في ندوة جمعته مع المفتي الرّفاعيّ ومحافظ البقاع والمطران رحال في بعلبك، فضل الله: لمشروع لبنانيّ وطنيّ.. والمستقبل للوحدويّين

زار سماحة العلامة السيّد علي فضل الله ثانويَّة البشائر في مدينة بعلبك، حيث كان في استقباله مديرة الثانوية اعتدال الجمال، وعدد من أعضاء الهيئة التعليميَّة والإداريّة.

 

 بعد الجولة في أقسام المؤسَّسة ومعرضي الكتاب والفنون، والاطلاع على الأنشطة الطلابية، ولقاء المعلمين في الثانوية، رعى سماحته حلقة حواريَّة تحت عنوان "لقاء الأحبَّة"، أقيمت في قاعة الثانوية، شارك فيها محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، ورئيس أساقفة بعلبك للكاثوليك المطران إلياس رحال، ومفتي بعلبك الشيخ بكر الرفاعي، ومديرة الثانوية اعتدال الجمال، ومدير مدارس المبرات في البقاع الأوسط إبراهيم سعيد، وعدد من فعاليات المنطقة، وطلاب القسم الثانويّ وذووهم. وقد طرح الطلاب بعض الأسئلة والإشكاليات أجاب عنها المشاركون في اللقاء.

 

في البداية، قال محافظ بعلبك الهرمل، بشير خضر، إنَّ المشكلة في لبنان أنَّنا بتنا شعوباً متعدّدة، معتبراً أن لا حلّ إلا بالمواطنة. ثم كانت كلمة لمطران بعلبك إلياس رحال، توجّه فيها بالشّكر إلى إدارة ثانوية البشائر على دعوته لحضور هذا اللقاء الّذي يمثّل لقاء المحبّة، في ظلّ البشائر الّتي هي بشارة خير وسلام للجميع.

وأضاف: "إذا أردنا أن نتحاور، فعلينا أن نفتح قلوبنا، ولا يمكن أن نتحاور بقلوب مظلمة، بل بقلوب بيضاء صافية النيَّة، نتحاور بكلّ محبّة وانفتاح، ولا سيّما في هذه الظروف الّتي تمرّ بها الأوطان العربيَّة".

وتابع: "هناك مساحة كبرى للحوار بين الإسلام والمسيحيَّة، ولا يستطيع أحد أن يلغي الآخر، ولا بدَّ من أن نعمل على التعاون والانفتاح والتكامل بين الأديان، لأنَّ ما يجمع بينها أمور كثيرة، وما يبعدنا عن بعضنا البعض أمور قليلة، وبالرغم من هذه الظروف الصعبة، فإنّ الحوار سينتصر".

 

ثم كانت مداخلة لمفتي بعلبك الشيخ الرفاعيّ، اعتبر فيها أنَّ مشكلتنا في هذا الشّرق، أنّنا لم نتربَّ على آداب الاختلاف، ولا على الإيمان بوجود مساحة رماديَّة بين الأبيض والأسود، يمكن من خلالها أن ننطلق نحو قواسم مشتركة.

وقال المفتي الرفاعي: "عندما نحسن إدارة اختلافنا، نستطيع أن نتطوّر. وعندما يغيب التناصح عن مسيرة الأمم، تبدأ مسيرة التخلّف والانهيار والاستبداد، فالحوار يستلزم أن نعترف ببعضنا البعض، وهذا لا يعني أن نلغي ذاتنا أو يغيّرنا الآخر".  

وأكّد أهميَّة التَّعاون بين الأديان للقضاء على الشرّ في العالم، لافتاً إلى أنّه يمكن التّعامل مع الخلاف الفقهي بين المذاهب كما يتمّ التعامل بين حزبي العمل والمحافظين في إنكلترا، مشدداً على ضرورة أن نفصل بين الأشخاص وآرائهم وأفكارهم، وأن نكون كالأطباء؛ نعالج المرض المتفشّي في مجتمعنا، ولا نقضي على المريض، مشيداً بشخصيات كبيرة مثل المرجع فضل الله، الَّذي لا بدّ من أن نعمل على استنساخه، لكي يتقدَّم مجتمعنا ويصل إلى برّ السلامة.

 

فضل الله

ثم كانت مداخلة لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله، ثمّن في بدايتها جهد إدارة ثانويَّة البشائر في تنظيم هذا اللقاء المهمّ، لأنه يفتح باباً للحوار والتواصل في هذه المرحلة الصّعبة، وخصوصاً في هذه المدينة الَّتي تمثّل عنواناً إسلامياً مسيحياً وطنياً.

