مسؤوليَّةُ مواجهةِ الظّلمِ.. ووعدُ اللهِ بإهلاكِ الظَّالمين

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}(إبراهيم: 42 – 43).

عاقبةُ الظُّلم

يبيّن الله سبحانه من خلال هذه الآيات موقفه الحاسم من الظَّالمين، كون الظلم يخلّ بالقيمة الكبيرة التي بنى الحياة عليها، عندما قال: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرَّحمن: 7 – 9]، وجعل القسط الهدف الَّذي لأجله أرسل الرّسل والأنبياء، فقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25). فالله سبحانه أراد للحياة أن تبنى على العدل، على الصَّعيد الفردي والاجتماعي، وعلى الصعيد السياسي والأمني؛ أن لا يظلم إنسان إنساناً، ولا مجتمع مجتمعاً، ولا دولة دولة…

وقد اعتبر الله تعالى الظّلم هو السَّبب في سقوط الحضارات وضعف المجتمعات ومعاناتها، فقال: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[النَّمل: 52]، وقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}[القصص: 59].

وقد ورد في الحديث: “ولَيسَ شَيءٌ أدعى إلى تَغييرِ نِعمَةِ اللهِ وتَعجيلِ نِقمَتِهِ مِن إقامَةٍ عَلى ظُلمٍ”. أمَّا في الآخرة، فسيكون العقاب عسيراً للظَّالمين، وقد أشار الله عزّ وجلّ إليه، فقال: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً}[الكهف: 87]، وقوله عزَّ وجلَّ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}[الفرقان: 27].

وفي الحديث: “يوم المظلوم على الظَّالم أشدّ من يوم الظَّالم على المظلوم”.

الوعدُ بإهلاكِ الظَّالمين

وإذا كان البعض يرى الظلم يستشري ويتوسَّع مداه وليس هناك من يردّه، فلا بدَّ أن نتذكَّر دائماً، أوّلاً: أنَّ الله يمهل ولا يهمل، يقول تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً}[الكهف: 59]، فقد ورد عن رسول الله (ص): “إنَّ الله تعالى يمهل الظَّالم حتَّى يقول أهملني، ثمَّ يأخذه أخذة رابية”.

وفي الحديث: “أملى الله عزَّ وجلَّ لفرعون ما بين الكلمتين أربعين سنة، ثمّ أخذه الله نكال الآخرة والأولى. وكان بين أن قال الله عزَّ وجلَّ لموسى (ع) وهارون (ع): {قَد أُجِيبَت دَّعوَتُكُمَا}، وبين أن عرَّفه الله الإجابة، أربعين سنة”.

وثانياً: أنَّ وعد الله سبحانه عباده بإهلاك الظَّالمين ونصرة المظلومين، لن يحصل إلَّا بعد أن يبذل المظلومون أقصى جهودهم وإمكاناتهم لإسقاط الظّلم والظَّالمين، ويتحمَّلوا مسؤوليّاتهم في ذلك؛ بأن لا يهادنوا الظَّالم ولا يسكتوا عن ظلمه، ويخطّطوا ويصدقوا ويصرّوا ويبذلوا الغالي والنفيس والأرواح في مواجهته، فإن رأى الله منهم إخلاص النيَّة، عندها يتحقَّق وعده لهم بأن يؤيّدهم ويعزّهم ويقوّي شكيمتهم، وينصرهم ويثأر لهم من ظالميهم، فالتَّسديد والتَّأييد يبقى رهين جهاد العاملين للعدل والدَّاعين له. وقد يصل الأمر، عندما يرتقي المخلصون بصفاء سريرتهم، وعشقهم لبارئهم وصدق نيَّاتهم، إلى أن يخصّهم الله بكرامات وأنفحة نورانيَّة، وبركات من رحمته، وألطاف هي دوماً حاضرة في الكرم الإلهيّ، ماداموا يسيرون في خطِّ تحقيق العدل، ومجابهة الظّلم بكلِّ طاقاتهم: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا}[الإسراء: 5].

فالسنَّة الإلهيَّة في رفع الظّلم وطغيانه، تتطلَّب الأخذ بالأسباب، أمَّا النَّتائج والمواقيت وحسابات الخالق ربِّ العالمين، فلا شغل لنا بها، نحن علينا أن نثق بالله، ونقوم بما علينا بكلِّ طاقاتنا.

