انتصار المستضعفين على المستكبرين: سنّة الهية

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون}

إن من السنن التي أجراها الله في حياة عباده سنة انتصار الحق والعدل والاستضعاف على الباطل والظلم والاستكبار.. ولكنها كسنن الله في خلقه تجري بأسبابها، و أسباب هذه السنة تتمثل بنهوض أتباع الحق ودعاته في مواجهة أصحاب الباطل وناشريه، وفي عدم استكانة العاملين للعدل أمام جبروت الظالمين والطغاة..فلا يرضى المستضعفون باستضعافهم باعتباره قدراً.. بل يعملون على صناعة القوة، فالله قد وعد: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

 

وقد قدم القرآن الكريم العديد من النماذج الإيمانية والإنسانية التي صارعت الطغاة والمستكبرين وحققت بتأييد الله وعونه النصر الكبير. و من أكثر النماذج ذكرا في القران الكريم أنموذج النبي موسى في مواجهة فرعون.

هذه المواجهة التي حصلت بفعل حالة الطغيان والعلو والاستكبار التي عاشها فرعون.. ودفعته إلى أن يقتل ويذبح ويستهين بأعراض الناس وأرواحهم وأموالهم.. وقد بلغ به فائض القوة إلى أن يُعلن وأمام الملأ: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي * أَفَلَا تُبْصِرُونَ}..كما بلغ به الاستبداد والاعتداد إلى أن يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.

 

يومها طأطأ الناس رؤوسهم لجبروت فرعون خوفاً وطمعاً، إلا أن النبي موسى استجاب لربه حين جاءه النداء حاسماً إليه وإلى أخيه هارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *  فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.

وهنا نتعلم من القرآن أنه لا بد من اتباع كل سبل الحوار والإقناع وإقامة الحجة والدليل مع الطرف المقابل، فالحوار مطلوب حتى مع طاغية بحجم فرعون.. ففي منهج الأنبياء الحوار هو الأساس، والإصرار عليه هو المبدأ، أما المواجهة فتأتي بعد ذلك، تأتي بعد استنفاد هذه الوسيلة لحسم الخلاف، وأعداء الأنبياء هم دائماً الذين يفرضون المواجهة المباشرة، لأن الحوار بالحسنى والمنطق يفضح حقيقتهم ويكشف ضعفهم.

ولكن، وكعادة الطواغيت يستخف فرعون الغارق في أوهامه بموسى وهارون، أعمته قصوره وخدمه وحشمه وعدد جيشه وملكه المترامي كل هذا صرفه عن رؤية حقيقة المشهد الذي ينتصب أمامه.

وكان من الطبيعي أن يقول طاغية مثله لمن حوله معبراً عن استخفافه بموسى: {مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}، علماً أن فرعون كان يعرف موسى جيداً بعد أن تربى في قصره كما تذكر سيرة ولادته.. وهذا التوهين والتصغير من حجم الآخرين هو سلاح يستخدمه الطغاة …

النبي موسى(ع) لم يعر بالاً بكل هذا، وبلّغ  فرعون ما دعاه إليه ربه بأن يرفع الظلم والقتل والاستبداد عن المستضعفين في مصر التي كان يحكمها.

وفي الخطوة الثانية وحتى يهز عنفوانه وجبروته أظهرموسى لفرعون المعجزات التي أجراها الله على يديه..عندما ألقى عصاه أمام فرعون وملئه فإذا هي ثعبان مخيف، ثم أدخل يده في جيبه ثم نزعها فإذا هي بيضاء تشع نوراً عم أرجاء المكان..

كان ذلك كافياً لجعل فرعون يفكر، وعلى الأقل أن يعيد حساباته.. لكنه على العكس سارع إلى رد التحدي بمنطقه الجبروتي، متجاهلاً معجزة موسى، صنّفها في خانة السحر، خوفاً من أن ينفضح أمره، وقال أرسلوا إلى المدائن ليأتوا بكل ساحر عليم {ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ}. وجرى ما جرى من إنتصار كبير لموسى ورسالته بعون من الله، لاسيما بعد أن أخذ الناس الذين هزتهم هذه المعجزة الإلهية يفكرون بدعوة موسى، وهم يرون أنه حتى السحرة الذين رباهم فرعون على يديه يعلنون إيمانهم وعلى أعين الناس جميعاً غير عابئين بجبروت فرعون، وكان ما حدث بداية تحول في الوعي والموقف…

 

