ذكرى المؤاخاةِ محطَّةٌ لتعزيزِ قيمةِ الأخوَّةِ بينَ المؤمنين

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة: 183-184]. صدق الله العظيم.

ذكرى المؤاخاة

نلتقي في هذا اليوم، الثَّاني عشر من شهر رمضان المبارك، بحدثٍ لا بدَّ لنا من التوقّف عنده، للأخذ بدروسه وعبره، وهو المؤاخاة الَّتي حصلت في المدينة المنوَّرة بين المهاجرين والأنصار، فآخى الرّسول (ص) بين القويّ والضعيف، والغنيّ والفقير، والأبيض والأسود.

وكان من نتائج هذه المؤاخاة، أن قاسم الأنصار إخوانهم المهاجرين الَّذين هاجروا من مكَّة إلى المدينة، تاركين وراءهم أموالهم، بعدما لم تسمح لهم قريش بأخذها، فقاسموهم يومها الأراضي والدّور ومواقع العمل، ولم يشعروهم بأنَّهم غرباء في المدينة، بل من أهلها، وقدَّموا بذلك تجربة إيمانيَّة رائدة في الأخوَّة الإسلاميّة، والتي أشارت إليها الآية التي تلوناها، عندما قالت: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.

لقد جاء هذا الحدث ليعبِّر عملياً عن الأخوَّة التي دعا إليها الله سبحانه، وأرادها أن تكون عنوان علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، على اختلاف قبائلهم وعائلاتهم وقوميَّاتهم وأعراقهم ولغاتهم وأعمارهم وأموالهم، ليعيشوا علاقات الأخوَّة في المشاعر والأحاسيس والسلوك والعمل المشترك، وفق ما دعا إليه الله تعالى، عندما قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

وقد بنى الله سبحانه هذه الأخوَّة على أساس الإيمان الواحد والقيم والأهداف المشتركة، ما يجعلها أعمق من علاقة الأخوَّة النسبيَّة الّتي رغم حرص الإسلام على رعايتها وعدم التنكّر لها، لكنَّها قد لا تشهد دائماً انسجاماً بين أفرادها في التوجّهات والأفكار والقيم والأهداف.. وكلّنا يعرف مدى أهميَّة هذه الأخوَّة الإيمانيَّة والدور الذي تساهم به عندما تتعمَّق في النفوس، ويظهر أثرها على أرض الواقع في توحيد المجتمع، وتعزيز مناعته، وإزالة التوتّر الَّذي يحدثه الاختلاف على صعيد العرق أو اللَّون أو العشيرة أو العائلة أو الوطن.

المؤاخاة في الأحاديث

وقد جاءت الأحاديث الشَّريفة لتدعو وتحثّ على هذه الأخوَّة والأخذ بمضامينها، فعن رسول الله (ص): “لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا…”، “وكونوا إخوةً بررةً، متحابّين في الله، متواصلين، متراحمين”.

وفي الحديث: “المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشّه”.

وفي الحديث: “الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِنِ اشْتَكَى شَيْئاً مِنْهُ وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ جَسَدِهِ، وَأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ”.

وفي الحديث: “المؤمن أخو المؤمن أحبَّ أو كره”.

وقد اعتبر أن التنكّر لهذه الرابطة الأخويَّة وعدم الأخذ بها يؤدِّي إلى الكفر، فقد ورد في الحديث: “من قال لأخيه المؤمن أنت عدوّي فقد كفر”. أمَّا لماذا يكفر، فلأنَّه بذلك يقول بخلاف ما دعا إليه الله عزَّ وجلَّ وأكّده: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنَّ هذه الأخوَّة نعمة، بل هي من أهمّ النّعم التي أنعم بها على عباده المؤمنين، حين قال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}.

