في ندوةٍ لشبكة الأمان والسلم الأهلي حول تحرير الخطاب الديني وأولوياته…فضل الله: نتطلَّع إلى خطاب ديني يدافع عن حقوق الطوائف كلّها

أقامت المنسقيَّة العامة لشبكة الأمان والسلم الأهلي ندوة تحت عنوان "تحرير الخطاب الديني وأولوياته"، في قاعة فندق غولدن توليب في بيروت، بحضور حشد من رجال الدين، وعدد من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين والمحامين ورجال الأعمال والقضاة والمفتين، ورؤساء جمعيات، وناشطين في المجتمع المدني وناشطين في مجال الحوار والسّلم الأهلي.

 

البداية، كلمة ترحيبيَّة من أمين عام مؤسَّسة العرفان التوحيديَّة، فضيلة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، نوَّه فيها بدور المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله وإرثه في الحوار والتجديد، وأثنى على دور العلامة السيد علي فضل الله في المحافظة على هذا الإرث واستمراريته، من خلال إطلاقه المؤسَّسات النوعية التي ما زالت تبعث الأمل في استمرار روح المحبة والسَّلام والحوار

 

وألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة حول الخطاب الدّينيّ، معتبراً فيها أنَّ بعض هذا الخطاب حمل تشويهات غير مسبوقة، ويستدعي توجيه النقد العميق إليه، حمايةً للدين ولإنسانيته وأخلاقياته، بعد أن جرى العبث بجوهره، وتم إخراجه عن أهدافه، إلى الدرجة التي أُظهر فيها الدين كأنه مشكلة للحياة..

 

وأضاف سماحته: "من المؤلم أنَّ الخطاب الديني السائد عموماً، طمس الجوهر الروحي للدين وقيمه الأخلاقية التي هي في الأصل قيم إنسانية عامة: الكرامة، الإنصاف، العدالة، الحرية، المحبة، السلام، والحوار، وغير ذلك من القيم المرتكزة فطرياً في النفس البشرية، كثمرة للنّفحة الروحيّة الّتي وهبها الله للإنسان".

 

وأشار سماحته إلى أنَّ هذا الخطاب الذي حبس الدين في زنازين مغلقة مسيَّجة بكل ألوان الكراهية والظلم والتعصب والعنف والإقصاء، بحاجة إلى تحريره من هذه الأثقال المعيقة لتطور المجتمع، والمسيئة إلى الدين، والمشوهة له، والمدمرة للحياة الإنسانية.

 

 ورأى أن من أهمِّ التحديات التي تواجهنا على هذا الصَّعيد، تحرير الدين من الطائفيَّة أو المذهبيَّة، ومن هذا الاستخدام المتبادل لكل من الدين والطائفة للآخر، حسبما تقتضي الظروف في سياق الصراع مع الآخر المقابل، في استثمار إلى أبعد الحدود لهذا التداخل بين الاثنين..

 

وقال: "إنَّ مهمَّة الدين الأساسية هي استعادة الخطاب الوسطي، ولا سيما في البلدان المتعددة طائفياً، وبذل الجهود الكبيرة لتعميمه في مجتمعاتنا.. لاستعادة الطائفة لإيمانها.. لإنسانيتها.. ولأخلاقيتها من خلال العمل على تجفيف منابع العصبية التي تغلغلت عميقاً في جذورها..".

 

 وتابع سماحته: "إنَّنا نرى أنَّ الخطاب الديني لا يعبّر عن إيمان حقيقيّ، ولا عن إنسانية نقية، إلا حين يقف بكلِّ جرأة وشجاعة ليدافع عن حقوق الطوائف والمذاهب الأخرى ورموزها، حين تكون في مواقع المظلومية، ولو كان المعتدي من طائفة صاحب الخطاب، ولن نستطيع أن نحفظ استقرارنا المجتمعي وسلمنا الأهلي أو نبني دولة الإنسان؛ دولة المواطنة والعدالة، إلا بالارتفاع إلى هذا المستوى من الخطاب الإنساني".

 

 وأضاف: "إنَّ أكثر ما يحتاجه وطننا هو هذه الروح الإيمانية الإنسانية التي نريد لها أن تشعّ في نفوس كلّ العاملين في الشأن الدينيّ، من رجال دين وعلماء ومفكرين وكتّاب وخطباء ومعلمين، روح المحبة والرحمة والتسامح والعدل، وأن تلامس هذه القيم من خلالهم كلّ النفوس، ليبنى وطننا على شراكة حقيقية بين كل مكوناته، لا نريدها أن تقوم فقط على توازنات سياسية، وعلى أساس العدل فحسب، بل على توازنات أخلاقية هي وحدها التي تبني شراكة الحياة والمستقبل والمصير".

 

 وقال: "إنَّ المشترك يتَّسع بيننا ويكبر وتضيق معه رقعة الخلاف وتصغر كلّما استند الحوار إلى لغة العقل المحمولة بمشاعر المحبة، "وهل الدين إلا الحب!"، وكلما أخذ بالحسبان حقوقه ومصالحه المشروعة، على خلفية أن رسالة الدين هي تحقيق القسط وخدمة الإنسان كل إنسان إنَّنا نريد لمثل هذا الخطاب الديني في تعامله مع الآخر، أن يسود في مجمعاتنا.. به نتعبد لله، وبه نحفظ سلمنا الأهلي ووحدتنا.. أما الخطاب الديني الإقصائي، فهو يغيّب روح الدين وقيمه.. إنَّ قيم الرحمة والتواصل والكلمة السّواء والتّسامح هي الَّتي تهب للدّين معناه، فإذا غابت هذه القيم عن الخطاب الدينيّ طمس معنى الدين وتغيّر مفهومه..".

 

 وختم قائلاً: "إنَّنا نريد للخطاب الديني أن يعمل لتحرير الإنسان من كلِّ صنمية، امتثالاً لرسالة الدين، واقتداءً بحركة الأنبياء والرسل الذين حاربوا كلّ صنمية، مادية أو بشريّة أو فكريّة أو طائفيّة.. فالدّين أراد للإنسان أن يكون حراً في تفكيره، عزيزاً في كرامته، ويتوخَّى الحقيقة في حركته والعدل في غايته.. لا تابعاً لهذا أو ذاك.. ولا فرداً في قطيع لا يعرف إلى أن يُساق، ولا سجين فكرة لم يضعها موضع الفحص والتقويم، ولا أسير موقف أو تصنيف لا يقوم على أساس العدل، ولا رقماً في صندوق انتخابي هنا أو هناك..".

 

كما تحدث في الندوة كلّ من سماحة الشيخ هشام خليفة، وسيادة المطران عصام درويش، وسماحة الشيخ حسين شحادة.

 

Leave A Reply