بلاء النعمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

لقد حدد الله عز وجل هوية الحياة التي يريد لنا أن نحياها عندما قال: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» وعندما قال: «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» فالحياة في حساب الله هي ساحة امتحان واختبار وابتلاء.

ولطالما ارتبط مفهوم الابتلاء بأذهان الناس بالمرض، والضعف، والفقر، وفقدان الأحبة، ولكن قلّما نجد من يستحضر أن البلاء يمكن أن يكون عكس ذلك تماماً. فالبلاء كما قد يكون متلازماً مع المرض والخسارة والنقص، كذلك الأمر فإن الابتلاء قد يكون مرادفا ومتلازماً لما يعتبره البعض حظاً أو وفرة أو ثروة أو مكسبا أو موقعا ووصولاً..

الأمر سيان:

ابتلاء النقص وابتلاء الزيادة..

ابتلاء الضعف وابتلاء القوة..

ابتلاء الفقر وابتلاء الغنى..

 ابتلاء الاستضعاف وابتلاء التمكن..

 

{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ}.. نعم، الإنسان يبتلى عندما يهبه الله مالاً، أو أولاداً، أو موقعاً، أو جمالاً، أو قوةً، أو شرفاً، أو مجداً، أو أي قدرة من القدرات أو طاقة من الطاقات ..

فالانسان هو في بلاء، حتى لو كان في اعتبار نفسه أو الناس، محظوظاً، وأنَّ الدنيا أقبلت عليه، وأن هذا ثمرة جده وكده وأنه يستحق أن يصل إلى ما وصل إليه.

أما لماذا هو ابتلاء،فلأن الله يختبر بالنعم والعطايا إيمان الإنسان وجديته، فهل يتراجع عندها في إيمانه؟

هل يشعر أنه مستغن؟ هل ينكر ويفسد كما فعل فرعون؟ أم هل يجحد ويمنع كما فعل قارون؟

أم يحول هذه النعم إلى فرصة لبلوغ رضوان الله وخير الناس وصالح أمرهم، النعم هي مسؤولية في حساب الله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}. 

وهذا هو حديث الإمام الصادق(ع): "إنّ الله لم ينعم على عبدٍ بنعمةٍ إلا وقد ألزمهُ فيها الحجّة من قبله..

– فمن منَّ الله عليه فجعلهُ موسّعاً عليه في ماله، فحجّتهُ عليه ماله ثم تعاهدُهُ الفقراءَ بفرائضه ونوافله…..

– ومَنْ منَّ الله عليه فجعله قوياً في بدنه، فحجّته القيام بما كلّفهُ واحتمال مَنْ هو دونه ممّن هو أضعفُ منه….

– ومن منّ الله عليه فجعله شريفاً في قومه جميلاً في صورته، فحجّته عليه أن لا يغمط حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله"

 

والملاحظ  أن  ابتلاء الخير، قد يكون عند بعض الأشخاص والمجتمعات، أشد وطأة من ابتلاء الشر والحرمان. فالكثيرون الذين قد يصمدون أمام ابتلاء المصائب، هؤلاء أنفسهم، تراهم أمام نفحة من نعمة أكانت مالا أو منصبا أو سلطة، يفقدون توازنهم ويطغى عليهم حب الشهوات، فينسون ربهم الذي كانوا بالامس القريب يدعونه لتفريج همومهم وابتلاءاتهم ويدعونه لكي يرزقهم، تراهم ما إن يستجيب الله لهم وتتبدل أحوالهم حتى تتبدل طباعهم ويتغير سلوكهم  بشكل عجيب والله، ينسون الناس من حولهم  والمجتمع فيصيبهم التكبر واللامبالاة أو أسوأ من ذلك كأنهم ينتقمون لماضيهم.

 

وليس علينا  أيها الاحبة، النظر بعيدا كي نرى مصاديق ذلك، فمن صلب واقعنا السياسي والأمني المعاش يرتسم أمامنا مشهدٌ، أبطاله هم مستضعفو الأمس الذين كان يعانون من تضييق لحريتهم او التعرض للضغوط والقمع والاقصاء، ولكن عندما وجدوا أن العقال أرخي لهم نتيجة أوضاع دولهم القلقة، وأتيحت لهم السبل والنعم، تحولوا بين ليلة وضحاها إلى جلادين، يمنعون من هم تحت سلطتهم من حريتهم ويمارسون الاقصاء تجاه من يخالف فكرهم وعقيدتهم من التيارات والمذاهب لحد اعلان الحرب على من كان يقف معهم وقت استضعافهم… أليس هذا ما شهدناه مؤخراً في بعض تجارب الاحزاب السياسية الاسلامية في الوطن العربي؟

