرفون بعضهم.. لماذا لانهم فقدوا الصفاء اللازم الذي يؤمن  الشفافية التي تبرهن ان ظاهرهم كباطنهم او كما يقولون: (ما عندهم شي يخبوه).

 فليكن همنا ان نحافظ على الصفاء بداخلنا، لنزيل الشوائب  التي تعيق الرؤية عنا، وليكن كل منا نسخة واحدة هي هي لا تتلون او تتبدل او تظهر ما ليس فيها  ، والاهم ان لا نكون بلسانين او وجهين او ب ألسن متعددة ووجوه متنوعة.. قال الله تبارك وتعالى للسيد المسيح(ع): « يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية لسانا واحدا وكذلك قلبك، إني احذرك نفسك وكفى بي خبيرا، لا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان في صدر واحد»

 كن كما انت وعلى طريقتك؛  كيف تأكل في البيت وكيف تتكلم وكيف تعامل أطفالك .. ابق كما انت امام الآخرين.. لا تحاول ان تنافق نفسك، وتحاول ان تظهر بنمط عيش هو ليس لك .. ان تبدو مثل جماعة معينة او تقلد اناساً أخرين ..لا تضحك على نفسك ولا تنافق .. كن نفسك ،كن أنت .. الخطأ خطأ لا تفعله سرا ولا علانية والصحيح صحيح سواء أفعلته سراً أم علانية..

بعض الناس نتيجة نفاقهم مع انفسهم يعيشون في الوهم، ويعيشون في كذبة كبرى، يعيشون بعيون ليست عيونهم وبأثواب ليست من مقاسهم ولا يفيقون من لعبة نفاقهم الا بعد فوات الأولان، وبعد تدمير إيمانهم وحياتهم وآخرتهم. يبدأ الامر بنفاق بسيط البعض يعتبره حلما ويقول لك اتركني أحلم، ولكن فيما بعد  تراه مستعدا لارتكاب المحرمات ليظل في الحلم..

 

أيها الاحبة:

المنافقون كثر والبعض يمتهن النفاق ويدمن عليه وهؤلاء مشكلة ولكن المشكلة الاكبر هي في من يٌنافق له او يٌتملق له او يُمسح الجوخ له.. كيف يقبل، كيف يمرر؟  للاسف يصبح الأمر نفاقا من الطرفين، نفاقا مركبا  فيه سكوت مريب وتواطؤ خطير.

واكبر مثل للتعامل مع المنافق هو ما حدث مع الامام علي عندما جاءه من يمدحه ويتملق له. الامام علي فضحه  لانه خبير بالانسان والنفس البشرية وضعه عند حده بالقول: " يا هذا انا دون ما تقول وفوق ما في نفسك". تعالوا   نتعلم هذا الدرس من علي عليه السلام. الى كل من هو في مواقع المسؤولية؛ مديرين ورؤوساء وزعماء، نقول: اذا جاءك المداحون أو (الحريصون)، ابنوا حاجزا بينكم وبينهم، وافضحوهم كما فعل الامام، واحثوا في وجوههم التراب ، كما يقول الحديث "احثوا في وجوه المداحين التراب".. لا تستأنسوا ولا تركنوا الى من  يدخل  مكتبكم مادحا ومطأطئا يريد منكم ان تعلقوا له نيشانا " فمن مدحك فقد ذبحك " يضعك على مذبحه هو، ليحقق ما يصبو إليه، ومع الوقت يسحرك لتعيش في فلكه، ويمنع عنك القرارات السليمة، تصبح ألعوبة انت في يده، يحقق من خلالك ما يريد ولكن على نار هادئة وعلى مهل.

لا تعوّد العامل لديك او الموظف في مؤسستك على ان يتقرب اليك بشيء شخصي، بهدية مثلا، أو يتزلف أو يتملق، فانك بذلك توفر على نفسك غشا وتضليلا وفساداً، وتوفر عليه رحلة نفاق لا تحمد عقباها :{  إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا» }

لا تتعودوا ان ينافقكم أحد.. حتى أبناؤكم الصغار لا تسمحوا لأحد منهم ان يتملق او(يُدَهون) فيما هو يخفي أموراً أخرى او يرغب بأمور أخرى.. فالنفاق سلوك كما الكثير من الامور، أول ما يلتقطها الطفل في البيت.. 

