في ذكرى وفاةِ الرَّسولِ (ص): بعضُ وصاياه للمسلمين

قال الله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: 144]. صدق الله العظيم.

ذكرى وفاةِ نبيِّ الرَّحمة

في الثَّامن والعشرين من شهر صفر، تأتي ذكرى وفاة نبيّ الرَّحمة، وقائد الخير، محمَّد بن عبد الله (ص)، اليوم الَّذي غادر فيه رسول الله (ص) الدنيا، تاركاً وراءه لوعةً وألماً وحزناً في قلوب المؤمنين.

وقد فقد المسلمون بغيابه من كان الصِّلة بينهم وبين الوحي وأخبار السَّماء، ومن أخرجهم من ظلمات الجهل والتخلّف والعبوديّة، إلى نور العلم والوعي وهدى الإيمان، وكان لهم بمثابة الأب الحاني والمعلّم والمربّي، فقد كان (ص) في علاقته بهم، رغم سموِّ منزلته، وعظيم شأنه وموقعه عند ربِّه، كان كما أخبر الله عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ}[آل عمران: 159]، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]، لا يُرَى إلَّا مبتسماً ومتواضعاً، حنوناً، يجالس الجميع الصَّغير والكبير، ولم يكن يميِّز نفسه عنهم، حتى إنَّ القادم كان عندما يأتي إلى المكان الَّذي يتواجد فيه، يسأل أيّكم محمَّد. كان يتفقّد أحوال أصحابه، فإن لم ير أحدهم ثلاثاً يطلب أخباره، فإذا كان مريضاً يعوده، وإذا كان مبتلى يساعده.

وكان يوزِّع نظراته بين الحاضرين، ويحسن الإصغاء إلى محدِّثه، لا يلوي عن أحد وجهه، يكره الجلوس فيما يخدمه الآخرون، وكان شديد التَّواضع، حتّى إنّه عندما جاءه رجل، وأخذته الرَّعدة بين يديه، قال له النبيّ (ص): “هوِّن عليك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد”.

ولذلك أحبَّه أصحابه حبّاً لا يدانيه حبّ سوى حبِّ الله، حبّاً يتقدَّم على حبّ الولد والوالد والزوج والزوجة وحبّ المال.

وكانوا لا يطيقون فراقه، فما إن يفارقه أحدهم، حتى يسارع إلى العودة إليه، كي لا يفوته شيء من فضله وعلمه. يذكر أنَّه وصل إليه أحد أصحابه وهو يبكي لأنَّه سيفارقه في الآخرة، لعلوّ منزلته (ص) عنه، ولم يهدأ هذا الرَّجل حتى بشّره رسول الله (ص): “فإنَّ المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحبّ”.

نعم، كان وقع غياب رسول الله شديداً في قلوب المسلمين، لكن رغم عظمة هذا المصاب، استمرَّ الإسلام واشتدَّ عوده وانتشر في الأصقاع.

وهو (ص) لم يكن ليترك أمَّته من دون أن يقدِّم لها ما تحتاجه في إكمال مسيرة الإسلام من وصايا حول علاقة المسلمين بعضهم ببعض، والمهمَّات التي تنتظرهم، وكلّ ما يقيها من الفتن والضّلال والانحراف الّذي قد يحصل من بعده، ولا سيَّما وصيَّته في من يتولى أمر الأمَّة، والجدير بحمل أمانة ولاية الأمَّة وحفظها، وهو أمير المؤمنين عليّ (ع).

ونحن اليوم، وبهذه المناسبة، سنتوقَّف عند بعض وصاياه الأخيرة، وهذه الوصايا لها أهميَّتها، كونها تشير إلى ما كان يشغل بال رسول الله (ص) في تلك اللَّحظات، مما حرص على الإلفات إليه قبل أن يغادر الحياة.

مِنْ وصايا الرَّسولِ (ص)

وصيَّته الأولى: عندما وقف بين النّاس قائلاً: “أيّها النَّاس، والله ما من شيء يقرِّبكم من الجنَّة ويباعدكم من النّار، إلَّا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقرِّبكم من النّار ويباعدكم من الجنَّة، إلَّا وقد نهيتكم عنه”… “إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربّكم”… “لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض”… “أيُّها النَّاس، إنَّ ربَّكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كلُّكم لآدم وآدم من تراب، إنَّ أكرمَكم عند الله أتقاكم، وليس لعربيّ على أعجميّ فضلٌ إلا بالتَّقوى. ألا هل بلَّغت؟ اللَّهمَّ اشهد!. قالوا: نعم. قال فليبلِّغ الشَّاهدُ الغائب”.

