صلة الرحم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ*وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}

 

عندما بعث رسول الله بالاسلام وبدأ بالتبشير به والدعوة اليه كانت صفة صلة الرحم ملازمة له وهذا من ضمن ما ورد على لسان أحد أصحابه جعفر بن ابي طالب للملك النجاشي عندما استدعاه ليسمع منه عن الاسلام بعدما هاجر مع جمع من المسلمين الى الحبشة في بدايات الدعوة يومها قال جعفر:

"أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ… فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ …."

وهذا مدلول الآيات الكثيرة التي قرنت عبادة الله الواحد وتقواه بصلة الرحم منها ما ورد في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ومنها ما ورد بصيغة ذي القربى…

 

 لهذا نجد ان صلة الرحم والارحام كتركيبة لها منزلة كبرى وحيز في الاسلام، فعلى صعيد التشريع والاحكام مثلاً نجد لها علاقة بتقسيمات الارث والمحارم والنسب والصدقات، وكل منها لها احكامها المبنية على علاقة الارحام بعضهم ببعض، وحفظا لهذه التركيبة وعلى سبيل المثال حرّم التبني وشرّع بدلاً منه التكفّل، فالتبني لا يعامل كمعاملة الرحم ابداً… وهنا نعرّج على زواج رسول الله من زينب بنت جحش (وكانت زوجة زيد بن حارثة الذي كان قد تبنّاه الرسول). لهذا جاء هذا الزواج بأمر من الله تعطيلا لحكم التبني الذي كان متجذرا يومها في الجزيرة العربية وكان يُحرم ان يتزوج الرجل من زوجة من تنبّاه بعد طلاقها او موته، وبذلك عطل امر الله هذا العرف السائد احتراما ومراعاة لنظام الارحام وصفائه… 

 

وكما في الفقه كذلك لموضوع الارحام موقع كبير في التربية وبناء الشخصية المؤمنة وفي سلم الواجبات والحقوق المتعلقة بالدنيا ووصولا للآخرة…

ومن يطلع على حجم ونوعية الأحاديث والآيات التي وردت في هذا المجال يستوقفه الامر ويسأل لماذا اعطى الله لصلة الرحم كل هذه الاهمية؟؟؟ لماذا عزز دعوات صلة الرحم بسلة من المحفزات من الثواب والاجر يحصل عليه المتواصلون وبرزمة من العقوبات لمن يقطعون …

فالمتواصلون بشروا بالموقع الرفيع: "إن صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسى‏ء الأجل". فقد ورد في الحديث "أعجل الخير ثواباً صلة الرحم". "أن المرء ليصل رحمه، وما بقي من عمره ثلاث سنين، فينسئه الله ثلاثين سنة. وأن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصره الله إلى ثلاثة أيام".  

 اما القاطعون فيكفي أن القرآن يصنّفهم في خانة المفسدين في الأرض. ويجعلهم ممن يستحق الطرد والإبعاد من رحمة الله. {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}. وفي الحديث أيضاً: "لا يدخل الجنة قاطع رحم".

 

 أما لماذا فلأن الله رحيم وشفوق على عباده فجعل من صلة الرحم وسيلة تجعل الانسان يُحتضن فلا يعيش وحيداً بما تعنيه الوحدة والعزلة… عرف الله ان هذا المخلوق سيمر بلحظات ضعف ووهن، وستمر عليه ضغوط وظروف صعبة، ويحتاج إلى من يكون بقربه ومن يقف معه، ويتفاعل، يتأثر ويؤثر، يساعد ويُساعَد ويَدعم ويُدعَم ويزور ويُزار. فالله خالق الحياة يدرك كم أن الحياة الانسانية من دون هذا الجزء التواصلي تصبح جافة ومملة وقاسية وغير واقعية… هي رحمة من رحمات ربي الكثيرة لمن يتواصلون بغض النظر عمّن يقدم أكثر من وقته واهتمامه وماله وسعيه.

 

وللاشارة فإن صلة الارحام تشمل المسلمين وغيرهم.

وشاء الله ان تكون دائرة العلاقة التي تشمل الارحام فريدة بين كل النظم وانواع العلاقات التي تحكم حياة الانسان، إنها نوع من التواصل الذي له بعد آخر غير بعد الجغرافيا كالجيران مثلا، أوبعدُ الدين والمذهب. فعلاقة الارحام تشمل الاقارب من جهة الأب ومن جهة الأم حتى من غير المسلمين فيشملهم واجب صلة الرحم بهم. فصلة الرحم تطال دائرة ارحامك اينما وكيفما كانوا.

