ثورة الحسين : الصدمة التي أخرجت الامة من نفق الصنمية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

عشيَّة نهضة الحسين(ع)، كانت ظروف الأمَّة تبعث على اليأس من إمكانيّة أيّ تغيير، إذ كانت تسود حالة من اللامبالاة تجاه القضايا العامَّة، وكان هناك استعداد لتقديس كلّ ما يصدر عن السّلطة، باعتباره أمير المؤمنين.

 

معجزة التّغيير في الأمّة

كان إخراج الأمّة من نفق هذه الصنميّة يحتاج إلى معجزة، إلى زلزال، فلا مكان هنا للكلمة، فالتّغيير الّذي كان يحدث داخل الأمّة هو تغيير نحو الباطل، وهو تغيير بدأ يكرّس مذ وقف أبو سفيان يعلن مشروع بني أميّة، بعد أن وصلت إليهم الخلافة: "يا بني أميّة، تلقّفوها تلقّف الكرة، فوالّذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة".

لقد مارس الحكم الأمويّ بمهارة وذكاء عمليّات غسل أدمغة، وكانت تنجح ببساطة، لأنّ النّاس كانت تتخلّى عن مسؤوليّاتها بسهولة. لماذا؟ لأنّ المجتمع الذي يبيع دينه بدنياه كرهاً أو طوعاً، طمعاً أو شهوة، لا يمكن أن يمارس فيه الأفراد مسؤوليّاتهم ويتحمّلوها.

معاوية وغيره من الحكّام الأمويّين لم يكن يتردّد في استعمال السّيف لإسكات الأصوات الّتي تحاول أن تدلّ على مواطن انحرافه. هكذا قتل حجر بن عدي وعمرو الخزاعي وأصحابهما، رغم كونهما من صحابة رسول الله، لأنّهما رفضا أن يبيعا كلمة الحقّ بحفنة من الدّنانير.

مالك السكوني غضب لمصرع حجر وأصحابه، وخرج يهيّئ للثّورة، فأسرع معاوية وأرسل إليه مئة ألف درهم، فأخذها وطابت نفسه.

ومعاوية، ويزيد من بعده، راحا يعملان على أصحاب النّفوس الضّعيفة، وعلى أصحاب القناعات المهتزّة الّتي لا تقف على أرض صلبة. ويبدو أنّها كانت الشريحة الأكبر في ذلك الوقت. لقد شُخّص الدّواء لأزمة الأمّة، وعُرف مكمن الدّاء في جسدها وروحها، إذ عرف معاوية كيف يفقد النّاس الإحساس بكرامتهم بعد أن غرسها الإسلام فيهم، وجعل الأمّة مجتمعات مسكونة بالطّمع والأنانيّة والخوف، والسّعي في طلب الدّنيا، الدّنيا الّتي طالما حذّر منها أمير المؤمنين عليّ(ع).

مثلاً في ذلك الوقت، بدأنا نسمع بفكرة تحييد الدّين عن الدنيا: "الصّلاة خلف عليّ أقوم، والطّعام عند معاوية أدسم، والجلوس على التّلّ أسلم". وفي ما بعد: السيوف في مكان والقلوب في مكان آخر… وهكذا أفرغ الحكم الأمويّ الإسلام من محتواه، ووظّف لهذه الغاية رواة أحاديث، ومفسّرين، ووعّاظ سلاطين، يغيّرون ويبدّلون، ويُروّجون ما يُنتج من أحاديث مزوّرة، ومن أخطر هذه الأحاديث، ما رُوي كذباً عن النبيّ(ص) أنّه قال: من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنّ من فارق الجماعة شبراً ومات، مات ميتة جاهليّة.

صدمة تقلب المشهد الإسلاميّ

هذه حال أفراد الأمّة قبل كربلاء.

أمّا بعد كربلاء فالحال ستتغيّر، لأنّ دماً جديداً سيُضخّ في الشّرايين، صدمة جديدة حدثت في المشهد الإسلاميّ والمشهد الرّساليّ ككلّ، وفي تجربة الحكم الإسلاميّة، هذه التجربة الّتي كانت ستُشرعن فسادها لولا أن ثار الحسين الّذي سحب عنها بساط الشرعيّة..

اسمعوا ما كان الإمام الحسين(ع) قد كتبه إلى أشراف البصرة:

"أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت… وأسير بسيرة جدّي وأبي، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ"، فالقضيّة لم تكن محدودة بشخص الحاكم، إنّما بنهجه كلّه.

