فتح مكَّة: يوم انتصرَ الرّسول (ص) وتواضَعَ

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}. صدق الله العظيم.

 

في الرّابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، وفي السنة الثامنة للهجرة، دخل رسول الله (ص)، والمسلمون معه، مكَّة فاتحين، بعد ثماني سنوات من خروجهم منها.. هذا الفتح الذي وعد به الله رسوله (ص) يوم خرج مهاجراً من مكَّة إلى المدينة، حيث تذكر السيرة أنَّ النبيّ (ص) لما بلغ الجحفة، وهي في الطريق من مكة إلى المدينة، هاج به الشّوق والحنين إلى مكّة حرم الله، وظهرت أمارات ذلك على وجهه الشّريف، فتوجه إلى مكّة قائلاً: "والله إنّك أحبّ أرض إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، فنزلت عليه الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}.

وقد جاء هذا الوعد أيضاً عندما نزلت الآيات الكريمات على رسول الله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}.

 

فتح مكّة

وفتح مكّة لم يكن حادثاً عادياً في تاريخ المسلمين، بل شكَّل تحوّلاً في الصراع مع الشّرك المتمثّل آنذاك بقريش، فهذا الفتح أسقط عنفوان قريش، وكسر هيبتها في الجزيرة العربيَّة، وفتح الباب واسعاً لدخول النّاس في الإسلام، فالكثيرون في الجزيرة العربيَّة كانوا يتردَّدون في الدخول إليه خشية سطوة قريش، لما لها من قوّة اقتصادية ومعنوية.. وهو أعاد مكة لتكون مركزاً للتّوحيد، وموقعاً من مواقعه، بعدما كانت مركزاً للشرك وعبادة الأصنام والجاهليّة.

وقد جاء هذا الفتح نتيجة جهود وتضحيات قدَّمها رسول الله (ص) وأصحابه. وقد بدأ رسول الله (ص) بالإعداد والتّخطيط له منذ اللَّحظة الأولى لخروجه من مكّة، فهو ما كان ليقبل أن تعبث بهذه الأرض الطّاهرة مظاهر الشّرك والطّاغوت، وهو في ذلك، لم يخضع للمنطق المحبط الذي كان سائداً، أنّ قريش قوّة لا تقهر، وأنها ما ذلّت منذ عزَّت.

فبالاستناد إلى الله، وبالعمل الجادّ والمدروس والمحكم، بدأ ببناء قاعدة متينة في المدينة المنوَّرة، فوحَّد صفوف المهاجرين والأنصار، ودعاهم إلى بناء قوَّتهم انطلاقاً من قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ}.

خطّة الرّسول (ص)

لقد كان رسول الله (ص) بعبقريّته الفريدة، يعلم أن لا طريق للنَّصر ولتحقيق الأهداف التي يسعى إليها إلا من خلال أمرين؛ الأوّل: الوحدة الداخليّة، وفق مصطلحات زماننا، فكان التآخي والتلاقي والتعاضد بين من كانوا بالأمس القريب أعداء، فألّف الله بين قلوبهم ببركة رسول الله وجهوده. وثانياً: بناء القوَّة المهيبة. ومن هنا، كان الثبات عندما فرضت عليهم الحروب والغزوات من قريش واليهود في المدينة، وكانت انتصارات بدر والأحزاب وفتح حصن خيبر، وقد ساهمت هذه الانتصارات في تهيئة الظروف لفتح مكّة، وجعلت الطريق ممهّدة إليها، لتعود مكَّة إلى حضن التّوحيد، ويعود إليها المسلمون ليمارسوا عبادتهم بحريّة.

