في ذكرى المبعث: لتكن الأخلاق رائدنا في الحياة

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إلى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً}.

 

في السّابع والعشرين من شهر رجب، نزل جبريل على رسول الله (ص) وهو في غار حراء، قائلاً له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم}.

 

في ذلك اليوم، وبعد خمسمائةٍ وواحدٍ وسبعين عاماً من ميلاد السيِّد المسيح (ع)، ومنذ ألفٍ وأربعمائةٍ وثلاثٍ وخمسين سنةً تقريباً، اختار الله من بين الخلق كلِّهم أشرفهم وأكرمهم وأكملهم إيماناً وخلقاً وعقلاً، ومن عرفته مكَّة بالصَّادق الأمين، ليكون خاتم النبيّين وسيِّد الوصيّين.

 

لبَّى رسول الله (ص) نداء الوحي لما دعاه إلى حمل الرّسالة، عندما قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} فأنذر وبشَّر وعلَّم وربَّى وزكَّى وحاور، وعندما اضطرّته الظروف، حارب وجاهد. لم ترهبه الإساءات ولا الضغوط ولا التحدّيات ولا الحصار، ولم يسقط أمام العروض المغرية، فقطع الطّريق عليها، وقال لعمّه أبي طالب لما جاء يبلغه بذلك: "والله، لو وضعوا الشَّمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه".

 

صبر رسول الله (ص) على كلّ ذلك، وأصرَّ على إيصال صوت رسالته إلى كلّ أذن تسمع، وعين ترى، وقلبٍ يفهم، حتَّى ظهر أمر الله وعلت كلمته، وتحقَّق الهدف الّذي لأجله بعث: "إنما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق".

 

صاحبُ الخُلقِ العظيم

نعم، بُعث محمّدٌ (ص) ليتمِّم مكارم الأخلاق، والأخلاق لم تكن على هامش رسالته كما يظنّ البعض، وكما فهمها البعض الآخر، لقد أراد الله للأخلاق أن تحكم الحياة، أن تحكم سلوك الإنسان كفرد، وكمجتمع، مع ربِّه، ومع نفسه، وفي بيته، ومع جيرانه، ومع الحياة والكون من حوله. هذه كانت مسيرة الأنبياء منذ آدم، وستظلّ حتى قيام السَّاعة. فالإنسانيَّة لا تكتمل إلا بالأخلاق، ولا تستكمل إلا بها، فبالأخلاق يصبح الإنسان إنساناً.

 

لقد كان رسول الله (ص) يقوم اللَّيل حتى تتورَّم قدماه، ورغم ذلك، لم يُشر القرآن إلى عبادته، ولم يقيِّمه على أساس زهده وتخلّيه عن الدّنيا، وهو من باع الدّنيا.. وكان مدينة العلم، ولم يتحدَّث القرآن عن علمه، وكان مقداماً، ولم يتحدَّث عن شجاعته وبطولته، وكان العادل بين النّاس حتى في الكلمة والنّظرة، وكان يقول: "وأيم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعْتُ يدها".. لكنَّ الله لم يتحدَّث عن عدله، بل كان عنوانه عند الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقال عزَّ وجلَّ مخاطباً قريش: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ}.. وقال لكلّ الخلق عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

 

بالأخلاق استطاع رسول الله أن يفتح قلوب النّاس على رسالته، وطابق بين النظرية والتّطبيق، بين العبادة والعمل، لم تكن الأخلاق يوماً شيئاً ثانويّاً عنده أبداً؛ في حبّه للنّاس، في رحمته، وعفوه، وتسامحه، وفي انفتاحه على الّذين يختلفون معه، وحتّى مع أولئك الذين آذوه وأساؤوا إليه.. لم ينطلق في سلوكه من ردود فعل الآخرين؛ يعفو إن عفوا، ويصل إن وصلوا، ويعطي إن أعطوا، بل كان يصل من قطعه، ويعطي من حرمه، ويعفو عمّن ظلمه، وهو في ذلك، لم ينطلق من ضعف، بل كان يفعل ذلك وهو في أوج انتصاره وقوّته، وتجلَّى ذلك في الحادثة التي تعرفونها بعد فتح مكَّة، لما عاد إليها منتصراً، وجاءت إليه رجالات قريش ممن نكَّلوا به وعذَّبوه وحاولوا قتله، ينتظرون قراره فيهم. قال لهم يومها كلمته: "اذهبوا فأنتم الطّلقاء"، كلمة كانت كافيةً لتعبِّر عنه وعن مشروعه ومنهجه وطبيعة رسالته.

 

ما الدِّين؟!

أيّها الإخوة والأخوات: كم نحتاج أن يُبعثَ محمَّد فينا من جديد ليذكِّرنا ما هو الدّين، لنسمع منه مجدّداً تعريف الدّين.