بعد كربلاء، وإذا نظرنا إلى الواقع، نرى أنّ التّاريخ سجّل لنا بعض المواقف الّتي فهمت المصيبة الّتي حصلت وأبعادها، ولكن نتوقّع أن هناك الكثير أيضاً من المواقف الّتي لم تصلنا، ولا سيّما أنّ المجرمين كانوا في الحكم، وكان شغلهم إسكات أيّ حسينيّ أو أيّ شخص يمتّ إلى عليّ بصلة، أو كلّ من يتحدّث بمنطق رسول الله الإصلاحيّ الّذي استلهمه الحسين(ع).. فالجماعة صار لديهم منطقهم الخاصّ وفلسفتهم الخاصّة الّتي تقوم على القسوة وعدم الرّحمة. يذكر المؤرّخون أنّ السّجون، وخصوصاً في الكوفة والبصرة، امتلأت بمن لهم مواقع تأثير من محبّي آل البيت.

المهمّ بعد كربلاء، أو بالأحرى خلالها، حصل انقلاب الحرّ الرّياحي على نفسه، إذ آثر أن يتخلّى عن الإمرة والجاه والمنصب، والمال وملذّات الحياة. وكم عانى وهو يخيّر نفسه بين موقفين: موقف يودي به إلى النّار، وآخر يرفعه إلى مصاف العليّين. اهتزّت قناعات الحرّ للحظات، وعندما استعاد توازنه، وقف على أرض صلبة.. كانت إرادته صلبة، وقد حرّرتها كلمات الحسين ومواقف الحسين من عبوديّتها، فخلع عن نفسه ثوباً ما كان يليق بروحه، وبدّل موقعه.

في نظر البعض، اختار الحر الصّفقة الخاسرة، وهذه هي حسابات المنافقين والانتهازيّين وصيّادي الفرص، وهذه حال أحد سادات الكوفة ورجالاتها، ويدعى شبث بن ربعي.

تصوّروا أنّ شبث كان ممّن كتب للحسين(ع) بالقدوم إليهم، لكنّ ظهور ابن زياد في الكوفة، واستشهاد سفير الحسين إلى أهلها، دفع شبث إلى أن ينقل البندقيّة من كتف إلى كتف. وفي الوقت الّذي كان الحرّ الرّياحي يختار الجنّة على النّار، كان شبث يقف على رأس أربعة آلاف مقاتل لمحاربة الحسين، كان شبث يلخّص حال الأمّة عشيّة كربلاء، أمّا الحرّ، فقد جسّد الموقف الّذي ستصنعه ثورة الحسين عند من يخرجون من شرنقة خوفهم وتردّدهم مردّدين: لبّيك يا حسين، تلبية حقيقيّة واعية ومدركة لحجم التّضحيات.

ومن المواقف الّتي وصلتنا عن عبدالله بن عفيف الأزدي الغامدي، وكان كفيف البصر، وكان في عداد من كان في قصر ابن زياد، لرؤية الخوارج الّذين انتصر عليهم جيش أمير المؤمنين، حسب الأبواق والدعاية الأمويّة آنذاك..

وبدأ العرض بخطاب لابن زياد، حاول أن يمرّر فيه كذبة تخدع النّاس، إذ قال وهو يشير إلى رأس الحسين الّذي وضع أمامه: "الحمد لله الّذي أظهر الحقّ وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب الحسين وشيعته".

لم يستطع ذلك الرّجل أن يتحمّل افتراءات ابن زياد. كانت أخبار كربلاء، وكلمات زينب في أسواق الكوفة قد بدأت تفعل فعلها. فيصرخ الأزدي في وجه الطّاغية: "يا بن مرجانة، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك، ومن استعملك وأبوه، يا عدوّ الله، أتقتلون أبناء النبيّين، وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين؟".

ارتدادات الثّورة

وبعد ثلاث سنوات من ثورة كربلاء، كانت الثورات تندلع وتتوالى، وتهزّ العروش. وصار الحسين مزاراً لكلّ من يريد التبرّؤ من الظّلم والطّغيان. وفي عهد المتوكّل العباسيّ، تم هدم قبر الإمام، وحرثت الأرض حوله، لمحوِ أيّ أثر له. لقد خاف المتوكّل من ظاهرة نموّ زيارة الحسين(ع)… وكم كان واهماً، فقد زاد التفاف النّاس حول الحسين، لأنّه جعل مقامه في كلّ قلب يتطلّع إلى الحقّ والحريّة والعدل والحبّ والكرامة، وَصْيحة عبدالله بن عفيف الأزدي لم تكن الصّيحة اليتيمة الّتي أسقطت حاجز الخوف، فالحسين تحوّل إلى رمز، اخترق الزّمان والمكان، وصار له الامتداد الإنساني الّذي يلهم الأحرار والمفكّرين.