وقد حرص رسول الله آنذاك على أن يفتح مكّة من دون أن تسقط قطرة دم، نظراً إلى حرمة مكّة، ولكون القتال عنده استثناء، وقد اتّبع تدابير عدّة تضمن الوصول إلى هذا الهدف:

التّدبير الأوّل: السّريّة التامّة في الإعداد لهذا الفتح، وقد حرص على أن لا يصل أيّ خبر عن تحرّكه إلى قريش، مع أنّ عيون قريش وجواسيسها كانوا يتحسّسون أخبار مكّة وما يجري فيها، وهو عندما علم أنّ أحد أصحابه، وهو حاطب بن أبي بلتعة، أرسل كتاباً إلى قريش مع امرأة يخبرهم فيها برغبة النبيّ (ص) بالتحرّك إلى مكّة، سعياً للتقرّب منهم، وحتى يكون له عندهم يد، بعث عليّاً والزبير والمقداد ليأتوا بالكتاب، فوجدوها في منزل بين مكة والمدينة وأعادوها إلى المدينة، وقد عفا عنهم رسول الله (ص)، وتاب بعدها حاطب بن أبي بلتعة توبةً نصوحاً.

التّدبير الثاني: المراقبة الدقيقة للطريق الموصلة بين مكّة والمدينة قبيل خروج المسلمين من المدينة تحسّباً وتخطيطاً.

التدبير الثالث: وهو الذي حصل ليلة الفتح، عندما طلب رسول الله (ص) من مقاتلي المسلمين عند دخولهم إلى مشارف مكّة، أن يوقدوا ناراً فوق الجبال والتلال المشرفة على مكّة، وأن يشعل كلّ واحد من المسلمين ناراً في المكان الذي هو فيه، لإظهار ضخامة هذا الجيش وعديده.. وقد فوجئت قريش بهذا البحر من الأضواء يحاصرها، وأشعرها بضخامة هذا الجيش وقوّته، وأضعف من معنويّاتهم.

التّدبير الرابع: أرسل رسول الله (ص) إلى عمّه العباس، وكان لايزال في مكة، بأن يخبر قريش بمحاصرته مكّة، ويبيّن لهم كثرة عددهم ومبلغ شجاعتهم وإصرارهم على دخول مكّة، ويقنعهم بأن لا مناص من التّسليم للأمر الواقع والسّماح له بالدخول إلى مكّة، وأن يستدرج أبا سفيان إلى حيث جيش المسلمين، كي يشاهد بأمّ العين قوّة جيش المسلمين عدداً وعديداً، وأن ينصحه بعدم الإقدام على ردّ فعل تجاه المسلمين. وفعلاً، لما رأى أبو سفيان حجم جيش المسلمين، قال للعباس: لقد صار ملك ابن أخيك عظيماً. فردّ العباس عليه حينها: ويحك يا أبا سفيان، ليس بملك، إنها النبوّة.

التّدبير الأخير: تحييد قريش عن القتال عندما منحها الأمان وقال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن لم يحمل السّلاح فهو آمن".

وقد نجحت خطّة رسول الله (ص)، وأدّت هذه التدابير إلى إفقاد قريش أيّ رغبة بالقتال، ووصل الأمر بأبي سفيان زعيم قريش بأن ينادي: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، من دخل داري فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.

وهكذا استسلمت قريش وتخلّت عن غرورها، وفتحت مكّة ذراعيها لتستقبل محمّداً رسول الله (ص)، تحت رايات النصر وصيحات التّكبير والتّهليل.

 

كيف دخل الرّسول (ص) مكّة؟

لكن بعد هذا النصر، كيف دخل رسول الله (ص) مكّة؟ هل دخل مكَّة دخول الفاتحين المنتشين بالنّصر والغلبة على أعدى أعدائه ومن كان يؤلّب أعداءه عليه؟

تذكر سيرته (ص)، أنه دخل مكة متخشّعاً مطأطئاً رأسه منحنياً على فرسه، حتى إنّ ذقنه ليكاد يمسّ سرجه تواضعاً، وهو يقرأ سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}، مستشعراً ما ورد فيها من نعمة الفتح وغفران الذّنوب وإفاضة النصر العزيز. لم يشمخ رسول الله (ص) بأنفه ويتعالى ويرفع هامته، بل أخذ يردّد عبارات التسبيح والثّناء لله سبحانه والاستغفار، وحين يتقدّم إليه رجل ليكلّمه وتأخذه الرّعدة منه ويتلجلج لسانه، يقول له رسول الله (ص): "هوّن عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد". وهو عندما سمع صوت سعد بن عبادة داخل جيشه يصيح، وكان يحمل رايته: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة"، أرسل عليّاً (ع) على وجه السّرعة ليأخذ الراية منه ويقول: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة".