لكن هل استسلم فرعون، هل اتعظ؟ بالطبع لم يستسلم ولم يستكن، وهو كدأب ضعاف الحجة ما كان به إلا أن رد على البينة و الدليل القاطع بإثارة الهواجس التي لا أساس لها فعمل على جبهتين مع هؤلاء الذين يتبعون موسى: من جهة سخّر أبواقه الإعلامية (ومثال هذا واضح اليوم في عالمنا العربي و الإسلامي): والهدف أن يغيّر الحقائق: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}، ومن جهة ثانية لجأ إلى التهديد والوعيد: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ}. لاحظوا كيف أن فرعون لم يقدر على مواجهة موسى بالحجة والبرهان، فقرر أن يتوجه إلى الضغط على اتباعه والمؤمنين برسالته لعل هذا يضعف موقف النبي موسى ويؤذيه، ويكون سبباً لتراجعه عندما يرى ما يحل بالمؤمنين من حوله، وهم يحاربون في أرزاقهم وأبنائهم وأعراضهم. وهذا التوجه من فرعون كان بداية سقوطه.

 

وظهرت ثلاثة أحداث إضافية تؤشر لهذا السقوط، لكنه كما كل الطغاة تجاهل دلالة هذه الأحداث الثلاثة، كما تجاهل المعجزات التي أتى بها موسى من قبل:

– أول حدث نفاذ الخط الإيماني في المجتمع ودخوله حتى دائرة فرعون الضيقة، وتحديدا بيته فقد آمنت زوجته آسيا بنت مزاحم، وايضا برز في موقف الرجل المؤمن من آل فرعون(وزيره او ابن عمه) كان يكتم إيمانه، ولكنه ما لبث أن أعلنه جهارة لما شعر بالخطر على حياة النبي موسى(ع).

– أما الحدث الثاني فهو ما تعرض له قارون، عندما خُسفت به الأرض وكان أقرب المقربين لفرعون..

– والحدث الثالث عجز فرعون عن مواجهة المشكلات التي ظهرت في مصر والتي أصابت اقتصادها ومصدر عيشها وهو النيل، ما أبطل ادعاءاته بالألوهية القادرة على كل شيء.

 

 ورغم كل مؤشرات السقوط هذه ظل فرعون يتمادى في طغيانه عندها جاء النداء الإلهي إلى موسى لإنقاذ المستضعفين والمؤمنين من قومه وتحريرهم من نير فرعون، والخروج بهم إلى ساحة أخرى يعيشون فيها إيمانهم وحريتهم وكرامتهم.

عرف فرعون، فدفعه جبروته وغطرسته إلى ملاحقة موسى(ع) ومن معه، لإعادتهم إلى العبودية، وكله ثقة بالقضاء عليهم {إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}.

ولما وصل فرعون مع جنوده إلى حيث كان النبي موسى(ع)، وكان قد شارف النيل، دب الهلع والخوف في قلوب بني إسرائيل {وقالوا إنا لمدركون}.

لكن النبي موسى(ع) الواثق من نصر ربه وتأييده له..قال لهم: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.

وجاءه النداء أن: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} ليتحول البحر إلى يابسة لتعبر أنت ومن معك {وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ}..حتى في ذروة هذه المعجزة الصارخة، كان يمكن لفرعون أن يتعظ او يتراجع لكنه أكمل ما بدأ به، فأطبقت عليه المياه وعلى جنوده بتسديد من الله. وفي هذه اللحظة فقط، أي بعد فوات الأوان، يستفيق فرعون من غروره ويكتشف الحقيقة التي لم يحسب لها حساباً.فيصرخ معلناً أنه من المسلمين..{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

ويأتيه النداء لا فائدة {الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}…{ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}.

 

أيها الأحبة،

لم تكن هذه القصة بدعا من الأحداث التي تنتصر فيها إرادة الحق على الباطل، والعدل على الظلم والاستضعاف على الاستكبار…فهذه هي صورة الحياة التي سيستمر فيها الصراع، لكن النتيجة الحاسمة دائماً هي تحقيق وعد الله ونصر من يستنصره ويبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس.

إن الفرعونية ذهنية موجودة في كل عصر، هي خط قد يتمثل تارة بشخص يمثل فرعون نموذجه الصارخ، وقد يتمثل باتجاه اجتماعي استعلائي، أو تيار فكري سياسي ــ إقصائي، أو دولة استكبارية، وكل هؤلاء يجمعهم قاسم مشترك :

-هو الشعور بقدر من الألوهية في التعامل مع الآخرين من البشر.

-هو التمركز على الذات ونفي الآخر..

-هي العنصرية الصهيونية التي تعتبر الشعوب الأخرى أغياراً..

– هي الدولة الاستكبارية التي تريد أن تهمش جميع دول العالم لحساب مصالحها..

-هي الكيانات المستبدة التي تستضعف شعوبها..

-هي القوى التي تعتبر نفسها مالكة للإيمان والحقيقة وغيرها كافر يستحق الإلغاء والإقصاء.. وفرعون يمثل النموذج الفاضح لهذه العقلية التي أدانها الله وتوعد بالقضاء عليها على أيدي المؤمنين.

