محطَّاتٌ إنسانيَّةٌ وأخلاقيّةٌ مِنْ سيرةِ الصَّادق (ع)

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}[الأنعام: 90]. صدق الله العظيم.

ذكرى ولادةِ الصَّادق (ع(

مرَّت علينا في السابع عشر من هذا الشهر المبارك، شهر ربيع الأوَّل، ذكرى الولادة المباركة للإمام السادس من أئمَّة أهل البيت (ع)، جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع)، هذا الإمام الَّذي أشارت سيرته إلى مدى تميّزه في العبادة والعلم والحلم والسَّخاء والكرم ومكارم الأخلاق وبانفتاحه وحواريَّته.

وقد ساهم الظَّرف الذي عاشه هذا الإمام في امتلاكه حريَّة نشر علوم أهل البيت (ع) وأحاديثهم، حتَّى بات مذهب أهل البيت (ع) ينسب إليه، فيقال عنه المذهب الجعفري، فهو عاصر مرحلة أفول الحكم الأموي وبداية الحكم العباسي، ما جعل الحكام الأمويّين والعباسيّين في شغل عنه؛ الأمويّون يريدون إنقاذ حكمهم، والعباسيّون يريدون تثبيت الحكم لهم.

وقد أشار الشيخ المفيد، وهو من كبار العلماء السَّابقين، إلى أهميَّة الدَّور العلمي للإمام، فقال: “لقد نقل عن الإمام الصَّادق (ع) من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن غيره من أئمَّة أهل البيت (ع)”.

وهذا ما جعله مقصداً لطالبي العلم الذين كانوا يفدون إليه من شتى الأقطار، وحتى ممن يختلفون معه في المذهب.

فقد ورد في سيرته (ع)، أنَّه تتلمذ على يديه أبرز أئمة المذاهب الإسلاميَّة، وفي ذلك ما ورد عن أبي حنيفة النّعمان: “لولا السَّنتان لهلك النّعمان”، وهما السَّنتان اللَّتان تتلمذ فيهما على يد الإمام (ع).

وقول الإمام مالك بن أنس إمام المذهب المالكي: “ما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر بن محمَّد الصَّادق علماً وعبادة وورعاً”.

وقد نقل أحد الرواة، وهو الحسن بن علي الوشاء، أنه دخل مسجد الكوفة، وبعد وفاة الإمام الصَّادق (ع) بعشرين سنة، فوجد فيها تسعماية شيخ، أي عالم، كلّهم يقولون: حدَّثني جعفر بن محمد الصَّادق.

ونحن اليوم سنستفيد من هذه الذكرى لنشير إلى بعض مواقف هذا الإمام (ع):

موقفُه (ع) من الرِّبحِ الفاحش

الموقف الأوَّل: حصل حين دعا إليه يوماً أحد عمَّاله، واسمه “مصادف”، وقال له: إنَّ عيالي قد كثروا، وأحتاج إلى مال لتدبّر شؤون معيشتهم، وطلب من مصادف أن يتجهَّز للخروج مع قافلة من التجّار إلى مصر، وأعطاه ألف دينار يستعين بها في تجارته.

وفي الطريق، التقى مصادف والتجّار الذين معه بقافلة خرجت للتوّ من مصر تريد العودة إلى بلدها، بعدما أنهوا أعمالهم، فسألوهم عن حال السّوق ومدى حاجة النَّاس إلى البضاعة الّتي جاؤوا بها، فقالوا لهم ليس بمصر منها شيء، والنَّاس بأمسّ الحاجة إليها. عندها اتّفق التجّار، ومعهم “مصادف”، على أن يستفيدوا من فقدان هذه البضاعة في مصر، وأن يضاعفوا الرّبح من خلال مضاعفة الثَّمن الَّذي يبيعون به، وهذا ما حصل.