وقوله سبحانه لرسوله (ص): {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

حقوقُ الأخوَّة

ولم يشأ الله سبحانه لهذه الرابطة الإيمانية أن تقف مفاعيلها وآثارها عند حدود المشاعر والأحاسيس والعواطف، بل دعا إلى أن تتعدَّى إلى الحقوق والواجبات، فهناك حقوق وواجبات لا بدَّ أن يؤديها المؤمن لأخيه المؤمن، وهي ليست خياراً، بل فريضة وواجباً، وسيسأل الإنسان عنها عندما يقف بين يدي الله.

وهي أوَّلاً: أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، وأن يكره له ما يكرهه لها، حيث لا يكون الإنسان مؤمناً حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ويكره له ما يكره لها.

ثانياً: أن يعينه بنفسه وماله ولسانه ويديه ورجليه، ولا يخذله عند الشَّدائد، حيث ورد في الحديث: “إنّ الله في عون المؤمن، ما دام المؤمن في عون أخيه”.

ثالثاً: أن يكون عينه ودليله ومرآته، يهدي إليه عيوبه، فالمؤمن مرآة أخيه، يسدِّده إن هو أخطأ، ويساعده على تجاوزها.

وقد عبَّر عن ذلك الإمام الصّادق (ع)، حين سأل أحد أصحابه: “كيف من خلَّفت من إخوانك؟ فأجابه بحسن الثناء والتزكية والإطراء، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ فقال: قليلة، قال: وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال: قليلة، قال: فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟ فقال: إنّك لتذكر أخلاقاً قلّ ما هي فيمن عندنا، قال (ع): فكيف يزعم هؤلاء أنَّهم شيعة؟”.

رابعاً: أن لا يشبع هو ويجوع أخوه، ويُروى ويظمأ أخوه، ويكتسى ويعرى أخوه، أو أن يكون له خادم له وليس لأخيه خادم، فمن الواجب إن حصل ذلك، أن يبعث له خادمه عندما يحتاج إلى من يعينه.

 خامساً: أن يبرَّ قسمه، ويجيب دعوته، ويعوده في مرضه، ويشهد جنازته، وإن كانت له حاجة (دين أو تفريج غمّ أو همّ) يبادر إلى قضائها، ولا يكلِّفه أن يسأله، وأن يفي بوعده له.

سادساً: أن يصله ولا يهجره عند الاختلاف أو حدوث نزاع بينهما، فقد ورد في الحديث: “لا يحلّ للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيَّام، والسَّابق يسبق إلى الجنَّة”.

سابعاً: أن ينصره، وهو ما ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “انصرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقيل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظّلم”.

وأخيراً: أن لا يتسبَّب له بأذى مادّيّ أو جسديّ أو معنويّ، ففي الحديث: “المؤمن على المؤمن حرام، دمه وعرضه وماله”.

تعزيزُ قيمةِ الأخوَّة

أيّها الأحبّة: إننا أحوج ما نكون إلى تعزيز قيمة الأخوَّة هذه، لنبني بذلك مجتمعاً يريده الله عزّ وجلّ مجتمعاً متبادلاً متعاوناً متواصلاً متراحماً، والَّذي أشار إليه رسول الله (ص): “مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسَّهر والحمَّى”، “إنَّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن، كما يسكن قلب الظَّمآن إلى الماء البارد”.

وهو الَّذي أشار إليه الله سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.

لقد استطاع رسول الله (ص) بهذا المجتمع المتكافل والمتعاون والمتراحم، أن يحقِّق الانتصارات، وأن يبني به حضارةً لا يزال العالم يأخذ منها، والَّتي أشار إليها الله عزَّ وجلَّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.