إن الذي وعد الله به نبيه وأخاه هارون، عندما قال لهما {إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى}.. سيبقى هو الوعد الإلهي الدائم للمستضعفين في مواجهة كل هؤلاء الفراعنة وفي كل مرحلة من مراحل الزمن، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وهو وعد للمؤمنين العاملين المجاهدين والباذلين..{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلوبنا بذكره ومحبَّته وطاعته، وتجنّب معاصيه. إنّ هذه التقوى تجعلنا نشعر بالأمل بالله وبحضوره دائماً، وقد تمثلت بأجلّ صورها في معركة الأحزاب، عندما تضافرت قوى الشرك ومعها اليهود، لمهاجمة المدينة وتهديدها، لكونها موقع الإسلام الأول.

وقد بلغ التهديد حداً أشار الله إليه: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}. يومها، سقط البعض وانهزموا، لكن لم يهن المؤمنون ولم يتراجعوا، وقالوا عندما رأوا المشهد: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}.

لذلك، صمدوا وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فجزاهم الله لصدقهم إذ ردَّ الَّذين كفروا بغيظهم، ولم ينالوا ما يريدون، وكان الله قوياً عزيزاً حاضراً، خلافاً لما ظنَّه المنافقون ومثبطو العزائم وضعاف الإيمان. لقد خطَّط رسول الله، فكانت فكرة الخندق بعد أن صرع عليّ(ع) رمز الإيمان كلّه، رمز الشرك..وكان الله حاضراً، إذ أرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يروها.

 

أيها الأحبة:

قد تختلف الصورة بين الماضي والحاضر، ولكن تبقى الحقيقة التي علينا أن نستلهمها وسط التحديات، أن لا نهوي ولا نضعف، مهما بلغت التضحيات وغلت الأثمان. بهذه الروح، واجهنا تحديات الماضي، وبها نواجه تحديات الحاضر والمستقبل، وتتحقق الانتصارات.

 

لبنان

حفل الأسبوع الماضي بأكثر من حدث سياسيّ وأمنيّ، والبداية من لبنان، الذي لا يزال في دائرة الخطر، بفعل تمدد القوى التكفيرية في الداخل السوري والعراقي، وعلى حدوده. وبدلاً من أن تدفع هذه الأخطار الطبقة السياسية في لبنان إلى تجميد خلافاتها وتعزيز وحدتها، للتفرّغ لمنع تداعيات ما يجري حولنا من التأثير فينا، نجد أنَّ الانقسام السياسي على أشدّه، وكأن لبنان بمنأى عن كل هذه الأخطار.

إننا أمام كلّ ذلك، نعيد دعوة كلّ الفرقاء والمسؤولين إلى التعامل بجدية مع المخاطر المحدقة بالبلد، والإصغاء جيداً إلى خوف الناس وهواجسهم وقلقهم. وعلينا في هذا البلد أن لا نراهن، كما يراهن الكثيرون، على وجود مظلّة دولية أو إقليمية تقي لبنان من الأخطار، وتسمح للبنانيين بأن يبقوا في دائرة الاستقرار، فهذه المظلّة غير موجودة الآن، وإن وُجِدَت، فلا ندري متى تُرفع أو تُثقَب عندما تستدعي المصالح الدّوليّة والإقليميّة أن يعود لبنان للعب دوره كساحة لتصفية الحسابات، وكرئةٍ تتنفّس منها مشاكل المنطقة وسمومها.

 

إنَّ رهان اللبنانيين ينبغي أن يكون دائماً على وعي ما يجري في العمق، واعتبار ملفات المنطقة كالأوعية المتصلة، يؤثّر بعضها في بعض. وتبقى الأمور رهن وعيهم وحسن إدارتهم لخلافاتهم ولخطابهم السّياسيّ في هذه المرحلة بالذات.

ونعيد التَّشديد في هذه المرحلة على ما كنا أشرنا إليه سابقاً، بأن من حقّ كل لبناني أن يكون له رأيه مما يجري في هذه المنطقة أو تلك، أو يؤيّد هذا المحور أو ذاك، ولكن ليس من حقّه أن ينقل صراعاتهم إلى الداخل اللبنانيّ، لحساب الخارج على حساب مصير الوطن، والتغاضي عن الأخطار المحدقة به.

ومن هنا، فإننا ندعو اللبنانيين إلى استكمال العمل لبناء استراتيجية دفاعية واقعية تحمي لبنان من العدو الصهيوني، كما تحميه مما يجري على حدوده الشرقية، كبديل عن خطوط حمر توضع هنا أو هناك، وإلى عدم إثارة البعد المذهبي أو الطائفي في التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى.