واجبُ مواجهةِ الظُّلم

ومن هذا المنطلق، أيُّها الأحبَّة؛ نحن معنيّون بالوقوف بوجه الظّلم، سواء كان الظّلم داخلياً أو خارجياً، لا نفرِّق بين ظلم وظلم، بعدم المداهنة للظَّالمين والسّكوت على ظلمهم وطغيانهم، وهذا ما أشار إليه الحديث عن رسول الله (ص): “من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلًّا لِحُرُم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعملُ في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغِر عليه بفعلٍ ولا قولٍ، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله”.

وهو ما جاء في وصيَّة الإمام عليّ (ع) لولديه الحسن والحسين (ع)، ومن خلالهما لنا: “كونا للظّالم خصماً وللمظلوم عوناً”.

وقد أكَّد القرآن الكريم عدم إعانة الظّالمين ولو بشطر كلمة، وممّا جاء في آياته: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}(هود: 113).

وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “من أعان ظالماً على ظلمه، جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوبٌ: آيسٌ من رحمة الله”.

وعنه (ص): “إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أين الظَّلمة وأعوانهم؟ من لاق لهم دواة، أو مدَّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم”.

ودعا (ص) إلى الوقوف بجانب المظلومين، ففي الحديث عنه (ص): “من أخذ للمظلوم من الظَّالم، كان معي في الجنَّة مصاحباً”.

ورد في الحديث عن الإمام الصَّادق (ع): “ما من مُؤمنٍ يُعين مظلوماً إلَّا كان أفضلَ من صيام شهرٍ واعتكافٍ في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصرُ أخاه وهو يقدرُ على نصرته، إلَّا نَصرَه الله في الدّنيا والآخرة، وما من مؤمنٍ يخذل أخاه وهو يقدرُ على نصرته، إلَّا خذَله الله في الدّنيا والآخرة”.

وقد عبَّر الإمام زين العابدين (ع) في دعائه عن الاعتذار إلى الله عزَّ وجلَّ من مظلوم ظلم بحضرته فلم ينصره: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ ، وَمِنْ مُسِي‏ءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ”.

مسارُ مجاهدةِ الظّلم

أيّها الأحبَّة: لقد أثبتت وقائع الحاضر والتَّاريخ القريب والبعيد، أنّ الظّلم يدوم فقط عندما يقبَل به أو يسكت عليه، وعندما لا يكون الإخلاص في مواجهته. نعم، الانتصار عليه قد لا يكون سريعاً، لأنَّ الظَّالم عندما يتجذَّر وجوده وتترسَّخ قدراته، يحتاج إلى زمن لإسقاطه، ويدعو إلى التعامل معه على أساس النفس الطَّويل.

إنَّ مجاهدة الظلم هو مسار، ولا يأتي بكبسة زرّ، فرسول الله (ص) دعا وعانى وهاجر وجاهد على مدى ثلاث وعشرين سنة، حتَّى تحقَّق له النَّصر على طغيان قريش وجبروتها، وراح النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً.

وهذا المسار كان مسار كلِّ الأنبياء والرّسل والصَّالحين، فالنَّصر هو تراكم عمل وجهاد وتضحيات، لكنَّه لا بدَّ أن يأتي، فهو وعد الله وعد به عباده المظلومين، والله عند وعده عندما قال: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمّد: 7]، {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً}[النّور: 55]، وعندما قال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5]، والله وعد المؤمنين بالنَّصر {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: 105].

اللّهمَّ اجعلنا من الدّعاة إلى العدل، الرّافضين للظّلم والعاملين على مواجهته، في وقتٍ عزَّ العادلون، وكثر الظّالمون…

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نعمل لنحظى بالَّذي حظي به المؤمنون في أيَّام رسول الله (ص)، الَّذين أشار إليهم الله سبحانه وتعالى عندما قال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: 173]، يكفينا أنَّ الله معنا، وهو نعم السَّند ونعم الظهير، فكانت النَّتيجة {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}[آل عمران: 174].