وهي بذلك تمثل قمة الانسانية في وقت تضعف فيه الروابط الاسرية وتتعقد، وتمثل قمة التراحم الانساني في وقت تسيطر فيه الرسميات والمصالح والانانيات حتى داخل الاسرة الواحدة.  

 

 لهذا ليس غريباً أن يُمكّن الاسلام صلة الرحم، ويدعمها بالاجر والثواب لترتفع فوق الانانيات والمصالح الشخصية… فالتضحية بين الارحام هي الاساس وهذا ما تعنيه الصلة.

وصلة الرحم تُختبر بالتحديات واثناء الابتلاءات والظروف الصعبة… ولا عذر ابداً.

وقد ورد أن رجلاً جاء إلى رسول الله فقال له: يا رسول الله إن أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة. فأرفضهم. قال(ص): "إذاً يرفضكم الله جميعاً". قال: كيف أصنع؟ قال(ص): "تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، فإنك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهير".

 

وتحدثت سيرة الامام زين العابدين(ع) عن ابن عم للإمام كان يؤذيه ولا يوده، فكان الإمام(ع) إذا جنّ الليل يضع لثامه، ويذهب إليه ليعطيه ما يحتاج إليه من مال وطعام، من دون أن يعرفه، فكان هذا الرجل يقول لمن يأتي إليه بالمال والطعام: أما أنت فتصلني وتتصدق عليّ فيما علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيراً. فلما توفي الإمام انقطعت الصلات التي كانت تأتيه من الإمام، فعرف حينها هذا الرجل أن من كان يؤذيه هو من كان يبادله بالصلة والعطاء…

إذا صلة الرحم ليست شكلا او علاقة عابرة، إنها فعل تراحم فعل حقيقي ان لم يكن لمن تصله فهو لك انت، ولتكليفك انت، وتأدية لواجبك، وتهوئة لداخلك من عفن الانغلاق على الذات. الله لا يريد لقنوات التواصل ان تقطع بين انسان وانسان، فكيف بمن يجمعهم الرحم الواحد والدم الواحد….

 

أيها الأحبة.

وعندما دعا الاسلام الى صلة الرحم فإنه لم يَدْعُ الى عصبية الرحم. هناك فهم وتطبيق خاطئ لصلة الرحم في مجتمعاتنا. ومنطق "انا وخيي على ابن عمي وانا وابن عمي عالغريب": منطق خاطئ، لا علاقة له بصلة الرحم انما بالتعصب" أيضا هناك منطق آخر سائد: "كيف. انا ابن عمه ومن عيلته وما وظفني او ما مرقلي او ما طنش عني". هذا منطق من يستغل صلة الرحم لأمور تنافي العدل وتؤدي للظلم. ففي الحديث: "لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"

إذاً، لا صلة رحم على حساب حقوق الآخرين.

هو مبدأ واحد: "انصر اخاك ظالما او مظلوما. كيف؟ بردعه عن ظلمه، بترشيده إلى عيوبه وليس بمسايرته او بمجاراته. ونحن مأمورون بذلك، كي نكون عادلين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ…} {وإذا قلتم فاعدلوا ولوكان ذا قربى}.

 

أيها الأحبة: ان المسؤوليات كبرى لتعزيز صلة الرحم والحفاظ عليه في مجتمعاتنا التي طالما تفوقت على الغرب المتقدم بها الذي يشهد جفاء وخواء على هذا الصعيد ويشهد حوادث يندى لها جبين الانسانية والامثلة كثيرة.

في الاساس انه الدور الذي ينبغي أن تلعبه الأسرة لإبقاء هذه القيمة وتثبيتها أمام تغير الزمن والظروف وهذا يحتم على الجميع أن لا يركنوا إلى صعوبات الحياة لتبرير قطيعة الرحم. فهذا يمكن علاجه في هذا العصر بوجود وسائل التواصل الحديثة والذي يسمح بالتواصل بأسرع وسيلة وبأقل كلفة.

وبالمناسبة فإن الإسلام لم يعقّد سبل التواصل حيث ورد في الحديث: "صلوا أرحامكم ولو بالسلام. صلْ رحمك ولو بشربة ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها".  وصلة الرحم يمكن ان تكون بالدعاء لهم وبالتصدق عنهم وبحفظ غيبتهم.