لقد نافس الحسين سلطة الأمويّين شهيداً أكثر بكثير ممّا نافسهم وهو حيّ، ودم الحسين بات يرعب الطّغاة، بعد أن تحوّل إلى نداء لا يكفّ عن التّذكير: حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل.

وإنّنا نرى اليوم ما فعلته كربلاء في وطننا، كانت الزّاد الرّوحيّ لمقاومة العدوّ،  وما فعلته من قبل في الثّورة الإسلاميّة في إيران، حيث أعلنها الإمام الخمينيّ: كلّ ما لدينا من عاشوراء…

دروس من كربلاء

أيُّها الأحبَّة: مرّت ذكرى عاشوراء وتركت لنا المسؤوليَّة الكبيرة، والدّروس الكثيرة، أذكر منها ثلاثاً:

ـ الأوّل: أن لا نثق بأصحاب القناعات الرماديّة الّذين يقفون بين بين. أن ننتبه إلى المتذبذبين، لأنهم قد يخذلونك في أيّ وقت وعند أوّل امتحان. وفي المقابل، لا يمكنك أن تتخلّى عنهم، هم ساحة رسالتك، فالشَّطارة ليست بأن تجذب إليك من هو ثابت وراسخ، فهذا لا خوف عليه، إنَّما عليك بالتَّائهين الّذين يتوهون عن طريق الحقّ.، هؤلاء يحتاجون لتمدّ إليهم يد الوعي والحوار والانفتاح والاستماع، وإلا كانوا قنبلة موقوتة يُشرَون بأيسر ما يكون، ويبدو أنهم كثر في كلّ عصر وزمان، وهم هدف لكلّ ساعٍ بالفساد والخراب والضّلال..

والدّرس الثّاني: هو أن نعمل على إحياء النزعة الإنسانيّة في الإسلام، وإبعاده عن النزعة القبليّة والعشائريّة والشكليّة، ومحاربة التعصّب بكلّ أشكاله، ورفض كلّ أشكال العبوديّات، إلاّ العبودية للّه الواحد الأحد، ومحاربة الظّلم في كلّ مراحله…

والدّرس الثّالث: إنّنا في حياتنا كلّها، في مشاريعنا ومشاريع الأمَّة، لا نراهن على الكميّة والعدد أبداً، فأصحاب الحسين كانوا قلّة، كانوا ثمانين مقابل الآلاف. ثلّة من الأصحاب الثّابتين الرّاسخين كانوا من طينة أبي ذرّ وسلمان، والمقداد وعمّار… كما كان من قبل أصحاب الرّسول في بدر والأحزاب وخيبر، هؤلاء التفّوا حول الحسين وشاركوه ملحمته، فدخلوا التّاريخ، فيما الكميّة والعدد الكبير كلّه، أين هو اليوم؟ هل يذكرهم أحد إلا بالسّوء؟ أين الحسين وأين يزيد…؟

هذا هو السّؤال الأساس، وهذا هو جوهر القضيّة.

السلام على الحسين سبط المصطفى وابن المرتضى…

والحمد لله ربّ العالمين.

الخطبة الثّانية

عباد الله، اتّقوا الله حقّ تقاته، فالعاقبة عند الله لن تكون إلا للمتّقين. ومن التّقوى أن لا نسقط كما سقط عمر بن سعد، الّذي عبَّر بنفسه عن سبب عدائه للحسين وقتاله له، حيث تذكر السّيرة أنَّ الإمام الحسين(ع) دعاه إلى الحوار، منسجماً بذلك مع خطّ أبيه أمير المؤمنين(ع)، الَّذي كان يسعى إلى تفادي القتال مع الخصوم ما أمكنه ذلك، معتمّداً أسلوب الحوار لهدايتهم، وإلقاء الحجّة عليهم، وهو الَّذي كان يقول دوماً: "فوالله ما دفعت الحرب يوماً، إلّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها".

عندما التقى الإمام الحسين(ع) عمر بن سعد، قال له: "يا بن سعد، أتقاتلني؟ أما تتّقي الله الّذي إليه معادك، فأنا ابن من علمت؟! ألا تكون معي وتدع هؤلاء، فإنّه أقرب إلى الله تعالى؟".