وفي إطار التعليق على ما جرى ويجري من سجال حول بلدة عرسال، بسبب وجود المسلحين في جرودها، فإننا نقول لمن يتحدّث عن وضع خطوط حمر: إننا مع وضع خطوط حمر على كل ما يؤدي إلى حدوث فتنة مذهبية، ونرى أن وأد الفتنة المذهبية من أولوياتنا، ولكن لا ينبغي وضع خط أحمر أمام ما يؤدي إلى درء الخطر المحدق بهذه المنطقة وبلبنان.

ولذلك، ندعو إلى دراسة هذا الأمر بكلّ أبعاده، لا ببعد واحد، حمايةً لعرسال وللبنان، كما ندعو كلّ الحريصين على هذه البلدة، ونحن منهم، إلى بذل كلّ الجهود السياسيَّة والشعبيَّة، واستنفار علاقاتهم الإقليميّة والدّوليّة للضَّغط على المسلحين للخروج من محيط هذه البلدة، وملء جرودها بالجيش اللبناني كأفضل علاج لما يجري.

ونحن في هذه المرحلة، نشدّ على أيدي الجيش اللبناني وكلّ المقاومين الَّذين وعوا مواقع الخطر؛ وعوه في مواجهة العدو الصّهيونيّ، والآن في مواجهة العابثين بالأديان وبحياة النّاس.

 

العراق

أما العراق، فإنّه يتعرض لهجمة كبيرة تهدّد وحدته وأمنه واستقراره، وصولاً إلى تهديد عاصمته والأماكن المقدسة فيه. إننا أمام ذلك، لا بدَّ من التنويه بالدّور الّذي يقوم به الحشد الشعبي في ملء الفراغ، ومعالجة نقاط الضعف، لمواجهة الّذين استباحوا مدن العراق، وهم في ذلك لم يفرقوا بين مدن شيعية وأخرى سنية أو كردية.

ونحن ندعو إلى توسعة دائرة الحشد الشعبي، بحيث يتكامل مع عشائر الأنبار وأهلها في مواجهة الإرهاب، وذلك تحت راية الحكومة العراقية التي يُفترض أن تحتضن الجميع، وعلى قدم المساواة.

 

اليمن

 

ونصل إلى اليمن، الذي كنا ننتظر مع كل اليمنيين دخوله مرحلة التسوية التي تبقى هي الحل الوحيد لما يجري فيه، بعد ما بات واضحاً عجز قوى التحالف بقيادة السعودية، عن تحقيق ما كانت تريده في حملتها العسكرية، وعجز أي طرف داخلي عن الإمساك لوحده بقرار اليمن.

إننا نرى في القرار الخاطئ بتأجيل الحوار في جنيف أو إيقافه، استمراراً لاستنزاف قدرات هذا البلد العسكرية والاقتصادية، ليسهل الأمر على الساعين لتطويعه، ومنعه من قراره الحرّ، وإدخاله في أجندة الدول الفاشلة.

 

جريمة القطيف

ونبقى أخيراً مع الجريمة البشعة والمروعة التي طاولت في الأسبوع الماضي في مثل هذا اليوم، المصلين في بلدة القديح في القطيف في السعودية، وأدَّت إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، من قِبَل مَن استباحوا ويستبيحون دماء الناس، وحتى وهم يقفون بين يدي ربهم..

إنّ هذا العمل الإجراميّ يشير إلى مدى تفاقم الخطر الَّذي بلغه هذا المنحى التكفيري. ونحن إذ نعزي أهلنا في المنطقة الشّرقيّة في مصابهم، سائلين الله تعالى الرحمة وعلوّ الدرجات للشهداء والشفاء للجرحى، نثمّن في الوقت نفسه الوعي الشعبي الذي شاهدناه؛ الوعي الممزوج بإرادة التحدي في مواجهة المجرمين والمخطّطين لهذا العمل الإجرامي، ومسارعة السلطات السعودية إلى احتواء هذه الجريمة بالقبض على الجهات المسؤولة عنها.

وفي هذا المجال، ندعو السّلطات في المملكة، ومن باب الحرص على هذا البلد، إلى إسكات الأصوات التي تحرِّض على مذهب إسلاميّ ينتمي إليه المصلّون في المسجد المستهدَف، وتصل إلى حدّ تكفيرهم، سواء في المواقع الدينية أو عبر القنوات الإعلامية، وإصدار تشريعات حاسمة تمنع ذلك، حتى لا تتكرر الجريمة وتقع مأساة في موقع آخر، وتهدد وحدة هذا البلد واستقراره، في وقت نحن أحوج ما نكون إلى الوحدة والاستقرار.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله                                                 

التاريخ : 11شعبان 1436هـ  الموافق : 29 أيار 2015م

 

Leave A Reply