 

وكذلك شهدنا كيف أن بعض المجتمعات التي انتقلت بين ليلة وضحاها من فقر إلى غنى، كيف انقلبت رأسا على عقب، فبدل أن يفرح الفقراء، نرى أن الفقر يزداد والطبقية تتعزز، وترى الفساد في إدارتها للموارد والمقدرات، والنعم  والوظائف، التي طالما طالبوا أن توزع كما أوصى الله بالعدل وعلى أساس الكفاءة، تراهم عندما وصلوا إلى دنيا هارون الرشيد، نسوا كليا كل شعاراتهم ومبادئهم ومحوا ذاكرتهم بكبسة زر، وكانوا مصداق خوف رسول الله:"والله ما الفقر أخشى عليكم بل أن تبسط الدنيا عليكم فتنافسوها".

 

بالفعل أمر يحير.. كيف أن مظلوم الامس يصبح عندما تصل السلطة اليه ظالماً، ومحروم الامس عندما تصل اليه سدة القرار يصبح مستأثراً، وكيف أن مستضعف الامس يصبح مستكبرا، يحار علماء النفس والاجتماع في دراسة هذه الظواهر ويحللون اسبابها ونحن  من المنظور القرآني نقول  بكل بساطة انها سقوط في امتحان النعم التي وعد الله بها {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} والسبب واضح: ضعف الايمان، غياب التقوى، ورفع منسوب الهوى والغرائز والعمى الارادي، ومكافأة الذات وحب النفس وما الى هنالك، وكل واحد منا لا شك قد خبر أكثر من حالة، انقلبت بسبب النعمة إلى التكبر والتجبر والابتعاد عن الصراط السوي.

 

ولأن التربية دوماً هي الحل المرتجى، ومن هذا الباب التربوي كان التحذير من الله ومن رسوله وأهل بيته، للتحلي بالمسؤولية عند حلول النعم ولهذا كان التأكيد مثلاً على موضوع الحمد… «الحمدلله» كم مرة نُذكَّر بها في الفاتحة، وكذلك الشكر والله يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، كذلك الدعوات إلى التصدق، ومجالسة الفقراء لتربي في داخلك التواضع، وإلى زيارة القبور لأخذ العبرة وتذكر الموت والحساب..هذه كلها تمنعك من أن تبطر بالنعمة او الموقع او السلطة، فتتوازن وتنجح في اختبار النعم.

 

 ولكن أيها الأحبة، وفي المقلب الآخر هناك نقطة مهمة وهي لا ينبغي اعتبار الحديث عن خطورة ابتلاء النعم دعوة للتخلي عنها زهداً وخوفاً ، كما هو منطق اعتمده بعض الحكام لشعوبهم من أجل تخدير الناس وابقائهم على فقرهم وقبولهم بالظلم والذل.. ويقول هذا المنطق: أن ازهدوا أن اصبروا أن تعففوا وضحوا… وتبرع وعاظ السلاطين وسوّقوا لذلك أحاديث نراها تخالف نص القرآن، الذي وضع التقوى معياراً أساسياً في الحسابات الأخروية.

 

 وهذه الاحاديث مثل مقولة أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسماية عام، او الفقراء أصدقاء الله او الفقر زين عند الله يوم القيامة او "ألا اخبركم عن أهل الجنة؟" قال: "كل ضعيف مستضعف…" أو غير ذلك من المقولات التي تحث على ترك السعي وراء النعم في الدنيا..

 

لقد نجح هؤلاء بالكذب على الله وعلى رسوله او على الأقل، وجهوا هذه الأحاديث بغير وجهتها (فقد يكون بعض ذلك ورد في اطار الحديث عن الفقر على حساب الإيمان، أو الضعف مقابل التجبر والعصيان) ولكنها انتزعت من سياقها ورُكِّبت لخدمة أهداف أخرى وهذا ما يسمى بالكذب على الله ورسوله.  لقد سعى هؤلاء بمنطقهم هذا أن يصبح الفقر والاستضعاف خاصية محمودة تقرب الإنسان الى الله بحجة أن الانسان لو تحسنت اوضاعه فقد ينحرف او يطغى ويستكبر، فالحري به حتى يريح نفسه من هذه الابتلاءات ان يبتعد عنها… هذا منطق لم يطلبه الله أبدا من عباده ففي الحديث  إن الله يكره منكم البؤس والتباؤس  وهناك قول للامام علي: "لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته" .