فلما عادوا، دخل “مصادف” إلى الإمام الصَّادق (ع)، وهو يعتقد أنَّ الإمام (ع) سيسرّ بهذا الربح الوفير، لكنَّ الإمام (ع) قال مستغرباً: ما أظنّ أنَّ البضاعة التي بعتها تؤدّي إلى هذا الرّبح. فأخبره “مصادف” بما جرى، وكيف تواطأ مع باقي التجّار ليحصلوا على هذا الرّبح. هنا، غضب الإمام (ع) غضباً شديداً، وقال لمصادف: تتحالفون على قوم مسلمين ألّا تبيعوهم إلّا بربح دينار بدينار؟ لا والله لا آخذ هذا الرّبح، سآخذ الكيس الَّذي فيه رأس مالي، أمَّا الكيس الآخر، فأرجعه إلى من أخذته منه، فأنا لا آكل مالاً بالباطل وهو على حساب الآخرين، ثم قال: “مُجَالَدَةُ السُّيُوفِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ الْحَلالِ”.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال موقفه هذا، أن يبيّن لكلِّ من يريد أن يعمل في التّجارة، أو يسعى إلى أيّ كسب مادّيّ، أن لا يتجرَّد من المشاعر الإنسانيَّة والقيم الأخلاقيَّة التي لا بدَّ أن تكون حاضرة في التجارة، كما في كلِّ شأن من شؤون الحياة، فالتاجر، أو كلّ من يريد أن يكسب مالاً، من حقِّه أن يربح أو أن يحصل على فائدة من وراء عمله، لكنَّه لا بدَّ لهذا الربح من أن لا يكون فاحشاً ويتجاوز الحدَّ الطبيعي والمتوازن، وأن لا يكون سبباً للإضرار بمن يحتاجون إلى بضاعته أو إلى ما عنده من خدمة أو عمل.

وقد حذَّر القرآن الكريم من هذه الحالة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.

وورد عن رسول الله (ص): “رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى”.

خطورةُ الاتّهامِ دونَ تثبّت

الموقف الثاني: كان للإمام الصَّادق (ع) صديق لا يكاد يفارقه، هذا الصَّديق غضب يوماً على أحد عمَّاله، وقال: يا بن الفاعلة؟ وفي ذلك إشارة منه إلى أنَّ أمَّه ارتكبت فاحشة الزنا.. فلما سمعه الإمام (ع)، رفع يده فصكّ بها جبهته، ثم قال: “سبحان الله! تقذف أمَّه؟! قد كنت أرى أنَّ لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع”. قال: جعلت فداك، إنَّ أمَّه سنديَّة مشركة، فقال: “أما علمت أنَّ لكلِّ أمَّة نكاحاً يحتجزون به من الزّنا؟!”.

يقول راوي الحديث: فما رأيته يمشي معه حتى فرَّق الموت بينهما… أي أنَّ الإمام قاطعه بعد هذا الموقف.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال موقفه هذا، أن يشير إلى خطورة اتهام إنسان في عرضه أو في كرامته، أو تحميله صفةً هو بريء منها، أو بعمل لم يقم به. فلم يجز الإسلام أن يُنعَتَ إنسان، أيَّاً كان دينه أو مذهبه أو موقفه السياسيّ، بأيّ صفة، أو يتَّهم بالقيام بعمل ما قبل أن يتمَّ التثبّت منه، وبالصّورة التي أشار إليها رسول الله (ص)، عندما قال ردّاً على سؤال أحدهم حول الشَّهادة: “ترى الشَّمس؟”، أجاب، نعم، فقال (ص): “على مثل هذه فاشهد أو دع”، فلا تبنى الأحكام، كما غالباً، على الظنّ، أو على أني سمعت أو هكذا قيل لي، وهو ما نهى عنه الله سبحانه عندما قال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}[الإسراء: 36].