ووصيَّته الثانية التي جاءت بعدما بلغه أنَّ الناس، رجالاً ونساءً، تبكيه لدنوّ أجله، بعدما علموا باشتداد مرضه، حينها جاء متوكِّئاً على عليّ (ع) وعمّه العباس، ووقف قائلاً لهم: “أمَّا بعد، أيّها الناس، فماذا تستنكرون من موت نبيّكم؟! ألم ينع إليكم نفسه وينع إليكم أنفسكم؟! أم هل خُلِّد أحد ممّن بعث قبلي فيمن بعثوا فأخلد فيكم؟ ألا إنّي لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله بين أظهركم، تقرأونه صباحاً ومساءً، فيه ما تأتون وما تدَّعون، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله، ألا ثمّ أُوصيكم بعترتي أهل بيتي، أن لا تفترقوا عنهم أبداً حتى تقوم السّاعة”.

أمّا الوصية الثّالثة، فقد حصلت عندما دخل إليه الفضل بن العباس وهو في شدَّة مرضه، فقال له: شدّ هذه العصابة، فشدَّها، وهي عصابة كان يضعها عند اشتداد الوجع عليه. ثم قال له: “أريد يدك”، فأخذ يده اليمنى، فانتهض حتى دخل المسجد، فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: “أيّها النّاس، إنَّه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، وإنما أنا بشر، فأيما رجل كنت قد أصبت من بشره شيئاً، فهذا بشري فليقتصّ، وأيما رجل كنت أصبت ماله، فهذا مالي فليأخذ، واعلموا أنَّ أولاكم بي رجلٌ كان له من ذلك شيء، فأخذه أو حلّلني، فلقيت ربي وأنا محلّل لي، ولا يقولنّ رجل: إني أخاف العداوة والشحناء من رسول الله (ص)، فإنهما ليستا من طبيعتي ولا من خلقي، ومن غلبته نفسه على شيء، فليستعن بي حتى أدعو له”.

فقام إليه رجل فقال له – وهنا لاحظوا كيف علّم رسول الله أصحابه أن يتحدَّثوا معه بحرية رغم معرفتهم بموقعه – كنتَ مارّاً يا رسول الله ذات يوم في بعض أزقّة المدينة، وكنت تركب ناقتك، فامتنَعَت عليكَ، فأومأت لها بالسّوط، وأصاب جسدي، وأريد أن اقتصّ منك. فأمر رسول الله (ص) أن يؤتى بالسّوط الذي كان يستخدمه يومها، حتى يكون عادلاً في الحكم، فيقتصّ الرَّجل بالسَّوط نفسه. أعطى الرّجل السّوط، وكشف له رسول الله عن موضع القصاص في جسده الشَّريف، وقال له اقتصّ، ولكنَّ الرَّجل بدلاً من أن يقتصّ، راح يقبِّل موضع القصاص ويقول: “أعوذ بموضع القصاص من جسد رسول الله من النّار”، فقال له النَّبيّ (ص): “أتقتصّ أم تعفو؟”، فقال: “بل أعفو”، عندها قال النَّبيّ (ص): “اللّهمَّ اعف عنه كما عفا عنّي”.

منهجُه (ص) في الحكم

لقد أراد رسول الله (ص) من خلال ذلك، أن يرسم منهجاً لكلِّ حاكم، حدّده بنقاط ثلاث:

الأولى: أن يكون كلّ همّه أن لا يغادر الدنيا وعليه تبعة للنَّاس، بأن يكون قد ظلمهم بنهب أموالهم، أو إفساد حياتهم، أو الإساءة إلي مقدَّراتهم، حيث أراد لقاء ربِّه وليس لأحد من الناس أيّ حقّ له عليه (ص)، وكان مستعدّاً لتلقّي القصاص على ذلك، لأنَّ القصاص إن لم يحصل في الدنيا، وهو ينبغي أن يحصل، فسيحصل عندما يقف النَّاس لربّ العالمين، حيث العقاب شديد.

وقد ورد في الحديث: “يوم المظلوم على الظالم، أشدّ من يوم الظالم على المظلوم”.

الثانية: أن يكون الحاكم ومن هو في موقع المسؤوليّة شفّافاً مع الناس، وأن يقدِّم حسابه لهم ويتقبَّل نقدهم. ففي منطق رسول الله (ص)، ليس هناك من أحد فوق النّقد أو فوق القانون، وحتى لو كان موقعه بحجم موقع رسول الله (ص)، وليس من الناس من له هذا الموقع، وإلى هذا، كان يدعو عليّ (ع) تلميذ رسول الله (ص) في تعامل الناس معه كحاكم: “فلا تكلّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفَّظوا مني بما يتحفَّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظامٍ لنفسي لما لا يصلح لي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل”.

الثّالثة: أراد وهو في شدَّة المرض أن يؤكِّد ضرورة اقتران قول الحاكم والمسؤول بالعمل، فلا يكون مصداقاً للآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصفّ: 2 -3].