 

أيها الاحبة.. بقي نقطة لا بد ان نشير اليها ونختم… هي ان الدعوة الى اعتبار البلاء نعمة كما هي في الاحاديث  مثل"اذا احب الله عبدا ابتلاه ".. لا يعني ابداً رفض النعمة بقدر ما يعني الدعوة الى النجاح في التعامل مع النعمة وهنا يكمن الفرق.. وهي نقولها هكذا: إن البلاء نعمة كونه وسيلتك لتنجح وتتقوى وترتقي في حسابات الله، بحيث تصل الى الله بمالك وبموقعك وبقوّتك وبصحتك وجمالك، فالله لا يريد ابداً من الإنسان المؤمن ان يكون ضعيفاً أو بائسا فالمؤمن القوي احب الى الله من المؤمن الضعيف والله يندد في كتابه العزيز بإولئك الذين رضوا بضعفهم:«إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا …».

 

 ونختم بدعاء من أدعية الأيام  ندعوه معاً «أَللَّهُمَّ إجْعَلْ قُوَّتِنا فِي طاعَتِكَ، وَنَشاطنا فِي عِبادَتِكَ، وَرَغْبَتنا فِي ثَوَابِكَ، وَزُهْدنا فِيما يُوجِبُ لِنا أَلِيمَ عِقابِكَ» «اللهم تقبّل منا.. اللهم أعنا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على انفسهم»

والحمدلله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، لا بدّ من أن نأخذ بهذا الحديث ونتدبّره: "يؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة، التي قد افتتنت في حسنها، فتقول: يا رب، حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريم(ع)، فيقال: أنت أحسن أم هذه؟ قد حسناها فلم تفتتن! ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه، فيقول: يا رب، (ابتليني) حسنت خلقي، حتى لقيت من النساء ما لقيت، فيجاء بيوسف(ع)، فيقال: أنت أحسن أم هذا؟ قد حسناه… وقال عندما راودته امرأة العزيز عن نفسها: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}، فلم يفتتن في حسنه. ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه، فيقول: يا رب، قد شددت علي البلاء حتى افتتنت. فيؤتى بأيوب(ع)، فيقال: بليتك أشدّ أم بلية هذا؟ فقد ابتلي فلم يفتتن!".

أيّها الأحبّة، لقد نجح الأنبياء والأولياء والصالحون في الابتلاءات الَّتي واجهتهم، فكانوا قدوة في الصَّبر والشّكر، ووصلوا إلى ما تمنّوه في الدنيا والآخرة، فلننجح في امتحاننا، لنبلغ ما نتمنّى، ونواجه التّحديات.

 

فلسطين

والبداية من فلسطين، الَّتي شهدت في الأيام الماضية مواجهة واسعة بين الفلسطينيين والاحتلال الصّهيوني في القدس والضّفة الغربيّة، وصلت أصداؤها إلى أراضي 48، وخشي العدو آثارها ونتائجها، وتخوّف من إمكانيّة تحولها إلى انتفاضة شاملة. وقد جاءت هذه المواجهة رداً على استباحة العدوّ المتكرّرة للمسجد الأقصى، عبر مستوطنيه وبعض قياداته، سعياً لفرض أمر واقع بتقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، وتمهيداً لمرحلة لاحقة، يتمكَّن فيها من هدم أركانه، وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، ولكنّ ما حصل أرغم هذا العدو على تجميد مخطّطه، واضطره إلى أن يعلن أنه لا يسعى إلى تغيير الواقع الموجود في المسجد الأقصى.

إنّنا أمام هذا الواقع، نحيي حيويَّة هذا الشَّعب، والتَّضحيات التي قدّمها، والأساليب الجديدة التي ابتدعها في مواجهة العدو، وندعو الشّعوب والدول العربية والإسلامية إلى أن تكون على مستوى التحدي الّذي يواجهها؛ فحماية المسجد الأقصى والقدس لا تنبغي أن تكون على عاتق الفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا على استعداد لحمل هذه المسؤولية، بل ينبغي أن يكون ذلك على عاتق كلّ عربي ومسلم وحرّ وغيور.

إنَّ من الأسى أن لا نشهد ردود فعل في أرجاء العالم العربي والإسلامي، بمستوى هذا الحدث، ونحن نخشى إن استمر الوضع على ما هو عليه، أن يتجرأ هذا الكيان على إعادة الكرَّة، لتحقيق مشروعه وحلمه في تقويض المسجد الأقصى، وتهويد القدس بالكامل، ونشدّد على كلّ الشعوب العربية والإسلامية، أن ترى في المسجد الأقصى عنواناً لكرامتها وعزتها وعنفوانها، وأن تعتبر أنّ أيّ تعرض له، هو تعرض للكرامة والعزة والعنفوان.