الإصلاحُ بينَ النّاس

الموقف الثَّالث: حصل عندما مرَّ المفضل بن عمرو، وهو أحد أصحاب الإمام الصَّادق (ع)، على رجلين يتشاجران، فوقف عندهما لمعرفة سبب الخلاف، فلمَّا علم أنَّ سبب الخلاف هو على ميراثٍ لهما من أبيهما، دعاهما إلى منزله، وأعطاهما ما كانا قد اختلفا عليه، وكان المبلغ كبيراً، فشكراه على ذلك، لكنَّ المفضل سارع إلى أن يقول لهما: إنَّ ما فعلته ليس من مالي، بل هو مال أودعه عندي الإمام جعفر بن محمَّد الصّادق (ع)، فهو قال لي: هذا المال دعه عندك، فإن رأيت خلافاً بين أصحابنا في شيء وكان حلّه بالمال، فابذل من هذا المال للإصلاح بينهم.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال ذلك أن يبيِّن الصورة التي يريد لشيعته أن يكونوا عليها؛ هو يريدهم أن يكونوا مصلحين، وأن يسارعوا إلى إطفاء أيّ خلاف يحدث بين الإخوة داخل البيوت أو في الأحياء وداخل القرى، سواء كان مذهبياً أو دينياً أو سياسياً، ولو اقتضى ذلك أن يبذل الرَّجل ماله أو جهده، وهو واجب عليه، وهو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات: 10].

وقال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء: 114].

وقد ورد عن رسول الله (ص): “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصَّلاة والصِّيام والصَّدقة؟!… إصلاح ذات البين، فإنَّ فساد ذات البين هي الحالقة”.

وفي الحديث: “صدقة يحبّها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا”.

الالتزامُ بنهجِ الإمام (ع)

أيُّها الأحبَّة: هذه المواقف هي بعض من سيرة الإمام الصَّادق (ع)، والتي أظهرت لنا مدى إنسانيَّة هذا الإمام، وحرصه على أن لا يُتَّهم إنسان بالباطل مهما كان موقعه، وعلى معالجة الخلافات التي تحدث داخل المجتمع وعدم تركها تتفاعل.

إننا مدعوّون في ذكرى ولادة هذا الإمام إلى الأخذ بهذه المعاني في واقعنا ومجتمعنا، والتي بها نعبِّر عن حقيقة حبِّنا وولائنا لهذا الإمام وعن التزامنا بها.

لقد غادر الإمام الصَّادق (ع) الحياة وعينه على شيعته، يريد منهم أن يكونوا أينما حلّوا، وحيثما كانوا، علامة فارقة بين النَّاس وقدوة لهم، ولذا كان يقول: “إن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ (ع) فيكون زينها؛ أدَّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تُسأل العشيرة عنه، ويقولون: من مثل فلان؟ إِنَّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث”.

فلنكن على مستوى آمال هذا الإمام (ع)، والتي هي آمال رسول الله (ص)، وما يريده الله سبحانه، والَّتي بها نعبِّر عن حقيقة ولائنا لله ولرسوله ولأهل البيت (ع).

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثَّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام جعفر الصَّادق (ع): “أكثروا من الدّعاء، فإنَّ الله يحبّ من عباده الَّذين يدعونه، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم، عملاً يزيدهم به في الجنَّة. وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلِّ ساعة من ساعات اللّيل والنَّهار، فإنَّ الله أمركم بكثرة الذكر له، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين. وعليكم بالمحافظة على الصَّلوات والصَّلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم. وإيَّاكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصَّالحين، فإنَّه من بغى صيَّر الله بغية على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه. وإيَّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإنَّ الكفر أصله الحسد. إيَّاكم أن تشره نفوسكم إلى شيء مما حرَّم الله عليكم، فإنَّه من انتهك ما حرَّم الله عليه ها هنا في الدنيا، حال الله بينه وبين الجنَّة ونعيمها ولذَّتها وكرامتها”.

أيُّها الأحبّة: إنَّنا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا، لنهتدي بها، ونجعلها زاداً لنا في الدنيا وسبيلاً لنا في الآخرة، وبها نعبِّر عن حبِّنا وولائنا لهذا الإمام، ونصبح أكثر وعياً ومسؤوليَّة وقدرة على مواجهة التحديات…