وعندما وصل رسول الله (ص) إلى الكعبة المشرّفة، أخذ يسقط الأصنام واحداً بعد الآخر بيديه الشّريفتين، وهو يقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}.

بعدها جاءت إليه قريش برجالها ونسائها ينتظرون قراره فيهم، وماذا هو فاعل بهم بعد كلّ ما تعرّض له المسلمون من ظلم وإساءات، وهم من حاولوا قتله وأذوه وسبّوه وزرعوا الأشواك في طريقه، وقتلوا أصحابه وعذّبوهم، وفرضوا عليهم حصاراً دام ثلاث سنوات، وأخرجوه من وطنه، وأثاروا عليه الحروب، وألّبوا عليه الأعداء.

وقف الرسول (ص) يومها، وهو الرّحمة المهداة للعالمين، قائلاً: "يا معشر قريش: ما تظنّون أني فاعل بكم؟"، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وأمر جيشه أن لا يريقوا دم إنسان مهما كان تاريخه، ليسجّل بذلك أروع مثل في العفو والمغفرة والتّسامح، فكان يوم الفتح يوم عزّة ونصر وعنفوان، وفي الوقت نفسه، يوم رحمة وتواضع.

 

من دروس الفتح

لقد أراد رسول الله بذلك أن يثبت بالوقائع حقيقة ما جاء به، وما دعا إليه، وأن القيادة الحقيقيّة ليست قيادة سيف ولا قيادة ثأر وتصفية حسابات، بل قيادة رسالة تسعى، ومن موقع القوّة، إلى فتح قلوب الناس على دينها ورسالتها، وتعمل على تحويل الأعداء إلى أصدقاء برسالة هي رحمة للعالمين.

لقد جاء فتح مكّة ليحدّد للمسلمين مسارهم، بأنَّ عليهم أن لا يهادنوا ظلماً وعدواناً واحتلالاً واستكباراً وطغياناً، وأن يكونوا سنداً للمقهورين والمضطَهَدين والمعذَّبين، وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا، حتى يزيلوا آثار الظّلم والطغيان والاحتلال، وعندما يحقِّقون ذلك، يكونون رحمةً للنّاس وخيراً، وممن تحدَّث عنهم القرآن: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}..

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستفيد من الأيام المتبقّية من شهر رمضان، وأن لا تفوتنا بركاتها وخيراتها، فالأيام العشر الأواخر من هذا الشَّهر الفضيل، هي الأيام التي كان رسول الله (ص) يجهد فيها في العبادة أكثر من اجتهاده في الأيّام الأولى منه.

وقد ورد في سيرته، أنه كان يعتكف فيها في مسجده للذّكر والدعاء والاستغفار. ولذلك، علينا أن نجهد لنعوّض في هذه الأيّام ما فاتنا من أعمال شهر رمضان، فقد نكون قصّرنا في الصلوات المستحبّة، وفي الدعاء والذّكر والاستغفار وقراءة القرآن، وفي قيام اللّيل وصلة الأرحام والجيران والمؤمنين، وفي تربية أنفسنا وبنائها وتطهيرها، حتى لا يفوتنا شيء من خيرات هذا الشّهر، وما أكثر خيراته وبركاته!

فشهر رمضان فرصة لنا، وما يدرينا فقد لا يتكرَّر! نسأل الله أن يعيده علينا، ولنغتنم هذه الفرصة حتى نبلغ نهايتها، فلا تفتر هممنا في أيّامه الأخيرة، بل تزداد. وبذلك، نصبح أقوى وأكثر قدرةً على مواجهة التحدّيات والصعوبات.