وتابع سماحته: "نريد لهذه المدينة أن تبقى عنواناً للتلاقي، وأن تظلَّ عصيَّة على كلّ دعوات الفتنة الّتي يُراد لها أن تكون طابع هذه المرحلة، سواء في لبنان أو في المنطقة".

ودعا إلى الانفتاح على الآخرين، وتعزيز الوحدة بين أبناء الوطن، على أساس القواسم المشتركة في كلّ ساحاتنا، ولا سيما في الساحة الإسلامية الإسلامية، ومع المسيحيين، وأن نستحضر كلّ هذا التاريخ المشرق من العلاقات الجميلة الّتي كانت تسود بين مكوّنات المجتمعات المتنوّعة في هذا الشرق.

ووجَّه سماحته دعوة لبناء مشروع وطنيّ واحد، ينطلق من قيم الإسلام والمسيحيّة. وقال: "بافتقادنا إلى هذه القيم، تفاقمت مشكلتنا في هذا البلد، وأصبحت علاقاتنا مبنية على الصراع على هذا الموقع أو ذاك، لصالح هذه الطائفة أو تلك، ما أفقدنا كلّ هذه الرحابة الإسلاميّة المسيحيّة، والرحابة الإسلاميَّة الإسلاميَّة، والتي تتطلَّب العمل على مشروع وطني موحّد، وليس مشاريع متعدّدة".

 

ولفت إلى أنَّ المواطنة تمثّل بديلاً عن الطّائفيّة، وبها نحمي بلدنا من كلّ ألوان الانقسام والتمييز، ومسؤوليّة الإنسان أن يحافظ على وطنه وناسه جميعاً، بعيداً عن انتماءاتهم وخصوصياتهم، مشيراً إلى أنَّ المشكلة ليست في الأديان، ولا سيّما في هذا الشّرق، حيث عاشت الأديان الوئام والتعايش بينها، وبنت أفضل العلاقات، فلم تحصل أيّ مذابح أو قتل أو هدم للمعابد والكنائس، فهذه الظاهرة طارئة، وليست من عمق الدين، وهي خطر يتهدّد الجميع دون استثناء، وليست ضد فريق معين أو مذهب أو طائفة، بل تتهدّدنا جميعاً، وتهدّد مستقبلنا وحاضرنا ووحدتنا، وتحوّل أوطاننا إلى مزق متناثرة لحساب الكيان الصّهيونيّ، وتستنزف ثرواتنا لحساب الدول الاستكباريّة، حتى لا يبقى لنا أيّ موقع من مواقع القوّة.

واعتبر أنَّ ما نشهده ليس صراعاً إسلامياً إسلامياً، أو إسلامياً مسيحياً، بل هو صراع سياسيّ، سواء في لبنان أو المنطقة. لذلك، مسؤوليّتنا كرجال دين، عدم استنفار الجانب المذهبيّ، ولا استخدام المفردات الدينيَّة والمذهبية لتغذية هذه الصراعات الَّتي تتعمَّق بفعل تناحر المحاور الإقليميّة والدّوليّة.

 

وحذَّر ممن يعملون على تخويف المسلمين من بعضهم البعض، من خلال الحديث عن هلال سنّيّ هنا وهلال شيعيّ هناك، أو من خلال اتهام المسيحيين بعلاقاتهم مع الغرب، داعياً إلى التوحّد والتكاتف بين جميع اللبنانيين في مواجهة أيّ مشكلة تواجه الوطن، كي نتصدّى للساعين لإشعال الفتنة، ونمنعهم من استغلال ذلك في تعميق الخلافات والانقسامات.

وختم سماحته قائلاً: "علينا أن نصبر على هذا الواقع، وأن لا نصاب بالإحباط، لأنَّ هذه المرحلة هي مرحلة طارئة من تاريخ أمتنا، وأن نقف صفاً واحداً في وجه دعاة الفتنة والقتل، وأن نعلم أنّ المستقبل ليس للإقصائيين ولا للإلغائيين، بل للوحدويين".

وتحدَّث في الندوة أيضاً، مدير مدارس المبرات في البقاع إبراهيم سعيد، ومديرة الثانوية اعتدال الجمال. 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله

التّاريخ: 17 شعبان 1436هـ الموافق:4  حزيران 2015م

 

Leave A Reply