مرةً، جاء إليه رجل وسأله: يا رسول الله، ما الدِّينُ؟ أجابه: "حُسنُ الخُلق". ظنّ الرّجل أنَّ الرَّسول (ص) لم يسمعه جيِّداً، فأتاه عن يَمينِهِ وقال: يا رسول الله: ما الدِّينُ؟ فقالَ: "حُسنُ الخُلقِ".. فعاد وكرّر الرجل السؤال، ورسول الله يقول: "حُسنُ الخُلقِ".

 

لقد جاء الدّين من أجل ذلك، فكلّ العقائد والعبادات والتّشريعات والمفاهيم جاءت لتدعو إلى حسن الخلق، ولتثبت ذلك في ساحة الحياة. لذا كان طبيعيّاً أن يكون عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه، وقد ورد في الحديث: "إنّّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل"، "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن".

 

سبيلنا للنّجاح

أيّها الإخوة والأخوات: إنَّ واقع أمَّتنا اليوم يحتاج إلى ثورة أخلاقيَّة، هو يحتاج إلى ذلك في الفقه والسياسة والاقتصاد والتّربية والإعلام والثّقافة والعلاقات وفي جميع الأعمال، في الطبّ والهندسة، في الإدارة وفي كلّ المجالات.. ثورة نتعلَّم فيها كيف نستحضر الأخلاق، كيف نجعلها تحكم سلوكيَّاتنا، تزيّننا ونتزيَّن بها، وبذلك نخرج من معايبنا.

 

إنَّ الحديث عن الأخلاق ليس كما نعتقد حديث الآخرة، بل هو حديث الدّنيا. اسمعوا هذا الحديث عن أمير المؤمنين: "لو كنّا لا نرجو جنّةً ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي أن نطلب مكارم الأخلاق". وهذا يعني فرضاً، أنّه لو لم يكن يعنيك من الدّين موضوع الثّواب والعقاب والجنَّة والنَّار، فعلى الأقلّ فكِّر في مصلحتك، واتبع الدّين من أجل منظومة الأخلاق الّتي جاء بها… لماذا؟! لأنَّه بحسن الخلق تكون السّعادة الحقيقيّة والهناء والنجاح، وإن خيِّل إلينا غير ذلك، فالخصال الحميدة والسجايا الحسنة الموجودة داخل النفس، ويُعبَّر عنها بحسن الخلق، هي مصدر سعادة حقيقيّة لصاحبها، لا يوازيها أيّ مصدر آخر للسّعادة. وهذا ما اختبره الكثير منكم، وتثبته التّجارب العلمية النفسية والاجتماعية.

 

نعم، هناك أمور قد تؤمّن للإنسان سعادةً، كالأمور الماديّة والرّغبات، ولكنها آنيّة وعابرة، شتَّان بينها وبين سعادة يجلبها مدّ يد العون لفقير مستور، أو إدخال السّرور على قلب أمّ أو أب، أو حلّ مشكلة إنسان، أو رفع أذى، أو إصلاح بين متخاصمين، أو إحسان وتبسّم وسعة صدر وراحة بال وحبّ النّاس، التي يشعر بها الصّادق والأمين والعفيف النفس وإلى ما هنالك…

 

ثمّ إنّه بحسن الخلق يكون النَّجاح على المستوى الفرديّ والمجتمعيّ، ومردُّ ذلك إلى ما يصنعه الخلق الحسن من استقرارٍ نفسيّ للإنسان، وانسجامٍ مع محيطه الأسريّ والاجتماعيّ. ثم إنَّ نهضة الأمم تقاس بتعامل النَّاس مع بعضهم البعض، والقدرة على العمل الجماعيّ والانضباط والإتقان والتقيّد بالمواعيد والمساهمة في زيادة الإنتاج. وفي ذلك، وردت الأحاديث الشّريفة، وقد ورد: "بحسن الأخلاق تدرّ الأرزاق". وورد أثره في زيادة الأعمار: "إنَّ البرَّ وحسن الخلق يزيدان في الأعمار". وقد ورد: "لا عيش أهنأ من حسن الخلق، وحسن الخلق يثبت المودَّة"، فيما "سوء الخلق نكد العيش وعذاب النَّفس"، "من ساء خلقه ملّه أهله"، "من ساء خلقه ضاق رزقه"…

 

معيار العلاقة بالرّسول (ص)

 

أيّها الإخوة والأخوات:

إنّنا نمتلك رصيداً كاملاً من الأخلاق والقيم، فلا نحتاج إلى أن نستعير من غيرنا ذلك.. لكن ما ينقصنا هو أن نجسّد هذه الأخلاق والقيم في سلوكنا، وأن نتواصى بها، وأن يحاسب بعضنا بعضاً عليها… إنّ ما يميّزنا، أيّها الأحبّة، هو أنّ قيمنا تنبع من إيماننا، لا من قوّة القانون أو فرضه، إنَّ أخلاقنا تنبع من إيماننا، من حبّنا لله، من حبّنا لرسوله وحبّنا لأهل بيته.