 

موازنة محمَّلة بالأعباء

والبداية من لبنان، الذي انتهت فيه الجلسات العشرون لمجلس الوزراء على موازنة العام 2019، بعد عملية جراحية قيصرية أظهرت عمق التّناقضات بين مكوّنات الحكومة، وعدم الوفاء بما وعدت به اللّبنانيين، وهي التي لم توحّد كلمتها سوى الاستجابة للتحذيرات الدولية من الانهيار الاقتصادي ومسؤوليّة الدولة في ذلك، فقد جاءت هذه الموازنة محمّلةً بالأعباء، وفيها الكثير من الثغرات باعتراف الكثيرين، ومن أبرزها، عدم المعالجة الجذرية لمزاريب الهدر والفساد المستشرية، وتحميل أعباء إضافيّة للطبقات الفقيرة، في ظلّ غياب رؤية اقتصادية متكاملة.

والآن، بعدما أصبحت الموازنة في عهدة المجلس النيابي، فإنّنا نأمل من أعضائه جميعاً أن يتحمّلوا المسؤوليّة التي حمّلهم إياها الشعب اللّبناني، لكونهم وكلاء عنه، وأن يمارسوا دورهم التّشريعي والرقابي، لا بوصفهم أعضاء في هذه الكتلة النيابية أو تلك، بل بصفتهم ممثّلين للشعب، ومسؤولين عن الأمانة التي ائتُمنوا عليها، ليكون للنّائب رأيه المسؤول المنطلق من عمق ضميره، حتى لو اختلف في ذلك مع كتلته أو فريقه، ونريد للمجلس مجتمعاً أن يصحّح ما يمكن تصحيحه، لا أن تجري الأمور كما كانت في السّابق، من خلال الاتفاقات الجانبيّة التي تتمّ بين رؤساء الكتل!

يوم القدس.. وصفقة القرن!

وفي جانب آخر، يطلّ علينا يوم القدس هذا العام، في ظلّ مشهد مريب على مستوى المنطقة العربيّة والإسلاميّة، حيث يستمرّ العمل لصفقة القرن بشكلٍ خفيّ وعلنيّ، ويعمل العدوّ على الاستثمار في كلّ خيبات الأمل العربية والإسلامية، وفي كلّ هذه الفتن المذهبية والسياسية التي جعلت القدس وفلسطين في آخر سلّم الأولويات العربيّة.

إنَّنا نلمح تخطيطاً وسعياً مستمرّين لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وذلك منذ إعلان الإدارة الأميركية القدس عاصمةً للكيان الصهيوني، إلى القرار بوقف دعم "الأونروا"، ورفض حقّ العودة، وأخيراً المباشرة بالمؤتمرات الاقتصادية التي يحضرها العرب إلى جانب الصهاينة، وتعميم مشاريع التطبيع بدءاً من العنوان الاقتصادي.

ولكننا نقول إنّ موقف الشعب الفلسطيني المتمسّك بقضيته، والذي لا يكلّ ولا يملّ من تقديم التضحيات، والذي تحمّل ولايزال يتحمّل أعباء المواجهة، سيظلّ هو القوّة التي تكرّس معادلات يمكنها إسقاط كلّ الصفقات، أو على الأقلّ رسم حدود وقيود أمام هذا الزّحف العربي للموافقة على الصفقة الأميركيّة الإسرائيليّة.

إنّنا نتطلّع لكي يتحرّك يوم القدس في وجدان العرب والمسلمين وكلّ أحرار العالم، لتكون المشاركة فعّالة في هذا اليوم، وليكون الحضور الشّعبي فيه تأكيداً لحماية الحقّ الطبيعي للفلسطينيّين بأرضهم، كما نريد للفلسطينيّين أن يتّحدوا ويتلاحموا في هذا اليوم بوجه كلّ المساعي الرّامية إلى تفرقتهم وشرذمتهم وتمزيقهم.

الحلّ بالحوار

ونصل إلى القمّة العربيّة التي انعقدت تحت عنوان مواجهة ما يسمّى "الخطر الإيراني"، إننا في هذا المجال، في الوقت الذي نرفض أيّ تهديد يمسّ أيّ بلد عربي وإسلامي، فإننا نعيد التأكيد أنّ الحلّ لن يكون في تصعيد المواقف، بقدر ما يكون بمزيد من الحوار والانفتاح على إيران في مواجهة العدوّ الإسرائيليّ.