الى كل المربين والمعلمين: لا تعودوا الاولاد على النفاق.. لا تقحموهم في ما لا يريدون أو يستطيعون، فينافقوكم ويسايروكم ما دمتم معهم، وعندما تديرون ظهوركم يتخلون عن آرائهم ومواقفهم. حتى الصلاة  تأكدوا انهم لا يقومون بها  نفاقاً، واعملوا ليكون كل ما يقومون به نابعاً من قناعة واعملوا لزرع القناعات الراسخة التي لا تتزعزع..

 

أيها الأحبة

ان النفاق مرض اخلاقي وايماني، واذا انتشر تحول طاعوناً، قد تترتب عليه نتائج خطيرة فقد يتحول عدوى وشوكة وخنجراً والامام علي(ع) يحذر من لم ينجُ من هذا الطاعون: «أحذّركم أهل النفاق فإنهم الضالّون المضلّون والزالّون المزلّون»..« أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ»

فلنكن الصادقين الذين تُطابق علائنهم سرائرهم واقوالهم افعالهم وقلوبهم جوارحهم.

«اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفاقِ وَعَمَلِي مِنَ الرِّياءِ وَلِسانِي مِنَ الكَذِبِ وَعَيْنِي مِنَ

الخِيانَةِ، فَإنَّكَ تَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ يا ارحم الراحمين»

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا العمل بما ورد في هذا الحديث المروي عن رسول الله(ص)، حيث قال: "سبعة في ظلِّ عرش الله عزَّ وجلَّ يوم لا ظلّ إلا ظلّه: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل تصدَّق بيمينه فأخفاه عن شماله، ورجل ذكر الله عزَّ وجلَّ خالياً، ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل لقي أخاه المؤمن، فقال: إني لأحبك في الله عزَّ وجلَّ، ورجل خرج من المسجد وفي نيته أن يرجع إليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين".

أيّها الأحبّة، إنَّ أمر الجنة بيدينا، والوصول إليها ليس شاقاً ولا صعباً، بل يحتاج منا إلى قرار فقط، لتكون الجنة همنا. وعندما تكون الجنة همنا، سنصفو ونعدل، وسنكون رسل خير في الحياة، وسنكون أكثر صبراً وإرادةً، وأقدر على مواجهة التحديات.

والبداية من لبنان، حيث انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لصالح التوافق، كبديل عن الانقسام الذي لا يريد اللبنانيون العودة إليه، ولا سيما في موقع رئاسة الجمهورية، الذي ينبغي أن يبقى موقع الحكم الجامع بين اللبنانيين.

ومن هنا، فإننا ندعو إلى أن تُفضي الجلسات القادمة في المجلس النيابي إلى تحقيق هذا الخيار، والتوافق على شخص الرئيس، وعدم الوصول إلى مرحلة الفراغ التي يخشاها اللبنانيون، لكونها تجعل الوطن في مهب رياح التجاذبات الإقليمية والدولية وتداخلاتها.

ونحن نرى أنَّ الطَّريق الأسلم لذلك، هو التوافق على مواصفات الرئيس الجديد الذي تحتاجه هذه المرحلة الصعبة في لبنان، حيث يعاني البلد أزمات داخلية على المستوى الأمني والاقتصادي والمعيشي، كما يعاني تداعيات تطوّرات ما يجري في محيطه عليه، فضلاً عن الخطر الصهيوني المستمر، وخروقات العدو المستمرة للبر والبحر والجو.

إنَّ اللبنانيين بحاجةٍ إلى رئيس قوي، لا بعضلاته، أو بعضلات فريقه السياسي، أو بما يملك من امتداد دولي وإقليمي، وبما يملك من جبروت وسلطة، بل من خلال قدرته على تحقيق التفاف اللبنانيين حوله، ومدّ جسور التواصل فيما بينهم، وتعميق أواصر الوحدة الوطنية.