الملفّ الرّئاسيّ

والبداية من أزمة الاستحقاق الرئاسي الَّتي لا يبدو أنها في طريق الحلّ، بفعل تمسّك الأطراف المحلّيين كلٌّ على مواقفه وعلى شروطه، أمّا الخارج الَّذي يبقى في رأي البعض الملاذ للحلِّ ولإخراج لبنان من حال المراوحة هذه، فرغم الحراك الَّذي نشهده من الموفدين الدوليّين والإقليميّين، لا يبدو أنه قادر على إقناع الأطراف الداخليّين بالتراجع عن مواقفهم والتوصل إلى خيار يتوافق عليه الجميع، ذلك أنَّ أياً من الأطراف ليس بوارد التراجع عن قراره في استحقاق يراه يمسّ بخياراته على صعيد البلد ومستقبله، وعلى صعيد المنطقة وما يجري فيها، ما يعني بقاء الوضع اللبناني على حاله إلى حين حدوث تطورات تأتي من الداخل أو من الخارج تجعل اللّبنانيّين يضطرون إلى الجلوس إلى طاولة حوار بينهم تنهي هذا الانقسام.

إنَّنا أمام كلِّ ذلك، نعيد التأكيد على كلِّ القوى السياسيَّة أنَّ الحلَّ هو بأيديكم، وأن لا خيار لكم للوصول إليه إلَّا بالتوافق والتلاقي والحوار لمعالجة الهواجس والمخاوف الَّتي يراها كلّ فريق من الآخر، والاتفاق على صورة البلد ومستقبله، فوفّروا على البلد هذا الوقت الضَّائع الذي يأكل من رصيده السياسي والاقتصادي والمالي ومن رصيد أبنائه، ولا تنتظروا أن يأتي لكم الخارج بالحلّ إن لم تبادروا إليه، ومن يراهن على الخارج، قد ينتظر طويلاً، بفعل خلافات الخارج أو لا مبالاته، على خلفيَّة أن لبنان ليس من أولوياته.

المعاناةُ المعيشيّة

في هذا الوقت، تستمرّ معاناة اللّبنانيّين على غير صعيد، فعلى الصَّعيد المعيشي والحياتي، يستمر ارتفاع الأسعار، وكلفة الدّواء والاستشفاء، ومتطلّبات المدارس واحتياجاتها على صعيد التعليم وارتفاع فواتير الكهرباء والماء والضَّرائب والرسوم، وهو ما بات اللّبنانيّون ينوؤون تحت ثقله، من دون أن تبادر الدولة إلى القيام بأيّ إجراءات تخفّف عنهم، بل تزيد على أعبائهم أعباء جديدة.

وفي هذا المجال، نشير إلى تحذير أشار إليه كبار الاقتصاديين من المأزق المالي الَّذي قد يصل إليه هذا البلد، بعدما استنفدت الحكومة اللبنانيَّة حقوق السَّحب من المبلغ الذي كانت استلفته من البنك الدولي قبل عامين، ورفض حاكم المصرف المركزي لأيِّ تمويل للقطاع العامّ لعجز المصرف المركزي عن تغطيته، ما يعني أنَّنا قد نكون على أبواب أزمة كبيرة حتى فيما يتَّصل برواتب الموظَّفين، وصولاً إلى الإنفاق على الغذاء والدَّواء واستيراد المحروقات.

أزمةُ النّزوحِ السوريّ

وعلى صعيد آخر، تتفاقم أزمة النازحين السوريين، والتي لم تعد تبعاتها تقف عند عدم قدرة البلد على تحمّل الأعداد الكبيرة منهم، بفعل الوضع الاقتصادي الَّذي يعانيه، والخوف والهاجس الكبير من توطينهم فيه، ما يترك تداعياته على التوازن الداخلي بين مكوِّناته، وعلى منافستهم للّبنانيّين على صعيد العمل، بل بما قد تعدَّى ذلك إلى الهاجس الأمني، والخوف من أن يؤدي هذا الوجود إلى المسّ بالوضع الأمني، والذي تظهره المداهمات التي تجري لبعض مخيَّمات النازحين، أو الحوادث التي باتت تحصل بينهم وبين اللّبنانيّين.

وبدلاً من أن تقوم الدول والمنظَّمات الراعية لهذا النّزوح بالأخذ بهذه الهواجس ومعالجتها، نجدها تزيد إمعاناً في زيادتها، وإرغام لبنان على تحمّل وجودهم، من دون أن تأبه للتداعيات الخطيرة له، أو مساعدته على تحمّل تبعاته أو التخفيف منه.