إننا في هذه المرحلة الصَّعبة، أحوج ما نكون إلى الالتزام بهذه الأخوَّة، أن نعمِّقها ونعزِّزها ونعبِّر عنها في سلوكنا وعلاقاتنا، ونحوِّلها إلى مشاريع عمل مشتركة، ونمدَّ جسور التَّواصل مع الآخرين، وبذلك نكون قادرين على أن نخرج من كلِّ ما نعانيه من أزمات وتوترات وصراعات قد تنشأ بفعل التنوّعات الَّتي نعيشها، ونبني مجتمعاً متحابّاً متعاوناً متراحماً يشدّ بعضه أزر بعض، ويقوّي بعضه بعضاً.. بذلك نكون فعلاً خير أمذَة أخرجت للنَّاس، تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وليكن دعاؤنا في هذا الطَّريق: “اللّهمَّ اغفر لنا ولإخوتنا الَّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلّاً، إنَّك رؤوف رحيم”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستذكر ما دعا إليه رسول الله (ص)، عندما قال في خطبته في استقبال شهر رمضان: “واذكروا بجوعِكِم وعطشِكِم فيه جوعَ يومِ القيامةِ وعطشَه”.

هو يريد منا أن نستحضر بجوعنا وعطشنا اليوم الَّذي يقوم فيه النَّاس لربِّ العالمين، يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها، وتقدّم حسابها إلى ربها عمَّا قامت به في الدنيا وما جنته منها. أمّا لماذا يجوع النَّاس ويعطشون في ذلك اليوم؟ فلطول موقف الحساب الَّذي يأتي من تقصير منهم في أداء الواجبات وكثرة التَّبعات والظّلامات، ما يستدعي منها حين تجوع وتعطش أن تراجع حساباتها، وتبادر إلى التوبة من تقصيرها وسدّ النقص.

ومتى حصل ذلك، فلن نجوع ولا نعطش، وبذلك نكون أكثر وعياً ومسؤوليّة وقدرة على مواجهة التحديات.

جرائمُ العدوِّ في غزَّة

والبداية من غزَّة التي يواصل فيها العدوّ الصهيوني مجازره بحقّ المدنيّين وهم في بيوتهم، أو أولئك اللاهثين وراء المساعدات ليسدوا بها جوعهم ويرووا عطشهم، أو الَّذين اضطرّوا إلى أن يلجأوا إلى المستشفيات لعلّهم يجدون فيها بعض أمانهم فلاحقهم العدوّ إليها.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل هو يعمل اليوم بسياسة جديدة تهدف إلى استهداف رموز الإدارة المدنيَّة للقطاع، لبثّ الفوضى داخله، ومنع أيّ جهد يبذل لتحسين ظروفهم المعيشيَّة والحياتيَّة وسدّ احتياجاتهم، ما يؤدّي بهم إلى اليأس من البقاء في أرضهم، ودفعهم إلى الخروج منها، بعدما تنعدم كلّ مقوّمات الحياة فيها.

ومع الأسف، لا يزال العالم، إلَّا ما ندر وحتَّى الآن، يدير ظهره لما يجري، وإذا كان من مبادرات تجري، فهي تأتي من باب التمنّيات، من دون أن يمارس هؤلاء أيّ ضغوط لإيقاف مجازر هذا الكيان وفتح المعابر، بل ما زلنا نشهد مزيداً من الدَّعم له على المستويات كافَّة.

لقد قلناها لهذا العالم، إنَّ الشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى كلمات عزاء أو لإدانات شكليَّة، بل إلى يقظة ضمير، وأخذ مواقف جادَّة تردع هذا الكيان وتوقف معاناة هذا الشَّعب، وإلى إيقاف تامّ لنزيف الدَّم والدَّمار والحصار المفروض.

ونأمل أن يكون العالم أصبح أكثر وعياً لخطورة الاستمرار بهذه الحرب المجنونة، والَّتي ستكون وصمةً على جبينِهِ ولن تمحى، ولتداعياتها على استقراره وأمنه، وأن تتسارعَ الخطوات التي يتمّ الحديث بها لتصل إلى النَّتائج المرجوَّة وإيقاف إطلاق النَّار…

في هذا الوقت، نجدِّد دعوتنا للسلطة الفلسطينيَّة ولكلِّ الفصائل وحركات المقاومة إلى الوحدة، وعدم رفع أيّ صوت أو تحرّك يخلّ بها، وإذا كان من خلافات، فهي لا تحلّ عبر الوسائل الإعلاميَّة والبيانات التي تسيء إلى صورة الشَّعب الفلسطيني وقضيَّته، وتؤدي إلى تقديم خدمات مجانيَّة للعدوّ تساعده في تحقيق أهدافه.

