رعى افتتاح مسجد الجوادين (ع) في بلدة علي النهري البقاعيَّة فضل الله: مساجدنا تربِّينا على روح الحوار والعطاء ومواجهة العدوّ

رعى العلَّامة السيِّد علي فضل الله الاحتفال الَّذي أقامته جمعيَّة المبرات الخيريَّة في أجواء ولادة الرسول محمّد (ص)، والذي افتتح خلاله مسجد الجوادين (ع) في بلدة علي النهري البقاعية، والذي شيِّد عن روح المرحومين الحاج أحمد عودة والحاج عبد الجبار زبد.

 حضر الاحتفال مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي، مدير عام جمعيَّة المبرات الدكتور محمد باقر فضل الله، المختار قاسم مظلوم ممثلاً محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، سماحة الشيخ أديب حيدر، النائب السابق أنور جمعة، مديرة ثانوية الجواد (ع) سعاد المراح، المدير المشرف على مدارس المبرات في البقاع الأوسط الحاج إبراهيم السعيد، وشخصيات علمائية وبلدية واختيارية وثقافية، إضافةً إلى عائلتي المرحومين.

استهلَّ الحفل بآيات من القرآن الكريم، ثمَّ قدَّم تلاميذ ثانويَّة الجواد (ع) باقةً من الأناشيد من وحي المناسبة، ثم كانت كلمة ترحييبَّة لفضيلة الشَّيخ فؤاد خريس، تلاها عرض فيلم موجز عن بناء المسجد.

 بعدها، ألقى العلَّامة السيِّد علي فضل الله كلمةً شكر فيها كلَّ أيادي الخير التي ساهمت في بناء هذه المؤسَّسات، رغم الظروف الصَّعبة التي يعانيها كلّ إنسان، معرباً عن تقديره لكلِّ الذين يحرصون على أن لا يبخلوا بالنّصح لهذه المؤسَّسات.

وشدَّد سماحته على أنَّ هذه المؤسَّسات لن تكون لحساب شخص يتسلَّق عليها للوصول إلى موقع يريده من وراء ذلك، أو أن تكون لحساب عائلة أو جهة أو فئة او دولة، هي انطلقت من الناس، كلِّ الناس، وستبقى لهم وفي خدمتهم جميعاً، بعيداً من أيِّ اعتبارات عهدناها في هذا البلد…

وقال: إنَّنا نريد لهذا المسجد المبارك أن يساهم في التواصل بين أبناء المجتمع بكلِّ تنوعاتهم المذهبية والعائلية والعشائرية والحزبية ومواقعهم الاجتماعية، حيث في المسجد يجتمع الجميع من دون تفريق أو تمييز، وأن يكون عنواناً للتلاقي والمحبة والانفتاح والتواصل بين مختلف المذاهب الإسلاميَّة، وأن يكون اجتماعهم على أساس الله ولحسابه، وبعيداً من أيّ مصالح خاصَّة، وتجاوزاً لكلِّ الحساسيات التي قد تحدث بين العائلات أو العشائر أو الاتجاهات السياسية والاجتماعية المتنوّعة…

 وأضاف: لقد أراد الله للمسجد أن يكون له الدَّور الكبير في تطهير الإنسان لفكره من كلِّ ما يسيء إلى الحياة، وأن يطهِّر قلبه مما دخل إليه من حقد أو غلّ أو ضغينة على أحد، وأن يطهِّر سلوكه من العادات السيِّئة، فالمسجد دوره هو تطهير العقل والقلب من ضيق الأفق ومن الأنانيَّة…

 واعتبر أنَّ الدور المحوري للمسجد هو دور توحيديّ بين مختلف فئات المجتمع ومكوّنات الوطن والأمَّة، فلا يمكن للمسجد أن يكون مكاناً للتفرقة والنزاع، معتبراً أنَّ على المسجد أن يمارس الدور التوجيهي التربوي التوعوي، ولا سيّما إمام المسجد الَّذي تقع على كاهله مسؤوليَّات كبيرة،  موضحاً أننا بهذه الروحيَّة التي يزرعها المسجد في عقولنا وقلوبنا، نستطيع معالجة أزمات هذا الوطن التي نعانيها، حيث يربينا المسجد على أن نتكامل جميعاً بعضنا مع بعض، وأن نتعاون كأبناء وطن واحد، لأنَّ الوطن لا يبنى بالأحقاد والبغضاء والتراشق بالاتهامات، ولا بالأنانيَّة التي لا يرى الإنسان معها إلَّا نفسه أو جماعته أو طائفته أو مذهبه…

وحذَّر سماحته من المنطق الأناني الذي يحكم الساحة السياسية، والذي لا يفكِّر إلا في مصالحه الضيِّقة والفئويَّة، فكلٌّ يريد أن يكون هذا الوطن لحسابه ولخدمته، وأن يجعله بقرة حلوباً. لذلك، لم نستطع بناء وطن أو دولة، أو إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ولن نكون قادرين على إنجاز أيّ استحقاقات قادمة إن بقينا على هذه الحال، وسنتحول إلى ورقة في ملاعب الآخرين الذي سيجدون أرضاً خصبة لهم ولمصالحهم، وهم اليوم يعبثون ببلدنا، حتى بتنا ننتظر من  يتكرَّم  علينا برئيس للجمهورية، أو ينقذنا من الكارثة التي وصلنا إليها، مع العلم أننا قادرون على  إنقاذ بلدنا إن صدقت النيّات وجعلنا مصلحة الوطن هي العليا.

وتابع: إنَّنا قلناها سابقاً ونكرِّرها اليوم لكلِّ الذين ينتظرون الخارج، إنَّ العالم ليس جمعية خيريَّة، هو لا يعطي بالمجان لأحد، ونحن علينا أن نتحمل المسؤوليَّة، وأن نعمل على أن نقلع الأشواك سوياً، ولا سيَّما في هذه المرحلة المصيريَّة من تاريخ الوطن، وأن نباشر الحوار بعضنا مع بعض لحماية وطننا وحفظه، ولكي نواجه الأزمات والتحديات التي تعصف بنا …

وحيَّا سماحته الروح التي يبثّها المسجد، روح الوحدة والجهاد والإحساس بالمسؤوليَّة إلى حدّ التضحية في مواجهة العدو الصهيوني، والتي استطاعت أن توجِّه إليه صفعة كبيرة ومؤلمة، ونحن بهذه الروح نستطيع أن نواجه كلَّ ما يتحدَّانا، لافتاً إلى أنَّ من الطبيعي أن يلجأ هذا العدوّ لتدمير المساجد من خلال غاراته، لمعرفته أن هذه الروح الجهادية هي نتاج تربية هذه المساجد، وهي متاريس هذه الأمَّة وحصونها، وهو ما نشهده في هذه الأيَّام التاريخيَّة، حيث يسطِّر الشعب الفلسطيني، ومن خلال هذه الروح في قطاع غزَّة، وفي كلِّ ساحات فلسطين، أروع الملاحم البطوليَّة، وحيث تصنع مقاومته تاريخاً مجيداً لفلسطين وللأمَّة…

وأخيراً، جدَّد سماحته شكره وتقديره لكلِّ من ساهم في بناء هذا المسجد وإعماره، وأن يتقبَّل عمل المرحومين اللَّذين كان المسجد عن روحيهما؛ الحاج أحمد عودة، والحاج عبد الجبار زبد، مؤكّداً أنَّنا سنكون أوفياء وأمناء لرسالة هذا المسجد لبناء دولة الإنسان، دولة المواطنة…

***