تجديدُ العهد

في ذكرى وفاة رسول الله، لنوجِّه قلوبنا إلى مقام رسول الله (ص)، لنقول له ما قال له (ع): “بأبي أنت وأمّي، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوَّة والأنباء وأخبار السَّماء، ولولا أنّك أمرت بالصَّبر ونهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشّؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً، وقلّا لك…”.

ولنجدِّد بعد ذلك عهدنا له بأنَّنا سنتابع السَّير على هدى سيرته، وأن نعمل بما جاء به، لا نبدّل تبديلاً، وأن نبذل كلَّ ما نستطيع لنوصل صوت رسالته إلى أبعد مدى ممكن، فلا ننقلب على عقبينا بعد رحيله عنا.

ودعاؤنا هو ما كان يدعو به الإمام زين العابدين (ع): “اللَّهمّ فارفعه بما كدح فيك إلى الدَّرجة العليا من جنَّتك، حتى لا يساوَى في منزلة، ولا يكافَأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل”.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام الرِّضا (ع) لأحد أصحابه: “أبلغ عنّي أوليائي السَّلام وقُل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومُرهم بالصّدق في الحديث، وأداء الأمانة، ومُرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض، والمزاورة، فإنَّ ذلك قربةً إليّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً”.

أيُّها الأحبَّة: إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا، والتي بها نعبِّر عن محبتنا لهذا الإمام العظيم، ونكون من الموالين له، حيث لا تنال ولايته إلَّا بالعمل والورع.. نسأل الله أن يوفِّقنا لذلك، لنكون أكثر وحدة وتماسكاً وقدرةً على مواجهة تسويلات الشَّيطان وأنفسنا الأمارة بالسّوء، وبذلك يمكننا أن نواجه التحدّيات ونحقّق الأماني…

معاناةُ بدءِ العامِ الدّراسيّ

والبداية من المعاناة التي بتنا نشهدها في هذه الأيَّام مع بدء العام الدراسي، لدى الكثير من الأهالي غير القادرين على تأمين مقاعد دراسة لأولادهم في المدارس والجامعات، بفعل الأقساط العالية التي ينؤون بثقلها، ولارتفاع أسعار الكتب ومستلزمات الدّراسة، فيما المدارس الرسميَّة التي تبقى هي الملاذ لهؤلاء لا تزال أبوابها موصدة، ويخشى أن يبقى الإضراب المستمرّ لمعلّميها بعد عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها تجاههم بتأمين مطالبهم المشروعة وحقّهم في العيش الكريم، والَّذي يضاف إلى معاناتهم على الصَّعيد المعيشي والحياتي، فيما الدولة المعنيَّة بمواطنيها وحلّ أزماتهم لا تكتفي بعدم قيامها بالدَّور المطلوب منها في التخفيف من الأعباء على مواطنيها ومساعدتهم لتجاوز هذا الظرف الصَّعب بتشديد الرقابة على التجار الكبار، بل نراها تزيد من معاناتهم في رفع الرسوم والضَّرائب أضعافاً مضاعفة، والذي سنشهده إن أقرَّت الموازنة في المجلس النيابي، بحجَّة توفير مصادر ماليَّة للخزينة.

ونحن هنا نجدِّد القول، إنَّ من حقّ الدولة أن تفرض ضرائب ورسوم للقيام بمسؤوليَّتها، ولكن هذا لا ينبغي أن يحصل في هذه المرحلة الصَّعبة التي ينوء المواطنون بأعبائها الحاليَّة، فكيف بالأعباء القادمة التي سوف تتضاعف؟!

ومن هنا، فإنَّنا نأمل من ممثلي الشعب في المجلس النيابي أن يكونوا صوتاً للناس وأمناء على مصالحهم، أن يدعوا الحكومة أن لا تستمرَّ بالسياسة التي اعتادتها لسدّ نفقاتها بمدِّ يدها إلى جيوب اللبنانيين الفارغة، بل أن تتجه إلى من أهدروا أموال الشَّعب وودائعهم لاسترجاع الأموال المنهوبة وتلك المهربة، وإلى علاج مكامن الهدر والفساد وحسن استثمار أموال الدولة.

استمرارُ الشّغورِ الرئاسي

ومع الأسف، يجري كلّ ذلك فيما تتوقَّف عجلة مؤسَّسات الدولة عن الدوران، ويستمرّ الشغور الرئاسي على حاله في انتظار وضوح مواقف الأفرقاء من الحوار الَّذي دعا إليه رئيس المجلس النيابي، والذي يبقى هو الطريق الأمثل للوصول إلى هذا الاستحقاق، بعدما أصبح واضحاً أن لا قدرة لأيّ من الأفرقاء على حسم هذا الخيار لحسابه، أو أن يتنازل أحد لحساب الآخرين، فيما يبدو أنَّ الطريق الذي دعا إليه الموفد الفرنسي ليس معبَّداً للحوار الذي حتى لو حصل، فهو لن يغني عن حوار داخليّ، حيث لا حلَّ خارجياً إلَّا بحوار داخليّ.