صحيح أنَّ هناك الكثير من المشاكل والهموم والقضايا التي يعانيها هذا العالم، لكن هذا لا يعني نسيان هذه القضية، التي ينبغي أن تكون أم القضايا، لأنَّ أمّة تدير ظهرها لقبلتها الأولى، ولمسرى رسولها ومعراجه، ولبيت من بيوت الله، هي أمة لا تُحترم، ولن يكون لها موقع في هذا العالم.

إنَّ الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى، لن تكون الأخيرة، فسيبقى العدو الصهيوني يعمل لتكرار فعلته، ولكنَّنا يمكننا أن نجعلها الأخيرة، إذا أشعرنا هذا العدو بأنه يواجه أمَّة متضامنة، تقف سداً منيعاً أمامه، وبأنّ أيّ تعرض للمسجد الأقصى، سيكون مكلفاً، ولن يمرّ مرور الكرام.

وانطلاقاً مما يجري للمسجد الأقصى والقدس وكلّ فلسطين، لا بدّ من أن ينطلق الصَّوت واحداً، ليقول لحركتي فتح وحماس: إن من المعيب في هذه المرحلة، حيث يسيل الدّم الفلسطينيّ، وتستباح المقدّسات، أن تبرز الخلافات على السطح وتستعر، فمن سيستفيد من كلّ ذلك؟ وليقول لكلّ الشّعوب العربيَّة والإسلاميَّة: تكفي كلّ هذه الدماء التي تراق في غير الموقع الأساسي، يكفي كلّ هذا الانقسام الَّذي أسقط ويسقط كلّ أحلامنا ومواقع القوة لدينا.. فلتُجمد كلّ الحساسيات والعصبيات والنزاعات لأجل الأقصى وفلسطين!

 

لبنان

ونصل إلى لبنان، الذي لا يزال رهين أزمات المنطقة، التي لن تحل في الوقت القريب، في ظل عدم نضوج الحلول الدولية أو الإقليمية. إن معاناة هذا البلد، لم تعد تقف عند الشأن السياسي والاقتصادي والمعيشي، وأزمة مخطوفي الجيش اللبناني، والاستهداف الأمني الخطير المستمر لحدوده الشرقية والجنوبية، بل امتدَّت إلى طعامه وشرابه وغذائه، بحيث لم يعد المواطن اللبناني يثق بنظافة ما يأكله ويشربه.

 

وبصرف النظر عن الجدل الَّذي أثاره تصريح وزير الصحة حول هذه القضية الحساسة، وعن دقة المعلومات المنشورة، فإننا نقدّر هذه الخطوة، ونرى أنها سوف تساهم بشكل مباشر وغير مباشر، في دفع الكثيرين نحو القيام بمسؤولياتهم وواجباتهم القانونية والشرعية والإنسانية، وإعادة النظر في نوعية الخدمات التي تقدم للناس.

 

إننا نريد لهذه الخطوة أن تستكمل، لتصل إلى الجميع، وبدون استثناء، حتى لا يكون في ذلك ابن ست وابن جارية، ولعلَّ الخطوات الجارية تؤكّد ذلك، كما نريدها أن تصل إلى كل الوزارات الخدماتية التي تتصل بمصالح الناس وحاجاتهم، في الوقت الذي ندعو إلى إخراج هذا الموضوع الحساس والمهمّ من الحسابات المذهبية والطائفية والمناطقية، بحيث تضيع المعالجة وسط احتشاد كل طائفة أو مذهب أو موقع سياسي، وراء هذه المؤسسة أو تلك، فالخطر على الصحَّة يطاول جميع اللبنانيين، كما يطاول المرافق السياحية.

 

إنَّ الحكومة اللبنانية مدعوة إلى دراسة هذا الملف بكل عمق وجدية، واعتباره قاعدة للثورة على الفساد بكل أنواعه؛ ثورة عنوانها معالجة أسباب هذه الفساد، لا الاكتفاء بمعالجة نتائجه، فقد آن الأوان لإنسان هذا البلد أن يعيش الأمان، إن لم يكن على المستوى السياسي أو الأمني، فعلى الأقل، على مستوى غذائه، فهل ينصت المسؤولون إلى ذلك؟ وهل يعي السياسيون دورهم؟ إن الشعب ينتظر ويصبر.. ولكنَّ لصبره حدوداً؟

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :21 محرم 1435هـ الموافق : 14 تشرين الثاني 2014م

 

Leave A Reply