خطرُ العدوِّ على لبنان

ونعود إلى لبنان، الَّذي تستمرُّ فيه المقاومة بأداء الدَّور الذي رسمته لنفسها، وتقدِّم التضحيات من أجله، بإسناد الشَّعب الفلسطيني في غزَّة، ومنع العدو الصهيوني من الاستفراد به وتركه يعاني وحيداً، آخذةً في الاعتبار أن يبقى ذلك في حدود استهداف المواقع العسكريَّة للعدوّ، وعدم توسعة مداه، وذلك حفاظاً على المصلحة الوطنيَّة العليا، ومراعاة لظروف هذه البلد ومعاناة إنسانه، في وقت يواصل العدوّ اعتداءاته والتَّدمير الممنهج للبيوت وللمباني السكنيَّة، ولا سيَّما في القرى الحدودية، وتستمرّ تهديداته للبنان بإعلانه عن خطط جاهزة لغزوه، وما أعلنه أخيراً عن تشكيل لواء جديد لإدارة الحرب في سوريا ولبنان، وهو يهدف من وراء ذلك إلى إثارة الخوف لدى اللّبنانيّين وتعزيز الانقسام بينهم، في وقت يعرف اللّبنانيّون أنَّ ما يجري هو من باب التَّهويل، وأنَّ ظروف الحرب الشَّاملة التي يهدِّد بها العدوّ ليست متوافرة، وهو غير قادر على خوضها، ولا يملك التغطية الدوليَّة التي امتلكها في حربه على غزَّة، وهو يتوسّل ذلك من خلال الموفدين الدوليّين.

إنَّ من المؤسف أنَّ هناك في هذا البلد من لا يرى العدوَّ الصهيوني خطراً على لبنان، ولا التهديدات التي يكيلها العدوّ له يراها مسّاً في سيادته ويأخذها في الاعتبار.

إننا أمام كلّ ذلك، ننبّه اللّبنانيين إلى عدم الوقوع في الفخّ الَّذي يريد العدوّ أن يوقعهم فيه، بنقل المعركة إلى داخلهم وفيما بينهم، وإلى وعي مستمرّ لمخاطر هذا الكيان الَّذي يبقى خطراً لا على فريق من اللّبنانيّين، بل على لبنان وكلّ اللّبنانيّين.

أزمةُ الفراغ

في هذا الوقت، نعيد دعوة القوى السياسيَّة إلى عدم الاستسلام للفراغ والأزمات الَّتي يعانيها هذا البلد، وعدم ترك ذلك رهينةً لما يجري في غزَّة، فقد آن الأوان لمعالجة كلِّ ذلك، وإنجاز الاستحقاق الرئاسي ثمَّ الحكومي وبناء الدَّولة، وهو لا يمكن أن يتمَّ بالغلبة، بل بالتَّوافق في بلد بُني على التّوافق ويستمرّ عليه.

لقد بات واضحاً أنّ حلّ الأزمة يعود إلى اللّبنانيّين أوَّلاً وأخيراً، وإذا كان من مبادرات تجري لتحريك هذا الملفّ، فهي لن تكون بديلاً منهم، بل مساعداً لهم، ما يتطلَّب التفاعل مع أيِّ مبادرة، ليكون هذا البلد حاضراً عند إنضاج الحلول أو التسويات في المنطقة، والَّتي لن تقف آثارها عند الشأن الفلسطيني، وقد نرى تداعياتها على صعيد العالم.

***