لقد كرّس رسول الله (ص) الأخلاق كمعيار لعلاقته بنا، عندما قال: أَحبُّكم إليَّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً، أحسنكم خلقاً، الموطأون أكنافاً (اللّيّنو الجانب)، الّذين يألفون ويؤلَفون". وحدَّد في المقابل مقياس البعد منه، حين قال: "ألا أخبركم بأبعدكم منِّي شبهاً؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الفاحش، المتفحِّش، البذيء، البخيل، المختال، الحقود، الحسود، القاسي القلب، البعيد من كلّ خير يرجى، غير المأمون من كلّ شرّ يتَّقى".

 

قال رجلٌ للإمام الصّادق(ع): أريد أن أكون قريباً منك. فقال له الإمام (ع): "انظر ما بلغ به عليّ (ع) عند رسول الله (ص) فالزمه، فإنَّ عليّاً (ع) إنَّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة".

 

كيف نكون الأوفياء؟!

فلنتَّخذ من ذكرى مبعث رسول الله مبعثاً للأخلاق في حياتنا، بإعادة الاعتبار إلى الصِّدق والأمانة والحلم والعفَّة والحياء، وكفّ الأذى عن النَّاس، واحترام الكبير، والرَّحمة بالصَّغير، ونشر المحبَّة والمعروف والتّعاون والخير للنَّاس جميعاً… فبهذا نكون أوفياء حقيقيّين لرسول الله (ص) ولرسالته ولكلِّ التّضحيات التي قدَّمها، ولندعُ بما دعا الإمام زين العابدين (ع):

"وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ دُونَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ، إمَامِ الرَّحْمَةِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ. اللَّهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إلى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ، حَتَّى لاَ يُسَاوَى فِي مَنْزِلَة، وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَة، وَلاَ يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ".

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، ونحن ندخل شهر شعبان، بأن نتأسَّى برسول الله (ص)، بإحياء أيَّامه ولياليه، بالصّيام والقيام والدّعاء والذِّكر والصّدقة والاستغفار وإحياء مناسباته، فقد كان رسول الله (ص) إذا دخل شهر شعبان، يطلب من منادٍ في المدينة أن ينادي: "يا أهل يثرب، إنّي رسول الله إليكم، ألا إنَّ شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري".

وإلى هذا يشير الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: "اللّـَهُمَّ وَهذا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ) يَدْأبُ في صِيامِه وَقِيامِه، في لَياليهِ وَأيّامِه، بُخُوعاً لَكَ في إكْرامِه وَإعْظامِه إِلى مَحَلِّ حِمامِهِ. اَللّـَهُمَّ فَأعِنّا عَلَى الاْسْتِنانِ بِسُنَّتِه فيهِ".

 

وهذا الشَّهر هو الباب الذي منه ندخل إلى شهر رمضان، وفي ذلك، ما ورد عن الإمام الرّضا (ع)، عندما أوصى أحد أصحابه قائلاً له: "وأكثر من الدعاء والاستغفار، وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك، ليقبل شهر رمضان إليك، وأنت مخلص لله عزَّ وجلَّ، وتستحقّ ضيافته".

 

نسأل الله أن يوفّقنا فيه للعبادة والطاعات، لنكون أكثر طهراً وصفاءً وقرباً من الله، وبذلك نواجه التحدّيات.

 

هل تنجح مساعي الإصلاح؟!

والبداية من لبنان، الذي شهد في الأيَّام الأخيرة حركةً واسعةً على المستوى النّيابي والوزاري، في سعيٍ جديٍّ للحدّ من الهدر، ومكافحة الفساد المستشري، والتَّهيئة لإصلاحات شاملة. ومع الأسف، فإنَّ ذلك لا يتمّ بفعل داخليّ، بل بعد ما آل إليه البلد من بلوغه حافة الانهيار، والتحذيرات المتكرّرة من المؤسَّسات الاقتصادية والماليّة والدوليّة.

إنَّنا إذ نبدي ارتياحنا لعمل اللّجنة الوزاريَّة المكلَّفة بعلاج قطاع الكهرباء، فيما تشهده من نقاشٍ موضوعيٍّ حول الخطَّة الناجعة لمعالجة مشكلات هذا القطاع الّذي كان له الدَّور في إيصال البلد إلى ما وصل إليه، فإنّه لا يسعنا إلا أن نؤكّد ضرورة عدم تجاوز القانون في بنود الخطَّة، وخصوصاً في قضيّة إدارة المناقصات، وأن يكون هناك شفافية في التّعامل معها.