أيُّها الأحبّة: إننا أمام التحديات التي تواجهنا، والظروف الصعبة التي تتحدَّانا، وحتى لا ننهزم، نحن أحوج ما نكون أن نستحضر هذه الكلمات، بأن نقول: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، وأن نقول ما قاله رسول الله (ص) لصاحبه، عندما اقتربت قريش من الغار الذي كانا فيه: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى}[التَّوبة: 40]، وبذلك نكون أكثر اطمئناناً وسكينة، وأقوى وأقدر على مواجهة التحديات.

صدمةُ الكيانِ الصّهيونيّ

والبداية من الصَّدمة الكبيرة التي أحدثتها العمليَّة البطوليَّة والجريئة التي قامت بها المقاومة في فلسطين داخل كيان العدوّ الصّهيوني، وفي عمق مستوطناته، وأشعرته بالهزيمة التي كان دائماً يعمل على أن تكون في ساحة الآخرين، وتهاوت معها مجدَّداً الصورة التي لطالما سوَّق لها بأنه جيش لا يقهر، وأنه الأقوى في المنطقة ويعتمد عليه.

لقد جاءت هذه العمليَّة لتشكِّل بنتائجها، ورغم التضحيات التي حصلت خلالها أو جاءت بعدها، منعطفاً أساسياً في تاريخ الصِّراع مع هذا الكيان الاستيطاني، والَّذي سيترك بصماته على مستقبل هذا الصِّراع، وستحفر في ذاكرته، وتجعله يعي مجدَّداً أنَّ التحصينات والأسوار الحديديَّة والإسمنتية التي يلفّ بها كيانه ويحيط نفسه بها، لن تحميه إن بقي الشَّعب الفلسطيني على معاناته.

إنَّنا نرى أنَّ ما جرى يأتي ضمن سياق المسار الجهادي والنضالي المجيد الَّذي اختطّه الشعب الفلسطيني لنفسه، ورأى فيه الخيار الوحيد الذي يحقِّق أمانيه بامتلاك حرَّيته ويرفع نير الاحتلال عنه، وأنَّه لن يتحقَّق بالتسويات ولا بالوعود والأماني، ما أثبتته وقائع التسويات التي عمل عليها، رغم وعيه الكامل لحجم التَّبعات والخسائر الَّتي سيواجهها في سلوكه لهذا الطَّريق، مع عدوِّ يمتلك أحدث الأسلحة الفتَّاكة، والتغطية السياسية الدولية، والقدرات الإعلامية والدعائية، وكان واعياً أنَّ الضَّعيف لن يبقى ضعيفاً إن عرف مكامن قوَّته ومكامن ضعف عدوّه.

وصمةُ عارٍ للصَّامتين

إنَّ من المؤسف أن نشهد الصَّمت العالمي على كلّ هذه الجرائم التي يرتكبها العدوّ، والإبادة الجماعية التي تحصل لشعب غزَّة، والتي قد تصل إلى التَّهجير الكامل له من أرضه، بل نجد في هذا العالم من لا يزال يدير ظهره لمعاناة الشعب الفلسطيني، وهو لم يكتفِ بالسكوت، بل أعطى الضَّوء الأخضر لهذا العدوّ ليزيد من ممارساته الإجراميَّة، ويدعمه بحاملات الطَّائرات وبالسّلاح والذَّخيرة والعتاد، ويؤمِّن له الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وهناك من يمنع حتى كلمات التَّنديد بجرائم  العدوّ…

لذلك نرى ما يجري في غزّة هذه الأيام لا يمثِّل فقط وصمة عار لهذا العدوّ وحده، بل هي وصمة عار على جبين كلِّ السَّاكتين على جرائمه ومن يعمل على إسناده، هم شركاء له وموضع إدانة كلِّ أحرار العالم.