فقال عمر بن سعد: "أخاف أن تُهدم داري"، فقال له الحسين(ع): "أنا أبنيها لك"، فقال ابن سعد: "أخاف أن تؤخذ ضيعتي"، فقال(ع): "أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز"، فقال ابن سعد: "إنَّ لي بالكوفة عيالاً، وأخاف عليهم من ابن زياد القتل". عندها، تركه الإمام الحسين(ع)، بعد أن عرف أنّه أسير خوفه على مصالحه، لا يفكّر في دين، ولا في رسالة، ولا في أهداف كبرى، وقد بدا هذا المنطق واضحاً، عندما رمى أوَّل سهم على مخيّم الحسين وأهل بيته، قائلاً: "اشهدوا لي عند الأمير".

هذا المنطق، أيّها الأحبّة، هو سبب الكثير مما نعانيه في واقعنا، لأنَّ مشكلتنا هي مع هؤلاء الطّامحين إلى الوصول إلى المال بأيّ ثمن، ولو على حساب أقدس المقدّسات، ومشكلتنا هي مع هؤلاء الّذين يخافون على مصالحهم الشخصيَّة والطائفيَّة والمذهبيَّة والسياسيَّة، ولو على حساب مستقبل أوطانهم وقضايا أمّتهم الكبرى، ومشكلتنا هي مع هؤلاء الّذين لا يحاورون أحداً، وإذا حاورتهم، فإنّهم لا يستمعون إليك، وإذا استمعوا إليك، فإنّهم لا يبالون بك.

عندما نزيل هذا المنطق من حياتنا الخاصّة، ومن قضايانا المصيريّة، فإنّنا نستطيع أن نصنع الكثير في واقعنا، وأن نواجه التحدّيات الكبيرة.

حشود حسينيّة رغم التحدّيات

والبداية من عاشوراء، حيث لا بدَّ من أن نسجّل اعتزازنا بالحشود الغفيرة الّتي خرجت في اليوم العاشر من محرّم، في لبنان وخارجه، لإحياء هذه الذّكرى الأليمة، رغم كلّ الظّروف الأمنيّة الصّعبة، ورغم استشهاد العشرات، كما حصل في العراق، لتعبّر من خلال ذلك عن عمق حبّها للحسين(ع) وللصّفوة الطّاهرة من أصحابه وأهل بيته، وعن مدى إخلاصها وتقديرها لكلّ الدّماء الزكيّة الّتي نزفت على أرض كربلاء، ومدى التزامها الدّائم بأهداف عاشوراء ومنطلقاتها، الّتي لم تكن مذهبيّة ولا طائفيّة ولا فئويّة، بل هي، كما عبَّر الحسين(ع)، لأجل الإصلاح، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ورفض الفساد والظّلم ومنطق التبعيّة العمياء والاستئثار والإذلال؛ هذه العناصر الّتي تمثّلت بيزيد ومن معه، وهي تتمثّل في كلّ مرحلة بمن يحمل منطقهم وأسلوبهم الوحشيّ والهمجيّ، من المستكبرين والمحتلّين والإلغائيّين والإقصائيّين.

سوريا: لا استعجال للحلّ

من هذا الباب ندخل إلى واقعنا، الّذي يضجّ بالفتن والتوتّرات الّتي باتت خبزنا اليوميّ في العالم العربيّ والإسلاميّ، حيث لا يزال المشهد نفسه في سوريا، فرغم كلّ الأجواء الإعلاميّة الّتي تبشّر باقتراب انعقاد مؤتمر جنيف اثنين، ورغم قبول الحكومة والمعارضة المشاركة فيه، فإنّنا لا نلمس استعجالاً من قِبَل الدّول الكبرى الرّاعية لهذا الاجتماع، فهي تريد استنزاف هذا البلد؛ استنزاف قواه العسكريّة، وكلّ القوى الّتي تتصارع على أرضه، واستنزاف المال الّذي يُصرف لشراء السّلاح وتمويل المقاتلين، بدلاً من أن يتوجّه إلى التنمية، أو إلى حلّ مشاكل الفقر الّتي يعانيها العالم العربي والإسلامي، لتبقى سوريا مكاناً تسوّق من خلاله الفتنة الطائفيّة والمذهبيّة.