 

وفي هذا الإطار، وفي ظلِّ الحديث عن النيَّة في إصدار قرار يرفع فاتورة الكهرباء، ومن موقع الشّعور بمعاناة المواطنين، فإنّنا ندعو إلى عدم التسرّع في استصدار هذا القرار، بسبب الواقع المتردّي الذي تعيشه غالبية اللّبنانيّين، وعجز الأكثرية الساحقة منهم عن الاستمرار بدفع فاتورتين في الوقت نفسه.

 

ونأتي إلى الموازنة، الّتي يوافق الجميع، من حيث المبدأ، على ضرورة إجراء خفض للنّفقات فيها، للتخفيف من العجز الحالي الذي سبَّبته سياسات اقتصاديّة أو ماليّة غير مدروسة، أو سياسة المحسوبيّات والمصالح الخاصَّة. وهنا نشدِّد على أن لا تمسّ القطاعات المتّصلة بالمصالح الحياتيَّة المباشرة للشعب، فيكفي ما تحمَّله اللّبنانيّون وما يتحمَّلونه من كلفة الفساد والهدر أو عدم التّخطيط لاقتصاد سليم، فلا نحمِّلهم أعباء إضافيّة ليسوا قادرين على تحمّلها، فنحن لانزال نرى أنَّ الحلّ المناسب يكمن في إقرار الضّريبة التصاعدية على الأرباح والدّخل، وخفض الضرائب غير المباشرة. وبالطبع، لن يكون بإعفاء بعض الشّركات الكبرى من الضّرائب، أو بغضِّ النظر عن الرسوم المتوجّبة على الأملاك البحريّة، وغير ذلك الكثير من حقوق الدّولة المهدورة، مما يعترف به سياسيّو البلد، ويحرم الخزينة اللبنانيّة من أموال طائلة.

 

وفي هذا السّياق، لا بدَّ من أن نشير إلى بطء غير مبرَّر في معالجة العديد من مشكلات الفساد هنا وهناك، أو في إعادة الاعتبار إلى مؤسّسات الرّقابة والتفتيش، أو في الحدّ من التدخّل السياسي في القضاء. وهنا، نعود لنؤكّد أنّنا لن نشهد إصلاحاً حقيقياً ما لم يتمّ وضع خطّة علميّة تتصف بالشموليّة والجديّة والفعاليّة والموضوعيّة لكبح جماح جميع ألوان الفساد والتسيّب والهدر.

 

الشَّعب أمل القضيَّة

وإلى فلسطين المحتلَّة، حيث تستمرّ سياسات الاستيطان في الضفَّة الغربيَّة، والاستهداف المتواصل للمسجد الأقصى، وسط مقاومة فلسطينيَّة فاعلة، فقد مثَّلت مسيرات العودة الأخيرة على الحدود مع قطاع غزّة تظاهرةً كبرى، واستفتاءً جديداً رافضاً لبطش الاحتلال وإرهابه، وتثبيتاً لإرادة الصمود والمقاومة، رغم كلّ التضحيات.

 

وسط هذا الجوّ، يعود الحديث عن سعي الإدارة الأميركيّة لطرح الصيغة النّهائية لما يسمَّى "صفقة القرن"، مستفيدةً من الضعف العربي، وانعدام التّوازن على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية، وحروب الفتنة، لإرغام الفلسطينيّين على التوقيع النهائيّ، لتصفية قضيّتهم، وتناسي حقّ العودة وتقرير المصير.

 

إنّنا أمام هذا الواقع، نكرّر دعوة العرب إلى التخلّي عن سياسة النعامة، والتبصّر في مآلات هذه السياسة التي لن تمنح أحداً منهم أمناً أو سلاماً، حتى لو اعتبرنا هذا العدوّ صديقاً، واعتبرنا الصّديق عدوّاً، مادام المشروع الصهيوني للسيطرة على المنطقة لم يتبدَّل.

 

إنَّ القيادات السياسية العربية مدعوّة إلى اتخاذ مواقف تعيد لها الاعتبار والمكانة، لا الاكتفاء بما حدث في القمة العربية الأخيرة في تونس، والتي كانت، كغيرها، مجرَّد اجتماع يصدر عنه بيانٌ لا يُثير أحداً في هذا العالم، بعدما أصبحنا كدول وكشعوب مطمعاً للمستكبرين.

 

إنَّ الآمال تبقى معلّقة على الشعب الفلسطيني الذي ينبغي دعمه بكلّ الوسائل.

 

Leave A Reply