ومن هنا، فإننا نعيد دعوة القوى السياسيَّة الرافضة لهذا الحوار، أو التي لم تبد رأياً، إلى الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة والتجاوب معها، بدلاً من اعتماد الخطاب الموتّر وعالي السّقف والمستفزّ، والذي يؤدِّي إلى نعي الحوار والإجهاز عليه، بعدما أصبح واضحاً أنَّ البديل منه هو الفوضى، واستمرار التَّآكل والتعطيل في مؤسَّسات الدولة، وصولاً إلى السقوط في المستنقع الأمني، أو إلى فتح الأبواب أمام دعوات الفدرلة والتقسيم.

وإذا كان هناك من لديه هواجس ومخاوف من عدم جدوى الحوار أو عدم جدَّيته، فإنَّ هذا لا يعني عدم الدّخول فيه، بل يدعو أكثر إلى المشاركة فيه، والحديث عن كلِّ ذلك داخل جلساته، وإذا كان الحوار لم يجدِ في السَّابق بسبب بعض المواقف والظروف، فلا يعني أنَّ هذه المواقف والظروف هي نفسها الآن.

أزمةُ النّزوحِ السوريّ

في هذه الأثناء، تبرز أزمة النزوح السوري الجديد، على الرّغم من محاولات الجيش والقوى الأمنيَّة منع ذلك، والذي يأتي بفعل الوضع الاقتصادي المتردّي الذي يواجه هذا البلد، والذي تسبَّب به الحصار الاقتصادي الَّذي يفرض عليه لتغيير خياراته وتحالفاته، وعدم مدّ يد العون إليه من قبل أشقّائه العرب، ما يدعو إلى ضرورة العمل الجادّ لمواجهة هذا النزوح، لمنع التبعات الخطيرة التي قد يحدثها، وبعدما بات لبنان يضيق بالنّزوح الموجود لديه، كما يدعو إلى تعزيز الرّقابة على منافذ الحدود بالتَّعاون مع القوى الأمنيَّة والتَّنسيق في ذلك مع الدولة السوريَّة، في الوقت الَّذي ندعو للعمل لإيجاد حلّ يعيد إلى هذا البلد استقراره الأمنيّ، ويساعده لإيجاد حلّ لأزمته الاقتصادية الحادَّة.

تداعياتُ الاشتباكات

ونبقى على الصَّعيد الأمني، لنحذِّر من عودة الاشتباكات داخل مخيَّم عين الحلوة، والذي لم تقف تداعياته في داخل المخيَّم، بل وصلت إلى محيطه. وهنا ندعو الحريصين على الساحة الفلسطينيَّة إلى ضرورة العمل الجادّ والسَّريع لإيقاف هذا النزيف الَّذي يزيد من معاناة الفلسطينيّين داخل المخيَّم، ويضرّ بالقضيَّة الفلسطينيَّة وقواها الحيَّة، ويسيء إلى علاقة هذا المخيَّم مع محيطه، مما لا يستفيد منه إلا العدوّ الصّهيوني وأعداء الوطن والأمَّة. ومن المؤلم أن يحصل ذلك فيما الشَّعب الفلسطيني يقدِّم أغلى التضحيات في مواجهة الغطرسة الصهيونيَّة وهجمات المستوطنين.

الحشدُ المليونيُّ للزوّار

ونبقى أخيراً عند الحشد المليوني الذي شهدناه وشهده العالم في جموع الزائرين إلى مقام الإمام الحسين (ع)، بكلّ تنوعاتهم المذهبية والدينية وبلدانهم، والَّذي عبّروا من خلاله عن التزامهم بالأهداف التي لأجلها انطلق الإمام الحسين (ع)، وبذل لأجلها دمه ودماء أصحابه وأهل بيته، وهي مواجهة الظّلم والفساد وعبث المستأثرين بمقدّرات الدول والشعوب والانحراف الأخلاقي والإيماني، والَّذي من الطبيعي أن يترك تأثيره في كلِّ واقع يعود إليه الزائرون في ضوء ما عاشوه من القيم والمعاني الَّتي جسَّدها الإمام والَّذين استشهدوا معه.

ونحن في هذا المجال، لا بدَّ من أن ننوِّه بالجهود التي بذلت في العراق دولةً وشعباً، لتأمين أفضل الظّروف للزائرين، إن على صعيد الأمن، أو من خلال ما أبدوه من ضيافة كريمة، والّتي عبَّروا عنها طوال طريق الزيارة، رغم كلِّ الظروف الصَّعبة التي لا يزال يعانيها العراق، والتحدّيات التي لا تزال تواجهه على الصَّعيد الأمني والاقتصادي.