الاعتزازُ بالمقاومين والمتضامنين

إننا أمام ما جرى، نجدد اعتزازنا بالمقاومين الأبطال الذين بجهادهم أعادوا إحياء روح هذه الأمَّة، وإشعارها بحضورها وقوَّتها وعزيمتها، وأنَّ بإمكانها أن تصنع من الضّعف قوّة، وبالشعب الفلسطيني على صموده وثباته، وعدم السَّماح للعدو الصهيوني بأن يدقّ إسفيناً بينه وبين مجاهديه، باستخدامه سياسة التجويع والحصار والتدمير للبيوت…

ونحن في الوقت نفسه، نحيّي كلَّ الأصوات التي خرجت للتضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، وتلك التي ستخرج اليوم، والأقلام التي هبّت لتظهر معاناة هذا الشعب والدفاع عن حقوقه في الحريَّة والعيش الكريم، في مواجهة الحملة الإعلاميَّة الظَّالمة التي تواجهه، فيما كنا نأمل من دول الجامعة العربيَّة التي اجتمعت قبل يومين، أن يكون لها موقفها الحاسم في مواجهة ممارسات العدوّ الصهيوني، وأن توحِّد صفوفها للعمل بكلِّ جديَّة لإيقاف هذا النَّزيف، ولرفع الحصار عن غزَّة وكسره بكلِّ الأساليب، وهي تستطيع ذلك إن أرادت، وأن تعي أنَّ السّكوت عن جرائم العدوّ سوف يجعله يتمادى أكثر، وسوف لن يوفِّر أيّ بلد عربي. وهنا نستغرب عدم اجتماع منظَّمة التعاون الإسلامي لأخذ موقف من هذا العدوّ، رغم أنَّ المعركة كان هدفها الأساسي هو الأقصى والانتصار له.

ونحذِّر هنا من التداعيات التي قد يؤدِّي إليها استمرار هذا العدوان بالمجازر الَّتي تستهدف الحجر والبشر، والتي قد لا تبقى في الحدود التي هي فيها الآن.

إنَّنا نريد لهذا اليوم، يوم الجمعة، أن يكون يوماً للتَّضامن مع الشعب الفلسطيني، ليشعر الشعب الفلسطيني بأنه ليس وحيداً في صموده وثباته أمام معاناته.

مواجهةُ العدوِّ بالاستعدادِ والوحدة

ونصل إلى لبنان الَّذي لا يمكن إلَّا أن يقف مع الشعب الفلسطيني في مواجهته لهذا الكيان، لكونه يراه عدواً مشتركاً لطالما عانى الشعب اللبناني ولا يزال يعاني منه، ونحن نشهد ذلك في هذه الأيَّام، من خلال اعتداءاته التي استهدفت القرى الآمنة المحاذية للشَّريط الحدودي، بذريعة استهداف بعض فصائل المقاومة الفلسطينيَّة له.

إننا في الوقت الَّذي ندعو إلى الجهوزيَّة والاستعداد لمواجهة هذا العدوّ، ننبِّه إلى أن لا نخضع للحرب النفسيَّة التي يقوم بها العدوّ، والتي يريد منها بثّ الرّعب في نفوس اللّبنانيّين، وخلق مناخ للتوتّر فيما بينهم، والتي يساهم الإعلام فيها، في الوقت الَّذي لا بدَّ أن نثق بالحكمة التي تتَّصف بها المقاومة حتى في ردِّها على الاعتداءات الَّتي تعرضت لها، أو تلك التي تتعرَّض لها المناطق الحدوديَّة، وبكل عناصر القوَّة التي يمتلكها لبنان، والتي تجعل العدوَّ الصهيوني يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على أيّ مغامرة أو اعتداء على هذا البلد.

إننا نشدِّد على الجميع في لبنان أن يعملوا للوحدة الداخليَّة، وأن يظهروا للعدوّ أنهم كتلة واحدة في مواجهته، حتى وإن اختلفوا في الملفات الداخليَّة، فهذا الوقت ليس وقت رميٍ لكرة الاتهامات أو الملفات الداخلية أو الخارجية من هذا الفريق أو ذاك، بل وقت التحصّن تحت سقف الوحدة الوطنيَّة التي لطالما استطاعت أن تحمي لبنان وتسقط أهداف العدوّ، مما يدعو إلى الإسراع بالعمل على ملء الشغور على مستوى الرئاسة، لتحصين هذا البلد من الداخل أمام التحديات التي تواجهه، إن على صعيد الداخل، أو مما يجري في فلسطين، والذي لن يأتي إلا بالتَّواصل والحوار الداخلي، والتعاون بين جميع القوى.

***

.