ومن هنا، ندعو كلّ الغيارى على هذا البلد وعلى إنسانه ومستقبله، إلى العمل لإبقائه قويّاً في مواجهة الكيان الصّهيوني، كما ندعو كلّ الّذين يفكّرون إسلاميّاً ومسيحيّاً وإنسانيّاً، إلى العمل بكلّ مسؤوليّة، لدفع الجميع إلى الحوار، لإيجاد حلولٍ تحول دون أن يصير هذا البلد ساحةً لتصفية الحسابات الدّوليَّة والإقليميَّة، بدلاً من تأجيج النّار، ودفع الأفرقاء فيه إلى التشدّد في مطالبهم.

إنّنا نريد لسوريا أن تبقى كما هي، حصناً منيعاً لمقاومة الاحتلال والتصدّي للهيمنة الاستكباريّة، فهذا انتصار لكلّ العالم العربي والإسلامي، وبغيره سيفقد هذا العالم موقعاً أساسيّاً، إن لم يرَ البعض تداعيات فقده الآن، فسيراها في المستقبل.

فلسطين تنسحب من المفاوضات

ونصل إلى فلسطين، حيث لا يزال العدوّ يتابع سياسته الاستيطانيّة، ويمارس سياسة القتل والاعتقال، وهو في ذلك غير آبه بكلّ المفاوضات الجارية، الّتي كان ولا يزال يريدها للاستهلاك الإعلاميّ، لتجميل صورته أمام العالم، والادّعاء بأنّه داعية سلام، ولتقطيع الوقت ريثما ينتهي من مشروعه الاستيطاني، وسعيه لتهويد فلسطين والقدس وتقسيم المسجد الأقصى، أو حتّى إزالته إن أمكن.

ومن هنا، فإنّنا ننظر بإيجابيّة إلى انسحاب المفاوض الفلسطيني من المفاوضات، كي لا يبقى شاهد زور على ما يقوم به العدوّ، ومسهّلاً له لإتمام مخطّطه، وندعو إلى الثّبات على هذا الموقف، في الوقت الّذي نجدّد الدّعوة لكلّ الفصائل الفلسطينيّة، للتوحّد أمام الصّعوبات الّتي يواجهها الفلسطينيّون في الدّاخل، وأمام العدوّ الصّهيونيّ الّذي لا يمكن مواجهته إلا بالوحدة والمقاومة.

اليمن مهدّد بالفتنة

ونصل إلى اليمن، حيث هناك من يعمل لإثارة فتنة طائفيَّة ومذهبيَّة بين مكوّنات هذا الشّعب، كما يحصل الآن في صعدة ومحيطها، ما بات يستدعي من كلّ الأفرقاء العودة إلى لغة الحوار، لمنع المصطادين في الماء العكِر في هذا البلد، من أن يجدوا ضالّتهم فيه.

لبنان: خطر الانفلات الأمنيّ

أمّا لبنان، فلا يزال مشرّعاً على الرّياح العاتية الآتية من محيطه، في ظلّ التجاذبات الإقليميّة وغير الإقليميّة الّتي تعصف بأرضه، واستمرار العدوّ الصّهيونيّ باستباحة أمنه وثرواته النّفطيّة، حيث أصبح عرضةً لحالة اللااستقرار الأمني، والّذي تمثّل في التوتّرات الأمنيّة في عاصمة الشّمال، وعمليّة الاغتيال الخطيرة الّتي طاولت مؤخّراً سماحة الشّيخ سعد الدّين غيّة، وفي الصّواريخ المتكرّرة الّتي تتعرّض لها الأراضي اللّبنانيّة في البقاع وعكّار، ما بات يستدعي استنفاراً من كلّ المسؤولين، لتفادي هذا الواقع، وتحرّكاً سريعاً من القوى الأمنيّة، لضبط الوضع، بدءاً من الشّمال، ووصولاً إلى كلّ المناطق اللّبنانيّة، ومعالجة الواقع السياسيّ المتأزّم الّذي ينتجه الخطاب التّصعيديّ، الّذي بات سمة السّاحة في هذه المرحلة.

وندعو إلى الإسراع في تأليف حكومة يتوافق عليها الجميع؛ حكومة تساهم في معالجة المشكلات الاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة، وتحمي الدّاخل اللّبنانيّ من تداعيات ما يجري في المحيط، وكلّ ما من شأنه إرباك البلد وزعزعة وحدته وأمنه واستقراره.

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله                                                  

التاريخ : 11 محرم 1434هـ الموافق :15 تشرين الثاني 2013م

 

 

Leave A Reply