إننا أمام هذه المعضلة التي بدأت تلقي بظلالها على اللبنانيّين، ندعو الدولة إلى الإسراع في القيام بالدور المطلوب منها لمعالجة هذه الأزمة، وذلك لن يتمَّ إلا من خلال التواصل المباشر مع الحكومة السوريَّة، وممارسة الضغوط على الدول الراعية للنّزوح بكلِّ الوسائل الممكنة والمتاحة، والعمل بكلِّ جديَّة لسدّ منافذ التهريب المفتوحة وإيجاد علاج لها، فيما يبقى الحلّ الجذريّ هو في فكّ الحصار الغربي على سوريا، والَّذي يسمح بإعادة الإعمار، وتوفير مقوِّمات الحياة التي تسمح للكثيرين بالعودة…

إننا لا ندعو إلى حلول ارتجاليَّة وانفعاليَّة، أو إلى ما يزيد في تعقيد هذه الأزمة، أو ترك هؤلاء لمصيرهم، بل إلى حلول حكيمة، مع الأخذ في الاعتبار واقعهم الإنساني، وعدم وصول الأمر إلى المسّ بأمن هذا البلد واستقراره واقتصاده وتوازنه.

مجزرةُ حمص

ونتوقَّف عند المجزرة التي حصلت في الكليَّة الحربيّة بحمص، والتي أودت بعدد كبير من الضَّحايا من المتخرّجين من هذه الكليَّة وأهاليهم، والتي يراد منها أن تستهدف أمن هذا البلد واستقراره وإثارة الفتن بين مكوّناته…

إننا في الوقت الَّذي ندين ما حصل، ونقدِّم العزاء إلى سوريا قيادةً وشعباً، وإلى أهالي الضَّحايا، والدّعاء بالشفاء للمكلومين والجرحى، ندعو إلى العمل بكلِّ جديَّة من أجل إيقاف هذا النزيف، وتضافر الجهود لاستئصال كلِّ البؤر التي لا تريد لهذا البلد الأمان والاستقرار وتزيد من معاناته، ورفع يد الاحتلال عنه، والذي يسهم وجوده في تغذية هذه البؤر وامتلاكها لحريَّة الحركة، ومنع إمساك الدولة السورية الأمن.

تجسيدُ الوحدةِ بينَ الشّعوب

وأخيراً، إنَّنا في أجواء أسبوع الوحدة الإسلاميَّة، والتي تأتي بمناسبة مولد النبيّ (ص) الجامع للمسلمين جميعاً بكلّ مذاهبهم، نرى أنَّ العمل لهذه الوحدة وتجسيده على مستوى العلاقات بين الدول والشعوب الإسلاميَّة، هو من أهم مصاديق الترجمة العمليَّة لانتمائنا إلى النبيّ (ص).

ومن هنا، نؤكِّد أهمية مؤتمر الوحدة الإسلاميَّة الذي عقد في طهران في الجمهوريَّة الإسلاميَّة في إيران، والذي تحرص على إقامته كلَّ سنة، الذي كان لي شرف المشاركة فيه مع أكثر من مئتي شخصيَّة إسلاميَّة من نخب العالم العربي والإسلامي، إنَّنا نأمل أن تكون هذه الخطوة وغيرها من الخطوات محطَّة على طريق توحيد المسلمين لتعزيز قوَّتهم وحضورهم في هذا العالم، لمنع عبث أيادي الفتنة بهم، ووقوفهم صفاً واحداً لمواجهة التحديات الَّتي تستهدف دينهم وقيمهم وثرواتهم ومقدَّساتهم…

*

ع: محطَّاتٌ إنسانيَّةٌ وأخلاقيّةٌ مِنْ سيرةِ الصَّادق (ع).

التَّاريخ: 21 ربيع الأوَّل 1445هـ/ الموافق: 6 تشرين الأوّل 2023م.

ت: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}[الأنعام: 90]. صدق الله العظيم. مرَّت علينا في السابع عشر من هذا الشهر…

ك: الإمام الصّادق (ع)، لبنان، حمص، النزوح السوري، الوحدة الإسلامية.