 

وللأسف بتنا اليوم نشهد كيف أخذت مؤسسات الإيواء ورعاية المسنين تحل محل العائلة، في رعاية الأرحام. لقد قل الصبر للتواصل وخدمة الارحام. وحجة البعض ضيق الوقت او القدرات، مع أنهم يدركون ان صلة الرحم تزكي الاعمال وتنمي الرزق، والبعض الآخر يبرئ ذمته بالمال لكن أين للآلاف وللملايين أن تشتري ولو ذرة من الحنان والعاطفة والبعض بحجة الخصوصية ووتيرة الحياة والبعض يعتبر ان هذا الامر هو مسؤولية الدولة وهكذا ومهما كانت الحجج والاعذار فإن النتائج معروفة: تتحجّر القلوب، ويقع الجفاء، ونقع في الاثم وغضب الله. واي غضب هو غضب الله للرحم التي تقطع.

لهذا علينا أن نجعل التواصل مع الأرحام من اساس برامج أعمالنا لا على هامشها، نعطيهم من وقتنا ولو القليل لأنه خير من الحرمان والقطيعة. وبهذا نحصل على الشعور بالأمان، أمان الدنيا وأمان الآخرة.

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله وطاعته ولزوم أمره، وأحذِّركم وأحذّر نفسي من عصيانه ومخالفة أمره، لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}.

ومن التّقوى، أيها الأحبّة، أن نأخذ بمضمون هذه القصَّة، حيث ورد في السّيرة، أنَّ أحد أصحاب رسول الله، ويدعى أبو طلحة الأنصاري، كان يمتلك مالاً كثيراً من نخل (أي أنه كان يملك نخلاً كثيراً)، وكانت أحبّ أمواله إليه "بيرحاء"، (إحدى أراضيه).

ولعذوبة مائها، كان رسول الله يدخل إليها ليشرب منها، فلمّا نزلت على رسول الله(ص) الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، قال له أبو طلحة: "يا رسول الله، لقد نزلت عليك آية {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحبّ مالي إليّ "بيرحاء"، وإنّها صدقة لله تعالى، أرجو برّها وذخرها عند الله سبحانه، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله". فقال رسول الله(ص): "بخ بخ لك! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت بأن أضعه حيث أراني الله، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين"، فقسمها أبو طلحة بين أرحامه، كما أشار إليه رسول الله.

أيها الأحبّة، بهذه الروح؛ روح المحبّة لله والتّضحية في سبيله بأغلى الأثمان، استطاع رسول الله(ص) أن يبني مجتمعاً متحابّاً متراحماً متكافلاً ومتعاوناً، لم تقف حدوده عند الجزيرة العربيّة، بل بلغ آفاق العالم. وبهذه الروح، نقوى، ونشتدّ، ونستطيع مواجهة التّحدّيات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي لا تقف حدود معاناته عند الفراغ السياسيّ وعدم انتظام عمل المؤسَّسات فيه، وما يتركه ذلك من أثر في مسيرة الدّولة ومصالح الوطن، والتحدّي الأمني من حدوده الشرقيّة والجنوبيّة، والأزمة المستمرّة لمخطوفي الجيش اللبنانيّ ومعاناة أهلهم، ليواجه هذا البلد معاناة أخرى، وهي الفساد المستشري، وعلى مختلف المستويات، حيث تطالعنا الأخبار بين يوم وآخر بملفّ جديد هو أكثر خطورةً من الملفات السّابقة الّتي فُتحت على مصارعها.

 

فبعد الملفّ الأمنيّ والغذائيّ والصّحّيّ الَّذي لا يزال يتفاعل، أطلَّ علينا مؤخّراً ملفّ المواد المشعّة الّتي تدخل البلد من خلال مقاولين، ولا نعرف ما تحمله الأيام القادمة من ملفات نائمة ومخفية، تنتظر من يكشفها أو يميط اللثام عنها.