إنَّنا نحتاج إلى الرّئيس الّذي يمثّل بشخصه عنوان هذا البلد؛ بلد الرسالات السماويَّة والقيم الأخلاقيَّة؛ الرّئيس الّذي يفخر اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، بتاريخه وحاضره، لا الَّذي يخجلون منه، الرّئيس الّذي يقدر على إخراج البلد من أزماته، ولا يزيد من تعميق تلك الأزمات وتعقيدها، الرئيس الذي يعيش آمال اللبنانيين وطموحاتهم وأحلامهم، ويفكّر في السبيل الذي يخلّصهم من آلامهم ومعاناتهم الدائمة، الرئيس الذي يقي البلد من المخاطر التي تحيط به، ولا يتنكّر لخطر الكيان الصهيوني، الذي يبقى الخطر الأساسي الّذي يتهدّد وحدة لبنان واستقراره، الرئيس الذي يحمي مواقع القوة الموجودة داخل الوطن، ويسعى إلى تمتينها، ولا سيما قوة المقاومة، التي كانت دائماً سنداً للجيش اللبناني، والتي ساهمت في حماية لبنان من العدو الصهيوني، ولا تزال حاجةً له في ظل غطرسة هذا العدو، الرئيس الذي ينفتح على العالم العربي والإسلامي، ويقي لبنان من أن يكون ساحة لتنفيس التوترات، الرئيس الذي يحقق الاستقرار المطلوب في البلد، حتى لا يكون ساحة للآخرين، بحيث يلعبون بمصيره أو مصير أبنائه، الرئيس الذي يفكّر في لبنان الداخل كما يفكّر في لبنان المغترب.

لقد تعب اللبنانيّون من رؤساء مغامرين، أو باحثين عن مواقع لهم بأي ثمن كان، أو رؤساء يديرون الأزمات، أو يكونون صدى لإرادة الخارج. إنهم يريدون من المجلس النيابي أن يكون معبّراً عنهم، أن يتحرك من وحي معاناتهم، ويتطلّع إلى مصالحهم، وأن يكونوا بوصلته وهدف عمله، ويكون في خدمتهم، لا في خدمة المواقع الدولية والإقليمية.

إنّنا نخشى الحديث المتكرّر عن ارتباط ملف رئيس الجمهورية بملفات رئاسية أخرى، ولا سيما في سوريا. ومن هنا، تقع المسؤولية على عاتق المجلس النيابي، لتفويت الفرصة على كل الذين يريدون للبنان أن يبقى صدى لصراعات المنطقة، فيما نريده أن يبقى صوتاً مميزاً.

ووسط كل ذلك، ينبغي أن لا يغيب عن المجلس النيابي، رغم أهمية الاستحقاق الرئاسي وتداعياته، متابعة عمله الذي بدأه، من أجل إيجاد حل لمسألة سلسلة الرتب والرواتب، وقضية المعلمين، بما يحقّق متطلّبات هذا القطاع، ويكفل حقّ أبنائه في العيش الكريم، وفق إمكانات الاقتصاد والخزينة العامة، وبما لا يرتّب أعباء إضافيّة على الفقراء والمحرومين.

ونصل إلى فلسطين، لنبارك الجهود الفلسطينية التي أدت إلى المصالحة بين السّلطة الفلسطينيّة وحماس، والّتي نأمل أن تُتوّج بحكومة موحّدة، لتشكّل الردّ الأفضل على الاستباحة الصّهيونيّة لفلسطين الوطن والشّعب، حيث يستمر العدوان العسكري على غزة، كما يستمر مسلسل الاعتقالات في الضفة الغربية، وسياسة الاستيطان والتهويد للقدس والمسجد الأقصى، في ظلّ سعي هذا العدو لإجهاض المصالحة، من خلال الضغط على السلطة الفلسطينية بكل الوسائل.

وأخيراً، لا بدَّ من التوقّف عند ظاهرة حوادث السير المتكررة، التي توقع ضحايا وجرحى كل يوم، والتي يعود السبب فيها إلى السرعة، وعدم مراعاة قواعد السّلامة العامة في السير. إننا نعيد التذكير بالحكم الشرعي في هذا الموضوع، ونؤكّد عدم جواز تجاوز السّرعة المحدّدة، أو استعمال الهاتف النقال أو وسائل التواصل خلال القيادة، أو الاستهتار بمتطلّبات الأمان، سواء كان حزام الأمان أو غيره، فلا يجوز للإنسان أن يعرض حياته أو حياة الآخرين للخطر، وبالتالي، فهو يتحمّل المسؤوليّة الشرعيّة، كما القانونية، عن كل النتائج المترتبة على السرعة.

إنّ حياة الإنسان مسؤولية، وعلينا أن لا نفرط فيها لحساب نزوة، أو رغبةً وحباً بالسرعة، أو مجاراة للآخرين، أو نتيجة إهمال. إنها مسؤولية أمام الله وتجاه كل من نحن معنيون بهم من أحبائنا وأعزائنا.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ : 25جمادي الآخرة 1435هـ الموافق : 25نيسان 2014م
 

 

 

 

Leave A Reply