حاضر في جامعة الكوت في العراق…فضل الله: وحدة مكوّناتنا الداخليّة تحمي أوطاننا

أكَّد العلامة السيد علي فضل الله أن لا سبيل لبناء أوطاننا، إلا بوحدة كل مكوناتها الداخلية، وأن يكون الخلاف تحت السقف الوطني. ألقى سماحته محاضرة في جامعة الكوت في العراق، تحت عنوان "الإسلام والتحديات الراهنة"، بحضور حشد من الدكاترة والطلاب.

 

بدايةً، استهلّ سماحته كلمته بالحديث عن التحدّي الوطني، معتبراً أنَّ التجارب التي مررنا ونمرّ بها، أظهرت العواقب الوخيمة لكل الرهانات على القوى الكبرى، التي كلّ ما يهمها هو الإمساك بقرار بلداننا وثرواتنا، مشيراً إلى أنَّ هذه القوى الدولية قدّمت نفسها على أنها تعمل لمصلحة حقوق هذه الطائفة أو تلك، لكنها سرعان ما تبدل في سياساتها، حيث نراها تتلاعب بالمسألة القومية، فتعلن قبولها بالانفصال تارة، ثم تندد بأي إجراءات انفصالية طوراً آخر.

 

 وأضاف: "بعد ذلك، تطرح هذه القوى مشاريع تقسيم أو كونفدرالية كحل لمشكلة العراق، ثم تقول إنها مع الوحدة، ويأتي ذلك في سياق إدارة عملية صراع مديد في العراق وفي المنطقة… صراع يستنزف الجميع على خلفية بناء تركيب السلطة التي تخدم مصالحها أو امتلاك نفوذ كبير، ولو على حساب وحدة أوطاننا وسيادتها وتطلعات الناس نحو الاستقلال والحرية والوحدة…".

 

وتابع: "من موقع التجارب المرّة التي عشناها في لبنان، والتي تعيشونها في العراق، أقول إن علينا أن نقلع أشواكنا بأيدينا، ونصنع استقلالنا الحقيقي بأنفسنا، وأن لا نترك للقوى الكبرى المنافذ والثغرات التي تنفذ منها لتبرر شرعية التدخل".

 

 ورأى سماحته أنّ من أكثر الأمور التي تدعو إلى الألم، أن صراعاتنا اتخذت طابعاً طائفياً ومذهبياً، مع علمنا أن هذه الصراعات في الجوهر سياسية، لكن تم استخدام العنوان الطائفي أو المذهبي لفاعليته وتأثيره في مواجهة الآخر.

 

وأضاف: "إنّ المذاهب بشكل أو بآخر وُضعت في مواجهة بعضها البعض، وأحسَّ كل منها أنه مستهدف في مواقعه ووجوده، وكان المسؤول عن ذلك هذه السياسات الدولية، وفي مقدمتها سياسات غربية وصهيونية ضخَّمت حجم النهوض الإسلامي الذي شهدته بلادنا في العقود الأخيرة، وصورت الإسلام وحشاً يريد أن يغزو العالم، ودعت إلى مواجهته في عقر داره، من خلال تهيئة كل الظروف لتفجير فتنة كبيرة بين المسلمين… يخرج منها الإسلام ضعيفاً وفي أبشع صورة مشوهة".

 

 وأكَّد سماحته أن لا سبيل لبناء أوطاننا إلا بوحدة كل المكونات الداخلية، فالخلاف مشروع، ولكن تحت السقف الوطني، مشدداً على ضرورة استعادة الوحدة الوطنية وبناء الدولة، اللذين يشكّلان الحاضنة التي تحفظ الجميع؛ الدولة التي لا تشعر فيها فئة أو طائفة بالغبن وتشعر أخرى بالخوف، الدولة التي تحكمها القيم الإسلامية الاخلاقية والإنسانية، لا دولة المحاصصات وتوزيع المغانم.

 

ثم تتطرَّق إلى تحدي الإرهاب، فحيّا الإنجازات الكبيرة التي حقَّقها العراق، دولةً وشعباً وجيشاً وحشداً، على الإرهاب، مقدراً كل التضحيات التي قدمها العراقيون، مشيراً إلى أن التطرف الطائفي والمذهبي التكفيري لا يواجه بتطرف طائفي ومذهبي وتكفيري مقابل، كما أنَّ إرهابه لا يواجه بإرهاب مقابل، لأنَّ ذلك يساهم في تعزيز مواقع التطرف، ويخدم مصالحه وخطابه الذي تقوم حجّته في الاستقطاب على حماية هذه الطائفة وذلك المذهب أو الفئة التي تنتمي إليه..

 

وتوجَّه إلى الطلاب قائلاً: "إنكم اليوم، وعلى مقاعد الدراسة الجامعية، وأنتم تنهلون من المعرفة التي تؤهّلكم لتكونوا أركان المستقبل، لا بد لكم من أن تعملوا لكي تتجسَّد هذه المعرفة في ساحات الأمة، دراسةً لأسباب مشكلاتها، وبحثاً عن حلول لمعالجتها.. إنَّ مهمتكم في الساحة الجامعية تعميق ثقافة الوعي والوحدة، وتعزيز الخطاب العقلاني والإنساني والحواري ، ولا سيَّما أننا في كثير من الجامعات نعيش التنوع المذهبي، حيث تتوفّر البيئة الثقافية الصالحة للحوار".

 

وأردف قائلاً: "إننا نصرّ على أهمية التمسّك بالوحدة، كعنوان للاستراتيجيات والتوجّهات الكبرى، وأخذها في الاعتبار عند اتخاذ أيّ قرار سياسيّ أو اجتماعيّ، انطلاقاً من قول أمير المؤمنين: لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين".

 

وختم العلامة فضل الله كلمته بالحديث عن تحدّي العولمة، التي رأى فيها إيجابيات يجب استثمارها لكن نبه من مخاطرها على الشباب، مؤكّداً مسؤولية الشباب الواعي في مواجهة هذه الثقافة التي تحوّل الشاب والفتاة إلى شخصية مستلبة لا هوية لها، أو إلى أداة استهلاكية، أو إلى جسد تحركه الرغبة والشهوات، أو إلى كائن يشكّك في حضارته وثقافته وتاريخه، وفي أهليّته لصناعة وجوده ومصيره… إنَّ كلّ ذلك يتطلَّب جهوداً شاقة ودؤوبة على المستوى النفسي لاستعادة الثقة بالذات.

 

 

Leave A Reply