إنَّ هذا الواقع بات يستدعي تحركاً مسؤولاً وجاداً، لا يقف عند تحديد المسؤوليات، بل بات يستدعي إطلاق حالة طوارئ في البلد لمواجهة هذا الفساد، فلا يكفي أن يتحمّل وزير أو وزيران أو عدد من المسؤولين، أعباء هذه الملفّات بأنفسهم، وأن يطالبوا بالحماية والغطاء السياسيّ لمواصلة جهودهم المشكورة في هذا الجانب، بل إنَّ المسألة تقع على عاتق كلّ الوزراء، وكلّ من هم في مواقع المسؤوليَّة، حيث إنّ المطلوب تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش، والمتابعة الإداريَّة والماليَّة الجادّة. وفي الوقت نفسه، لا بدّ على الموجِّهين والمربّين وعلماء الدّين، من تفعيل جهودهم لاقتلاع جذور هذا الفساد من النفوس، لإخراج الإنسان من فرديّته، ومن أنانيته، ومن الاستغراق في مصالحه.

إنّ أخطر ما يواجهنا، هو أن يستشري الفساد في النفوس والعقول. وعندها، لن يأمن الإنسان على طعامه وشرابه وصحَّته، ولا على سلع يشتريها، ولا على عامل أو موظّف، وسيشعر بأنه في حالة طوارئ يوميَّة وخوف دائم.

 

العراق

أما العراق، فإنَّه يخوض أقسى معاركه في مواجهة الإرهاب، من خلال الجيش العراقيّ وكل فئات الشعب بتنوّع أطيافه ومذاهبه، متجاوزاً بذلك الحساسيّات المذهبيّة والطائفيّة والقوميّة، ليتصدّى للإرهاب الذي لم يكن في أيّ يوم من الأيام يعمل لمصلحة أيّ مذهب أو فريق.

إننا في الوقت الَّذي ننوِّه بهذه الصّورة الوطنيَّة الجامعة، نؤكّد ضرورة حماية المدنيين المسالمين في المناطق التي يتمّ تحريرها، وندعو الجميع، لا سيما من هم في المواقع الدينيَّة، إلى التثبّت من المعلومات، وعدم التسرّع في نقل الأخبار عن تعرّضٍ لمدنيين من مذهب معيّن، أو مجازر تتمّ بحقّهم، ولا سيّما أنَّ هناك من يسعى من وراء تلك الأخبار، إلى خلق مناخات فتنة مذهبية، أو صبّ الزيت على نارها.

 

إنَّ من حقّ أي جهة أن تدعو إلى تحقيق موضوعيّ، ولكن ليس من حقّها أن تحكم، فالحكم لا بدّ من أن يستند إلى علم، لا على نقل أقوال أو إشاعات، ونحن لدينا كلّ الثقة بالقيادة العراقية الحريصة على المدنيين، والتي لا تسمح لأحد بأن يتعرّض لهم بسوء، فلا استهداف في كلّ ما يجري لمذهب أو طائفة، بل هو استهداف لمن يسيء إلى أمن العراق ووحدته.

ونحن في هذا الإطار، نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات التي دعت إلى العمل لتعزيز العلاقات الإسلاميّة ــ الإسلاميّة في هذه المرحلة، في ظلّ استنفار الغرائز المذهبيَّة، وفي ظلّ الصّراع الّذي تشهده العديد من السّاحات تحت هذا العنوان، مما يضعف السّاحة الإسلاميَّة، ويشتّت الجهود في مواجهة الإرهاب الَّذي يتهدّد الجميع.

إنَّ هذا الواقع يستدعي من الجميع التلاقي لمعالجة الأسباب وحلّ المشكلات، بدل الاستمرار في الاستنزاف الذي لن يفيد إلا أعداء هذه الأمّة، والإرهاب المتربِّص بنا جميعاً.

 

اليمن

وإلى اليمن، حيث نأمل أن تعود اللحمة بين أبنائه، وأن تساهم دعوات الحوار الَّتي أطلقت، في توحيد صفوف اليمنيين، لا في زيادة انقسامهم، أو تأكيد هذا الانقسام، فلا يمكن أن يتحقّق الاستقرار في هذا البلد باستبعاد فريق أو تهميش آخر، بل بالتوافق بين كلّ المكونات الدينيَّة والقبليَّة والسياسيَّة والمناطقيَّة، على صيغة تعيد إلى البلد استقراره، وهذا ليس ببعيد إن صدقت النيات، ولم يدخل البلد في تجاذبات المحاور وصراعها.

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

 التاريخ : 22 جمادي الأولى 1436هـ الموافق : 13 اذار 2015م

 

Leave A Reply