وهنا ننوّه بأهميّة الدعوة التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية للدول العربية لفتح باب الحوار معها، لإيجاد صيغة تضمن إنهاء التوتّر فيما بينها وبينهم، لتأمين استقرار هذه المنطقة، ومنع استنزافها من الدول الكبرى التي يهمّها إبقاء التوتر قائماً.

من المستفيد من الاستهداف؟!

وفي جانبٍ آخر، شهدنا في الأيام الفائتة، وفي ظلّ كلّ هذا الواقع الصّعب الذي تعيشه الأمَّة، العودة إلى ما كنّا اعتقدنا أنه انتهى إلى غير رجعة، بالنّيل من رمز خطّ الوعي والتجديد والوحدة والحوار، المرجع السيد محمد حسين فضل الله.

ونحن في الوقت الذي فضَّلنا أن لا ندخل في الفتنة التي يراد لهذه الأمّة أن تدخل فيها، وأن نترك للقيادات الدينية والسياسية أن تقوم بدورها، وتتحمّل مسؤوليّتها، وتمنع هؤلاء من العبث بمجتمعنا ووحدتنا، لكن مع الأسف، لم تتخذ هذه القيادات الموقف المطلوب، وتركت الحبل على غاربه، ونحن اليوم نجدّد دعوتها إلى تحمّل مسؤوليّتها، والقيام بدورها أمام الله وأمام التاريخ، وفاءً لمن وفى لهذه الأمّة، وأعطاها من قلبه وروحه وعقله وكيانه، ولايزال يعطي حتى بعد غيابه. ولا يسعنا هنا إلا أن نحيّي ما شهدناه من هذا الاندفاع العقلي والعاطفي من كلّ الذين انتصروا لهذا الفكر ولهذه الرّوح العابقة بالحبّ للجميع، بكلماتهم ومشاعرهم، وعبّروا عن ذلك بغضبهم، ممن عاش السيّد (رض) فيهم وعياً وحركةً ومحبّةً وانفتاحاً، ما أشعرنا بأنّ الساحة لاتزال بخير، وأنها لاتزال أمينة على هذا الخطّ؛ خطّ الوحدة والحوار والانفتاح والعقل والعلم، وأنها تنبذ خطاب التحريض والرّفض للآخر، لأنّ هذا الخطاب مسؤول عن واقع التخلّف والانقسام الذي تعيشه ساحتنا.

إننا، ومن موقع المسؤولية الشرعية، نقول للجميع: سنبقى حريصين على وحدة هذه السّاحة وتماسكها، ولن ندخل في سجالات مع كلّ هؤلاء الذين يعرفون قبل غيرهم، أنّ السيد لم يكن إلا داعية رحمة ومحبّة وتقريب، وصوتاً مقارعاً للفتنة على طول الخطّ وعلى كلّ المستويات، سواء في الداخل الشيعي، أو بين الطوائف أو الأديان، أو على المستوى الوطني والقومي والإسلامي.

إننا نقول لكلّ المسؤولين عن هذه السّاحة: لقد تحمَّلنا الكثير وصبرنا كثيراً، وعليكم أن تتحمَّلوا مسؤوليّتكم الشرعيّة والوطنيّة والأخلاقيّة، وأن تكفّوا يد صنّاع الفتنة، لأنَّ المركب إذا سقط فسيغرق الجميع.

 

الثّلاثاء العيد

وأخيراً، وبناءً على المبنى الفقهي لسماحة السيّد (رضوان الله عليه)، وبعد مراجعة للمراصد العلميّة والحسابات الفلكيّة الدّقيقة، سيكون، وبعون الله تعالى، يوم الثّلاثاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك، سائلين المولى أن يعيده عليكم بالخير والبركة، وأن تنعم بلادنا بالأمن والسّلام والطّمأنينة والوحدة، إنه مجيب الدّعاء.

Leave A Reply